التعذيب فى رؤية قرآنية:(10):وقوع العذاب: من الله جل وعلا

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

التعذيب فى رؤية قرآنية:(10):وقوع العذاب: من الله جل وعلا  

أولا : العذاب المباشر من رب العزة جل وعلا للظالمين فى الأمم السابقة

1 ـ فى الأمم السابقة التى عذبها رب العزة بالاهلاك كانت القوة يحتكرها الملأ الطغاة الظالمون مقابل مؤمنين مستضعفين ومعهم النبى . كان التدخل الالهى مباشرا بإهلاك يقضى على المستكبرين ولا يتعرض بأذى للنبى والمؤمنين . لم يكن فى مقدور المؤمنين المستضعفين حرب أولئك الطغاة فكان التدخل الالهى يقوم وحده بالمهمة .

2 ـ حسب علمنا كان قوم فرعون هم آخر من أهل من أهلكهم رب العزة جل وعلا ، وقد إحتكر فرعون وقومه القوة،وإعتقد أنه قادر على (قهر) بنى اسرائيل، وقد قالها لقومه: ( قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الاعراف). كان مغرورا بأنه له ملك مصر ونهر النيل يجرى من تحته ، فعذبه الله جل وعلا بالنيل ، الذى حمل له الطوفان والجراد والقمل والضفادع وتحولت مياهه الى دم، وجاءه النيل بوباء الرجز أو الدمامل . نجا بنو اسرائيل من كل هذا وتعذب به فرعون وقومه فقط . ولم يرتدع فأغرقه الله جل وعلا بجنوده بينما أنجى بنى اسرائيل ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)طه ).يلفت النظر أن قوم فرعون هم دولته العميقة من العسكر والمخابرات وأجهزة الحكومة، كلهم غرق مع فرعون ، قال جل وعلا :( فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) الذاريات ).

2 ـ وفى مقابل ( جنود فرعون ) فإن لرب العزة (جنوده ). قال جل وعلا : ( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (7) الفتح ) ، أى جنود الله جل وعلا فى هذه الأرض وفى السماوات ، ولا يعلمها إلا هو جل وعلا : ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) المدثر ).

3 ـ بهذه الجنود كان التعذيب الالهى مباشرا من رب العزة ، كما حدث فى تعذيب إهلاك الأمم السابقة ، عذبهم رب العزة جل وعلا بذنوبهم بطرق مختلفة، قال عنهم جل وعلا : ( فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت ) . وهذه ( جنود ) عرفناها من القرآن الكريم . ولكننا فى النهاية لا نعلم جميع جند ربك، لأن منهم من هم فى السماوات والأرض ، ولأن منهم ما لا يمكن أن نراه ونحن أحياء ، وهم الملائكة .

ثانيا : نوعية العذاب المباشر من رب العزة جل وعلا للظالمين فى الأمم اللاحقة

1 ـ إنتهت مرحلة الاهلاك العام أو التعذيب العام وجاءت مرحلة الاهلاك الجزئى ، بتعذيب قوم ظالمين بسبب إعتدائهم على قوم مؤمنين مسالمين، أى أن يكون هناك قوم مؤمنون يطلبون حقا لهم من خصم متكبر جبار، يرجون نصرة الله جل وعلا ، فينصرهم الله جل وعلا بملائكته التى لا يراها البشر . التدخل الالهى هنا يكون عاملا مساعدا للعنصر البشرى المؤمن الذى يجب عليه أن يتحرك دفاعا عن النفس ، وعندها يأتى التدخل الالهى بنصرته وتعذيب المعتدين .

2 ـ بدأ هذا بالنبى محمد حين أخرجه الذين كفروا ، وطاردوه يريدون قتله ، فإختبأ منهم فى الغار مع صاحب له ، قام النبى بدوره البشرى فى التخطيط للهجرة ، وجاء التدخل الالهى نُصرة له وقت الحاجة . إذ اقترب المُطاردون من الغار، فنصره الله جل وعلا الذى كان معه برحمته وعنايته، قال جل وعلا : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)التوبة ). أيّده ربه جل وعلا بجنود غير مرئية . وجاءت أكاذيب السيرة فإفترت أساطير ساذجة عن حمامة وبيضة وخيوط عنكبوت .!!

3 ـ بعدها ، تاجرت قريش بأموال النبى والمؤمنين فى رحلة الشتاء والصيف ، صادرت أموالهم وديارهم ، بل وتابعت الهجوم على المؤمنين حين كانوا مأمورين بكف اليد عن الدفاع عن النفس حتى يعدوا ما إستطاعوا من قوة . ونزل لهم الإذن بالقتال . وكان لقريش سطوة هائلة ، وكان المؤمنون ضعافا . جاءهم الأمر بالتعرض لقافلة قرشية تتاجر بأموالهم ، مع وعد لهم بالحصول على غنيمة القافلة أو بالنصر لو حدث قتال . كانوا ـ خوفا من قريش وتهيبا من الدخول فى حرب ـ يتمنون الحصول على القافلة بلا حرب . وحين تحتمت الحرب مع جيش قرشى يفوقهم عددا وعُدّة خاف فريق من جيش النبى ، وأخذوا يجادلونه فى الحق بعدما تبين . قال جل وعلا : (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)الانفال ) . تحتم عليهم القتال فإستغاثوا بالرحمن جل وعلا فأمدهم الله جل وعلا بملائكة ـ لا تحارب بدلا عنهم ـ ولكن تثبت قلوبهم . ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ )(12)الانفال ). وفى نفس الوقت تدخلت جنود الله جل وعلا فى أعين المؤمنين لتشجعهم فرأوا جيش العدو قليلا حتى لا يخافوا منه ، بينما رأى المشركون جيش النبى قليلا جدا ليشجعهم على الاتحام الحربى ليقضى جل وعلا أمرا كان مفعولا : ( إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (44)الانفال ) . إذن هو تدخل إلهى جعل جيشا قليلا خائفا ينتصر على جيش يفوقه ، فى حرب نفسية حقيقية . لذا قال جل وعلا : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) الأنفال ).

كان هذابا عذابا دنيويا حلّ بهم ، إذ إرتبط وقوع العذاب بهم بإخراجهم النبى من مكة ، فأخرجوه والمؤمنين معه،  قبلها قال جل وعلا : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الانفال ). ولكن هذا العذاب الذى جاء بتدخل الاهى تمثل فى ( مساعدة إلاهية )، هى وجود جيش النبى . أى إختلف الوضع عن الأمم السابقة التى لم يكن عليها أن تحارب . هنا حرب يضطر الى القيام بها مؤمنون مسالمون دفاعا عن أنفسهم ضد عدو باغ . وأتى التدخل الالهى عاملا مساعدا .

4 ـ تكرر التدخل الالهى نُصرة للنبى والمؤمنين وعذابا لبعض المعتدين من أهل الكتاب الذين إغتروا بحصونهم المنيعة التى ظنوا أنهم بها يتحدُّون رب العزة جل وعلا . إعتدوا على دولة النبى فإستعد النبى لقتالهم ، فقذف الله جل وعلا فى قلوبهم الرعب ، فأخذوا يدمرون بيوتهم وممتلكاتهم ورحلوا عنها ، وكان جلاؤهم هذا بديلا عن عذاب دنيوى ، قال جل وعلا :( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2) وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقَّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) الحشر). التدخل الالهى هنا كان معنويا نفسيا جعل المعتدين يعانون من هيستيريا الرعب من جيش لم يكن قد أتى بعدُ لحربهم . وهو فى نفس الوقت كان عاملا مساعدا لهذا الجيش الذى لم يحارب.

5 ـ وحوصر المؤمنون فى ( المدينة ) بجيش من مختلف القبائل تحالفت مع قريش ، وجاءوا يريدون إستئصال المؤمنين . كان موقفا عسيرا ، وقد وعدهم الله جل وعلا بالنصر، آمن بهذا النصر المؤمنون وسخر به المنافقون : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) ) ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) الاحزاب ). أرسل الله جل وعلا جنوده لم يرها البشر وأرسل ريحا عاتية هزمت جيوش الأحزاب ، ولا شك أن هذا كان يعنى عذابا وخزيا لهم .  

6 ـ وفى موقعة ( حُنين ) الدفاعية إنضم لجيش النبى كثيرون من ضعاف الايمان ، وتكاثر عدد الجيش بهم ، وعند الاصطدام الحربى ولوا هاربين ، وصمد النبى والمؤمنون معه، وأنزل الملائكة بالسكينة عليهم، وأنزل العذاب الدنيوى بالكافرين ، قال جل وعلا : ( لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) التوبة ). ويقول جل وعلا عن دور الملائكة فى التثبيت النفسى للمؤمنين:( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4) الفتح ).

7 ـ وحين نقض المتطرفون من كفار قريش العهد وإعتدوا على المؤمنين فى مكة قبيل موت النبى ـ أعطاهم رب العزة مُهلة أربعة أشهر هى الأشهر الحّرّم ـ ويجب قتالهم بعدها إن لم يكفوا عن إعتدائهم . وإعتبر رب العزة هذا عذابا لأولئك الكافرين المعتدين ناكثى العهد . قال جل وعلا : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ) التوبة 14 ). هنا القتال للمعتدين يكون تعذيبا لأولئك المعتدين بأيدى المؤمنين .

8 ـ فى كل الأحوال فالتدخل الالهى فى هذه المرحلة ( مرحلة اللاحقين ) هو عامل مساعد لجيش مؤمن يحارب دفاعا ـ ضد جيش معتدى . ولو تقاعس المؤمنون المسالمون  عن فريضة الدفاع عن أنفسهم ـ مع قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ـ فسيحل بهم العذاب.

9 ـ هذا ما قاله جل وعلا للصحابة المتقاعسين : ( إِلَّا تَنفِرُوا  يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التوبة 39 ).

أخيرا :

1 ـ نحن لا نعلم جنود الله ، فلا يعملها إلّا هو . وقد إكتشفنا بالعلم الحديث بعضها . منها ما يسبب العذاب بالمرض لمن يجلب لنفسه إستحقاق العذاب ، مثل الأمراض التناسلية ( الايدز والسيلان والزهرى ) . ونحن لا نتحكم فى بلايين الفيروسات والبيكتيريا والجراثيم والفطريات التى تغمرنا وتعشش على جلونا وتتكاثر فى أحشائنا، ولا نتحكم فى تكاثر خلايانا ، قد تتكاثر عشوائيا فتسبب عذاب السرطان . كلها ضمن جنود الرحمن ، وبأمر إلاهى توقعنا هذه الجنود فى عذاب أليم . وفى الوقت الذى يحدده رب العزة تنطلق تلك الجنود لتقيم حفلات تعذيب دنيوية للعُصاة وللظالمين .

2 ـ وقد ينبهر البعض بمواكب الظالمين ويغتر بتقلبهم فى البلاد ، وقد نهى رب العزة عن هذه النظرة السطحية فقال: ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) آل عمران ) مع متاعهم القليل هم يتعذبون بالقلق والخوف والشكوك فيمن حولهم وتوقع الانتقام ، ثم لا بد من عذابات المرض ، ثم يأتيهم الموت حتى لو كانوا فى بروج مشيدة ( النساء 78 ).

3 ـ ينطبق هذا على شيوخ القنوات الفضائية الذين يتقلبون فى البلاد يجادلون فى آيات الله يبغونها عوجا وصدا عن سبيل الله : ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) غافر ). هؤلاء تتربص بهم جنود الرحمن جل وعلا لتوقع بهم العذاب ، وكم رأينا من شيوخ يدعون الى الارهاب وقتل المسالمين من أهل الكتاب ومن الغرب ، ثم يسعون الى مستشفيات الغرب للعلاج على أيدى أطباء ( يعتبرونهم كفرة ) وهم فى حالة خزى . والخزى من أنواع العذاب ، أى هو عذاب نفسى بجانب العذاب الجسدى . . !!

أحسن الحديث :

قال جل وعلا : ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) النحل ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 6505