أثر حادث المحمل : (1 ) فى علاقة عبد العزيز بالاخوان النجديين

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠١ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل التاسع : إنتشار الوهابية فى دولتها السعودية الراهنة 

أثر حادث المحمل (1 )  فى علاقة عبد العزيز بالاخوان النجديين 

أولا : المحمل والأزمة مع مصر :

1 ـ بإستيلائه على الحجاز ومكة وبعد مذبحة الطائف التى إنتشر خبرها كان متوقعا أن يتحسّب عبد العزيز لموقف مصر بالذات ، وهو يعلم كراهيتها للوهابية . ويذكر  خيرالدين الزركلي  فى كتابه : ( شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) حرص عبد العزيز على كسب ود مصر ، يقول ص (  661 ـ ) ( صرفت ثمانية عشر عاماً ، من 1353 ـ 1371هـ ( 1934 ـ 1952 م) منقطعاً  إلى تمثيل الملك عبدالعزيز ، وقضاء مصالحه الإدارية والسياسية ، والخاصة  والعامة ، في بلاد وادي النيل . وما كتب لي يوماً بشأن مصر ، ولا سمعته يتحدث في سر أو علن عن مصر ، إلا بما فيه الحرص والحض على حسن العلاقة ، وتوطيد الحب والصداقة ، بينه وبين المصريين حكومة وشعباً.تسلمتُ عملي ، مستشاراً، في "الوكالة العربية السعودية" بالقاهرة ، سنة 1353هـ (1934م) ، والدولتان ـ السعودية والمصرية ـ على غير وفاق . لا تمثيل دبلوماسي ولا اعتراف . وحديث " المحمل  " على كل لسان .وقبله خبر " المؤتمر " وقبلهما " من يحكم الحجاز " ؟ ) .

2 ـ  قبل أن يستولى عبد العزيز على جدة التى تحصّن فيها على بن الشريف حسين بعد هزيمته وإستيلاء عبد العزيز على مكة ـ دعا عبد العزيز الرؤساء والملوك العرب والمسلمين للنظر فى إصلاح الحجاز ، وكان توقيت هذا المؤتمر 1925 . يقول الزركلى فى كتابه السالف ( 662 ـ ): (  بعد إن استقر الملك عبدالعزيز ، في مكة سنة 1343 هـ (1924 م)وأقام يحاصر جدة وفيها الشريف ( الملك ) علي بن الحسين ومن معه ؛ بعث بكتاب  في 11 ربيع الثاني 1344 (آخر اكتوبر 1925) إلى ملوك المسلمين والجمعيات ، والمنظمات الإسلامية ؛ يدعوهم فيه إلى إرسال مندوبين عنهم، للنظر في مستقبل الحجاز .).ولم يتم عقد هذا المؤتمر .

3 ـ جدّد عبد العزيز دعوته الى عقد مؤتمر آخر  للنظر في إصلاح الحجاز. يقول الزركلى : (  فكتب عبدالعزيز إلى الحكومات والشعوب الإسلامية ، يدعوها إلى  "مؤتمر " يُعقد بمكة في 20 من ذي القعدة 1344 (3/ 6/ 1926م) ولبى الدعوة من لباها ؛ ورفضها ملك مصر ؛ فكان هذا أول مظهر للخلاف بينه وبين عبدالعزيز ، ولم يأت المؤتمر بنتيجة . ) .

رفضت مصر حضور هذا المؤتمر ولكن حضره رشيد رضا ، وكانت أول مرة يلتقى فيها سيده عبد العزيز آل سعود . أى إن مصر الرسمية رفضت حضور المؤتمر الذى دعا اليه عبد العزيز تعبيرا عن رفضها إحتلاله الحجاز ، ولكن مصر الليبرالية سمحت لرشيد رضا بحضور هذا المؤتمر . وكان هذا مبعث تفاؤل لدى عبد العزيز وهو يلتقى لأول مرة رشيد رضا الذى شارك بكل حماسة فى هذا المؤتمر برغم إصابته بالحمّى .

ولكن نغّص عليهم حادث المحمل الذى حدث فى نفس شهر عقد المؤتمر فى عيد الأضحى 10 ذي الحجة 1344 ( 22 يونيه 1926 ) ..

4 ـ وسارع عبد العزيز بارسال ابنه الأكبر الأمير سعود الى مصر ومعه مستشاره حافظ وهبة لتطيف الأجواء مع مصر بعد حادث المحمل ولم تنجح المحاولة. يقول الزركلى : ( وعلى الرغم من أن الملك عبدالعزيز ، أرسل كبير أبنائه " سعود بن عبدالعزيز " سنة 1346 هـ (1926م) إلى مصر ،لمعالجة عينية وتصفية الجو مع القصر الملكي فيها ، فإن الفجوة استمرت .)

5 ـ بل على العكس أدّت رحلة سعود الى مصر الى تعميق الخلاف بين عبد العزيز والاخوان النجديين الذين فتحوا له الحجاز ومعظم ما قبل الحجاز . واضح أنهم رأوا زعيمهم عبد العزيز فى صراعهم مع المحمل الممثل لمصر ـ يبذل وسعه لارضاء مصر منحازا لمصر ضدهم . ومصر بالنسبة لهم مشركة ، وطبقا للديانة الوهابية وتعاليم ابن عبد الوهاب فإنه يحرم التودد للمشركين .

6 ـ جدير بالذكر أن الأمير سعود بن عبد العزيز وهو فى رفقة حافظ وهبة نصحه حافظ وهبه بتقديم تنازلات دينية يكتسب بها قلوب المصريين وبها تخفُّ عداوتهم للوهابية ، وهى أن يزور ضريح الامام الشافعى وضريح الحسين . وكاد الأمر يتم ، لولا أن رشيد رضا الذى كان قد عاد لمصر بعد مؤتمر الحجاز بعث الى عبد العزيز يحذّر من قيام ابنه سعود بزيارة هذين المسجدين حتى لا يعطى فرصة للإخوان فى المزايدة عليه . وإستجاب عبد العزيز فبعث برسالة سرية لابنه سعود يمنعه من ذلك ( جلال كشك : السعوديون والحل الاسلامى : 540 : 541 ).

توضيح هذه النقطة يستلزم الرجوع بضع سنوات لإعطاء لمحة عن بدايات التذمر بين عبد العزيز وإخوانه قبل المحمل ثم بعده.

 ثانيا : المحمل والأزمة مع إخوان عبد العزيز ( الإخوان النجديين )

 1 ـ بدخول عبد العزيز فى إتصالات ــ لا بد منها ـ مع الانجليز بدأت الفجوة بين متطلبات السياسة والمعيشة والتعاليم الوهابية الصارمة . وبدأ الخلاف بين عبد العزيز والفقهاء الوهابيين ومعهم تلاميذهم الاخوان النجديين . كان هذا هو فحوى الخلاف بينهما فى مؤتمر العلماء سنة 1919. حمل المؤتمر قضايا فقهية لكن بغرض سياسى يعكس حرص الاخوان على إشعار عبد العزيز أنه لا بد من مشاركتهم فى الحكم ، فبسيوفهم توسع ملكه وهم اصحاب حق فى مشاركته فيما أسهموا فيه . ثم تطور الأمر الى مؤتمر الارطاوية عام 1924 الذى تزعمه فيصل الدويش زعيم الاخوان ليضغط على عبد العزيز بالتعجيل بفتح الحجاز ، وهم يعلمون أن عبد العزيز يخطط لهذا على مهل ، ولكن فيصل أراد المزايدة على عبد العزيز باسم العقيدة ، واذعن لهم عبد العزيز فارتكبوا مذبحة الطائف . وعندما نشرت الصحف المصرية والسورية والإيرانية أنباء عن قتل الأخوان للنساء والأطفال في الطائف أرسل لتلك الصحف يستنكر نشر هذه الأخبار وكانت البرقية موقعة باسم ابنه الأمير فيصل ،وأرسل الرسالة الي حافظ وهبة مستشاره يؤكد فيها ضمانه الكامل لسلامة المدنيين وممتلكاتهم .

2 ـ وبدلا من تفاقم الأمر حاول منع الاخوان من ارتكاب المزيد من المذابح لأن العالم ـ لم يعد مثلما كان الأمر فى الدولة السعودية الأولى ـ أصبح يسمع ويرى ويحتج وتصله الأنباء فى يومها . إختار عبد العزيز بعد مذبحة الطائف الحصار والمفاوضة بدلا من الهجوم والاستيلاء بالقوة علي جدة والمدينة المنورة . كان فيصل الدويش زعيم الاخوان قائد الجيش المتوجه لفتح المدينة . وفى طريقه إستباح قرية العوالي القريبة من المدينة قتلا ونهبا، وقد صمم علي قصف المدينة بالمدافع واستباحتها كما فعلوا بالطائف. وعزل عبد العزيز فيصل الدويش، وعين ابنه محمد بن عبد العزيز مكانه وجرت مفاوضات انتهت بتسليم المدينة بلا حرب في صباح السبت 5/ ديسمبر /1925 . وغضب فيصل الدويش ، وغادر الى قلعته الارطاوية مغاضبا لعبد العزيز.

3 ـ  بعد ضم الحجاز اكتملت أهداف عبد العزيز السياسية ولم يعد بحاجة الي قوة الأخوان ،كما لم يعد يتحمل مشاكلهم ،وأراد ان يعتمد علي أنظمة حديثة يساير بها التطورات العالمية دونما معارضة ،كما ان حماية أرجاء بلاده الواسعة تطلب تطويرا في حرب الصحراء وفي الأسلحة التي لم يكن للإخوان ان يتأقلموا عليها . ولذلك أعاد عبد العزيز الأخوان الي نجد مع مكافآت مجزية من المعاشات والأراضي وغنائم الحرب ،ولكنهم كانوا يريدون استمرار الجهاد والتوسع ،ولم يعرفوا انهم وصلوا الي الحدود المسموح بها دوليا ،وان الأمر اصبح بيد إنجلترا والقوي الدولية معا . وتألم الأخوان عندما وجدوا  عبد العزيز يحسن معاملة الإنجليز الكفار و(المشركين) من الأردن والعراق والحجاز بل ويبعث بابنه فيصل الى لندن وابنه سعود الى مصر .!

4 ـ وأدى حادث هجومهم علي المحمل المصري الي تأكيد الأهمية عند عبد العزيز على عودتهم الي نجد ،حتي لا يسببوا لعبد العزيز المزيد من المشاكل في الحجاز ،حيث يضم الحجاز خليطا من البشر والثقافات ،وبينه وبين نجد عداء متراكم منذ العصور الوسطي ،وكانت علاقات الأخوان بالحجاز إحدى تجليات هذا العداء . كان حادث المحمل هو الحاضر الغائب فى مؤتمر الارطاوية .

 5 ـ مؤتمر الارطاوية :في ديسمبر 1926 بعد زيارة سعود لمصر مباشرة :

 أعدّه فيصل الدويش بدون حضور عبد العزيز ردا على ما إعتبروه موالاة لانجلترة ومصر ، وحضرة مشايخ مطير وعتيبة والعجمان ،ووجهوا لعبد العزيز الانتقادات الآتية :إرسال ولده سعود الي مصر و ولده فيصل الي لندن وهما من بلاد الشرك .دخول المحمل المصري الي مكة مسلحا .استخدام التليفون والسيارات والتلغرافات وهي من أعمال السحر .طلب تفسير لمنع التجارة مع الكويت .فان كانوا مسلمين تعاملنا معهم وان كانوا مشركين حاربناهم . المكوس والضرائب في نجد والتشريعات الوضعية .لماذا السكوت عن شيعة الاحساء والقطيف والتغاضي عن إدخالهم في دين الجماعة .لماذا السماح لبادية العراق وشرق الأردن بالرعي في مراعي المسلمين .وهدم القبور. .

6 ـ وتطورت المعارضة السياسية بالمؤتمرات ثم إنتقلت الى الصدام المسلح والذى إنتهى بتخلص عبد العزيز من إخوانه النجديين بعد فوزه عليهم فى موقعهة السبلة 1929 : 1930 ، وحكم منفردا ، ثم ما لبث أن اعطى دولته إسم عائلته عام 1932 .  

أخيرا  : حادث المحمل الذى فجّر الخلاف علنيا بين عبد العزيز والاخوان النجديين أدى الى تفكير عبد العزيز فى تكوين (إخوان ) فى مصر يقومون بحكم مصر وتحويلها الى عُمق لدولته ، ولكى ينجح هذا التطور السياسى لا بد من إقامة جمعيات سلفية وهابية تُحوّل مصر من دينها التصوف السنى الى الوهابية . وهنا تكمن أهمية رشيد رضا . ولكنه لم يكن الوحيد . 

اجمالي القراءات 7117