نظام عدد السنين الإلهي - أسس البحث عنه
في البحث عن الإسلام - نظام عدد السنين الإلهي - أسس البحث عنه – الجزء الثاني

غالب غنيم في الثلاثاء ٠٩ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام - نظام عدد السنين الإلهي -  أسس البحث عنه – الجزء الثاني


بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر – 36

( ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) الأنعام – 2

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،

______________

مقدمة لا بدّ منها :

خلصنا في البحث السابق عن مفردة النسيء بكون النسيء أنه عملية إضلال للناس بالتلاعب بحرمة الأشهر الحرم بتحليلها حين الرغبة لكي يقوموا بما هو محرم القيام به في هذه الأشهر وهو القتال والصيد وشعائر الله ! ولا علاقة لها أبدا بكل ما ابتدعوه من مفردات خارج نص القرءان مثل التدوير والكبيس وغيرها من بدع المفكرين الذين تأثروا بالنظام اليهودي في تدوير شهور القمر ليصححوا اعوجاج تقويمهم!

واليوم سنبحث كيف نفقه من القرءان ونجد الأسس التي يجب أن نبني عليها التقويم الذي لا يكون فيه اعوجاج، ولهذا لم أعد أرغب في أستخدام مفردة " تقويم " لأنها في ذاتها تحوي الإعوجاج لما نقوم بتقويمه ! فنظرت أن أستخدم مصطلح " نظام عدد السنين " للتمييز بين التقاويم المعوجّة وبين ما يجب أن يكون عليه حساب السنة والشهور من دقّة في الخلق !

ففي التقويم الهجري الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا والذي لا يحوي أي أسس قرءانيه يرتكز عليها هذا التقويم، والغريب أنه حسب التراث المذكور، لم يعلم النبيّ عليه السلام به، فقد جاء به، وتم وضعه من قبل رجال منسوب اليهم، من بعد موت النبيّ بسنين عديدة، وهو تقويم مأخوذ من التقويم اليهوديّ مع حذف الكبيس فيه، فاليهود وقعوا في مأزق التحريف ذاته بعد تحريف نظام عدد السنين – التقويم – الإلهي الكوني، لكنهم عالجوا هذا المأزق بالكبيس والتدوير للشهور كل عدد من السنين لكي يرجع لأصله، أي أن تقويم اليهودي قمريّ مثله مثل الهجريّ لكن مع التدوير له بزيادة أشهر عليه أو أيام لكي لا يدور الشهر ويبقى في مكانه المناخيّ، فيكون ربيع أول في الربيع وجمادى في الشتاء، وهكذا، أي أن اليهود فهموا أن التقويم القمري، إن تركوه كما هو، هو تقويم أعوج بكل ما يحتويه من معنى اعوجاج ، فبدأوا بما يسمى عملية الكبيس، للأشهر والسنين، والتي تتم في دورة مقدارها تسعة عشر عاما، لكي يحافظوا على مواقع الأشهر مناخيّا، أي أنهم بكل بساطة وصراحة، تلاعبوا في التقويم القمري ذاته، بإضافات أشهر كبيس له من أيام معدودة، لكي لا يحدث انحراف الوقت القمري عن الشمسي، مما يعني بكل وضوح، أنه لا يوجد تقويم قمري أساسا، بينما الذي وضع التقويم الهجري أخذ من اليهود تقويمهم بدون هذا الكبيس، فأصبح تقويما ناقصا وازداد الإعوجاج فيه !

نعم ازداد بشكل واضح فاضح، فأصبح ما يسمى بشهر ربيع أول يأتي كل عام في وقت مختلف مناخيّا تماما! فمرة يأتي في الربيع، وأخرى في الصيف، ومرة في الخريف، وأخرى في الشتاء، بل هو يدور في كل فصول ومناخات وأشهر السنه، وبالطبع بقية الأشهر الهجرية تسلك نفس السلوك، فلا نستغرب أن يأتي جمادى في قمّة الحر في شهر آب ! وهكذا اختلط الحابل بالنابل !


______________


خطورة التقويم الهجري :

‘ن أخطر ما في التقويم الهجري هو إضاعته للأشهر الحرم التي بيّن الله تعالى بكل بيان ووضوح في القرءان في سورة التوبة، في بدايتها، بكونها متتابعة متلاصقة وليست كما في التقويم الهجري الذي قسمها الى ثلاث أجزاء متفرقه! وهذا هو عين عمليّة النسيء بذاتها! ففي التقويم الهجري، جعلوا الأشهر الحرم كالتالي:
الشهر الأول من السنة الهجريه شهر حرام وهو – شهر محرّم.
....
الشهر السابع من السنة الهجريه شهر حرام وهو – شهر رجب.
....
الشهر الحادي عشر من السنة الهجريه شهر حرام وهو – شهر ذو القعدة.
الشهر الثاني عشر من السنة الهجريه شهر حرام وهو – شهر ذو الحجه.

وبما أن السنة الهجرية تدور شمسيا ومناخيّا وكونيّا فقد أصبحت عملية النسيء مباحة تماما للأشهر الحرم في مثل هكذا تقويم، لأنه في كل سنة يأتي كل شهر من أشهرها في غير وقته الكونيّ ولا الشمسي ولا المناخيّ، فيتم تحليل كامل الأشهر الحرم إلا ما وقع بعض منها أحيانا كل فترة طويلة من السنين ضمن نطاق الأشهر الحرم الحقيقية - فلا يمكن أن تقع جميعها بسبب دورانها وتفريقهل لأربع أجزاء.

أما في سورة التوبة فلن يجحد بآيات الله إلا كلّ معتدٍ أثيمِ، ليمنع الخير والعلم ويكتم الحقّ عن الناس، فالله تعالى يقول بكل بيان ووضوح فيها :

(بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ *  فَسِيحُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِى ٱلْكَٰفِرِينَ *  وَأَذَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلْأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُۥ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *  إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْـًٔا وَلَمْ يُظَٰهِرُوا۟ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوٓا۟ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ *  فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلْأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُوا۟ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُوا۟ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا۟ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّوا۟ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) التوبة – 1:5

فالآيات بكل وضوح تقول أن الله يعطي مهلة مقدارها أربعة أشهر، تبدأ منذ الأذان بها في يوم الحج الأكبر، وهو يوم افتتاح موسم الحج، أول يوم في الأشهر الحرم، ويعطي الذين لم يحفظوا عهدهم مع النبيّ هذه المهلة كاملة، فإذا – انسلخ – الأشهر الحرم، وهنا يجب أن نقف ونفقه لم استخدم العزيز العليم مفردة " انسلخ " ولم يستخدم مفردة مثل انتهت أو انقضت؟!
فالانسلاخ يتم بين شيئين، شيء ينسلخ عن شيء، أي يبتعد عنه، كما نسلخ جلد الشاة تماما، ومن المعلوم أن عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا، ومن المعلوم أيضا أن منها أربعة حرم، وأن لهذه الأشهر الأربعة ميزة خاصة عند الله لكي يعمّ الخير بين الناس فيهنّ، هي كالهدنة العالمية بين كل الناس، ومنه، تنسلخ هذه الأشهر الحرم الأربعة مبتعدة بِعدّتها عن بقية السنة كلها !

أي لا يمكن أن تكون متباعدة أبدا، فعملية الإنسلاخ تعني ابتعادها عن تلك السنة بالذات، والسلخ يتم بتتابع مستمر حثيث حتى يبتعد الشيء عن الآخر تماما.. وليس بالتجزئة، وهذا كل العرب أظن سيتفقوا عليه، ومن السفاهة والسخافة أن يأتي أحد ويقول بأن السلخ يكون أجزاءا !

وسورة التوبة بالنسبة لي هي سورة الرحمة والسلام، وهي أتت بأكبر وأقوى قانون سلام لم نره أبدا في كل العصور من أي جيش أو قائد حربيّ، وسآتي على تفصيل هذه القضية لاحقا بإذن الله تعالى لكي اهدم دعاويهم عنها بكونها سورة الحرب والسيف!

ومن هنا يتضح لنا أن القرءان يهدم جملة وتفصيلا هذا التقويم المعوجّ الذي لم ينزل الله به من سلطان ولا علم ولا كتاب منير، بل ولم يعلم به النبيّ ذاته حسب قصصهم التأريخي والتاريخي عن عملية وضعه!

ومن هنا، وبعد كل هذا، وجب علينا أن نرجع للقرءان فقط لا غير، حيث لا بدّ أن نجد كيف نعلم بنظام عدد السنين – التقويم – الكوني الإلهي الذي لا علاقة له بالبشر جميعا ولو اختلفوا فيما بينهم !


______________


العود لملّة إبراهيم :

لكي نبدأ في استكشاف نظام عدد السنين الإلهي الحقّ، لا بدّ لنا من العودة الى ملّة إبراهيم لفهم منهجه وخطاه في اكتشاف الكون ومعرفة الله والعلم به، فملّة إبراهيم تتميز بكونها منهج البحث عن الحقيقة لغة، أو الحقّ باستخدام معايير الشك والتجربة ثم العلم بالشيء من بعد معرفته للوصول الى نتائج أقرب للحق واليقين.

فإبراهيم بدأ باديء الأمر بفحص ما ورثه عن آبائه من نظريات تقول بعبادة أصنام من حجارة، ويبدو أن هذه الحجارة المنحوتة أوثانا لم تفده ولم تجب على ما سالها إياه، وقد يقول أحد ما أن هذا أمر بديهيّ، لكنه في ذلك العصر لم يكن مطروحا أصلا! هو تماما كالهندوسيّ الذي يعبد البقرة في يومنا هذا، لأنها تدرّ الحليب الذي يشبه حليب أمّه فلا يسمح لنفسه أن يسأل ويتكلم مع البقرة حاليا في عصرنا هذا !
 
ولو وقف وسأل البقرة وتكلم اليها وشكى اليها لعرف أنها لا تفقه ولن تجيب، فما أكثر المغلقين لعقولهم حتى في يومنا هذا من هندوس ومن مسلمي الشِّيَع المختلفة هنا وهناك من سنّة وشيعة وصوفيين وغيرهم من الشِّيَع، ومن هنا، إبراهيم تميّز أولا عن غيره من البشر بعدم وجود رسالات اليه، فلم يأته وحي يوحي إليه وهو بين قومه، ولم يقرأ كتابا من رسول قبله، بل هو قمّة وصول البشريّة الى أهم شيء يملكونه وهو عملية العقل!

ومنه، وأعم مبدأ نرتكز عليه في ملّة إبراهيم هو تفعيل مقومات الإدراك من سمع وبصر وفؤاد – منطق – لكي نعقل ما حولنا بدون الاتكاء على مناهج الآباء والأجداد، فقام بسؤال الهته آنذاك وفقه أنها حجارة لا تستجيب، وعلم أنهم يستخدمونها مودّة بينهم، في مصالحهم المادية بينهم وبين الكهنة سواء بسواء، تماما كما الآن يتم استغلال ما يسمونه بالمراكز الدينية في جمع الأموال ومصالحهم ورواتبهم، أعرف أنني سأطيل، ولكن لابدّ لي من هذا الأمر لكي نصل سويا الى طرف الخيط في نظام عدد السنين الكونية فاعتذر منكم.

ومن هنا قام بالخطوة الجريئة التابعة لفهمه وعلمه بأن هذه ليست آلهة، بل حجارة يضلون بها الناس ليصلوا الى مصالحهم، ومن هنا نشأت فكرة الوثن، سواء كان حجرا أم بيتا أم بناءا أم شخصا بذاته، فقام بتكسير أجزاءٍ من كل صنم منها إلا كبيرها، لم يقم كما تعلّمنا بتحطيمها، فهذا لن يجدي نفعا، بل هو قطع أو كسر من كل صنم قطعة ليس أكثر، وهذا مدلول مفردة – جذاذا :
( فَجَعَلَهُمْ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) الأنبياء – 58
( وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُوا۟ فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلَا تَكُ فِى مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَٰٓؤُلَآءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ) هود – 108:109
فعطاء الله غير منقوص أبدا بل يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، فالجذاذ من نقصٍ في الشيء وعدم كماله، وهذا ما أراد إبراهيم أن يفّهمها قومه، بأن كل هذه غير كاملة الأوصاف ولا أحد منها سيجيبكم عن الفاعل، أي الأصنام التي قام بانتقاص أجزاء منها فجعلها جذاذا، أي غير مكتمله ولا كمال فيها، وأجاب قومه أن كبيرهم هو الذي فعل ذلك بالبقية، فاسألوهم إن كانوا ينطقون؟ وهنا تم مواجهة قومه بعلم المنطق !

بعد أن تبيّن لإبراهيم عدم جدوى آلهة قومه، يبدو أنه ذهب ليبحث عن الله في مكان آخر، فوجد قوما يعبدون القمر، ومن بعدهم وجد قوما يعبدون الشمس، القضية ليست متتالية كما يبدو لنا للوهلة الأولى، أو كما تعلمنا من التفاسير المختلفة، فليس من المنطق أن يعبد إبراهيم القمر ليلة واحدة وهو كان يرى القمر من قبل !

القضية حسب ظنّي أنه ذهب ليبحث عن الله في الأرض، بين أقوام آخرين غير قومه، فوجد قوما أسسوا فكرا ما لعبادة كوكب ما، أظنه الشّعرى لأن الله ذكره في القرءان نافيا لربوبيته، ثم القمر، وقام بعبادته معهم ودراسة فكرهم، فوجد في الفكرة ذاتها ثغرة، فالكوكب يختفي، وغياب القمر في المحاق كل شهر حيث يختفي تماما ولا يمكن رؤيته ! فخرج بنتيجة الرب المجذوذ ذاتها التي بين قومه، وهي أن هذا الكوكب والقمر والشمس كلها مجذوذة كربّ لكي يُعبَد، فهو يأفل، ويغيب، وقد نحتاجه في وقت غيابه بالذات فما الذي سنفعله ؟ وكذلك تماما مع القوم الذين أسسوا فكر عبادة الشمس، فخرج بنتيجة أنه هنالك إله لا يأفل ابدا ! فإبراهيم استخدم دائما مفردة " هذا ربي " ، لكي نستدل على بحثه عمن يعوله وينظر لحاله، ويرزقه، قبل أن يبحث عن الإله ذاته!

هنا كانت أهم نتيجة منطقيه توصل اليها ابراهيم، عدم أفول الربّ الإله واختفاؤه، ووجوب دوام حضوره !

ففكرة الربوبية – الرب – مرتبطة بالإعالة، فربّ البيت يعول عائلته، وربّ الناس يكلأ كل الخلق ويرزقهم بغض النظر عن كفرهم من إيمانهم، أما فكرة الإله – الألوهيّة – فهي مرتبطة بالخلق للشيء ذاته وإنشاءه، فالإله يخلق وينشيء الخلق ويعيد الخلق والإنشاء للشيء.

والآن، وبرويّة، لنركز كيف تمت رؤية إبراهيم لملكوت السموات من تدرجه من الأصنام للكواكب للقمر للشمس للنجوم كلها من خلال نظره الى السماء !

 

( وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً إِنِّىٓ أَرَىٰكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ *وَكَذَٰلِكَ نُرِىٓ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ *فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّى فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ *فَلَمَّا رَءَا ٱلْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّى فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ *فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّى هَٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ *إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ *وَحَآجَّهُۥ قَوْمُهُۥ قَالَ أَتُحَٰٓجُّوٓنِّى فِى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنِ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّى شَيْـًٔا وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ *وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الأنعام – 74:81

ولنرتل أيضا مورد الصافات لنزداد فهما وتدبرا للوقائع :

( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبْرَٰهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا ءَالِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى ٱلنُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًۢا بِٱلْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) الصافات – 83:95

كما قلت سابقا، إنّ أهم ميزة عند إبراهيم كانت في تفعيل مكوّنات الإدراك لديه، قأصبح يحلل ما يسمع وما يرى، ويستخدم المنطق في تحليله ليفقه ما يدور من حوله، فجوابه لقومه هو عين المنطق، أن اسألوهم لو كانوا ينطقون، فعلم أن أباه وقومه في ضلال بيّن واضح، أما قضية ظنّي أنا بأنه مرت عليه فترة وهو يبحث عن الله هنا وهناك بين من عاشوا في تلك الفترة فما هي إلا افتراض افترضته بإسقاطه على نفسي أنا، فليس من المنطق أن يعبد الكوكب والقمر والشمس في ثلاث أيام متتالية كما علمنا التراث!
بل المنطق يقول أنه درس وتعلم أفكار وفلسفات الأقوام من حوله مما أثرى عقله وجعله قادر وقويّ على المجادلة لاحقا في سيرته كما وضّحها القرءان الكريم. ففهم أن عباداتهم كلها منقوصة مجذوذة، فربهم دائم الإختفاء، لا يستجيب لأحد منهم، ولا قدرة له على أن يكون الها يخلق وينشيء، وهنا النتيجة المهمة والقوية التي توصل إليها إبراهيم بنفسه، وهي أن الخالق يجب أن يكون دائم الحضور في كل لحظة يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ثم حين تعمّق نظره في النجوم "شعر بالضعف الإنسانيّ " وليس المرض الماديّ كما علمونا، فهو تائه يبجث عن الخالق بكل قواه، وحين رأى ملكوت السماوات تدريجيّا شعر بضعفه الإنسانيّ أمام هذا الملكوت، وكما أغلب علماء اليوم حتى الملحدين منهم، أقول أغلبهم، يعترفون بوجود الخالق الذكيّ في كثير من منشوراتهم وأفلامهم التي يطرحونها، وكذلك إبراهيم، فقه وعرف أن وراء كل هذا الكون الدقيق المحكم الخلق بدقة متناهية خالق قام بوضع هذه القوانين والسّنن في ذلك الكون ففطره، فاعترف بأنه يوجّه وجهه له، أي يسلّم بأمره وبه خالقا لهذه النجوم والقمر والشمس والأرض بكل قوانينها الدقيقة حين قال ( فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ)، فهذه الجملة تدلّ على فهم عميق وقويّ لمكونات السماء والأرض، من كواكب ونجوم وقمر وشمس وأرض معا في تكوين وخلق رائع دقيق لا يحتاج الى تقويم اعوجاجٍ فيه بل فقط الى الإعتراف بما هو موجودٍ بدون جحد !


______________


نتائج فهم ملّة وسيرة إبراهيم في البحث :

بعد هذه المحاولة المختصرة قدر الإمكان، في سيرة وملّة إبراهيم، أي منهجيته في البحث للوصول، والمشترطة أساسا بأن يكون قلب الباحث سليما حين يأتي الله، أي يترك كل ما ألفه من ترّهات وأساطير وخرافات ودين آباء وأجداد، فيأتي الله باحثا بقلب سليم نقيّ عن الحق، فيتم نفخ أمر الروح فيه، من علم الله، بما يشاء الله له، فما الذي سنخرج به في النهاية ؟

حسب ظني المتواضع، أن أهم شيء هو العودة للحظة زمان خلق السماوات والأرض، لتلك اللحظة حيث ندور وندور لنرى لحظة الخلق ذاتها في السماء الآن، لا أقول عملية تطور الخلق بل لحظة وجود واكتمال خلق السماوات والأرض، وذلك برفع رؤوسنا للأعلى كما إبراهيم فعل، والنظر للسماء، وما فيها من نجوم وكواكب وقمر وشمس، فالسماء لا تحوي القمر والشمس فقط كا فعل التقويم الهجري والميلادي بكل أنواعه، فهناك ما هو أعظم وأقوم، هناك اسم نعته الله للسماء مركّبٍ، ذات البروج، سمّاها الله تعالى به، ولم يقل بالقمر أو الشمس يهتدون بل بالنجم، أقول أن نطفيء أضواء البيوت، وننظر في الظلمة للعظمة من فوقنا، ولما هو دقيق في الخلق، وأن نبحث عن تلك النجوم التي جعلت من فكر إبراهيم مرهقا تعبا فأصبح سقيما !
فهو سقِم لأنه رأى كل هذا ولكن في تلك اللحظة لم يعرف الله بعد، وشفي حين عرف من فطر كل ما رآه من نجوم وكواكب فوقه !
وما نحن لآن إلا سقماء لأن رؤوسنا خانعة مهطعة للأرض لا للسماء، فأخلدنا للأرض، وتركنا السماء ومن خلقها ووضع الميزان !
هنا يجب أن نتفكر في قوله تعالى :

( ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) الأنعام – 2

وأن لا نكون من الجاحدين. والحمد لله رب العالمين.

إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم

اجمالي القراءات 8318