يحذرنا الله من الاتباع الاعمى فنبي الله موسى لم يجد الحق لدى صاحب السلطان فرعون ولا لدى صاحب المال "قارون" ولا لدى عبد طلب اتباعه بشكل اعمى بحيث لا يسأله عن شيء حتى يحدث منه ذكرا.. بل وجد الحق بالاستمساك بالعلم "الوحي".. (خذوا ما آتيناكم بقوة)
في سورة الكهف هناك قصتين: قصة خارق السفينة وقاتل الغلام وقصة ذو القرنين
ثم يأتي التعليقين على القصتين فيما بعد:
القرآن علق على القصتين التعليق الاول على من يتبعون العباد أولياء بقوله: أفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا,,
والتعليق على القصة الثانية في قوله " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا
أوردت السورة قصتين وراء بعض، القصة الاولى رجل يقتل غلام ويخرق سفينة.. والقصة الثانية قصة ذو القرنين
ثم يأتي بعدهما تعليقين..
التعليق الأول على القصة الأولى بهذه الآيات : ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا.. قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا... الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا.. ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا..)
- التعليق الثاني على القصة الثانية بهذه الآيات: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا
خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا.. )
لهذا يتوجه الخطاب الى الرسول بعد العبرة: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا..)
قاتل الغلام وخارق السفينة وصفه التراث بالعبد الصالح لكن القرآن لم يصفه بالعبد الصالح ولا حتى موسى وصفه بالصلاح..
(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)
(عبد من عبادنا) لم يقل عبدا صالحا ولم يقل من عبادنا الصالحين..
(آتيناه رحمة من عندنا): الرحمة تأتي لغير الصالحين ,, قال تعالى (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إلى حِينٍ)
(وعلمناه من لدنا علما).. هناك من يضله الله على علم وليس بالضرورة يكون صالحا.. قال تعالى : أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ .. ).. قال تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين).. (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ .. أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ .. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ .. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ .. أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ .. وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ .. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ .. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ .. وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ .. وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ .. وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ..
لنعرج قليلا لمنشور للكاتب سهيل العبسي والذي يعد هو اول من تطرق لهذا الجانب يقول فيه:
كثير من العلماء، الذين اختصهم الله دون غيرهم بعلم خاص، استخدموا علمهم في خدمة البشرية ونقلوا ما علمهم الله لغيرهم.. فتعلمت البشرية منهم الكثير مما لم تكن تعلمه، وتقدمت في طريق التطور.
ولكننا نجد في المقابل علماء علمهم الله تعالى علما، فاحتكروه ومنعوا وصوله لغيرهم، ولم يفيدوا البشرية به، بل ومنهم من استخدم علمه في الدمار والفساد (خرق السفن)، وفي سفك الدماء وقتل الأبرياء (قتل الغلام).
وعندما يأتي من يطلب من أحد هؤلاء أن يعلمه مما علمه الله، نجده يمتنع باحثاً عن أعذار واهية منها (إنك لن تستطيع معي صبرا... وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا؟)..
وعندما يجد إصراراً ورغبة لدى طالب العلم نراه يشرع في وضع شروط وعراقيل تؤدي إلى منع طالب العلم من الوصول إلى مبتغاه.... (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيئ حتى أحدث لك منه ذكرا)
وخلال مسيرة التعليم يرتكب ذلك المعلم أخطاءً جسيمة فينبهه المتعلمون، ولكنه يكابر ويتهم المتعلمين بأنهم غير صبورين... (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا)؟
لسان حال العالم المتكبر يقول هنا: أنا لا أخطئ أبداً بل هؤلاء المتعلمين الجاهلين هم من تسرعوا وظنوا أني قد أخطأت!
وعندما تحين ساعة الحقيقة... ساعة الإعلان عن مبررات المعلم المطلوبة لإيضاح مغزاه من تلك الأخطاء الجسيمة، يبدأ بسوق الأعذار العجيبة والتي بعضها يثير الضحك من كم التناقضات الذي يحتويه.
نجده يدَّعي أن السفينة التي خرقها كانت لمساكين يعملون في البحر..... وهل المساكين يمتلكون سفن يا مولانا؟ وهل يعملون وفي البحر؟!!
ثم نسمعه يقول أنه لم يكن يريد أن يخرق تلك السفينة أصلاً وإنما كان يريد أن يعيبها فقط!
وعندما نسأله عن السبب الذي دفعك لكي تسعى لإعابة السفينة، والذي تطور بالخطأ إلى خرقها، يصدمك بإجابته لتقف مذهولاً أمامه ولا تدري ماذا تقول
السبب أن هناك ملك يأخذ كل سفينة غصبا!!
ركز معانا يا شيخ...
كل سفينة...... أم السفن الصالحة والغير معيوبة فقط؟
لا ....... الملك يأخذ كل سفينة.
هذه الأعذار تذكرني بأعذار الأطفال عندما يلعبون بأعواد الثقاب فيشعلون حريقاً في غرفة المجلس ... وعندما تسألهم (لماذا فعلتم ذلك؟) يبدأون بسرد القصص الخرافية عن الوحش الذي دخل إلى الغرفة وتتسبب في انقطاع الكهرباء فقام الأطفال بمقاومته واضطروا إلى إشعال أعواد الثقاب، فنشبت النار في الوحش واصطدم أثناء طيرانه بالفراش فأشعل فيه النار..
ثم يختموا كذبتهم بقول: (ولسنا من فعل ذلك!!)
... (وما فعلته عن أمري)
أمام كل فعلٍ أحمق يفعله أحد هؤلاء العلماء نجدهم يقدمون مبررات غير عادية وغير منطقية، وقد تكون تلك المبررات واهية وطفولية ومتناقضة ومن قبيل العذر الأقبح من الذنب، ولكن العالم المتعالي لا يدرك ذلك.
يلقي بتلك الأعذار الخرقاء في وجه المتعلم، بعد أن يكون قد قرر مسبقاً طرده (هذا فراق بيني وبينك) وبعد أن يسوق أعذاره التي تعج بالتناقضات، يعقب قائلاً باستهزاء... (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا).
أنت السبب في طردي لك، ولو كنت صبرت قليلاً لكنت قد تعلمت الكثير!!
لو بعث الله سيدنا محمد في زماننا هذا وجاء طالباً العلم من أحد علمائنا المتكبرين بعلمهم فإنه سيتصرف كما تصرف موسى عليه السلام، بينما سيتصرف عالم السوء كما تصرف ذلك العبد.
أعود لأذكر الجميع بأن هؤلاء هم علماء الدجل، الذين حذرنا الله منهم من خلال هذه القصة... إنهم لا ينتفعون بعلمهم ولا ينفعون به، ولا ينقلونه لغيرهم.