الفصل الخامس: تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 –1818 )
الرؤية الخلدونية فى : حاجة ابن سعود الى شرعية سنية من ابن عبد الوهاب

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٣ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

الرؤية الخلدونية فى : حاجة ابن سعود الى شرعية سنية من ابن عبد الوهاب 

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

 الفصل الخامس: تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 )   

الرؤية الخلدونية فى : حاجة ابن سعود الى شرعية سنية من ابن عبد الوهاب 

1 ـ لا نصدق الشائعات الرائجة والقائلة بأن الأسرة السعودية يهودية الأصل جاء عميدها من العراق واستقر فى نجد . لأن العكس هو الذى يحدث وهو هجرة العرب من الصحراء الى العراق والشام .

إن النسب أساس فى التعارف والتناصر والتحالف فى الصحراء ، والغريب فيها معروف ، وقد يُسمح له بالعيش فى حماية آخرين ، ولكن لا يمكن أن تصبح للغريب أسرة اصلها أجنبى وأن تصبح لهذه الأسرة عصبية تخضع لها وتقاتل من أجلها القبيلة بأسرها . لا يحدث هذا إلا إذا كانت هذه السرة فعلا من أصل هذه القبيلة .

2 ـ تنتسب الأسرة السعودية إلى قبيلة عنزة وهي من قبائل ربيعة التي تنتشر فروعها بين نجد والعراق وسوريا . وقد إستقر مقرن بن مرخان جد السعوديين في الدرعية سنة 1100 / 1682 بعد تجوال فيما بين القطيف ونجد ،واستطاع حفيده سعود بن محمد بن مقرن تثبيت نفوذه في الدرعية ،إذ بنى فيها إمارة ومد نفوذه إلى ما جاورها من واحات . ووصل الحكم إلى إبنه محمد بن سعود الذي تحالف مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1158 / 1745 .

3 ــ وفي هذا الوقت كان إقليم نجد مقسما إلى عدد من الإمارات الصغيرة المتشاحنة غير الخاضعة للإمارة  السعودية .ويقول حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز أنه قبل وفود الشيخ إبن عبد الوهاب لم يكن لآل سعود شأن كبير في نجد ،ولم يكن لهم تأثير يذكر في شأن الجزيرة العربية ،بل كان شأنهم شأن غيرهم من شيوخ المقاطعات النجدية ،وكانت الجزيرة العربية مقسمة إلى مناطق عدة ،لكل منطقة أمير يمتد أو يقصر نفوذه حسب قوته وكفاءته الشخصيه وهمته . وكان الأمراء البارزون في ذلك الوقت هم:  أشراف الحجاز ،وبنو خالد حكام الأحساء وما والاها من المنطقة الشرقية على الخليج العربي ،وآل معمر في العينية ، والسعدون في العراق ،وإمام صنعاء في اليمن ، والسادة في نجران والبوسعيد في مسقط وعمان [12].

4 ــ وبالتحالف بين الشيخ والأمير عرف العالم بالدرعية وآل سعود والدعوة  الوهابية لأول مرة ، ودخلت نجد وما حولها في منعطف تاريخي جديد أشارت إليه الرؤية الخلدونية قبل حدوثه بحوالي أربعة قرون، فى حديث إبن خلدون عن تحالف العصبية القبلية والدعوة الدينية .

5 ــ وبدون هذا التحالف لم يكن للأمير محمد بن سعود أن يواجه أقرانه من أمراء نجد فضلا عن الأمراء البارزين في الحجاز واليمن وفى الخليج .ومهما علا شأنه وعلى فرص نجاحه في هزيمة أقرانه في نجد فسيظل محاصرا داخل نجد ، وما كانت تعنيه نجد من صراع دموي مستمر لا يسمع به أحد خارجها ،وفي النهاية ستنتهي به طاحونة الصراع إلى بروز أمير آخر بقبيلة أخرى يحل محله ،وفق دوائر الصراع التي لا تنتهي فى نجد .

6 ــ ومن هنا فإن العصبية القبلية وحدها لا تصلح لتوسع ال سعود ،خصوصا وأنهم ليسوا الأكثر عددا والأكثر جندا. وفي وضعهم الحالي القائم على العصبية فقط  فإن أقصى ما يطمحون فيه هو الحفاظ على ملكهم في الدرعية أمام المنافسين من آل معمر وبنو خالد ودهام بن دواس .

وفي نفس الوقت فإن الشيخ إبن عبد الوهاب وهو يتعرض للإضطهاد بسبب دعوته الحنبلية المعادية للصوفية والشيعة يحتاج إلى أمير طموح يقوم بحمايته ويساعده في مهمته. وبهذا التحالف بين الشيخ والأمير قامت الدولة السعودية الأولى لتتحقق القاعدة الخلدونية في أن العرب لا يحصل لهم ملك إلا بدعوة دينية .

يقول إبن خلدون كأنما يتحدث عن أهل نجد بالذات أن العرب ويقصد بهم  الأعراب البدو هم أصعب قيادا بسبب توحشهم ،وما فيهم من الأنفة والمنافسه في الرياسة فيما بينهم ،فإذا كانت هناك دعوة دينية أذهبت من نفوسهم أخلاق الكبر والمنافسة .وإذا قام فيهم صاحب دعوة دينية ودعاهم بالدين وابتعد بهم عن الأخلاق الذميمة إستطاع تأليف كلمتهم وأرجعهم إلى الفطرة الأولى[13].

وعن طريق الدعوة السلفية السنية التي تحمل لواءها الإمارة السعودية الوليدة لم يكن صعبا أن يسير بعض أهل نجد خلف الراية السعودية الدينية . ولم يكن سهلا في نفس الوقت أن يقتنع معظم أهل نجد وما حولهم بترك التقديس للقبور والأوثان ،ومن هنا تحتمت الحرب وارتبط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحنبلى ( الوهابى ) بالقتال حسبما سبق التأصيل السني والفقهي في ذلك الموضوع .وبهذا وجدت الامارة السعودية فى الدعوة الوهابية شعارا تتوسع به في الجزيرة العربية ،تغزو وتحتل وتتحول من إمارة صغيرة مجهولة الى دولة تناطح الدولة العثمانية ، وهذه هى الدولة السعودية في دورها الأول (1158 1233)(1745-1818).

 عرض للرؤية الخلدونية :

1-تحت عنوان معنى الخلافة والإمامة يقول إبن خلدون أنه لما كان الملك يعني التغلب والقهر كانت أحكامه جائرة لأنه يرغم الناس على تحقيق أغراض السلطان مما يؤدي إلى الفتن والإضطرابات ،لذلك يجب الرجوع إلى قوانين السياسة التي يفرضها العقلاء .ثم قسّم  ابن خلدون السياسة إلى نوعين ،سياسة عقلية و سياسة شرعية إلاهية. وقسّم الملك إلى أنواع ثلاثة :الملك الطبيعي وهوقهر الناس بالغرض والشهوة ،والملك السياسي هو حمل الناس بالنظر العقلي لجلب المصانع الدنيوية ودفع المضار ،والملك الديني أو الخلافة ( أو الدولة الدينية ) وهو حمل الناس على مقتضى الشرع لرعاية مصالحهم الأخروية والدنيوية . وقال إن الملك الديني هو خلافة عن صاحب  الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين .وقال إنها الأفضل لأن الدنيا بدون دين مجرد عبث ،ولأن الدين هو طريق السعادة في الدارين .وأن أحكام السياسة العقلية عبارة عن نظر بغير نور الله وذلك مذموم.

ثم يؤكد على أن الخلافة تعني النيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا به ،ولهذا يطلق عليها الإمامة تشبيها بإمامة الصلاة من حيث الإقتداء ،ولهذا يقال عنها الامامة الكبرى .

ويرى إبن خلدون أن الشرع لم يذم الملك ،وإنما ذم المفاسد الناشئة عنه من القهر والظلم كما أثنى على العدل وإقامة معالم الدين ،وهي من توابع الملك ،وقد كان داوود وسليمان عليهما السلام من الملوك .وطالما يقول الملوك بإقامة أحكام الشريعة فهذا لا يحصل إلا بالعصبية أو الشوكة ،أي بسلطة الملك .

ويصل إبن خلدون إلى القول بأنه إذا نظرت إلى سر الله في الخلافة يتأكد لك أن الله جعل الخليفة نائبا عنه في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم ،وهو مخاطب بذلك ولا يخاطب بالأمر إلا من له القدرة عليه كما خوطب الرجال وكان النساء تبعا للرجال في الخطاب .

وعن إنقلاب الخلافة إلى ملك يرى إبن خلدون أن الملك هدف طبيعي للعصبية ،وبالعصبية تقام الشرائع على الناس. ولا حرج في الملك والعصبية إذا كانا في إقامة الشرع ،فالدنيا سبيل للآخرة ،وليس المراد إقتلاع العصبية أو الملك وإنما توجيههما لما فيه الخير والحق وإقامة الشرع.

ثم قام بتفسير تاريخ المسلمين السياسي من بدايته إلى نهاية الدولة العباسية وفق هذا المفهوم ،وانتهى إلى أن الأمر كان في بدايته خلافة يقع فيها الدين موقع الباعث والوازع ،وكانوا يؤثرونه على الدنيا ،ثم صار الأمر ملكا بعثت فيه معاني الخلافة في تحري الحق ،ولكن تغير الباعث أو الوازع فأصبحت العصبية مكان الدين ،وسار على ذلك الأمويون ثم العباسيون في بداية عهدهم .ثم ذهبت معاني الخلافة ولم يبق إلا إسمها وصار الأمر ملكا بحتا بالقهر والتغلب ،واستمر ذلك ببقاء عصبية العرب وقوتهم ،إلى أن تلاشت قوة العرب فأصبح الملك البحت في ملوك العجم وظل منصب الخلافة لمجرد التبرك [14].

أي أن إبن خلدون يرى أن الشرعية تنحصر في الملك الديني الذي يقوم على أساس إقامة الشرع وفق ما يفهمه الخليفة من هذا الشرع ، والذى يفهمه الخليفة هو الاستبداد بالأمر وطاعة ( الرعية ) له بإعتباره ممثل الشرع ، أو بتعبير القرون الوسطى المُناقض للاسلام: ( ظلُّ الله فى الأرض )، وبهذه الصفة يطبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو صاحب الحق فى تحديد ماهية المعروف وماهية المنكر ، وكيفية إزالة وتغيير المنكر . وحيث أن الشرع يتلخص في إفعل ولا تفعل فإن أوامر ( الإمام ) أى الحاكم المستبد بالمفهوم السلفى يجب على ( الرعية ) طاعتها . والذى يعصى فهو حلال الدم خارج عن الجماعة مستحق للقتل . وبهذا يجعل ابن خلدون ذلك الملك الديني (الخلافة ) نيابة عن الله تعالى في القيام بأمور عباده لحملهم على تطبيق معالم الشرع، ولا يهتم إبن خلدون بالمظهر الخارجي إذا كان خلافة أو ملكا ،لأن المهم هو إقامة الشرع ،وعلى ذلك فلا حرج في الملك أو الإعتماد على العصبية طالما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالمفهوم السلفى القائم على العنف ، وليس بالمفهوم الاسلامى القائم على مجرد الوعظ  . ومعلوم أن ( الشرع ) الذى يقصده ابن خلدون هنا هو صناعة بشرية ، وهو بالنسبة للدولة السعودية هو الفقه الحنبلى التيمى الوهابى .

2- وفي موضع آخر يتحدث إبن خلدون عن أثر العصبية القبلية في تدعيم الدولة فيقول تحت عنوان (الدولة العامة القوية أصلها دعوة دينية )إن الملك يتم بالغلبة والعصبية ،ولا يحدث ذلك إلا باتفاق القلوب على الإيمان بدعوة دينية والأمل في عون الله على إقامتها ،ويعلل ذلك بأن السبب إذا كان سياسيا دنيويا فقط حمل في داخله التنافس والخلاف ،أما إذا كان دينيا إتحدوا جميعا في سبيله .وفي الفصل التالي وتحت عنوان (الدعوة الدينية تزيد قوة الدولة على قوة عصبيتها )يؤكد ما قاله سابقا أن العصبية الدينية للدعوة تمنع التنافس المصاحب للعصبية وتجعلهم متحدين حول هدف واحد ،فإذا انتهت الصبغة الدينية وبقيت العصبية ينشأ الخلاف ويتغلب الاقوى .

ثم في الفصل التالي تحت عنوان (الدعوة الدينية لا تتم إلا بالعصبية) يقول إن كل أمر يتم فرضه على الناس لابد له من عصبية ،واستشهد لما حدث لبعض المصلحين الذين ضاعوا بسبب عدم وجود عصبية تحميهم، منهم الشيخ إبن قسي ،واستشهد بثورات الفقهاء الداعين إلى تغيير المنكر ويتبعهم العوام دون عصبية قوية وانتهوا إلى لا شئ ،ومنهم في العصر العباسي خالد الدربوس وأبو حاتم سنة 201 هـ .[15]

أي  يركز إبن خلدون على دور العصبية القبلية في تدعيم الدولة الدينية وإقامة الشرع ،وبدون هذه العصبية لا تقوم للدولة قائمة ،وبدونها يفشل الداعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .وفي نفس الوقت يؤكد على أهمية الدعوة الدينية وأثرها في إتحاد أهل الدولة ،بحيث أنه إذا ضعف تأثير الدولة الدينية وأصبحت الدولة قائمة على مجرد العصبية وحدها فإن الدولة تقع فريسة الإختلاف والشقاق .

وما قاله إبن خلدون ينطبق على الدولة السعودية ،سواء في مرحلتها الأولى أو في دورها الثاني حيث الإختلاف والشقاق  ..

  :التحالف في ضوء الرؤية الخلدونية :

1 ـ من الملفت للنظر أن إبن خلدون حين عرض للخلافة والعصبية والملك توقف عند نهاية الدولة العباسية وأشار إلى تحول الخلافة العباسية إلى مجرد رمز للتبرك في العصر المملوكي ،حيث كان الخليفة العباسي بالقاهرة ضمن حاشية السلطان المملوكي ،وهذا ما شهده إبن خلدون أثناء حياته في القاهرة ،ووصف هذا الوضع بتلاشي قوة العرب لحساب الملوك العجم المتحكمين ،وبالتالي ضاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .ولم يعرف إبن خلدون بأنه بعد موته بنحو ثلاثة قرون ونصف سيعقد تحالف بين إثنين من العرب أحدهما شيخ فقيه والآخر أمير صاحب عصبية في سبيل إقامة كيان سياسي يقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنهج السلفى و بمثل ما دعى إليه إبن خلدون .

 2 ـ لقد إنتهت المرحلة الأولى من جهاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعقده التحالف مع الأمير محمد بن سعود الذي شهده بيت أحمد بن سويلم ،حيث قضى فيه الشيخ إبن عبد الوهاب ليلته الأولى بالدرعية.

إذ أنه بناءا على مشورة مشاري بن سعود ،ذهب الأمير بنفسه إلى لقاء الشيخ ورحب به ،وقال له (أبشر  ببلاد خير من بلادك ،وأبشر بالعزة والمنعة ) .! فقال الشيخ (وأنا أبشرك بالعز والتمكين وهي كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد ،وهي كلمة التوحيد وأول ما دعت اليه الرسل من أولهم إلى آخرهم ). وخشي الأمير إبن سعود من أن يهجره الشيخ إلى مكان آخر ويستبدل به غيره أو أن يعارضه فيما يأخذه من ضرائب،  ولذلك قال (يا شيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لاشك فيه وأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به والجهاد لمن خالف التوحيد ،ولكن إشترط عليك إثنتين الأولى :نحن إذا قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله وفتح الله لنا ولك البلدان أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا ، الثانية :إن لي على الدرعية قانونا آخذه منهم وقت الثمار وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئا ) .فأجاب الشيخ : (أيها الأمير أما الأولى فأبسط يدك، الدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثانية :فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها. )  ،ثم إن محمدا بسط يده وبايع الشيخ على دين الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وإقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فقام الشيخ ودخل معه اليد واستقر عنده )[16].

إن ما جاء في مفاوضات التحالف وبنوده يحقق رؤية إبن خلدون في إقامة دولة دينية سلفية تتمسح بالاسلام والجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لتغزو و ( تفتح ) وتحتل بلادا الآخرين بعد اتهامهم بالكفر ، ولتسلب وتنهب وتغتصب وتسبى  أناسا أبرياء ، على أن ذلك هو الاسلام . وهذا ما حققته الدولة السعودية الأولى التى نشرت المذابح فى الجزيرة العربية واحتلت جزءا كبيرا منها بما فيه الحجاز ومكة والمدينة ، وهاجمت العراق والشام ، وهى ترفع شهادة لا إله إلا الله والجهاد في سبيل الله وإقامة شرائع الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .  

إن الشيخ الذي عانى الكثير من الإضطهاد أدرك أنه دخل مرحلة جديدة يستطيع فيها من خلال التحالف أن ينتقم من خصومه ،أو بتعبيره :الدم بالدم والهدم بالهدم ،ومعنى ذلك ،أنه سيواصل دعوته بالإكراه فى الدين والقتل والقتال والتدمير ، وهذا يعنى الكثير في مجتمع قبلي تتحول فيه الخلافات سريعا إلى معارك دامية ،ومن هنا تكون تلك المعارك سبيلا للتوسع السياسي للأمير الطموح محمد بن سعود ، وبدون ذلك لن يتميز عن أقرانه من أمراء نجد .

ويلاحظ بُعد نظر الأمير إبن سعود وتفكيره المستقبلي ،إذ يشترط على الشيخ أن يظل معه ولا يخرج عنه .أي يضمن لذريته وأسرته الملك الذي يستند على هذه الدعوة الدينية التي احتكرها في عصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب ،ومن المنتظر أن تقوم بها بعده ذريته في إطار الحكم السياسي لآل سعود .

ويلاحظ مرونة الشيخ والأمير في التفاوض ،فقد وافق الشيخ على شرط الأمير بأن يبقي معه ولا يرحل عنه وتنازل الأمير بناء على مطلب الشيخ عما كان يأخذه من ضرائب من أهل الدرعية ، مقابل الغنائم التى سيأخذها الأمير من غزو ( الكفار ) وإحتلال بلادهم . وهى مكافأة لأهل الدرعية ، وضع الضرائب عنهم مقابل وقوفهم مع الأمير فى تحقيق طموحه السياسى . والضحية هم العرب الآخرون الذين شاء سوء حظهم أن يجاوروا الدرعية فيتهمهم الأمير والشيخ بالكفر ويكون الاتهام بالكفر وسيلة لاستحلال دمائهم وسلب أوطانهم وأموالهم وسبى نسائهم . !.

ويلاحظ أخيرا أن التفاوض لم يأخذ وقتا طويلا منهما ،إذ كان كلاهما في حاجة للآخر، وكانت الظروف الزمانية والمكانية والتاريخية تتطلع إلى تغيير حقيقي بعد خمول زرعه التصوف السّنّى إستمر قرونا ، فأتى في أوانه . وهذا يفسر كل ما صحب الدولة السعودية الأولى من صخب سياسي وعسكري ودولي وثقافي على المستوي المحلي والإقليمي والدولي .

اجمالي القراءات 7773