حوار بين الأزهر وداعش (6)

سامح عسكر في الإثنين ٢٨ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

الشيخ أبو علي الشامي: كل قرض جر نفع فهو ربا، والربا حرام في الإسلام..قال تعالى.." يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم" [البقرة : 276]..وعطف الكفر على الربا دليل على أن صاحبه أقرب إلى الكفر من الإيمان
وفي قوله تعالى:.." وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين".. [البقرة: 278] قول فيه حجة
يعني أن شرط الإيمان يوجب ترك الربا
وفي حديث المعراج قال النبي.." وإذا أنا برجال بطونهم كالبيوت يقومون فيقعون لظهورهم ولبطونهم، فيأتي عليهم آل فرعون فيثردونهم بأرجلهم ثردا.
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا.
ثم تلا هذه الآية: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء" (رواه مسلم).
أما كيف نحل مشاكلنا الاقتصادية دون الربا فبتقوى الله والعدل ومحاسبة المقصرين نقضي على الفقر، اتركونا نعمل ونقيم شريعة الله ثم احكموا على النتائج، لا تحاربونا ونحل نقيم عدل الله في أرضه.

د عطية:هذا يعني أن الربا لديك مفهوم وإسقاطه مطلق فماذا عن تأويل ابن عباس ومعاوية للربا أنه فقط للنساء.. ثم ترخيصهما الدرهم بالدرهمين وقت الحاجة، وماذا عن فتوى أبي حنيفة التي أجاز فيها التعامل بالعقود الفاسدة في ديار الكفر..وأن الربا في الذهب والفضة، وماذا عن حديث الشيخين.."لا ربا إلا في النسيئة"..وماذا عن عدم اجتماع المسلمين على عدم تحريمه بالمطلق، ولا أريد استعراض فتاوى الأزهر والمجلس الأوربي للشريعة ورابطة علماء أمريكا الشمالية في ذلك، لأن الخلاف يبطل حجة الإجماع ويفتح الباب لدينا من جديد للسؤال عن معنى الربا.
أما أن تحل مشاكلك الاقتصادية بالتقوى هذا لا يكفي، مع أنه أصل لكن يجب أن تفصل بين السلوك الأخلاقي والمهنة، فالسلوك أصل لكن مهنة الاقتصاد لها مختصين، ولا أعلم لديكم هل يوجد ما يمنع من الاقتصاد الإسلامي أم لا؟

الشيخ أبو علي الشامي:المجلس الأوربي ورابطة أمريكا الشمالية ليسوا مختصين وهم يفتون للمسلمين في ديار الكفر، وفتوى أبي حنيفة مقيدة رغم عدم صحة نسبها عندي فمذهب أبي حنيفة واضح وهو الحُرمة.. راجع: حاشية ابن عابدين: (5/186 ) ، وعلى فرض صحتها فقد خالفوا قول الجمهور القاضي بأن حرمة الربا لا تتغير بتغير الأماكن.
فحُرمة الربا ثابتة في حق الكفار كما هي ثابتة في حق المسلمين ..قال تعالى: "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل" [النساء: 161]، وقال تعالى: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم" [المائدة: 5]
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"..(رواه أحمد).
وبالعموم عمدة هؤلاء حديث مكحول: "لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب" وقد رده الشافعي في" (سير الأوزاعي: 7/ 359)، وقال الزيلعي فيه: "غريب"..والنووي: "مرسل ضعيف فلا حجة فيه" (المجموع للنووي: 9/ 392). والعيني "هذا حديث غريب ليس له أصل مسند" (الدراية في تخريج أحاديث الهداية: 2/ 158). وقال ابن قدامة في المغني: "وخبرهم مرسل لا نعرف صحته" (المغني: 4/ 46).

د عطية: ليس حديث مكحول ولا غيره بل بقواعد الضرورة وإلا لمنعنا سفر المسلمين لديار الكفر بالكلية، فالمسلم لن يطيق العيش في مجتمع يتعامل كليا مع البنوك، وبالنسبة لأقوال السلف لا أجد مانعا منها فهي صحيحة بالمجمل ..ولكن فتاويهم تخص زمانهم، ومع ذلك غفلوا عن أن النبي رد ربا العباس فقط يوم فتح مكة وتمكين المسلمين كي لا تضعف قوته ودولته بين زمن تحريم الربا في خيبر إلى الفتح..وأنت تعلم أن مكة في هذا الوقت كانت ديار كفر، ونحن في عالم الآن المسلمون فيه مضطهدون..فما الذي يمنع من سلوك فعل النبي إذا كان ذلك هو الضرورة؟

الشيخ أبو علي الشامي: العباس لم يحل الربا هذا طعن في الصحابة رضوان الله عليهم، ما الفرق الآن بينك وبين الرافضة الذين يسبون الصحابة؟

د عطية: بل أحله ..وقد رخص النبي له في ما هو أعظم كإظهار الشرك مخافة المشركين..

الشيخ أبو علي الشامي: العباس -رضي الله عنه-لم يكن على علم بتحريمه، والدليل أن الصحابة فعلوا ذلك إلى ما بعد الفتح بدليل قوله تعالى.." يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" [البقرة: 278]، والآية نزلت في إسلام ثقيف سنة تسع من الهجرة، ولو علمه العباس ما فعله..ما تقوله خطير جدا في شأن الصحابة.

د عطية: دعنا نتجاوز هذه الجزئية..فليست هي موضوعنا لأن الحديث هكذا سيتشعب عن الأصل..حتى الآن لم توضح نموذج اقتصادي لكم واضح تحلوا به مشاكلكم ومشاكل المسلمين المالية.

الشيخ أبو علي الشامي: أنت لا تعي كونك ممثل لهيئة كفرية لا يجوز أن تسأل هذا السؤال..في الأزهر ضربتم بشريعة الله عرض الحائط وبعد تحريم الفوائد والقروض في عهد كل شيوخ الأزهر جئتم في عهد المرتد.."محمد سيد طنطاوي"..وأحللتموها ثم حرمتموها بعد ذلك
نشرت الصحف المصرية بتاريخ 17 فبراير 2016 فتاوى لمجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء بتحريم القروض العقارية، والأصل في ذلك هو تحريم القروض بالمطلق..ولم تسألوا أنفسكم ما حدث بعد تحريم وتجويز ثم تحريم إلا اتباع الهوى
أما نحن فثابتون على الحق لا تأخذنا في الله لومة لائم، ولا نبكي على دنيا زائلة ولا على مالٍ ناضب.

د عطية: إذا كان الأزهر كافر والمجلس الأوربي ورابطة علماء أمريكا كذلك..وإذا كانت أقوال أبي حنيفة مقيدة وفعل العباس لم يكن....فما هي المنظمات والمجامع الفقهية وأقوال السلف التي ترضيكم..؟

الشيخ أبو علي الشامي: الأهم لا يرضينا بل يرضي الله، والمؤسسات التي تعترف بها ولم تخن عهدها مع الله أبدا موجودة..
نشر مجمع الفقة بمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1406هـ الموافق 1985م فتوى قال فيها بالإجماع.." الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها، من الإقراض بفائدة- قلت أو كثرت- هي طريقة محرَّمة شرعًا لما فيها من التعامل بالربا".. انتهى
وهي نص الفتوى السابقة التي اعتمد عليها مجمع البحوث ودار الإفتاء بتحريم القروض، لكن العتب على الأزهر أنه أحل الفوائد قبل ذلك فاعتمد الحرام كوسيلة تبادل بين المسلمين حتى إذا أًصبح الحرام جزء أصيل في معيشتهم عجزوا عن الاستغناء عنه..رغم كونه حراما.

د عطية: أخي الكريم الإسلام ليس دعوة غامضة ولا هلامية ومصادره واضحة ومحكمة، وعندما سألتك عن كيفية حل مشاكلكم المالية لم يكن سؤالا للإفحام أو التعجيز..بل للاستفسار والإفادة عن طريقتكم المُثلى في الحل، فلربما يكون حلا نافعا وعمليا نتبناه ونعلنه على الملأ في مصر، وما أحوج المصريين الآن لحلول اقتصادية تخرجهم من ذل الحاجة والسؤال.

الشيخ أبو علي الشامي: قبل البحث عن الحلول يجب الإيمان أولا بحرمة الربا وصدق عنايته بالقروض، فلا يجوز أن نبحث عن حل لمشكلة البعض لا يراها مشكلة أصلا..هل توافق على ذلك؟

د عطية: نعم أوافق..الربا حرام وفوائد البنوك حرام والقروض لم يسبق لي إباحتها، ولكن الفرق أنني أحترم آراء من أحلوها، ولدي استعداد لمناقشتها كما أناقشك..وعلى العموم اتفقنا..

الشيخ أبو علي الشامي: إذا كان كذلك فلا يجب استخدام قواعد كالضرورات تبيح المحظورات، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع ، فنحن أمام تعامل محرم أصلا ولا يرخص فيه عند انعدام البدائل..وإلا أحللنا الزنا للشباب والفتيات إذا غلبت عليهم الشهوة ولم يجدوا كلفة الزواج..ما رأيك؟

د عطية: موافق

الشيخ أبو علي الشامي: الحل كما نراه في مؤسسات مالية إسلامية تستثمر وتحرص على عدم ذوبان المسلمين في غيرهم، يكون رأسمالها من بيت مال المسلمين وتطوع الأغنياء، وعندما أقول بيت مال المسلمين يعني مصاريف الزكاه والصدقات التي أهملتموها في مصر حتى جاع الفقير وشبع الغني عن حاجته.

د عطية: هذه التجربة لنا معها سابق عهد في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين تحت إسم.."شركات توظيف الأموال"..وفي النهاية خسرت وحبس مؤسسوها وضاعت فلوس الناس، هل لديكم وسيلة أخرى أم هذه فقط؟

الشيخ أبو علي الشامي: وكيف تنجح ودولة الكفر تحاربها وتنافسها بالبنوك الربوية، وكيف تنجح والدولة يحكمها القانون الفرنسي الملحد؟..وكيف تنجح والشعب لم يفهم بعد معنى الشريعة بل مشغول بالعري والخلاعة؟

د عطية: لعلك لم تطلع على كامل الصورة، هذه الشركات كانت مدعومة حكوميا لأكثر من 5 سنوات، وكانت لها إعلانات في كل شوارع مصر..حتى في الصحف القومية والتلفزيون الحكومي..حتى الأزهر دعمها وفتاوى الشيخ الشعراوي ودار الإفتاء ثابتة في ذلك بضرورة تشجيع هذه التجربة الإسلامية..لكن كل هذا لم يفيد وانتهت التجربة إلى خسارة، والمثل يقول اسأل مجرب..!
الاقتصاد ليس مسألة سهلة..أنت تعيش في عالم يخضع لعوامل سوقية واقتصادية غير قادر على التحكم فيها لا أنت ولا من يدعمك، وإذا لم تجيد التعامل مع هذا السوق بمهنية وحكمة ستفلس ويثور عليك الشعب من الجوع
صدقني أنا أسألك ليس للإفحام ولكن عن بصيرة ودراية وخبرة طويلة مع الحلول الإسلامية وما يقابلها من شكوك المستشرقين، لذلك أصر على ضرورة وجود هذا الحل لديكم..ليس لي..ولكن لأنفسكم..

الشيخ أبو علي الشامي: إذا كان كذلك فلماذا لا تبحثون أنتم عن الحلول بدلا من سؤالنا..؟..نحن أدرى بشعاب مكة ولدينا نموذج مالي متميز في كل ولايات الدولة ولسنا في حاجة لشهادة أحد، ويكفينا أن نموذجنا المالي تحت سلطة وإشراف الهيئة الشرعية، أي نقيم حدود الله كما أنزلت في كتابه، ثم ما الذي قدمتموه أنتم كأزهر ودار إفتاء إذا كنتم بالفعل تحرصون على الشريعة؟..فتاويكم متخبطة حسب هوى السلطان وتوالون الكفر إذا كانت لديكم مصلحة.

ومع رد الدكتور عطية في الجزء السابع من الحوار..إلى اللقاء

اجمالي القراءات 6825