ليس من الاسلام مقولة : ( الغاية تبرر الوسيلة )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٤ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

ليس من الاسلام مقولة : ( الغاية تبرر الوسيلة )

قال : كنت فى السجن عام 2000 وتقابلت مع ( خ ش ) القائد الاخوانى ، وسألته عن وسائلهم غير الشرعية فقال إن الغاية تبرر الوسيلة ، وأن غايتهم شريفة وهى إقامة الدولة الاسلامية ، ولا بأس من إتخاذ أى وسيلة لتحقيق هذه الغاية الشريفة . فما رأيك  فيما قال ؟

قلت : غايتهم ليست شريفة

قال : هل ترى أن إقامة الدولة الاسلامية ليس غاية شريفة ؟

قلت : غايتهم الوصول للحكم والتحكم فى السلطة والثروة . غايتهم أن يركبوا ظهور الشعب باسم الاسلام ، وهذه غاية شريرة وليست شريفة .

قال : فلنفترض أن غايتهم إقامة دولة اسلامية دون الوصول للحكم والتحكم فى السلطة والثروة . اليست هذه غاية شريفة ؟

قلت : هذا مستحيل الافتراض لأنهم جماعة تسعى لأن تحكم ، هى التى تريد الحكم ، وقبل أن تصل الى الحكم تنتهج سبيل التآمر ولا تتورع عن الاغتيال ، وعقد الصفقات . أى تسلك سبيل السياسة بكل مخازيها ، وتزيد على ذلك أنهم ينسبون أنفسهم الى دين الله ، أى يزعمون أن الله جل وعلا إختارهم دون الناس لأن يحكموا الناس . هؤلاء لا يصح الافتراض بأنهم يعملون من أجل إقامة دولة اسلامية يحكمها غيرهم .

قال : لنفترض أن ناسا آخرين يعملون لاقامة الدولة الاسلامية . اليست هذه غاية شريفة ؟ ألا يحق لهؤلاء الناس إستخدام أى وسيلة لتحقيق هذه الغاية الشريفة ؟

قلت : الغاية الشريفة لا بد لها من وسائل شريفة . والغاية الشريرة تحتاج الى وسائل خسيسة . هذه هى القاعدة .

قال : أريد توضيحا .

قلت : نحن نعمل على قيام دولة اسلامية ، وهى غاية شريفة تنبع من إيماننا أن الاسلام دين إلاهى وله دولته العلمانية التى لا كهنوت فيها ، والتى تتأسس على الحرية المطلقة فى الدين والحرية السياسية بالديمقراطية المباشرة ، والعدل القضائى للجميع بحيث لا يعلو أحد فوق القانون وبالمساواة أمام القانون ، والعدل الاجتماعى بكفالة المحتاجين ، وتكافؤ الفرص لجميع الأفراد ، وحقوق الانسان وكرامته . وأن مهمة الدولة الاسلامية ليس هداية الناس وإدخالهم الجنة لأن الهداية مسئولية فردية شخصية ، ولكن مهمة الدولة الاسلامية هى خدمة الفرد وحمايته ، وليس الاستعلاء عليه وحكمه . هذه هى الغاية .

قال : أتفق معك على أن هذه غاية شريفة . فماذا عن وسائلها ؟

قلت : وسائلها شريفة . تبدأ بأفراد ليست لهم مطامح سياسية أو شخصية ، هم فقط يريدون الخير للشعب ، وهم يعملون فى الاصلاح  السلمى بالتوعية ، لأنه لا يمكن أن تقيم نظاما ديمقراطيا بدون نشر ثقافة الديمقراطية ، ولا يمكن أن تقيم الحرية الدينية المطلقة لكل فرد، فى  حرية الايمان أو الكفر ، وحرية الدعوة لأى دين ، وحرية العبادة وإقامة دور العبادة وحرية تأدية الشعائر لكل فرد وكل مجموعة. ولا يمكن أن تقيم هذه الحرية الدينية إلا بتنقية عقول الناس من التعصب والتطرف . أى إقامة الغاية الشريفة وهى الدولة الاسلامية الحقيقية تستلزم وسائل إصلاحية شريفة ، بإصلاح التعليم والثقافة والخطاب الدينى للجميع ، والاصلاح السياسى . الاصلاح وسيلة شريفة لاقامة الغاية الشريفة . بدون ذلك فالبديل هو الغاية الخسيسة ، وهى الوصول للحكم وفق ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد ، وما يعنيه هذا من وسائل خسيسة من ثورات وحروب ومؤامرات ، والذى ينجح فى الوصول لغايته وهى الحكم فوق أشلاء الضحايا هو مضطر للتمسك به بوسائل خسيسة ، من إرهاب الناس بالتعذيب وقمع المعارضة القولية والسلمية ، وسياسة التفريق بين الناس ، وصناعة ديكور ديمقراطى كاذب ، بمجالس نيابية مزورة ، وقوانين إستثنائية إرهابية . قائمة الوسائل الخسيسة معروفة ومألوفة ومتفق عليها فى دول الاستبداد الشرقى . سواء كانت ديكتاتوريات عسكرية أو حزبية أو دولا دينية شيعية أو وهابية سنية . وهى الآن تصل بشعوبها الى الحرب الأهلية .

قال : هل تتفق ( الغاية تبرر الوسيلة ) مع الاسلام  ؟  

قلت : (الغاية تبرر الوسيلة ) يعنى أن ( الوسيلة ) جريمة شريرة خسيسة تحتاج الى ( تبرير )، وليس فى الاسلام تبرير أو تسويغ لأى جريمة . الذى فى الاسلام هو التوبة ، وتبدأ التوبة بالاعتراف بالذنب والاقرار به والاصرار على عدم الوقوع فيه ، وإرجاع الحقوق لأصحابها . هذا من البداية هو التناقض بين الاسلام ومقولة (الغاية تبرر الوسيلة ).

قال : ما هى الغاية فى الدين الاسلامى ؟

قلت : هى التقوى .

قال : وما هى وسائلها ؟

قلت : التقوى فى التعامل مع الله جل وعلا بالايمان به وحده إلاها لا شريك له ، وعبادته وحده دون تقديس لغيره ، أى الإخلاص فى العبادة لرب العزة جل وعلا وحده . والتقوى فى التعامل مع البشر هى العدل والاحسان وحُسن الخُلق . والتقوى كغاية شريفة لها وسائل شريفة . فالعبادات المُخلصة لرب العزة جل وعلا كلها وسائل للتقوى ، من الصلاة والصدقات والحج والصيام وذكر الله جل وعلا .  

قال : ولكن الذين يخلطون السياسة بالدين هم أكثر المُصلّين . هم الأكثر بين المتعبدين .

قلت : هل تراهم مخلصين فى عبادتهم لرب العزة ؟ أم هم مراءون ؟

قال : كيف لى أن أعرف ؟

قلت : بسلوكياتهم . إذا أثمرت صلاتهم وعبادتهم خيرا فى تعاملهم مع الناس فهذا يعنى أنهم مخلصون فى صلاتهم وعبادتهم . إذا كات أعمالهم شريرة فهم مُراءون مُخادعون خائنون ، ولهم غاية شريرة هى الحُطام الدنيوى ، ويستخدمون فى سبيلها وسيلة شريرة وهى التلاعب بدين الله جل وعلا خداعا للناس .

قال : أريد تفصيلا .

قلت : هم يتخذون من مظهرهم الدينى ( اللحية والجلباب والنقاب ) ومن تظاهرهم بالصلاة وسائل للتحكم فى الناس وفى الاستعلاء عليهم . ليس فى قلوبهم تقوى الله جل وعلا ، وليس فى قلوبهم خوف من يوم الحساب . كل الذى فى قلوبهم هو الغاية وهى الثروة والسلطة وحُبُّ الدنيا . ومن عجب أن المؤمن يجاهد فى سبيل الله جل وعلا بالنفس ومتبرعا بالمال ، وهؤلاء غايتهم الإستحواذ على المال وعلى السّلطة ، وفى سبيلها يرتكبون الجرائم ، ويزعمون أنه الجهاد فى سبيل الله جل وعلا . الرسول وكل رسل الله كانوا لا يسألون الناس أجرا ، وهكذا كل داعية للإصلاح السلمى يعمل متطوعا لا يسأل الناس أجرا ، أما هم فيشترون بآيات الله ثمنا قليلا ويبيعون الآخرة فى سبيل حُطام دنيوى زائل .

قال :  الرسول عليه السلام  فى حياته العملية هل عمل بمبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة )  فى إقامة الدولة الاسلامية ؟  

قلت : إقامة دولة لم يكن غاية للنبى ، ولم تكن مهمة له . مهمته تبليغ الرسالة والدعوة الى أنه ( لا إله إلا الله ) . الظروف هى التى أدت به الى إقامة الدولة الاسلامية ، أخرجه المشركون هو وأتباعه من مكة فهاجر الى المدينة ، تابعوا الغارة عليه فكان لا بد من القتال الدفاعى ، ومن ثمّ تأسيس دولة .

قال : هل كان النبى يتعامل مع خصومه بمبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة )  ؟

قلت : إطلاقا . أمره ربه جل وعلا بالاستقامة ، والاستقامة تعنى شيئين ( التقوى ) فى التعامل مع رب العزة وأيضا الطريق المستقيم والمباشر فى التعامل مع الناس بدون ( لف أو دوران ). قال له جل وعلا : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) هود ). ولم يكن يُداهن أو يخادع ردا على مداهنة خصومه ، قال جل وعلا عنهم وعنه عليه السلام : ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)  القلم ) ونهاه ربه جل وعلا عن طاعة الكافرين والمنافقين ، وهم متبعو مقولة ( الغاية تبرر الوسيلة ) قال له ربه جل وعلا فى مكة : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) القلم)( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)الانسان )، وقال له فى المدينة : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1)(وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48)) الاحزاب ).

قال : هل كان النبى فى حروبه الدفاعية يلجأ الى مقولة ( الغاية تبرر الوسيلة ) ؟

قلت : إطلاقا . كان عليه السلام يتعامل بإستقامة مع أعدائه . كان منهم من تكرر منه نقض العهد ( الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فأمره ربه جل وعلا حين يقاتلهم ــ ردا على إعتدائهم وتكرار نكثهم للعهود  ــ أن يجعلهم عبرة لغيرهم المتعاطفين معهم ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) ، وأنه إذا خاف منهم خيانة فليعلن لهم ـ بكل إستقامة ـ  قطع العهد منهم : ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ( 58 )الانفال).

قال : ما معنى  مصطلح ( الخيانة ) فى القرآن ؟

قلت : يعنى نقيض الاستقامة . فالاسلام هو الاستقامة . والاسلام ضد الخيانة والله جل وعلا لا يحب الخائنين . وحتى فى موضوع الجنوح للسلم قال له جل وعلا :( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)) إى إن يتعامل معهم بإستقامة فإذا أرادوا أن يخدعوه فإن حسبه الله جل وعلا . ونفس الحال مع الأسرى ، أن يطلق سراحهم فإن أرادوا خيانته فالله جل وعلا كفيل بهم:( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) الانفال ).

قال : هل لك أقوال أخرى ؟

قلت: هذه الآيات الكريمة تنطبق فى عصرنا عن الاخوان ( المسلمين ) وكل من يخلط السياسة بالدين وعلى كل من يدافع عنهم  ، يقول جل وعلا : (وَلا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107) يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) النساء ).

قال : ودائما .. صدق الله العظيم .

اجمالي القراءات 15939