نقد الفكر السلفي

مولود مدي في الخميس ٢٥ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

إنّ الإنسان أوسع من أن تُختصَر خيريته في دينٍ أو مذهبٍ أو طائفةٍ أو عرق, لكن لا يزال  السلفيون يدّعون انه ليس بإمكان المسلمين ان يكونوا امة صالحة الا اذا اتبعنا و فعلنا حرفيا ما فعله اجدادنا قبل المئات من القرون, لا زالوا يرون ان المسلم لا يمكن ان يكون فردا صالحا من تلقاء نفسه و بإرادته, بل يجب عليه ان يتبع و يتقيد و يفعل كما فعل السلف لكي يضمن الفوز بالجنة فعنده هؤلاء الناس السلف عبارة عن أناس مثاليين .. ان السلفيين لا يرون المسلم كائن عاقل حر الارادة يجب عليه ان يسير في الطريق الذي اختاره هو عن مشيئته, و لا يعلمون ان اجبار الناس على التقيد بسلوكيات و افعال معينة وهم لا يرغبون بها يولد النفاق و الذرائعية وهذا ما تسبب في انتاج مسلمين منافقين بامتياز , هذا ليس غريبا فهم شجعوا على تعطيل العقل و اعتبروه سبيلا للكفر عوض اعتباره اغلى شيء في الانسان فهم بالأمس كفّروا اشخاص نادوا بضرورة التخلي عن عقلية اتباع الاباء و التقديس المبالغ فيه لبشر جعلوهم في مرتبة الالهة لا يجب نقدهم و اي انتقاد لهم يستلزم التكفير و كأنهم في الأخير يريدون مسلمين منافقين.

ان هؤلاء الناس لا يستطيعون ان يفصلوا رؤية السابقين لدينهم و دنياهم و بين واقعنا الحالي, فالسابقين عاشوا حياتهم و تكيفوا مع بيئتهم حسب حاجتهم, لكن السلفيين جعلوا من طريقة فهم السابقين للحياة مقدسة, فان تداوى السلف الصالح ببول البعير و الاعشاب و تركوا لحاهم تصل الى قدميهم فعلى المسلم ان يفعل ذلك حرفيا ولا يجب عليه ان يسأل لماذا او يعترض على الامر فهي حكمة ربانية لا يستطيع ان يفهمها البشر- و ما اسهل ان تخدع مسلما بأن تنسب كل شيء الى الحكمة الربانية-, لذا لا تستغرب من اللذين يحرّمون قص اللحية, ولا تستغرب ان سرت في شوارع " القاهرة " أو " الجزائر " أو " تونس " و أحسست بأنك في البادية الصحراوية العربية.

ان هذه العقلية المتزمتة و المهترئة التي شكلت فيما بعد عقلية " السمع و الطاعة العمياء " أي الولاء و البراء و " لا خروج عن الحاكم ", فهذه السلفية هي سبب بلايا الأمة الاسلامية فجعلتها في احط مرتبة بين الامم - امة ضحكت من جهلها الأمم - .. السلفية هي التي الغت العقل و طاردت العقلانيين و حرضت الناس على مسلمين اكسبوا الدين الاسلامي صفة العالمية امثال ( الفارابي, ابن رشد و ابن حيان و غيرهم ) و القائمة طويلة, فتم اضطهاد هؤلاء العلماء وحرقوا كتبهم و كفّروهم و همّشوهم, فضاع علمهم و تلقفه غير المسلمين فتقدموا اما المسلمين فبقوا في القاع و اما الأن فلا توجد أمة رضيت بتخلّفها و جهلها كالأمة الاسلامية, اما العلماء عند السلفيين فهم ( ابن تيمية, و البخاري ) فهؤلاء لا يعرف عنهم العالم و لا حرفا واحدا لكنهم ليسوا بشرا عند السلفيين و انما بأنصاف ألهه .. انهم بشر لا يخطئون فكيف وهم من سموا كتاب البخاري المكدس بالأحاديث  بـ"صحيح البخاري " و المهزلة الكبرى هي اعتباره الى الأن بأصح كتاب بعد القرآن !,  فلو تعلم المسلمون أن العلم و المنجزات البشرية مهما بلغت عظمتها هي في الأخير منجزات معرضة للخطأ لما ابتلعوا خرّافة " أصح كتاب عند الله  .. ان هؤلاء الناس لازالوا يرون العالم بلونين فالحياة عندهم ابيض و اسود لا غير, فكل شيئ عندهم وجب احالته الى الدين و كفّروا كل من رفض ذلك, و مما يزيد الطين بلة ان كل مصالحهم صبغوها بالدين فالرجل السلفي مصالحه مقدسة و تأتي قبل اي انسان و ليذهب الأخر الى الجحيم, فهذا يفسر الكارثة التي تحدث عندما يحشر السلفي أنفه في السياسة فنجده الطرف الأول المتورط في الصراعات الطائفية و جرائم الحرب الوحشية فالموقف السلفي السياسي مرتبط دائما بالمصلحة غالبا.

ان هؤلاء الناس جعلوا حياة المسلم جحيما لا يطاق فصعّبوا عليه كل أمر و عقّدوا عليه حياته فاذا ذهب المسلم الى المسجد ليصلي و يستمع خطبة دينية يجد نفسه يستمع لوعظ افلاطوني يحض المسلم على ترك الدنيا لانها تلهيه عن العبادة فهي ’’ متاع غرور ’’ فهم يخيرون الناس اما بين الدين او الدنيا و لايعلم هؤلاء الكهنة ان الله خلق الانسان لكي يعمّر هذه الارض .. فتتولد أزمة نفسية و ازدواجية الشخصية في المسلم فيحتار ماعليه اختياره فنفسه دائما تصبوا الى الملذات و الى متاع الدنيا المغري, فيصورون له ان الاهتمام بالدنيا هو كفر بالله و رسوله ! ..أليس تفضيل الآخرة يتناقض مع طبيعة البشر؟ أم خرّافة الناسخ و المنسوخ قد قضت على النص القرآني الذي قال بأن المال و البنون هو زينة الحياة ؟ , لذا الجميع عند السلفيين اما " أبيض " أو " اسود " و لا مجال للنسبية في فكرهم لذا كل مخالف لهم هو فاسد و كافر فهذه الرؤية قضت على مبدأ الاختلاف عندهم ثم ولّدت عندهم عقلية التصنيف فان عارضتهم فأنت  " شيعي " و ان رفضت ما يسمى بالخلافة فأنت من " الروافض " و ان طالبت بالعقلانية في التعامل مع النصوص القرآنية لقالوا أنك من " المعتزلة ".

اما الكراهية للأخر التي تعتبر سمة السلفيين و يفتخر بها فيستمدها من " حجة الاسلام " و " شيخ الاسلام " و " عالم الزمان " و غيرها من التوصيفات المهترئة التي تنهار عند كل تصفح لكتبهم فتجد رائحة البغض و الكراهية و الجهل المقدس تزكم الأنوف, فيكفي ان تقرأ لابن تيمية و ابن عثيمين لتحدث لك النواغص,  فخير لك ان تقرأ لهتلر عوضا عن تصفح خزعبلات من نصّبوا انفسهم متحدثين رسميين باسم الاسلام, فكل كتبهم عبارة عن دعوة للكراهية و قتال كل مخالف في العقيدة - ثم المذهب - فكل الفرق الأخرى التي لا تفهم الاسلام على شاكلتهم هي فرق ضالة والسلفية هي وحدها الفرقة الناجية, ان هؤلاء السدنة هم سرطان الأمة الاسلامية وهم من جلبوا الاعداء لديار المسلمين, انهم يختزلون الدين في الشكليات رغم ان الاسلام عبارة عن رسالة عالمية و فرق و مذاهب و مدارس الا انهم هم من قالوا نحن الاسلام و الاسلام نحن.

ان السلفية تعلم الناس التقليد و الاتباع متناسين أن تربية الضمير و العقل هي التي تخلق فردا صالحا مع الناس و نفسه, و ليس بتحويل تربية اللحية و اطالة القميص الى شعيرة دينية نخرج أجيالا صالحة, ان الصلاح يأتي بحب الحياة و محاولة كشف أسرارها و البحث عن أسباب وجودنا فيها و ليس تربية الناس على التفكير في الموت و أساطير عذاب القبر و خرّافات ما أنزل الله بها من سلطان, على المرء أن يعمل الصلاح دون أن يرجوا لعمله أجرا, أما السلفية فتقول لك أن لكل حرف في القرآن تقرأه حسنة فالمسلم السلفي يجتهد في قراءته لأجل الحسنات و ليس من أجل فهم معانيه و مقاصده فلو فهم السلفي القرآن لما كانت أفعاله مخالفة لأقوالهفيكفي تقليد السلف في كل شيء حتى في وضعيات الأكل والشرب والنوم والجماع و طرق دخول الحمّام و باختصار دينهم هو التقليد, ان الدين الحقيقي ليس في ثرثرة الكلام و استحضار الفاظ السلف و ترديد العباراتالتي تعود الى زمن الجهل و البداوة, و تكفير المخالف ولو كان من نفس  الديانة, لكن الدين الحقيقي هو الصلاح و التنزه عن القتل و التكفير و سائر المفاسد, ان الدين الذي يأمر الناس بالقتل ما هو الا دين مزيف من ابتداع البشر لتوظيفه لأغراضهم الشخصية , علينا بالتسامح في جميع تصرفاتنا من اقوال و اعمال, وليعلم فقهاء العنف و الكراهية اننا أبعد النّاس عن النزاعات الطائفية و النعرات الدينية و اننا ارحب صدرا و أكثر الناس حبا للنقاش بالتي هي احسن, ان الههم هو الهنا غير أننا لا نرتكب الجرائم الشنيعة بحق الانسانية ثم ننسبها اليه لنفتري عليه و نكذب عن الناس ثم نقول أنها ارادته.

ان من يبتغي الصلاح للمسلمين فلا يكون الا بإصلاح النفس و الذات و تربية الضمير و العقل و تنويره .. و بما أن هذا لم يحدث عند الفكر السلفي فلا ضير عند هذا الفكر في أن تصبح النفس الفاسدة و الضمير المعتل و العقل غير المتعلم الجاهل الببغائي أن يزيِّف الأحكام الدينية و النصوص القرآنية و يبرر الجرائم بالكلمات المعسولة و يتم تديين الخطأ الفادح فيضيع الدين في دوّامة الألفاظ و متاهة التعبيرات التي أكل عليها الدهر و شرِب.

اجمالي القراءات 18870