لكل من يسأل عن بني إسرائيل
لكل من يسأل عن بني إسرائيل

أسامة قفيشة في الثلاثاء ٢٥ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

لكل من يسأل عن بني إسرائيل

يعقوب علية السلام هو المسمى بإسرائيل , و أبناؤه الإثنا عشر هم من أسس ما يعرف ببني إسرائيل هم و ذريتهم ,

قضية قوم بني إسرائيل و سيرهم في قرآننا العظيمليست كسير سواهم من البشر فهم الأكثر ذكراً ثم يليهم فرعون , لذا تطرق القرآن الكريم لهم أكثر من سواهم , و تحدث لنا عنهم بكل وضوح كي نستخلص العبر و الدروس من ذلك ,

و لأن القرآن الكريم كلام الله جل و علا المنزّل إلينا , بجميع سوره و آياته و حروفه , بمحكمه و متشابهه , بتشريعه و قصصه , و بما أن جميع سوره و آياته و كلماته بيّنات , و لأنه جل وعلا هو القائل ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) 29 ص ,

و لأنه يتوجب علينا تدبر آياته كلها دون تفريق , و دون الخلط بين المحكم و المتشابه و دون الخلط بين تشريع الأوامر الدينية من أوامر و نواهي  و بين العظة و العبرة الموجه لنا و المستخلصة من القصص الوارد في الكتاب الحكيم , فلا داعي للتحرج أبدا من العبر و الدروس المستخلصة من هذا القصص ( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) 2 الأعراف . 

تبدأ حكاية بني إسرائيل في الذكر الحكيم من بداياتها , و سنتعرض في هذا المقال لتلك البدايات و نتناول سورة من سور الكتاب الكريم و هي ما وردنا من ذكر مبين لتلك البدايات , لننظر و نتدبر ما ورد في سورة يوسف عليه السلام و نستعرض تلك البدايات .

بداية ً أود القول بأن أبناء يعقوب عليه السلام المؤسسون لبني إسرائيل و نشأة هذا العرق من البشر هم اثنا عشر فرداً , و سورة يوسف التي تخبرنا عن تلك البداية جاءت في المقام الثاني عشر بترتيب سور الكتاب الحكيم ,

فمن يسأل عن بني إسرائيل فقول الله جل وعلا يكفيه ( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ) 7 يوسف . 

تبدأ السورة بالتنبيه فتقول ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) 1-2 يوسف , أي أن ما سيرد من قصص هو من ضمن آيات الكتاب المبين , فهذا القصص الذي سيقصه الخالق جل وعلا على مسامعنا ليس من باب المطالعة السطحية و لا من باب اكتساب المعرفة فقط , بل من أجل أن نتدبره مثله مثل كل آياته , فكل آياته قد فصلت لمن أراد أن يعقل و يعلم (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) 3 فصلت , و هذا القصص الذي سيقص علينا ما هو إلا للعظة و التبيان من أجل أن نعقله جيداً , لذا انتهت الآية الثانية بقوله ( لعلكم تعقلون ) ,

و لأننا نؤمن بكلام الله جل و علا بأنه الحق المطلق (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) 105 الإسراء , فإننا كذلك نؤمن بالعبرة و الموعظة الواردة في ما ورد به من قصص لنتدبرها و نستخلص منها الدرس ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ) 3 يوسف .

أرض البداية هي أرض مصر , دخلوها و أقاموا فيها و تكاثروا هناك و بقيوا فيها إلى أن بعث الله جل و علا موسى عليه السلام ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) 99 يوسف , و هي الأرض المقدسة التي قلنا و أوضحنا هذا الأمر في المقالين السابقين , فحتمية وجود الوادي المقدس بأن يكون على الأرض المقدسة ,

هؤلاء المؤسسون عددهم اثنا عشر , عشرة منهم من نفس الأم و اثنان من أم أخرى و هما يوسف و أخوه ( وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) 59 ,

لم يقتصر كيدهم و حقدهم ليوسف عليه السلام وحده , بل تعدى هذا الكيد و هذا الحقد ليصل لأخيه من نفس الأم ( وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) 69 يوسف ,

و يبدو بأن أخاهم الكبير قد تاب توبة ً صادقة ً في نهاية المطاف بعد كل تلك المصائب (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) 80 يوسف ,

هنا نلاحظ ثلاثة أخيار لو اعتبرنا بأن أخاهم الكبير من ضمنهم مقابل تسعة أشرار , أي ما نسبته 25 % خير مقابل 75 % شر ,

هذا الشر المتمثل بنسبة 75 % من المؤسسين ما هي صفاته و ما هي أفعاله , لنرى ذلك :

1 - ( قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) , يعقوب عليه السلام كان يعلم جيداً أنهم لا خير فيهم , لذا قام بتحذير يوسف عليه السلام من إخبارهم بتلك الرؤيا .

2 - ( إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) ,

الحسد كان يملأ قلوبهم و الكبر والغرور منهجهم ( و نحن عصبه ) .

3 - ( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ) ,

القتل هو أول خيار يراودهم ثم النفي و التهجير من أجل ذواتهم , و بعدها بحلها الحلّال .

4 - ( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) ,

أفضل خياراتهم كان بإلقاء يوسف عليه السلام في البئر , و يبدو لي بأن من أقترح هذا هو أخاهم الكبير الذي يبدو بأنه قد تاب نهاية المطاف .

5 - ( قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ) ,

يدعون بأنهم حريصين على عدوهم , و بأنهم يقدمون الخير له من أجل خطتهم و التخلص منه .

6 - ( أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ,

حجتهم تكمن في توفير الرعاية و حق عدوهم في الحياة الجميلة و حرصهم على تلك الحقوق من أجل حياة أفضل .

7 - ( وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ ) ,

بارعون في التمثيل بأنهم الضحية و الخاسر المسكين المعتدى عليه .

8 - ( قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) ,

لهم القدرة الفائقة في تبرئة أنفسهم و إخلاء طرفهم من الجريمة باتهام غيرهم و من إلصاق التهمة به ظلما و زورا .

9 - ( وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) ,

يأتون بأدلة و مشاهد مفبركة من أجل الخداع و إدانة الغير .

10 - ( قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) ,

نقضهم للمواثيق .

11 - ( قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ ) ,

الكذب من أجل الخلاص و نيل ما يريدون .

12 - ( قَالُواْ تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) ,

لا يحبون سماع الماضي بحقيقته بحجة من يذكر ذلك و يعيش عليه فمصيره الهلاك , أي أن عامل الزمن كفيلٌ بتغير حقيقة الماضي و انتهائه بشكل كلي و الخضوع لسياسة الأمر الواقع .

13 - ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ * فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) ,

يفعلون الفعل من أجل هدف آخر لا علاقة له , أي ظاهره شيء و باطنه شيء آخر .

14 - ( قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ,

يعتبرون جرائمهم بأنها مجرد خطأ , و يقابلهم يوسف عليه السلام بالعفو و الصفح راجياً من الله جل وعلا أن يغفر لهم .

15 - ( قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) ,

هنا تلاحظ بأنهم من بعد العفو و الصفح من قبل يوسف عليه السلام و اعترافهم أمامه بأنهم كانوا مخطئين و عودتهم إلى أبيهم , نلاحظ إصرارهم على جريمتهم و عدم توبتهم و إصرارهم على الكذب في إخفاء الحقيقة و تضليلها .

16 - ( ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ * وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) ,

يجتمعون في سبيل المكر , و المكر هو إلحاق الأذى و الضرر بالغير و التخطيط له بشكلٍ سرّي , كما نلاحظ بأن هذا القصص كان موجهاً في المقام الأول لمحمد عليه السلام كي يعلم حقيقة من أسس بني إسرائيل منذ البداية , و يستشف هنا بأن هذا الأمر كان توجيهاً للنبي محمد عليه السلام كي يكون بمثابة عبره و استخلاص للدرس , فيبدو لي بشكلٍ شخصي بأن محمداً عليه السلام قد راهن على بني إسرائيل في زمانه و كرس جهده في هدايتهم , فجاءه هذا القصص من الله جل وعلا مصحوباً و معطوفاً بقوله سبحانه ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) أي لو حرصت على إيمان أكثر الناس فما هم بمؤمنين .

17 - ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ,

و هنا يأتي التأكيد بأن هذا القصص هو عبره لمن يعتبر ( أولي الألباب ) , و بأنه ليس افتراءً , بل هو تصديقٌ للواقع ( الذي بين يديه ) و تفصيلاً له , و هذا القصص هو بمثابة الرحمة و الهدى لكل من آمن أي لكل زمان و مكان .

هذا ما وردنا عن نشأة هذا العرق من مؤسسيه الأوائل و عن نهجهم و سلوكهم ( وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) 50 الأنبياء ,

و صدق الله العظيم الحكيم القائل في كتابه الكريم ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) 159 البقرة .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين

اجمالي القراءات 25024