عندما كان ابن الزبير على وشك أن يحرق بنى هاشم لرفضهم بيعته بالخلافة

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٣ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما كان ابن الزبير على وشك أن يحرق بنى هاشم لرفضهم بيعته بالخلافة

صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح

مقدمة :

لما جاء الى المدينة  خبر موت معاوية بن ابي سفيان  وتولى يزيد الخلافة كان بها يومئذ الحسين بن علي وأخوه غير الشقيق ( محمد بن على )المشهور بابنالحنفيةنسبة لأمه ، وكان فى المدينة أيضا عبد الله بنالزبير ، بينما كان ابن عباس بمكة . فخرج الحسين وابنالزبير الى مكة، وظل ابنالحنفيةبالمدينة ، وجرت الأحداث متتالية من خروج الحسين من مكة الى العراق ومأساة كربلاء ، كل ذلك وابن الحنفية معتزل بالمدينة . فلما  سمع بدنو جيش مسلم الى المدينة رحل الى مكة.  وجرت موقعة الحرة وابن الحنفية بمكة مع ابن عباس وابن الزبير .  فلما جاء نعي يزيد بنمعاوية وبايع بن الزبير لنفسه ودعا الناس اليه دعا ابن عباس ومحمد بنالحنفيةالى البيعةله فأبيا أن يبايعا له ، وقالا : " حتى يجتمع لك البلاد ويتسق لك الناس " . فاقاما على ذلك مااقاما ، وبدأ إضطهاد  ابن الزبير لهما ثم تطور الى أن وصل الى أن جمعهم ومعهم ذريتهم ، وحصرهم فى شعب أبى طالب ، وكان على وشك أن يحرقهم لولا أن أنقذهم المختار فى آخر لحظة ، كما يحدث فى أفلام السينما .  نعطى بعض التفصيلات التاريخية ، مما ذكره ابن سعد فى الطبقات والطبرى فى تاريخه ، وابن الأثير .

أولا :  ابن الزبير يتطرف فى إضطهاده للهاشميين :

1 ـ وشهد عام 66 أحداثا هامة ، منها : ( إستيلاء المختار على الكوفة فى 14 ربيع الأول ، وهروب ابن مطيع والى ابن الزبير . ) ( تمكن المختار من قتل كل من شارك فى قتل الحسين وآله فى كربلاء ومنهم شمر بن ذى الجوشن  وعمر بن سعد وابنه . )  .

2 ــ وفى نفس هذا العام 66 هجرية ، دعا ابن الزبير( محمد بن الحنفية ) ومن معه من أهل بيته وشيعته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة، ليبايعوه، فامتنعوا ، وقالوا: ( لا نبايع حتىتجتمع الأمة )؛ فأكثر  فى شتم ابن الحنفية فرد عليه عبد الله بن هانىءالكندي. فطردهم ابن الزبير ، وأمر ابن الحنفية من معه بالصبر .  

3 ـ فلما استولىالمختار على الكوفة وصارت الشيعة تدعو لابن الحنفية، خاف ابن الزبير أن يتداعىالناس إلى بيعة ابن الحنفية مع علمه بأن ابن الحنفية معتزل للفتنة ولا يريد إعلان إنضمامه للمختار . لم يشفع هذا لابن الزبير فأمر بإحضار ابن الحنفية وأهله وذراريهم من بنى هاشم وأمرهم بالبيعة له فرفضوا حتى يجتمع الناس على بيعته ، فحبسهم بزمزم وتوعدهمبالقتل والإحراق ، وأقسم عهداً إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به، وضربلهم في ذلك أجلاً.

4 ـ وتقول رواية : أن ابن الزبير : (  قصد لمحمد بنالحنفيةفاظهر شتمهوعيبه ، وامره وبني هاشم ان يلزموا شعبهم بمكة ، وجعل عليهم الرقباء وقال لهم:" والله لتبايعن او لاحرقنكم بالنار" ، فخافوا على انفسهم. ). وتمضلى الرواية : ( قال سليم ابو عامر:" فرايت محمدبنالحنفيةمحبوسا فيزمزم والناس يٌمنعون من الدخول عليه ، فقلت والله لادخلن عليه فدخلت، فقلت : ما بالك وهذاالرجل؟  فقال : " دعاني الى البيعة فقلت : انما انا من المسلمين فاذا اجتمعوا عليك فاناكاحدهم ، فلم يرض بهذا مني.  فاذهب الى ابن عباس ، فاقرئه مني السلام ، وقل يقول لك ابن عمكما ترى ؟ " )  ( قال سليم :  فدخلت على بن عباس وهو ذاهب البصر ( أى أصيب بالعمى ) فقال : من انت ؟ فقلت : انصاري .فقال : "ربانصاري هو اشد علينا من عدونا ". فقلت : " لاتخف فانا ممن لك كله ." قال : " هات" .  فاخبرته بقول ابنالحنفيةفقال:  " قل لهلا تطعه ولا نعمة عين الا ما قلت ولا تزده عليه" . فرجعت الى ابنالحنفيةفابلغته ماقال ابن عباس . )

5 ـ وتقول رواية أن ابن الحنفية حين إشتد به الخوف من ابن الزبير أرسل للمختار أن يأتى عنده الى الكوفة ، وخشى المختار أن يفقد نفوذه إذا حلّ ابن الحنفية بالكوفة ، وكان المختار بالكوفة يسمى ابن الحنفية المهدى.  وهداه ذكاؤه الى حيلة تجعل ابن الحنفية يخاف من القدوم الى الكوفة ،  فأذاع أن ( المهدى ) اى ابن الحنفية سيأتى الى الكوفة ، وأن علامته أنه إذا ضربه رجل بالسيف فإن السيف لا يؤثر فيه . أى يشجع الناس على قتله لاختبار إن كان هو المهدى ام لا . وبلغ ابن الحنفية مقالة المختار فطرد الفكرة من رأسه . تقول الرواية : ( فهمّ إبنالحنفيةان يقدم الىالكوفة.  وبلغ ذلك الى المختار ، فثقل عليه قدومه ، فقال : " ان المهدي علامة يقدم بلدكم هذافيضربه رجل في السوق بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه . " فبلغ ذلك بنالحنفيةفاقام . )

6 ـ وكان الحل الآخر هو أن يبعث المختار بجيش ينقذ ابن الحنفية وأهله من الحريق ، تقول الرواية : ( فقيلله لو بعثت الى شيعتك بالكوفة فاعلمتهم ما انتم فيه . فبعث ابا طفيل عامر ابن واثلةالى شيعتهم بالكوفة،  فقدم عليهم فقال : انا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء القوم . )   أى أشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختاريعلمه حالهم، فكتب إلى المختار بذلك وطلب منه النجدة. وفرح المختار بكتاب ابن الحنفية وإستغاثته به فخطب فى شيعة الكوفة وقال: ( إن هذا مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تُركوا محظوراً عليهم كما يُحظرعلى الغنم ( أى محبوسون كالغنم ) ، ينتظرون القتل والتحريق في الليل والنهار، لست أبا إسحاق إن لم أنصرهمنصراً مؤزراً، وإن لم أسرب في أثر الخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهليةالويل! ) . يعني ابن الزبير. فبكى الناس وقالوا: ( سرّحنا إليه وعجّل ) .

7 ـ فأرسل المختار فصائل متتابعة من جيشه لانقاذ ابن الحنفية ، وبعث معهم لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم .  ووصلوا الى المسجد الحرام ، ومعهم الرايات، وهم ينادون: يالثارات الحسين! حتى انتهوا إلى زمزم، وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، وكان قدبقي من الأجل يومان، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فأنقذوه ، وقالوا لابن الحنفية : ( خل بيننا وبينعدو الله ابن الزبير! ) فقال لهم: ( إني لا أستحل القتال في الحرم.) . وقيل عن هؤلاء ( الخشبية ) لأنهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة إشهارالسيوف في الحرم، وقيل: لأنهم أخذوا الحطب الذي أعده ابن الزبير لحرق الهاشميين .

8 ـ( وتقول رواية أن حديثا جرى بينهم وبين الزبير ، وأن ابنالزبير قال لهم : ( أتحسبون أني أخلي سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا؟ ) فقال الجدلي أحد قواد الحملة : ( إي ورب الركنوالمقام لتخلين سبيله أو لنجادلنك بأسيافنا جدالاً يرتاب منه المبطلون! )  فكف ابنالحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة.
6 ـ وتقول رواية أخرى : إنه قدم باقي الجند ومعهم المال حتى دخلوا المسجدالحرام فكبروا وقالوا: يا لثارات الحسين! فخافهم ابن الزبير، وخرج محمد بن الحنفيةومن معه إلى شعب علي. ) ( وصار الجند يسبون ابن الزبير ويستأذنون محمداً فيه، فأبى عليهم. فاجتمع مع محمد في الشعب أربعة آلاف رجل، فقسم بينهم المال وعزوا وامتنعوا.).

9 ـ وتقول رواية أخرى : (.... فقطع ( أى أرسل ) المختار بعثا ( أى جيشا )  الى مكة ، فانتدب منهم ( أى إختار منهم ) اربعة الاف ، فعقد لابيعبد الله الجدلي عليهم.  وقال له : " سر فان وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم انت ومن معكعضدا، وانفذ لما امروك به ( أى أطع أوامرهم ). وان وجدت ابن الزبير قد قتلهم ، فاعترض اهل مكة حتى تصل الىبن الزبير ، ثم لا تدع من ال الزبير شفرا ولا ظفرا . " وقال :  " يا شرطة الله لقد اكرمكم اللهبهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عُمر " . ) .

10 ــ وجاء فى هذه الرواية أن ابن الزبير كان على وشك إحراقهم ، وقد أعدّ إشعال النار ، فإستعجل أهل مكة مقدمة الجيش أن يسرعوا فى إنقاذ بنى هاشم ، فأرسل قادة الجيش فرقة خاصة من 800 رجل من الجيش لانقاذهم قبل فوات الأوان ، فأسرعت هذه القوة فدخلت مكة ، ودخلت الحرم تكبّر ، فلما سمع بهم ابن الزبير هرب وتعلق بأستار الكعبة وقال : (أنا عائذ بالله ) ، وبسرعة وصلوا الى إنقاذهم . تقول الرواية : ( فسار القوم ومعهم السلاح حتى اشرفواعلى مكة ، فجاء المستغيث  : " اعجلوا فما اراكم تدركونهم  " فقال الناس : " لو ان اهل القوة عجلوا" ، فانتدب منهم ثمانمائة ، رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي ، حتى دخلوا مكة فكبرواتكبيرة سمعها بن الزبير ، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة ،  ويقال بل تعلق باستارالكعبة،  وقال : " انا عائذ بالله"  قال عطية : " ثم ملنا الى ابن عباس وابنالحنفيةواصحابهما فيدور، قد جمع لهم الحطب فاحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجُدر ، لو ان نارا تقع فيه ما رئي منهماحد حتى تقوم الساعة. " .وتمضى الرواية فتقول عن ( على بن عبد الله بن عباس ) وهو جد الخلفاء العباسيين ـ وكان شابا وقتها أنه اسرع بالهرب قبل إزالى الخشب والحطب فسالت الدماء من قدميه : ( وعجّل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجلفاسرع في الحطب يريد الخروج فادمى ساقيه .) وتمضى الرواية فتقول : ( واقبل اصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهمفي المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف الا الى صلاة حتى اصبحنا . ووصلت بقية الجيش : ( وقدم ابو عبد اللهالجدلي في الناس فقلنا لابنعباس وابنالحنفية: (  ذرونا نريحالناس من ابن الزبير ) فقالا  : ( هذا بلد حرمه الله ما احله لاحد الا للنبي عليه السلامساعة ما احله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا واجيرونا ) قال فتحملوا ، وانمناديا لينادي في الجبل : ( ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية ان السرايا تغنمالذهب والفضة وانما غنمتم دماءنا ) ، فخرجوا بهم حتى انزلوهم منى ، فاقاموا بها ما شاءالله ان يقيموا ، ثم خرجوا الى الطائف ، فاقاموا ما اقاموا . وتوفي عبد الله بن عباسبالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بنالحنفية.  وبقينا مع ابنالحنفية.) .  

اجمالي القراءات 14610