نماذج تاريخية واقعية للأديان الأرضية فى العصر العباسى

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٥ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نماذج تاريخية واقعية للأديان الأرضية فى العصر العباسى

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية  لنشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل الرابع: تطور أديان المسلمين الأرضية فى العصر العباسى ( 132 ـ 658 هجرية ) (750-1258م )

نماذج تاريخية واقعية للأديان الأرضية فى العصر العباسى:

مقدمة :

1 ـ ما نسميه بالديانات الأرضية كانوا يسمونه ( الملل والنحل ) . وهو باب للّاهوت ، أو ما أطلق عليه فيما بعد ( علم التوحيد ) أو ( أصول الدين ) ، وهو الذى يبحث فى العقائد والاختلافات فيها ، والتى تشعبت وتأسست عليها أديان أرضية أو على حد قولهم ( ملل ونحل )

2 ـ أول من كتب فى الملل والنحل هو الامام أبو الحسن الأشعرى  ت 330 فى كتابه المشهور ( مقالات الاسلاميين وإختلاف المُصليين ) ، ثم تبعه أبو الحسين محمد بن احمد الملطى  ت 377 . ثم كتب الامام ابن حزم الظاهرى الاندلسى ت 456 كتابه ( الفصل فى الملل والأهواء والنحل ) وتابعه الشهرستانى ت 548 فى كتابه ( الملل والنحل ) .

أولئك كانوا من السنيين ، كتبوا عن ملتهم السُنية يناضلون عنها كما كتبوا عن ملل وأديان غيرهم ينقدونها . ولم يتيسر لنا أن نتعرّف على صحّة نقلهم لآراء خصومهم . ربما يقوم بذلك باحثون من الشباب .

3 ـ ونعطى نماذج تاريخية واقعية للأديان الأرضية فى العصر العباسى من خلال كتاب( التنبيه والرد ) للملطى فى القرن الرابع الهجرى عن أشهر الأديان الثلاثة فى عصره فى كتابه ( التبيه والرد على أهل الأهواء والبدع )، والمؤلف :- محمد بن أحمد بن عبدالرحمن. فقيه شافعى من رواة الحديث . توفى فى عسقلان سنة 377 هـــ . والكتاب :- من أقدم المصادر فى أحوال الفرق والنحل والملل ، وذكر ما لم تذكره باقى كتب الملل والنحل ، ومنهجه أنه يذكر الفرقة وآرائها ومعتقداتها ويرد عليها من خلال دينه السنى . وواضح أنه ينقل آراء تلك الملل من الشائع فى عصره عنهم سواء من أدلتهم وتأويلاتهم أو مما يمارسونه من سلوكيات مرتبطة بمعتقداتهم .

أولا :  

يقول الملطى عن عقيدة دين السنة

( قال محمد بن عكاشة رحمه الله : أن معاوية بن حماد الكرماتى ، عن الزهرى قال ( من اغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين قرأ فيهما : ( قل هو الله أحد ) ألف مرة رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى منامه . قال محمد بن عكاشة قدمت عليه ليلة جمعة  أصلى الركعتين أقرأ فيهما أقرأ فيهما ( قل هو الله أحد ) ألف مرة طمعا أن أرى النبى صلى الله عليه وسلم فى منامى فأعرض عليه هذه الأصول، فأتت على ليلة باردة فاغتسلت وصليت ركعتين ثم أخذت مضجعى فأصابنى حلم ، فقمت ثانية وصليت ركعتين ، وفرغت منهما تقريبا قبل الفجر فاستندت إلى الحائط ووجهى إلى القبلة إذ دخل على النبى صلى الله عليه وسلم ووجهه كالقمر ليلة البدر ، وعنقه كأبريق فضة فيه قضبان الذهب على النعت والصفة ، وعليه بردتان من هذه البرود اليمانية قد إتزر بواحدة وارتدى بأخرى ، فجاء واستوفز على رجله اليمنى وأقام اليسرى ، فأردت أن أقول : حياك الله فبادرنى وقال : حياك الله ، وكنت أحب أن أرى رباعيته ـ أى سنته الرابعة ـ المكسورة فتبسم فنظرت إلى رباعيته فقلت يا رسول الله إن الفقهاء والعلماء قد اختلفوا ..وعندى أصول السنة أعرضها عليك فقال: نعم ، فقلت :- الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والصبر على حكم الله، والأخذ بما أمر الله والنهى عما نهى الله عنه والإخلاص بالعمل لله ، والإيمان بالقدر خيره وشره من الله ، وترك المراء والجدال والخصومات فى الدين ، والمسح على الخفين ، والجهاد مع أهل القبلة ، والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة ، والإيمان يزيد وينقص قول وعمل ، والقرآن كلام الله، والصبر تحت لواء السلطان على ما كان فيه من جور وعدل ، ولا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا ، ولا ينزل أحد من أهل التوحيد جنة ولا نارا ، ولا يكفر أحدا من أهل التوحيد بذنب وإن عملوا الكبائر ، والكف عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فلما أتيت : والكف عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بكى حتى علا صوته – وأفضل الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علىّ ، قال محمد بن عكاشة : فقلت فى نفسى:" علىّ إبن عمه وختنه" فتبسم عليه السلام كأنه علم ما فى نفسى. قال محمد:قدمت ثلاث ليا متواليات أعرض عليه هذه الأصول، وعيناه تهملان بالدموع قال : فوجدت حلاوة فى قلبى وفمى فمكنت ثلاث ليال لا آكل طعاما  ولا أشرب شرابا حتى ضعفت عن صلاة الفريضة فلما أكلت ذهبت تلك الحلاوة ، وكفى بالله شهيدا )) التنبيه والرد : 15-17

التعليق :-

هنا نرى الملطى يدافع عن دينه السنى بالإسناد والوحى الكاذب ؛ فهو يروى روايه يذكرها عن محمد بن عكاشة الذى يقول أنه أخبره معاوية بن حماد الكرمانى الذى يروى عن الزهرى ثم يزعم الزهرى أن من أغتسل ليلة الجمعة وصلى ركعتين يقرأ فيهما ألف مرة سورة " قل هو الله أحد " يستطيع أن يرى النبى محمد فى منامه . وقد فعل محمد بن عكاشة ذلك فرأى النبى فى المنام ، فسأله عن أصول دين أهل السنة وأخذ منه الإجابة .وبذلك الإسناد فى الرواية وبالمنام الذى يتضمن وحيا جاء من النبى يقيم محمد بن عكاشة والملطى أسس الدين السنى .وأسس الدين السنى بهذا تستند ليس إلى  القرآن الكريم . فلم يرد فيما قاله الملطى  آية قرآنية، ولكنها تقوم ردا على الأديان الأخرى مستندة على أكاذيب منسوبة للنبى محمد على أنه قالها لأحدهم فى المنام .

وبالنظرة السريعة إلى أصول السنة نراها ردا على القدرية والمعتزلة والخوارج والشيعة ..

القدرية كانوا يقولون بمسئولية الإنسان على أفعاله الظالمة حتى لا يتحجج الحاكم بأن الظلم الذى يرتكبه قد أراده الله تعالى وقدره سلفا .ويرد الملطى عليهم بأن أصول السنة هى " الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله تعالى والصبر على حكم الله ... والإيمان بالقدر خيره وشره من الله " وبناءا عليه فإن أى ظلم يقع لابد من التسليم به لأنه من الله .ثم يؤكد على براءة السلطان من الظلم ويأمر بالصبر " تحت لواء السلطان على ما كان فيه من جور وعدل ولا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا." والواضح هنا أن دين السنة يعبر عن السلطان الظالم الحاكم.

وفى الرد على الخوارج يقول: " النهى عن الخروج على السلطان مهما بلغ جوره . وعدم تكفير المسلم العاصى الذى يرتكب كبائر الذنوب "

وفى الرد على الشيعة " النهى على سب الصحابة ويؤكد على أفضلية الصحابة وفق ترتيب الخلفاء الراشدين بأن يكون ( علىً ) فى المؤخرة وتفضيل ( عثمان ) عليه .

ولا ينسى أن يجعل من أسس الدين السنى المسح على الخفين ( الحذاء ) وهو ابتداع جديد جاء به التشريع فى الدين السنى ولم يرد فى القرآن الكريم.

ثانيا :

ويقول الملطى عن التشيع وطوائفه ويسميهم الرافضة وأهل الضلال :

(إن أهل الضلال الرافضة ثمانى عشر فرقة يتلقبون بالإمامية . وأنا أذكرها إن شاء الله على رتبها:

فأولهم الفرقة الغالية من السبئيةوغيرهم ، وهم أصحاب عبدالله بن سبأ ، قالوا لعلى عليه السلام : أنت أنت . قال . ومن أنا ؟ قالوا : الخالق البارىء، فاستتابهم فلم يرجعوا ، فأوقدوا لهم نارا ضخمة وأحرقهم ،وقال مرتجزا :

لما رأيت الأمر أمرا منكرا                       أججت نارى ودعوت قنبرا

فى أبيات له عليه السلام ، وقد بقى منهم إلى اليوم طوائف يقولون ذلك .. ...

وهم يقولون  إن عليا ما مات ولا يجوز عليه الموت ، وهو حى لا يموت.

والفرقة الثانية من السبئيةيقولون أن عليا لم يمت وإنه فى السحاب ، وإذا نشأت سحابة بيضاء منيرة صافية موعدة قاموا إليها يبتهلون ، ويتضرعون ويقولون " لقد مر بنا عليّ فى السحاب ".

والفرقة الثالثة من السبئيةهم الذين يقولون ، إن عليا قد مات ، ولكن يبعث يوم القيامة ويبعث معه أهل القبور حتى يقاتل (المسيح )الدجال ويقيم العدل والقسط فى العباد والبلاد ، وهؤلاء لا يقولون إن عليا هو الله ولكن يقولون بالرجعة .

والفرقة الرابعةمن السبئية يقولون بإمامة على ، ويقولون : هو فى جبال رضوى حى لم يمت ويحرسه على باب الغار الذى هو فيه تنين وأسد، وإنه صاحب الزمان يخرج ويقتل المسيح الدجال ويهدى الناس من الضلال ويصلح الأرض بعد فسادها .

الفرقة الخامسة: هم القرامطة ،والديلم ، وهم يقولون ، إن الله نور علوى لا تشبههة الأنوار ولا يمازجه الظلام ،وأنه تولد من النور العلوى النور الشعشانى فكان منه الأنبياء والأئمة فهم بخلاف طبائع الناس ، وهم يعلمون الغيب ويقدرون على كل شيىء ولا يعجزهم شيىء ويقهرون ولا يُقهرون ويعلمون ولا يُعلّمون ، ولهم علامات ومعجزات وآمارات ، ومقدمات قبل مجيئهم وظهورهم وبعد ظهورهم يُعرفون بها ، وهم مباينون ( مختلفون ) لسائر الناس فى صورهم وأطباعهم ، وأخلاقهم وأعمالهم . وزعموا أنه تولد من النور الشعشانى نور ظلامى وهو النور الذى تراه فى الشمس والقمر والكواكب والنار والجواهر الذى يخالطه الظلام ، وتجوز عليه الآفات والنقصان ، وتحل عليه الآلآم والأوصاب ، ويجوز عليه السهو والغفوات والنسيان والسيئات والشهوات والمنكرات ، غير أن الخلق كله تولد من القديم البارىء وهو النور العلوى الذى لم يزل ولا يزال ولا يزول سبب الحوادث وأبدع الخلق من غير شيىء كان قبله ..فيصفون الله عز وجل كما يصفه الموحدون مع قولهم أنه نور لا يشبه الأنوار. ثم يزعمون أن الصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات نافلة وليست فرضا.. وزعموا أنه لا جنة ولا نار ، ولا بعث ولا نشور ، وأن من مات بلى جسده ، ولحق روحه بالنور الذى تولد منه حتى يرجع كما كان .وقوم منهم يقولون بتناسخ الروح .وزعموا أن كل ما ذكر الله عز وجل فى كتابه من جنة ونار وحساب وميزان وعذاب ونعيم فإنما هو الحياة الدنيا فقط من الأبدان الصحيحة  والألوان الحسنة والطعوم اللذيذة والروائح الطيبة والأشياء المبهجة التى تنعم بها النفوس . والعذاب هو الأمراض والفقر والآلآم والأوصاب وما تتأذى بها النفوس. وهذا عندهم الثواب والعقاب على الأعمال. وهم يقولوا بالناسوت فى اللاهوت على قول النصارى سواء ، يزعمون أن الإنسان هو الروح فقط وأن البدن هو مثل الثوب الذى هو لابسه فقط ، ويزعمون أن كل ما يخرج من جوف واحد منهم من مخاط ونخاع ورجيع وبول ونطفة  ومذى ودم وقيح وصديد وعرق فهو طاهر ونظيف ، حتى ربما أخذ بعضهم من رجيع ( براز ) آخر وأكله لعلمه أنه طاهر ونظيف . وزعموا أن من قال بهذا القول واعتقد هذا المذهب فهو مؤمن ونساؤهم مؤمنات محقنوا الدماء محقنوا الأموال ، ومن خالفهم فى قولهم واعتقادهم فهو كافر مشرك حلال الدم والمال والسبى. ويسمى بعضهم بعضا المؤمنين والمؤمنات. وزعموا أن نساء بعضهم  حلال لبعض ، وكذلك أموالهم وأبدانهم مباحة من بعضهم لبعض لا تحظير بينهم ولا منع ، فهذا عندهم محض الإيمان ، حتى لو طلب رجل منهم من أمرأة نفسها أو من رجل أو من غلام فامتنع عليه فهو كافر عندهم خارج من شريعتهم ، وإذا أمكن من نفسه فهو مؤمن فاضل. والمفعول به من النساء والرجال أفضل عندهم من الفاعل ، حتى يقوم الواحد منهم من فوق المرأة التى لها زوج .. فيقول لها طوباك يا مؤمنة ، وهكذا يقول للرجل والغلام إذا أمكن من نفسه. وكذلك أموالهم وأملاكهم لا يحظرونها ومن بعض على بعض مباحة بينهم. وهم فى الحرب لا يدبرون حتى يقتلوا، ويقولون : حياة بعد القتل والموت إنا نخلص أرواحنا من قذر الأبدان وشهواتها ونلحق بالنور. وهم يرون قتل من خالفهم، لا يتحاشون من قتل الناس، وليس عندهم فى ذلك شيىء يكرهونه، فأما شرب الخمر والمنكر والملاهى وسائر ما يفعله العصاة فهو عندهم شهوات إن شاء فعلها وإن شاء تركها ولا يرون فيها وعيدا ولا فى تركها ثوابا ..

والفرقة السادسة: هم أصحاب التناسخ وهم فرقة من هؤلاء الحلولية يقولون أن الله عز وجل نور على الأبدان والأماكن، وزعموا أن أرواحهم متولدة من الله القديم وأن البدن لباس لا روح فيه ولا ألم عليه ولا لذة فيه، وأن الإنسان إذا فعل الخير ومات صار روحه الى حيوان ناعم مثل فرس وطير وثور .. يتنعم فيه ثم يرجع إلى بدن الإنسان بعد مدة ، وإذا كان نفسا خبيثة شريرة ومات، صارت روحة فى بدن حمار أو كلب أجرب يعذب فيه بمقدار أيام عصيانه ثم يرد إلى بدن الإنسان ، ولم تزل الدنيا هكذا ، ولا تزال تكون هكذا ..

وأما الفرقة السابعةمن الحلولية فهم الذين يقولون : أن الله تبارك وتعالى بعث جبريل إلى علىّ فغلط جبريل وذهب إلى محمد عليه السلام فاستحيا الرب وترك النبوة فى محمد صلى الله عليه وسلم وجعل عليا وزيره والخليفة بعده .

والفرقة الثامنةمن الحلولية زعموا أن محمدا وعليا شريكان فى النبوة وأن الرسالة إليهما وأن طاعتهما ومعصيتهما واحد لا فرق بينهما، وأن عليا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. والفرقة التاسعة : هم المختارية الذين يقولون بنبوة المختار بن أبى عبيدة ، وينحون نحو التناسخية من الحلولية..

والفرقة العاشرةهم السمعانية الذين يقولون بنبوة ابن سمعان وينحون نحو التناسخ أيضا .والفرق الحادية عشر : هم الجارودية ، وهم الغالية والتناسخية ، لا يفصحون بالغلو ، ويقولون أن الله عز وجل نور وأرواح الأئمة والأنبياء منه متولدة ، وينحون نحو التناسخ ، ولا يقولون بإنتقال الروح من جسد إنسان إلى جسد غير إنسان بل يقولون بإنتقال الروح من جسد إنسان ردىء إلى جسد إنسان ..ممرض فتعذب فيه مدة بما عمل من الشر والفساد ثم تنتقل إلى جسم متنعم قتنعم فيه طول ما بقيت فى الجسد الأول ..

الفرقة الثانية عشر من الإمامية: هم أصحاب هشام بن الحكم يعرفون بالهشامية وهم الرافضة الذين روى فيهم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يرفضون الدين ، وهم مشتهرون بحب علي رضى الله عنه فيما يزعمون ..وهم أيضا ملحدون ، لأن هشاما كان ملحدا دهريا ، ثم انتقل إلى الثنوية والمانية ( نسبة الى مانوى  الفارسى ) ..فزعم هشام لعنه الله أن النبى عليه الصلاة والسلام نص على إمامة علىّ فى حياته بقوله "" من كنت مولاه فعلىّ مولاه "" وقوله لعلىّ " أنت منى بمنزلة هارون مون موسى إلا أنه لا نبى بعدى " وبقوله "" أنا مدينة العلم وعلىّ بابها "" وبقوله لعلىّ: " تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله "" وأنه وصىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفته فى ذريته وهو خليفة الله فى أمته ، وأنه أفضل الأمة وأعلمهم ، وأنه لا يجوز عليه السهو ولا الغفلة ولا الجهل ولا العجز، وأنه معصوم، وأن الله عز وجل نصبه للخلق إماما لكى لا يهملهم وأن المنصوص على إمامته كالمنصوص على القبلة وسائر الفرائض ، وأن الأمة بأسرها من الطبقة الأولى بايعوا أبا بكر الصديق رضى الله عنه فكفروا وارتدوا وزاغوا عن الدين، وأن القرآن نسخ وصعد به للسماء لردتهم ، وأن السنة لا تثبت بنقلهم إذ هم كفار ، وأن القرآن الذى فى أيد الناس قد ..وضع أيام عثمان ، وأحرق المصاحف التى كانت قبل، وأن الأمة قد داهنت وغيرت وبدلت ونافقت لأحقاد كانت لعلىّ فيهم من قتله آبائهم وعشيرتهم مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غزواته، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعائشة رضى الله عنهم أجمعين عندهم من شر الأمة وأكفرهم يلعنونهم ويتبرؤن منهم، وأنه ما بقى مع على عليه السلام إلا أربعة : سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد بن الأسود ، وأن أبا بكر مر بفاطمة بنت النبى محمد  عليه السلام فرفس فى بطنها فأسقطت وكان سبب علتها وموتها ، وأنه غصبها ضيعة "فدك".فذكر أشياء كثيرة مما كاد بها الإسلام من المخاريق والأباطيل والزور التى لا تجوز عند العلماء ولا تخفى إلا على أهل العمى والغباء ، وأنه ليس لله حجة على خلقه فى الدين والشريعة فى كتاب ولا سنة ٍولا إجماع إلا من قبل الإمام الذى اختصه الله لدينه على كتمان ، وتقية ، وإخفاء ..فأباح بهذا القول المحارم وأطلق كل محذور ، إذ لا حجة لأحد بزعمه فى حلال أو حرام مع أشياء كثيرة يطول ذكرها من نحو هذا الكلام ٍالذى فيه هدم الدين .

والفرقة الثالثة عشر من الأماميةهم الإسماعيلية ، يتبرؤون ( أى يتبرءون من أبى بكر وعمر وعثمان ومعاوية ..الخ )ويتولون ( أى يناصرون ويقدسون عليا وذريته )، ويقولون بكفر من خالف عليا ، ويقولون بإمامة الأثنى عشر(إماما) ويصلون الخمس ويظهرون التنسك والتأله والتهجد والورع ولهم سجادات وصفرة فى الوجوه وعمش فى أعينهم من كثرة البكاء والتأوّه على المقتول فى كربلاء : الحسين بن على ورهطه ، رضى الله عنهم ويدفعون زكاتهم وصدقاتهم إلى أئمتهم، ويتحنئون بالحناء ويلبسون خواتمهم فى أيمانهم ويشمرون قمصانهم وأرديتهم كما تصنع اليهود .. وينوحون على الحسين عليه السلام ، واعتقادهم العدل والتوحيد والوعيد وإحباط الحسنات مع السيئات ويكبرون على جنائزهم خمس ويأمرون بزيارة قبور السادة .

والفرقة الرابعة عشر من الأمامية. هم أهل قم : قولهم قريب من قول الإسماعيلية غير أنهم يقولون بالجبر والتشبية، يجمعون بين الظهر والعصر فى أول الزوال ، وبين  المغرب والعشاء فى جوف الليل آخر وقت المغرب عندهم ، ويصلون صلاة الفجر بين طلوع الفجر الأول ..ويمسحون فى الوضوء بالماء على ظهور أقدامه وأسفلها ، ولهم طعن على السلف وشتم عظيم حتى يبلغ الواحد منهم أن يأخذ شيئا ..يحشوه تبتا أو صوفا يسميه أبا بكر ، وعمر ، وعثمان رضى الله عنهم ويضربه بالعصى حتى يهريه ليشفى فى ذلك ما فى قلبه فى الغل للذين آمنوا، مع أشياء يقبح ذكرها من مذاهبهم ..

والفرقة الخامسة عشر هم الجعفريةيشبه قولهم قول الإسماعيلية.

والفرقة السادسة عشر: القطعية العظمى : الذين يقطعون على محمدا وعليا عليهما السلام ويقولون قول الجعفرية ويتبرءون ويتولون .( أى يقطعون الامامة بعد محمد وعلى )

والفرقة السابعة عشرالقطعية القصرى : الذين يقطعون على الرضا ويقولون لا إمام بعده رضى الله عنه ، ويقتدون بمن قبلهم من أخوانهم القطعيه العظمى فى جميع مذاهبهم .

والفرقة الثامنة عشرهم الزيدية : أصحاب زيد بن على رضى الله عنهما وهم أربع فرق :فالأولى من الزيدية أعظمهم قولا وهم الذين يكفّرون الصدر الأول وسائر من ينشؤا أبدا إذا خالفهم، ويرون السيف والسبى واستهلاك الأموال وقتل الأطفال واستحلال الفروج ( يعنى استحلال السبى واغتصاب نساء من يخالفهم فى الدين والملة )، وليس فى الإمامية أكثر ضررا منهم فى الناس ، إنما هو بقدر ما يخرج الواحد منهم يضع السيف والحريق والنهب والسبى ولا يقصدون ولا يرعون، وكان منهم علي بن محمد صاحب البصرة سبى العلويات والهاشميات والعربيات وباعهن مكشفات الرؤوس بدرهم وبدرهمين وأفرشهن الزنوج والعلوج واستباح دماء المسلمين وأموالهم واهراق الدماء وقتل الأطفال وأحرق المصاحف  والمساجد وكان يقول ( لا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) وكان يستحل كل ما حرم الله .( يقصد صاحب ثورة الزنج فى العصر العباسى )

والفرقة الثانية من الزيدية: يكفرون السلف ويتبرؤن ويتولون ولا يرون السيف ولا السبى ولا استحلال الفروج ولا الأموال .

والفرقة الثالثة من الزيديةيقولون أن الأمة ولت أبا بكر رضى الله عنه إجتهادا لا عنادا وقصدوا فأخطأوا فى الإجتهاد وولوا مفضولا على فاضل فلا شيىء عليهم وإنما أخطأوا فى ذلك ولم يتعمدوا فقالوا بالنص ولم يتبرأوا ولم يكفروا أحدا .. يظهرون زهدا وعبادة وخيرا ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقولون بالعدل والتوحيد والوعيد .

والفرقة الرابعة من الزيديةهم معتزلة بغداد .. يقولون بإمامة المفضول على الفاضل ويقولون أن عليا عليه السلام أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسبقه بالفضل أحد من الأئمة ، وزعموا أن إمامة المفضول على الفاضل جائزة لما ولى النبى صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على فضلاء المهاجرين والأنصار فى غزوة ذات السلاسل..)

( 18ـ 19 )  ( 32: 34 ) (156 – 164 )

التعليق

اهتم الملطى بتتبع الشيعة وسائر طوائفهم، فكرر الكلام عنهم فى أكثر من موضع فى كتابه، ولكنه تحامل عليهم أكثر من غيرهم ،يبدو هذا من غيظه من هشام بن الحكم وفرقته مع أنهم أقل تطرفا من بقية طوائف الشيعة فى الاعتقاد وسفك الدماء، والسبب هو أن هشام تخصص فى الهجوم على أعلام الصحابة وتزييف الأحاديث والأحداث مستعملا طريقة السنيين فى تدعيم الرأى.

كما أن الملطى أضاف للشيعة قائد حركة الزنج، ولم يكن شيعيا ، ولكنه سفاح مغامر ارتدى التشيع غطاء لحركته العسكرية ثم تحول عنه سريعاالى مذهب الخوارج ، ولأنه ليس شيعيا فقد كان يقتل المنتسبين لذرية علىّ  ويبيح لجنده من الزنوج وغيرهم اغتصاب واسترقاق النساء العلويات وبيعهن بأرخص الأثمان.

الغريب ان الملطى يضيفه الى الزيدية. والزيدية هم أكثر الشيعة اعتدالا وهم ينتمون الى زيد بن على زين العابدين بن الحسين، وهو الذى ثار على الأمويين فخذله ـ كالعادة ـ أتباعه العراقيون ففشلت ثورته وقتله الأمويون فى خلافة هشام بن عبد الملك.

مع ذلك فان الملطى توسع فى تفصيلات عقائد الشيعة فى عصره، والتى تردد المعتقدات الفارسية القديمة من وجود الاهين أحدهما للنور والخير والآخر للظلام والشر.والتبرؤ من أعداء علىّ وموالاة على ّ وبنيه ـ والذى يتحدد به دين التشيع ـ هو أيضا صورة من العقيدة الفارسية فى وجود اله الخير واله الشر، فقد جعلوا عليا اله الخير الذى يجب موالاته كما جعلوا آلهة الشر والظلام متجسدين فى ابى بكر وعمر وعثمان ومعاوية ..الخ. وهى أيضا رؤية قومية فارسية ، لأن أبابكر وعمر وعثمان هم الذين دمروا امبراطورية الفرس الكسروية واحتلوا بلادهم واستعبدوا أهاليهم.

بعد المسح الذى أجراه الملطى لطوائف الدين الشيعى فى القرن الرابع الهجرى اندثرت فيما بعد بعض الطوائف التى ذكرها وبقيت أخرى مثل زيدية اليمن والاثناعشرية الامامية فى ايران والدرزية فى لبنان وفلسطين،وأتباع أغاخان الاسماعيلية فى الهند وأوربا وأمريكا. واستجدت فرق شيعية مثل النصيرية العلوية الحاكمة الآن فى سوريا ، وخرجت عن التشيع طوائف مثل البابية والبهائية.

ثالثا :

وقال الملطى عن الصوفية وقد سماهم: الروحانية

( وهم أصناف ، وأنما سموا الروحانية لأنهم زعموا أن أرواحهم تنظر إلى ملكوت السموات  وبها يعاينون الجنان ويجامعون الحور العين. ..

ومنهم صنفمن الروحانيين زعموا أن حب الله يغلب على قلوبهم ، وأهوائهم ، وأرادتهم حتى يكون حبه أغلب الأشياء عليهم ، فإذا كان منزلته عندهم كانوا عنده بهذه المنزلة ، ووقعت عليهم الخلة من الله فجعل لهم السرقة والزنا وشرب الخمر والفواحش كلها على وجه  الخلة التى بينهم وبين الله لا على وجه الحلال ولكن على وجه الخليل كما يحل للخليل الأخذ من مال خليله بغير أذنه . منهم رباح وكليب كانا يقولان بهذ المقالة ويدعوان إليها .

ومنهم صنفمن الروحانية زعموا : أنه ينبغى للعباد أن يدخلوافى مضمار الميدان حتى يبلغوا إلى نهاية السبقة من تضمير أنفسهم وحملها على المكروه، فإذا بلغت تلك الغاية أعطى نفسه كل ما تشتهى وتتمنى .. منهم ابن حيان كان بقول هذه المقالة .

ومنهم صنفيقولولون : عن ترك الدنيا إشغال للقلوب وتعظيم للدنيا ومحبة لها ولما عظمت الدنيا عندهم تركوا طيب طعامها ولذيذ شرابها ولين لباسها ..فأشغلوا قلوبهم بالتعلق بتركها .. حتى لا يشغل القلب بذكرها ، ويعظم عنده ما ترك منها ( ورباح وكليب ) كانا يقولان هذه المقالة .

ومنهم زعم ان الزهد فى الدنيا هو زهد فى الحرام فأما الحلال فمباح لهذه الأمة من أطايب الطعام ....وإن الأغنياء أفضل منزلة عند الله من الفقراء لما أعطوا من فضل أموالهم ، وفضول من نوائب حقوقهم وأدركوا من منتهى رغباتهم) . (93-94 )

التعليق:

اهتم الملطى اكثر بالتشيع والمعتزلة والقدرية، وواضح فى كتابه إلمامه بمقولاتهم واهتمامه بالرد عليهم من واقع رؤيته لدينه السنى. إلا إنه لم يكن على دراية بالتصوف فى عصره، ، لذلك نرى الملطى يسمى الصوفية الروحانية ، ولا يذكر أحدا من شيوخ الصوفية المشهورين فى عصره مع إن عصره حفل بأعلام التصوف وروّاده الأوائل.

أكثر من ذلك أنه خلط بين الزهد والتصوف وجعل الزهاد ضمن الصوفية، مع وجود فوارق أساسية بين الفريقين فى العقائد والسلوكيات والطقوس الدينية.

وقد يكون للملطى عذر فلم يكن التصوف قد دخل دور الانتشار بعد، ولم تكن صورته قد إتضحت بمثل ما إتضحت معالم التشيع والسنة وبقية الفرق والملل والنحل.

هذا ..

وقد ذكر الملطى تفاصيل عن آراء الخوارج واشهر طوائفهم . ولم نعرض لما قاله عنهم لأنه لم يكن لهم تأثير فى عصر الملطى . 

اجمالي القراءات 9055