الأنبياء و الرسل
هذا المقال هو مجرد بحث في أصل هذان المسميان بشكلٍ عام دون الخوض بدلالاتهما اللفظية في كتاب الله جل وعلا , و أؤكد على هذا المعنى العام و أركز عليه دون الخوض بجزئياته .
ما أود طرحه هنا هو نتائج هذا البحث ببيان القاعدة الأساس و العامة لمفهوم الأنبياء و الرسل ,
كي نعي من هو النبيّ و من هو الرسول و الفارق ( العام ) بينهما و ليس الفارق ( الخاص ) .
لفظ و مسمى النبيّ هو مصطلح ديني و ليس وظيفي , فلا يمكننا إطلاق هذه التسمية إلا على الشخص المختار من قبل الله جل وعلا ,
أما الرسول فهو مصطلح وظيفي قد يكون دينياً أو غير ديني , و ما نتحدث عنه في هذا المقال هو المصطلح الوظيفي الديني .
في بداية الأمر , يختار الله جل وعلا من يشاء من أجل إيصال تعاليمه و أحكامه للبشر كي يعملوا و يلتزموا بها لتجنب الفساد و تلك هي الغاية , هذا التواصل بين من اختاره الله جل وعلا لتلك المهمة و بين سائر البشر , شاء الله بأن يكون واحداً منهم أي بشراً مثلهم ( وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ) 124 الأنعام , ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) 6 فصلت ,
و حين يقدر الله جل وعلا و يختار هذا البشر يتم التواصل معه عن طريق الوحي , بمجرد تواصله مع الوحي يصبح هذا الشخص نبياً , لأنه في تلك اللحظة تم إنباؤه و إخباره بأن الله جل وعلا قد اختاره لمهمة إيصال تعاليمه للبشر , فهذا النبيّ سيحمل و ينقل ما سينبئه به الله جل وعلا , هذا النقل لتلك الأمانة و تلك المسئولية لا تهاون به و لا تفريط , فيقطع النبيّ عهداً على نفسه يؤكد به التزامه ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) 7 الأحزاب ,
بإبرام هذا العهد و الميثاق يدخل هذا الشخص النبيّ حيز التنفيذ بنبوته , هي مهمة صعبة و عبءٌ ثقيلٌ جداً - كان الله في عون الأنبياء - , فيبدأ بتلقي وحي الله جل وعلا , هذا الوحي هو كلام الله جل وعلا الذي يتوجب عليه نقله للبشر ,
هذا النبيّ في صراعٍ دائم بين ثقل الوحي و ثقل وسوسة الشيطان :
( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا ) 5 المزمل ,
( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) 52 الحج , كلام الله جل وعلا هو آيته التي أوحى بها لهذا النبيّ , هذا الوحي لابد من أن يحكمه الله جل وعلا , فلا يستطيع الشيطان من التلاعب فيه بوساوسه , أما تلك الوساوس الشيطانية فيتم نسخها في كتبٍ أخرى غير كتاب الله جل وعلا .
هذا الوحي هو الرسالة , و بهذه الرسالة يصبح النبيّ رسولا ,
إذا فجميع الأنباء رسل و جميع الرسل أنبياء , طبعاً ما نقصده بالرسول هو كما قلنا سابقاً بالمعنى و المصطلح الوظيفي الديني ,
و عليه فكل نبيٍّ يكون خاضعاً للوحي الإلهي ( وحي رسالةٍ و وحي توجيه ) ,
يشترك جميع الأنبياء بوحي التوجيه , و يتفاوتون فيما بينهم بوحي الرسالة , فبعضهم يحمل رسالة النبيّ السابق , و بعضهم يحمل رسالةٍ جديدة , لهذا فهم جميعاً أنبياء و جميعهم رسل ,
كما يختلفون في حجم وظيفتهم تلك , فمنهم من كلف بتوصيل تلك الرسالة لقومه فقط , و منهم من كلف بتوصيلها لقومه و قومٍ آخرين , و منهم من كانت رسالته التي حملها للبشر جميعاً .
هذا هو المقصد العام بهذين المصطلحين , أما دلالاتهما اللفظية في كتاب الله جل وعلا فكلنا بات يعلم متى يستخدم مصطلح النبيّ و متى يستخدم مصطلح الرسول ,
كما أود من إضافة ملاحظة هنا بأن من ضمن تلك الدلالات و التفصيلات فقد وجدت بأن مصطلح النبيّ مخصص لزمان و مكان معينين لأهله و قومه و معه مهمة خاصة و محدودة , أما مصطلح الرسول فهو يتعدى زمان تواجده و يشمل قوماً آخرين غير قومه و لديه مهمة عامة .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين