ملك اليمين : أنواع الرقيق : الخصيان :( لمحة عامة )

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٦ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

ملك اليمين : أنواع الرقيق : الخصيان :( لمحة عامة  )

مقدمة :

1 ـ من أبشع أنواع الظلم تحويل الصبي الحر الذكر إلى عبد خصي لينشأ إنسانا مطحون الهوية ليس بالذكر ولا بالأنثى ، وذلك ما كان عليه الخصيان في العصور الوسطى ، قبل نزول القرآن الكريم من الصين  شرقا الى الى البيزنطيين غربا .

2 ـ والخصاء كان على نوعين ، احدهما خصاء كلى باستئصال عضو الذكورة والخصيتين ، والخصاء الجزئي وهو استئصال الخصيتين فقط .. والصبيان الذين كانت تجري لهم عمليات الخصاء كان يموت أغلبهم ولذلك كان من يبقي منهم على قيد الحياة غالى الثمن ، وحين يكبر تحدث له تغيرات جسمية ونفسية إذ تطول القامة وتطول الأصابع وتتدلي شفاههم السفلي وتتأثر قوة الأبصار ، ويميل الخصي إلى الانطواء والحزن والبكاء ، وإذا ولى منصبا كان شديد الجبروت .

3 ـ وفى العصور الوسطى شارك المسلمون والنصارى واليهود في جرائم الخصاء  ..كان الأسري من السلاف يؤتي بهم إلى فردان بفرنسا حيث يقوم التجار اليهود بخصيهم ويباعون للمسلمين في الأندلس .. وكان في الأندلس مراكز أخري للخصاء بالقرب من قرطبة وفي مناطق التخوم مع فرنسا ، واعترف المقرى  في كتابه " نفح الطيب " بأن المسلمين كانوا يقومون بالخصاء في تلك المناطق .. أما الخصيان السود فكان مركزهم في مصر .. إذ كانت قوافل العبيد يؤتي بها من دارفور وكردفان في رحلة تستغرق أربعين يوما حتى أسيوط . وكانت القافلة تضم حوالي خمسة ألاف من العبيد . ويجرى للصغار المتميزين منهم عملية الاخصاء فيموت أغلبهم ، وبعد أن يتم شفاء الباقين يرسلون إلى الآستانة العثمانية . وكان الأقباط المصريون يقومون بمهمة الاخصاء هذه في اثنين من الأديرة في أسيوط . وخارج بلاد المسلمين كان الخصاء معروفا في بلاد الروم والصين ..  

4 ـ والأئمة والفقهاء  فى أديان المسلمين الأرضية  لم يحتج أحدهم على تلك الظاهرة ولم نسمع أن أحدهم وقف ضد هذا المنكر أو كتب يستنكره ، ولم يستشعر الخزي في أن يفقد الطفل حريته ، ثم تقطع أعضاؤه التناسلية ليعيش بعدها – أن عاش – وهو مسحوق الآدمية منتهك الحرمات يعبث به السادة والسلاطين الذين يحظون بنفاق الفقهاء وتبجيل العلماء .

أولا :

الخصيان قبل نزول القرآن :

1 ـ إشتهرت به الصين والامبراطورية البيزنطية . وعكست ذلك الكتابات الدينية .

2 ـ وجاء فى سفر  دانيال فى الاصجاح الأول : (  1: 6 و كان بينهم من بني يهوذا دانيال و حننيا و ميشائيل و عزريا 1: 7 فجعل لهم رئيس الخصيان اسماء فسمى دانيال بلطشاصر و حننيا شدرخ و ميشائيل ميشخ و عزريا عبد نغو 1: 8 اما دانيال فجعل في قلبه انه لا يتنجس باطايب الملك و لا بخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان ان لا يتنجس 1: 9 و اعطى الله دانيال نعمة و رحمة عند رئيس الخصيان 1: 10 فقال رئيس الخصيان لدانيال اني اخاف سيدي الملك الذي عين طعامكم و شرابكم فلماذا يرى وجوهكم اهزل من الفتيان الذين من جيلكم فتدينون راسي للملك 1: 11 فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاه رئيس الخصيان على دانيال و حننيا و ميشائيل و عزريا 1. ). وفى سفر التثنية : (  لا يدخل خصي أو مجبوب في جماعة الرب (تثنية 23: 1) .

3 ـ ويرى باحث أن هناك ( العديد من الخصيان في الكنيسة و كانوا محتقرين. و وجب على بولس أن يرد وضعهم و يجعله شرعياً و إعطائهم قانون اجتماعي مثلا ليستعدوا لملكوت الله. كان بولس إذن يعالج قضية نفسية. أعطي لهم القدرة في أن يختصوا بالله و الحصول على المكانة الاجتماعية، التي يجب أن تكون على الأقل كبيرة كالذين لهم القدرة على أن يصبحوا آباء. هناك الخصيان بعملية الإخصاء و هناك أيضا النساء الخصيان اللاتى لا يستطعن الحمل. يحتاجون المكانة الاجتماعية في التساوي في الكنيسة و أعطى لهم بولس ما في كورنثوس 7.   إن موقف المسيح من الزواج موجود و واضح في حديثه مع المرأة السامرية في يوحنا 4: 16-18. )

ثانيا :

الخصيان فى العصر الأموى :

1ـ  لم ترد أى إشارة قرآنية للخصيان أو الإخصاء . ولكن صيغت احاديث فى أواخر العصر العباسى وأوائل العصر المملوكى ورد فيها ذكر الخصيان ، وقد إحتج عليها ابن القيم وعدها من الموضوعات ، قال فى كتابه : ( المنار المنيف )  (  ومنها أحاديث ذم الترك وأحاديث ذم الخصيان وأحاديث ذم المماليك 190 كحديث لوعلم الله في ‏الخصيان خيرا لأخرج من أصلابهم ذرية يعبدون الله 191 وحديث شر المالفي آخر الزمان المماليك‏. )
2 ـ وأول إشارة لوجود ( خصى ) وردت فى تاريخ معاوية ، جاء فى ترجمة معاوية فى تاريخ ابن كثير ، قال عن زوجة معاوية  (ميسون بنت بحدل بن أنيف بن دلجة بن قنافة الكلبي  ) أم ابنه يزيد :  ( وكانت حازمة عظيمة الشأن جمالاً ورياسة وعقلاً وديناً، دخل عليها معاوية يوماً ومعه خادم خصي ، فاستترت منه ، وقالت‏:‏ ما هذا الرجل معك‏؟‏ فقال‏:‏ إنه خصي فأظهري عليه‏.‏ فقالت‏:‏ ما كانت المثلة لتحل له ما حرم الله عليه، وحجبته عنها‏.‏ ). أى إعتبرت الخصاء ( مُثلة ) بآدمى حىّ . ومنتظر وجود الخصيان فى بلاط معاوية لأنه سار على ماإعتاده البيزنطيون ، ولقد إستغربت زوجته ميسون الكلبية الاعرابية ،لأنه لم تألفه فى مضارب قومها من قبيلة ( كلب ) .

3 ـ ومالبث أن اصبح وجود الخصيان أمرا مألوفا . وأول رواية  عن حدوث الخصاء في تاريخ المسلمين جاءت في تاريخ الخليفة سليمان بن عبد الملك الأموي ـ وكان مشهورا بالغيرة ـ وقد  جاء  عنه فى ( المنتظم ) لابن الجوزى : ( كان سليمان بن عبد الملك في نادية له فسمر ليلة على ظهر سطح ثم تفرق عنه جلساؤه ، فدعا بوضوء فجاءت به جارية له ، فبينا هي تصب عليه إذا استمدها بيده وأشار إليها ، فإذا هي ساهية مصغية بسمعها مائلة بجسدها كله إلى صوت غناء تسمعه في ناحية العسكر . فأمرها فتنحت واستمع هو الصوت فإذا صوت رجل يغني  ، فأنصت له حتى إذا فهم ما يغني من الشعر، ثم دعا جارية من جواريه غيرها فتوضأ‏. فلما أصبح أذن للناس إذنًا عامًا فلما أخذوا مجالسهم أجرى ذكر الغناء ومن كان يسمعه ولين فيه حتى ظن القوم أنه يشتهيه ، فأفاضوا في ذلك التليين والتحليل والتسهيل ، وذكروا ما كان يسمعه من أهل المروءات وسروات الناس. ثم قال‏:‏ " هل بقي أحد يسمع منه ؟ " قال رجل من القوم‏:‏ " عندي رجلان من أهل أيلة حاذقان . " فقال‏:‏ " أين منزلك من العسكر ؟"  فأوما إلى الناحية التي كان فيها الغناء.  فقال سليمان‏:‏"  يبعث إليهما . " . فوجد الرسول احدهما فأقبل به حتى أدخله على سليمان فقال له‏:‏ " ما اسمك ؟ قال : " سمير " ...‏ فسأله عن الغناء كيف هو فيه ؟  قال‏:‏ " حاذق محكم" .  قال‏:‏ " فمتى عهدك به ؟ " قال‏:‏ " في ليلتي هذه الماضية " قال‏:‏ " وفي أي نواحي العسكر كنت؟ ،  فذكر له الناحية التي سمع فيها الصوت . قال‏:‏ " فما غنيت ؟ ...‏ فذكر الشعر الذي سمع سليمان.  فاقبل سليمان يقول‏:‏ " هدر الجمل فضبعت الناقة ، وهب التيس فشكرت الشاة ، وهدر الحمام فرافت،  وغنى الرجل فطربت المرأة . "  ثم أمر به فخصي . وسأل عن الغناء أين أصله وأكثر ما يكون قالوا‏:‏ بالمدينة وهو في المخنثين وهم الحذاق به والأئمة فيه . فكتب إلى عامله في المدينة وهو أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم أن : أخص من قبلك من المخنثين‏.‏ )

  رابعا :

الخصيان فى العصر العباسى :

1 ـ مع إنتشار الذوذ الجنسى فى العصر العباسى تكاثرت أعداد الخصيان ، واصبح وجودهم ظاهرا فى قصور الخلافة العباسية .

2 ـ واشتهر الخليفة الأمين على حد قول الطبري بأنه طلب الخصيان واشتراهم وصيرهم لخلوته في ليله ونهاره ورفض النساء في سبيلهم حتى اتهموه بهم ، وحتى قال فيه أبو نواس ساخرا :

احمدوا الله جميعا يا جميع المسلمينا   ثم قولوا ( لا تملوا ) ربنا ابق الأمينا

صير الخصيان حتى صير التعنين دينا      فاقتدى الناس جميعا بأمير المؤمنينا

3 ـ ولم يعد عيبا التغزل فى الخصيان وإستخدامهم فى الشذوذ الجنسى . ومع إزدهار تجارة الرقيق فقد كان الخصيان هم الأعلى أجرا ،  واقتدى السادة بالخليفة الأمين ، فكانوا يفضلون شراء العبيد الخصيان ،لاستعمالهم جنسيا وفى الجندية والحرب .

ولم يعد عيبا أن تشيع مقولة عن الخصيان ذكرها الثعالبي في كتابه " اللطائف والطرائف" وهي أنهم : ( بالنهار فوارس وبالليل عرائس  )!! وقيل عن الخصي إنه " يصلح للفراش والهراش " ..أي للمتعة والحرب .. ويقول الشاعر فيهم :

 هم نساء لمطمئن مقيم .. ورجال أن كانت الأسفار.

4 ـ وفى رسالته (مُفاخرة الجواريوالغلمان ) يقول الجاحظ : (  وذكرت الخصْيان وحُسن قدودهم ونعمة أبشارهم والتلذُّذ بهم وأنَّ ذلكشيءٌ لا تعرفه الأوائل فألجأْتنا إلى نصف ما في الخصيان وإن لم يكن لذلك معنىً فيكتابنا إذ كنّا إنمّا نقول في الجواري والغلمان‏.‏

والخصيُّ - رحمك الله - في الجملة ممثَّل به ليس برجل ولا امرأة، وأخلاقه مُقسَّمة بين أخلاق النساء وأخلاق الصِّبيان ، وفيه من العيوب التي لو كانتفي حوْراء كان حقيقاً أن يُزهد فيها منه ، لأن الخصيَّ سريع التبدُّل والتنقُّل منحدّ البضاضة وملاسة الجلد وصفاء اللَّون ورقَّته وكثرة الماء وبريقه إلى التكسُّروالجمود والكمود والتقبُّض والتجمُّد والتحدُّب وإلى الهزال وسوء الحال‏.‏لأنّك ترى الخصيَّ وكأنَّ السيوف تلمع في وجهه وكأنه مرآةٌ صينيَّةوكأنّه جُمارة وكأنّه قضيب فضّةٍ قد مسَّه ذهب وكأنّ في وجناته الورد‏.‏ فإن مرض مرْضةً أو طعن في السنِّ ذهب ذهاباً لا يعود‏.‏وقال بعض العلماء‏:‏ إنّ الخصيَّ إذا قُطع ذلك العضو منه قويتْشهوته وقويتْ معدته ولانت جلدته وانجردت شعرته وكثرتْ دمعته واتَّسعت فقْحته ( الفقحة : فتحة الشرج ) ويصيركالبغل الذي ليس هو حماراً ولا فرساً لأنّه ليس برجلٍ ولا امرأة‏.‏فهو مذبذبٌ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء‏.‏ويعرض للخصيّ سُرعة الدَّمعة والغضب وذلك من أخلاق النساءوالصِّبيان‏.‏ويعرض له حبُّ النميمة وضيقُ الصَّدر بما أُودع من السِّرِّ‏.‏ويعرض لهم البول في الفراش ولا سيَّما إذا بات أحدهم ممتلئاً منالنَّبيذ‏.‏ومما ناله من الحسرة والأسف لما فاتهم من النّكاح مع شدّة حبِّهمللنساء أبغضوا الفحول أشدَّ من تباغض الأعداء فأبغضوا الفحول بُغض الحاسد لذويالنِّعمة‏.‏وزعم بعض أهل التجربة من الشُّيوخ المعَّمرين أنَّهم اعتبروا أعمارضروب الناس فوجدوا طول أعمار الخصيان أعمَّ من جميع أجناس الرجال وأنهم لم يجدوالذلك عِلّةً إلاَّ عدم النّكاح‏.‏وكذلك طول أعمار البغال لقلة النَّزْو‏.‏ووجدوا أقل الأعمار أعمار العصافير لكثرة سفادها‏.‏ثم الخصيُّ مع الرِّجال امرأة ومع النِّساء رجل‏.‏ ) .

وبعدها تكلم عن الشذوذ الجنسى بكلام نستحى منه ، إلا إنه ـ مثل كلامه ـ عن الخصيان يعكس ثقافة عصره .

اجمالي القراءات 23112