الأمل غير المنظور

كمال غبريال في الثلاثاء ٣٠ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

ما نراه من معطيات بالواقع العالمي والمحلي بمنطقة الشرق الأوسط، يقودنا إلى نتيجة أوضحناها في أكثر من مقال ‏ومجال. خلاصتها أن البشرية الآن بإزاء تسونامي وحشية ظلامية دينية مسعورة، يقوم بنجاح باهر الآن بتخريب الشرق ‏الأوسط، ويتقدم بذات النجاح المرحلي التدريجي ليتغلغل في جسد أوروبا، مدعوماً بتكاثر سكاني هائل، لهذه الشعوب ‏الحاملة لفيروس العداء والكراهية للحضارة، وضغطها المستمر للانسياح باتجاه أوروبا. وقد تجردت أوروبا كما سبق وأن ‏أوضحنا في مقالاتنا السابقة بسبب "تحضرها الفائق"، من المقدرة على الدفاع عن نفسها، في مواجهة البدائية الوحشية ‏التي تداهمها من الشرق.‏
نكون هكذا مقبلين على مرحلة تخريب "مع سبق الإصرار والترصد" للحضارة الإنسانية، التي تعد أوروبا قلبها الذي ‏يضخ الدماء في سائر أنحاء الجسد. لن يقتصر الأمر فيما نرى على تحول الشرق الأوسط إلى خرائب بكل ما تعنيه ‏الكلمة، نرى الآن نماذجاً منها في العراق وسوريا وليبيا. وإنما سيسقط القلب الأوروبي ذاته، والذي يتلقى الآن التباشير ‏الأولى لضربات التسونامي الشرق أوسطي.‏
ورغم بقاء بعض الأمل في تماسك شعوب الشرق الأقصى الصفراء أمام هذا المد الوحشي، إلا أننا نظنها غير قادرة ‏على الاحتفاظ حتى بمستوى حضارتها الراهن دون الاعتماد على القلب الأوروبي. فما حضارتها الراهنة سوى صورة ‏تنعكس في مرآة للحضارة الأوروبية الأصل. هذا في الوقت الذي قد تذهب فيه الأمريكتان الشمالية والجنوبية إلى عزلة ‏إجبارية، اتقاء لشر الظلامية والتخريب الذي لا راد له. يمكن أن يكتمل توقعنا هذا إن صح خلال قرون قليلة، ليعيد ‏البشرية فيما نسميه "العالم القديم" إلى ما قرب الوحشية البدائية الأولى.‏
لا نقول بحتمية تحقق هذه الرؤية التي يقودنا إليها مد الخطوط الموجودة على أرض الواقع الآن على استقامتها بنسبة ‏‏100%. فقد تتحقق كلياً أو جزئياً، لكن كسر هذه الصيرورة أو عودة البعث من رمادها لن يتأتى بأي من العناصر ‏الواقعية الآن، وإنما بفضل قانون طبيعي يستخلق الحياة مما نظنه مواتاً.‏
ليس ما بالواقع المنظور هو كل شيء. هناك الأخطر والأعمق تأثيراً وإبداعاً، وهو غير المنظور ولا الموجود الآن.‏
فقبل نشأة الحياة على سطح كوكبنا، حين "كانت الأرض خربة وخالية"، لم تكن ثمة دلائل ولا عناصر منظورة تشير إلى ‏أن حياة مزدهرة ستظهر على سطح هذا الكوكب بعد بضعة ملايين من السنين.‏
هناك خاصية اكتشفها العلم حديثاً في المادة، وصيغت في نظرية تم إثباتها عملياً في العديد من المجالات المادية ‏الصماء والبيولوجية، تسمى "نظرية الانتظام الذاتي". تكشف هذه النظرية عن قدرة المادة على الابداع وتشكيل منظومات ‏مادية وحيوية دون تدخل أو توجيه وتخطيط خارجي. وهي بالأساس التي أنتجت كل ما نشهد من انتظام في الكون، ‏الذي بدأ كامل العشوائية والفوضى. . قوة الخلق المادي المبدعة هذه تعمل منذ "الانفجار الكبير"، ومستمرة ما بقيت ‏المادة والطاقة الكونية. تحتاج فقط إلى توفر ظروف التحرر من القيود التي تفرضها على الواقع تشكيلات منتظمة تعيق ‏حركتها وفعاليتها، وهي الظروف التي نسميها نحن "فوضى"، وتعتبر من وجهة نظر هذه الخاصية المادية "فوضى ‏خلاقة". هي تستكمل تلقائياً عدم الانتظام في الوجود، لتخلق في مساحات "الفوضى" نظماً وحالات جديدة تماماً، قادرة ‏على إعادة بعث الحياة والحضارة.‏
هكذا تفشل التوقعات المستقبلية على المدى الطويل، التي نعتمد فيها فقط على رصد "الموجود"، ولا نحسب حساباً ‏لـ"غير الموجود"، الذي ستأتينا به في المستقبل خاصية "الانتظام الذاتي" المادية.‏
تعني رؤيتنا أننا مقبلون على ما نسميه خراب أو "فوضى"، أن المجال سيتسع لعمل آليات "الانتظام الذاتي" للمادة. وأن ‏لنا أن ننتظر الجديد المبهر من "الانتظام". هي الولادات الجديدة الدائمة للحياة، تتكاثر ويتسارع معدلها كلما أطبق ‏عليها ما تصورناه الموت.‏
الآن ونحن نغرق في مستنقع أو بحر رمال "الموجود"، علينا أن ننتظر ونأمل في الفعل المبدع لـ"غير الموجود".‏

اجمالي القراءات 6711