( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ).النساء – الآية 48.
هل المسلمون الحنفاء هم فقط المغفور لهم.

يحي فوزي نشاشبي في الخميس ٠٤ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

****** 

هل المسلمون الحنفاء  هم  فقط  المغفور  لهم.

( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون  ذلك لمن  يشاء  ومن  يشرك  بالله  فقد  افترى  إثما  عظيما ).النساء – الآية 48.

كلما قرأت هذه الآية أو استعمت لها، تترك دويا صامتا، أو صمتا مدويا، لكنه دويّ داخلي، لم يتشجع يوما، ولم يجرؤ لأن يطل ويعبـّر عن نفسه  من خلال عبارات كلها استعجاب واستغراب واستفسار واستفهام ؟

وكنت مرارا ألوم نفسي، ولعل الأصح، هي التي تلومني بوخزها لتشعرني بالذنب عندما أستعرض سلسلة الإستفسارات والتساؤلات  التي تفرض نفسصها في قرارة نفسي، ثم سريعا ما أستغفر الله مما كان مني، وأحاول ترويض تفكيري بأن هناك سرا -لا محالة- لا يعلمه إلا علام الغيوب، لاسيما عندما أزيد فأقرأ أو استمع إلى آيات أخرى في نفس الموضوع الهائل المثير، مثل :

( إنه من يشرك بالله فقد حـرّم الله عليه الجنة  ومأواه النار وما للظالمين من أنصار.).سورة المائدة 72.

و( من يشرك بالله فقد  ضـلّ ضلالا بعيدا.). سورة  النساء - 116.

أو ( ولو أشركوا لحبط عنهم ما  كانوا  يعملون .). 88 - سورة الأنعام.

وهكذا، وكنتُ من حين لآخر، أعقد النية والعزم، وأحاول الإنتباه أكثر واليقظة، لعلي ألمحُ إشارة ما أثناء شتى المقالات التي يجود بها الكتاب  الكرام في موقع أهل القرآن، إشارة أو رأيا ما، أو ملاحظة ما، أتشبث بها على أمل أنها  تؤدي بي إلى شئ مبين  مقنع مطمئن ؟

وبعد عدة أشهر من الحيرة، والتردد، والتكتم، والتأرجح، بين أن أطلق سراح أفكاري المتسائلة، وأبوح بها جهرا وصراحة، وبين أن أتركها محبوسة مدفونة.

وفجأة، حدث ما لم أتوقع، حيث أبهرتني شخصية رسول الله إبراهيم عليه السلام، تلك الشخصية الفذة  المتميزة  بالعقل السليم والذكاء، والمنطق، إلى أن بلغ به طموحه وشجاعته لمحاولة الإطلاع والإطمئنان، على كيف يحي الله الموتى ؟ ( وإذ قال إبراهيم رب  أني كيف  تحي  الموتى  قال  أو لم تؤمن قال بلى ولكن لييطمئن قلبي ).البقرة - 260.

نعم، لقد شجعني تدبر هذه الآية، لاسيما أن الله عز وجل نفسه، لم يوبخ ولم يلـُمْ عبده إبراهيم على ذلك الطلب وذلك السؤال الجرئ، بل لقد استجاب له بكل بساطة، بعد أن قبل منه حجته في قوله: " بلي ولكن ليطمئن قلبي ". وعندها، قررتُ الإفصاح عن تساؤلاتي مهما اعتبرت غريبة أو جريئة أو ف ي غير محلها، ما دام الله الخالق يعلم علم اليقين النية ومطلعا عليها، وعلى غيرها، وهكذا، ثم ازددت  شجاعة بالآية رقم 04 في سورة الممتحنة : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم  والذين معه...).

وملخص تساؤلاتي هو في ما يلي:

* ما دام الله هو الله، الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام  المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر.

ما دام هو الغني عن العالمين  في حالة ما إذا  قوبل بالطاعة الكاملة من لدن العالمين، وما دام هو الغني في حالة ما إذا قوبل بالعصيان والشرك من طرف الجميع.

وما دام الله هو الله، ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ).الرعد 9.

وبالتالي، لماذا جاء مفهوم الآية بأنه سبحانه وتعالى لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ؟ ولماذا اعتبرالله  الشرك به افتراء وإثما عظيما ؟ وما دام الله سبحانه وتعالى على كل شئ قديرا ؟ فإذا تصورنا أن الله أراد أن يغفر للجميع وبدون ستثناء، بما فيهم أولئك الذين افتروا إثما عظيما بشركهم ؟ فأين المشكلة ؟ (إن جاز هذا الأسلوب في هذا التساؤل) ؟.

والآن وقد لخصتُ قدر الإمكان ذلك التساؤل الذي قد يكون فرض نفسه عند الكثيرين، وقد يكون من بين المسكوت عنه ؟ أزيد مصرحا بأني على يقين بأن هناك سرا عظيما مكنونا في إحدى الآيات البينات المبينات، والله وحده هو العالم ؟ هل قد توصل إلى السر متدبر ما ؟ أم ما زالت القلوب ترزح تحت وطأة كلكـل أقفالها ؟

كمـا أصرح بأني على يقين بأن الله، ما دام هو الله الصمد، فــإن " الكرة " تكون في ميدان المخلوق.

وأن هناك عدة جوانب حاثة إلى واجب محاولة الإطمئنان– كما صرح به رسول الله إبراهيم - وهي أن الشرك ذو خطورة مهولة، لاسيما عندما نتلو هذه الآية: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ).سورة يوسف 106.

ثم الآية32: ( ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ).سورة الروم.

ثم الآية 72: ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ).سورة المائدة.

ولعل الآية التي تزيد للموضوع خطورة هي الواردة في سورة يوسف رقم 106 :( وما يوؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ). وإن مكمن الخطورة يفيد بأن الشرك خطير، وخطير جدا، وأخطر ما فيه هو صعوبة التعرف عليه، وصعوبة الإفلات منه، وصعوبة التخلص من مخالبه، والفرار منه مطهرا معقما.

ومن بين التساؤلات الأخرى التي تطمح جاهدة، علها تجد أي أثر ذي بال من خلال تحقيقها وتحريها ما يلي:

لماذا لا يبدأ اباحث المحقق المتحري مشواره من البداية؟ من سيرة ذلك الفتى الذي يقال له لإبراهيم ، ذلك اليقظ ذي الفطرة السليمة،والعقل الوقاد المتحرر؟ لاسيما وقد جاءت إحدى تعليمات الله سبحانه وتعالى في سورة النساء، الآية 125، وهي : ( ومن أحسن دينا ممـّن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم  خليلا ).

وأيضا: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا  نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذن اتبعوه وهذا النبئ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ). 67+68 . آل عتمران.

وعليه، فما دام ذلك كذلك، فلِـمَ لا نوجه انتباهنا إلى التحديق مليا  في الآية رقم 125 سورة النساء: ( ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع  ملـة إبراهيم  حنيـفا واتخذ الله  إبراهيم  خليــلا ).

ومن يدري؟ لعل كلمة أو صفة "حنيف " تكون حبلى ؟ ويتولد منها الدين القيم الخالص ما دام الحنيف من تعريفاته : المستقيم الجاد.

ثم ومن يدري؟ لعل صفة " خليل " كما جاءت في بعض الشروح بأنها صفة مشبهة على وزن فعيل، من الخلة أي المودة والصداقة. فالخليل هو الصديق الذي يخالل في أمرك ويتدخل في شؤونك أو يكون حبه متخللا وداخلا في باطن القلب .                                                   

ونسارع فنخلص إلى ما يميل إليه القلب، وهو أن الله قد اعتبر كل الإعتبار، وقدّر حق قدره سيرة عبده إبراهيم - عليه السلام - ذلك الفتى الذي كان يجاهد فيه، باحثاعنه، منتهجا المنطق والعقل، متحديا الكل، مزيحا من طريقه كل شائبة بدون أدنى استثناء أو رعاية أو شفقة أو رحمة أو اعتبار، إلى أن هـداه الله إلى إحدى سبله، فرضي عنه وأحبه واتخذه  خليلا.

وإن كل من استطاع أن يعدم عدما نهائيا كل ما من شأنه أن يتحول إلى شرك أو بعض الشرك، ويتوجه إلى الله مخلصا له سيحظى بدرجة أو بوسام " الحنيف " وكلما طهرت " حنيفيته " وكلما تعقمت، يكون من محبي الله وممن يبادلهم خالقهم  الود  والحب ويتخذهم  خليلا .

وبالنسبة لنا، فما علينا إلا أن نعيد قراءة واعتبار الآيتين: 31+32 في سورة آل عمران : ( قل إن كنتم تحبون الله  فاتبعوني يحببكم الله ويعفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول  فإن تولوا  فإن الله لا يحب الكافرين .).

ثم، ولعل جميع أولئك الذين سيزحزحهم الله عن النار ويدخلهم الجنة يكونون من أولئك الذين بلغوا درجة المؤمن الحنيف، وبالتالي درجة محب الله الذي يبادلهم حبه ؟

وفي الأخير، فما هذه إلا محاولة متواضعة للتصريح بشئ من المسكوت عنه، ومع ذلك فإني على يقين بأن المحاولة، على تقصيرها يكفيها أن تكون حاثة ومحفزة ومرحبة بكل انتقاد مهما جاء ومهما كان من لدن الكتاب المحترمين طالما أن الهدف المنشود هو الجهاد في الله طمعا للإهتداء إلى إحدى سبله.

****** 

 

 

اجمالي القراءات 9760