هل السنّة هي من الوحي ؟

مولود مدي في الخميس ١٣ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

في كل مرّة يذهب فيها من يريد دراسة العلاقة بين السنّة و التشريع الاسلامي و مكانة السنّة في التشريع يصيبه الهم و الغم لأن أبحاثه و استنتاجاته ستصدم مع مكانة العرف و التقاليد في الفقه الاسلامي و الجهل المقدّس عند البعض, في الحقيقة هذا المقال لا يدّعي العصمة و معرفة الحقيقة المطلقة, لكن الأمور التبست كثيرا على العامة, فعاد هذا الالتباس بضرر كبير على الاسلام, فمن واجبنا ازالة هذا الالتباس و الا سنصبح مشاركين في عملية التدليس و الخلط و الكذب المتوارثة عند المسلمين منذ القرن الثاني هجري على الله عزوجل بمساواة مكانته مع مكانة البشر, فمن صور هذا الخلط, الادّعاء بأن السنّة و القرأن الكريم هما في نفس الدرجة و القيمة و أن السنة هي وحي أيضا.

القرأن هو كلام الله المنزل عن طريق الوحي على الرسول محمد بن عبد الله المبعوث لكافة البشر, أما السنّة فهي كل فعل أو قول أو تقرير صدر عن النبي, لكن السنّة هي نوعان, سنّة قولية المتمثّلة في احاديث النبي و سنّة فعلية أي الأفعال الصادرة عن النبي, من تعريف القرأن و السنّة سنجد أن هناك مشكلة تستعدّ لكي تقف في طريق بحثنا و لا نفهم كيف مرّ عليها الفقهاء مرور الكرام و هي, هل كل فعل و قول صدر عن النبي هو بالضرورة سنّة ؟ و هل كل ماصدر عنه هو واجب علينا اتباعه ؟ في الحقيقة الكثير يتجاهل أن قاعدة " ما صدر عن النبي " تنقسم الى ثلاثة أقسام :

-       ما صدر عنه بصفته رسولا يعتبر من الأحكام الشرعية واجبة الاقتداء مثل الصلاة و الصوم الخ

-       -ما صدر عنه بصفته بشرا غير واجب الاتباع مثل كيف يمشي و كيف يقعد و كيف ينام  الخ

-       ما صدر عنه على وجه التخصيص له من قبل القرأن من المحرّم فعله كتزوجه بأكثر من أربع زوجات, و أنه من المحرّم على الصحابة الزواج من نساء النبي الخ.

لكن كيف نعرف أن محمد عليه السلام يتكلم بصفته رسول أو بصفته بشر ؟ سنقول أنه عندما يتحدّث عن أحكام القرأن أو يصلّي فتلك هي السنّة الفعلية التي لا يمكن أن تخالف النص القرأني, سيقول البعض أن كيف عرف النبي عدد الصلوات في اليوم الواحد و هي غير مذكورة في القرأن ؟ و مع احترامتنا للقرّاء الكرام فهذا السؤال لا يطرحه حتى " ابو جهل " نفسه فكيف بمسلم يقرأ القرأن في رمضان فقط ثم يأتي ليجادل في هذه المواضيع ؟ يظن اتباع الدين السنّي أن هذا السؤال هو الضربة القاضية لمن يجادلهم لكن تناسوا قوله تعالى  (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ  ) وعندما يقول الله تعالى انه تبيان لكل شيئ يعني فعلا تبيان لكل شيئ ... فالله تعالى لا يمزح معنا وهو منزّه عن ذلك.. ولا يقول ربنا مثلا  ان القران  تبيان لكل شيئ ويقصد انه ليس تبيان لكل شيء, هذه آية تؤكد أننا إذا بحثنا عن أي شيء سوف نجده في هذا القرآن، وهذه ميزة يتميز بها كتاب الله ، ولا يمكن أن نجد مثيلاً لها في جميع الكتب التي على وجه الأرض، ولذلك فهذه الميزة من دلائل إعجاز القرآن واستحالة الإتيان بمثله, فعندما نقول أن عدد الصلوات هي خمسة فيعني أنها خمسة مثلما قال القرأن :

ففي الآية (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ : البقرة 238 ) نستدل على أنها على الأقل ثلاثة صلوات , لوجود صلاة وسطى . فالتوسط يكون بين اثنين على الأقل . فإذا افترضنا أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر فإن الصلاتين اللتين تسبقها وتليها هما صلاة الظهر وصلاة المغرب و قال ايضا ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النور 58 ), لذا القول بأن الله انزل على عبده المصطفى محمد كتابا يحتاج الى كتاب الى كتاب أخر ( البخاري و مسلم ) لكي يبين الله لعباده أحكامه هو جهل فظيع بالقرأن, فكيف يعقل للمسلم أن يقبل أن تصبح الأحاديث التي ظهرت بعد موت الرسول بقرنين حاكمة على الكتاب و كيف يرمي بأيات الله وراء ظهره و يذهب ليضيف هالة القداسة على كتب الفقهاء التي نسبوها للرسول ؟ و كيف نقبل المساواة بين كلام الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و ظل دون تغيير بكلام البشر ؟ و هل يعقل أن يصبح كلام البشر الظنّي حاكما على كلام الله القطعي ؟ اليس العكس هو الصحيح ؟.

الخلط بين الوحي و السنّة هو أيضا نتاج الخلط بين مفهوم النبي و مفهوم الرسول, فحصل التباس في عقل المسلم بين طاعة الرسول و اتبّاع الرسول, لقد تصوّروا أن القول بأن النبيّ يخطئ هو كفر و تناسوا بأن الله عاتب نبيّه في الكثير من المرّات, كقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ), لذا النبي هو شخص محمد بن عبد الله في حياته الشخصية و تصرّفاته البشرية التي استوجب بعضها العتاب من طرف الله عزوجل لكن هذه التصرّفات ليس لها أي علاقة بالوحي, و في المقابل عندما يتكلّم النبي بالقرأن فهو الرسول الذي يجب طاعته مثلما أطاع هو الأمر الربّاني بتبليغ رسالته كاملة, و هي طاعة واجبة و الا لما وجد الاسلام و لأندثر, لذا ليس هناك عتاب من طرف الله لمحمد عليه السلام بصفته رسولا بل بصفته نبيّا, لذا استغلال أتباع دين السنّة و الجماعة للأية (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) في جعل السنّة وحيا هي محاولة تصلح مع من لا يعرف تاريخ ميلاد الرسول! فالرسول لا ينطق عن الهوى فيما يبلغه عن رب العزّة لذا الأية مقتصرة على القرأن الكريم و فقط, لذا الرسول عندما مات فهو لم يترك الا القرأن كلاما نحتكم اليه, فمن غير المنطقي اعتبار السنّة وحيا و هي لم تدوّن في عصر النبي بل في العصر العبّاسي الذي وجد خلفاء تلك الدولة علم الحديث فرصة لكي يوطّدوا دعائم سلطتهم و يشرعنوا ظلمهم و أن يحرّموا الخروج عليهم.

ان السنّة ليست وحيا, و لا تنزيلا من التنزيل, و أن من يظنّها كذلك فهو يخلط بين الحديث النبوي و القرأن ناهيك عن الحديث القدسي, و لو نفترض صحّة طرح أهل السنّة فلماذا اختلفوا فيما بينهم حول موضوع " هل السنّة ناسخة للكتاب " أن السنّة ليست مستقلّة عن القرأن, و أن الرسول عندما حسم الكثير من المواقف الشرعية دون الرجوع الى القرأن الكريم لا يخلوا من احتمالين هما : اما أن الله أوحى الى نبيّه بذلك فهو تشريع الهي, و ان لم يرد في القرأن فذلك اجتهاد من الرسول, و ان أقر الله اجتهاد رسوله ولم ينزل قرأنا ينفيه أو يخالفه فيعتبر تشريعا  و هذا طبيعي فهو يدخل في نطاق واجب الرسل في تبليغ رسالتهم و ترك بصماتهم, ان المسلم العادي قبل الباحث التاريخي المحايد يذهل من محتويات كتب من يسمّون انفسهم " أهل السنّة و الجماعة ", فيجد عند أول تصفح لها أنها ألفت لغايات سياسية, أو مذهبية, أو حتى شخصية بحتة, ثم أصبحت السنّة عند الدين السنّي الحديثي أو دين الشيعة و حتى التصوّف بالاضافة الى علماء الأديان الارضية الاسلامية مثل الطبري و الغزالي و ابن تيمية عبارة عن روايات و عنعنة و قال فلان و حدّثنا في انحراف رهيب عن معنى السنّة الحقيقي و الهدي الربّاني, و هي روايات يراد منها فرض فقه شخصي و مذهبي, ثم أصبحت تلك  الاراء التي جمعت في الكتب دينا بحدّ ذاته, والتي هي في الحقيقة ذات غايات دعائية ضد أهل الرأي ثم غطّوها بعدة مسمّيات مثل  محاربة البدع و الضلالات أو الرد على منكري السنّة ( منكري الخرّافات و الاحاديث الأسطورية ).

اجمالي القراءات 13006