التقوى

شريف هادي في الخميس ٢٢ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


التقوى لغة هي المحاذرة والاجتناب يقال (إتقي شر من أحسنت اليه) أي إجتنب شره وحاذره.
وقديما قال الشاعر: خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقي
واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
وعن المعنى الشرعي للتقوى فقد نسبوا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ان التقوى هي (الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل) كما قالوا أن التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ، وقال الثوري سموا متقين لأنهم أتقوا ما لا يتقى ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به ، وقال الحسن رحمه الله: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض الله عليهم .
ومن جماع ما تقدم من تفسير للتقوى نجد أنهم أجمعوا على انها نوع من الحذر وقد قال أبو الدرداء (تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه) كما قال المحاسبي (لايحسن إيمان المرء حتى يدع بعض الحلال مخافة أن يقع في الحرام) وقال (حسب أبن آدم من حياته ثلاث اليقين والحذر وإستحضار الاطلاع بالنظر).
ولكن لو سلمنا جدلا ما شرحوه عن التقوى لوقعنا في إشكالية الآية الكريمة رقم 102 سورة آل عمران " اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وأنتم مسلمون" لأن تفسير التقوى على المعنى المأخوذ من السلف أو المعنى الذي قاله عبد الله بن مسعود في تفسير هذه الآية (أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر) يقودنا إلي أن نعتبر الأمر في الآية من باب الأمر بالمستحيل ويحمل لفظ حق تقاته على المجاز أن يحاول كل منا قدر إستطاعته أن يتقي الله حق تقاته ولن في الحقيقة لايستطيع أحد أن يفعل ذلك لذلك قال الثوري (اتقوا مالا يتقى) ولكن الحقيقة أنه من المستحيل أن يأمر الله سبحانه وتعالى عباده بالمستحيل لأن ذلك يقع في باب الهذل تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كثيرا والله تعالى يقول "وما هو بالهذل" كما أن تفسير هذه الآية على هذا النحو يجعلها تتعارض مع كل آيات مغفرة الذنوب كقوله تعالى"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنتوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم" لأن الإسراف في إرتكاب الذنوب يخالف حق التقوى بل إرتكاب أي من الذنوب يخالف حق التقوى على المعنى الذي شرحه السلف ، كما تتعارض أيضا مع آيات التوبة ، ثم كيف يكون التوفيق بين هذه الآية في سورة آل عمران 102 وبين الآية 16 في سورة التغابن قوله تعالى" فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون"؟ فهل نسخت بمعنى لغت إحداهما الأخرى؟ أم ماذا؟
والحقيقة أن للتقوى معنيان أحدهما يتعلق بعمل القلوب في باب التسليم والاذعان والآخر يتعلق بفعل الجوارح والأركان في باب الإداء والاتقان ولكي نوضح هذا المعنى ونبسطه فإن أفضل شرح للقرآن ما كان منه بالقرآن.
التقوى على المعنى الأول هي الإيمان بوحدانية الله وألا نشرك به أحدا وهي على هذا المعنى تكون الاسلام فتكون تقوى الله حق تقاته بتوحيده والإيمان به وعدم الشرك ولذلك فإن الله أردف قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته" بقوله تعالى"ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" فيكون مقصود حكم الله بتقواه حق تقاته أن نموت على شهادة التوحيد وهي (الاسلام) . قال تعالى" يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ"فإن الله ينزل جبريل وحيا على الرسل يأمرهم بأ ينذروا عباده أنه لا إله إلا الله ، فاتقوا الله ، فمن آمن ووحد الله فقد إتقاه حق تقاته.
وقال تعالى" كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ(*) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ(*) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(*)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(*)وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(*)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(*)" الآيات من 105 : 110 سورة الشعراء
وقال تعالى" إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ(*)إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(*)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(*)وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(*)أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(*)وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(*)وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(*)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(*)وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ" الشعراء 126 : 132 وكل ذلك يحمل على معنى التوحيد وهو عموم رسالة الرسل كلهم ، ويأخذ معنى الاسلام من قوله تعالى" فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" يونس 72 ، كما قال تعالى في حق فرعون "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" بما يؤكد أنها دعوة موسى التي رفضها فرعون أولا ثم آمن بها عند الغرق ، كما قال تعالى " إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" ومن هنا يتضح أن معنى التقوى في سورة آل عمران الآية 102 هو تحديدا التوحيد وهو على هذا النحو أمراً بما يستطاع وليس بمستحيل وقد فسر آخر الآية أولها وتصبح التقوى هنا هي الاعتقاد وهو عمل القلوب والعقول لا دخل فيه للأركان والجوارح والتي نصيبها من التقوى ما إستطاعت على ما سنفسره لاحقا بإذن الله .
والتقوى بمعنى الإيمان والاسلام والتسليم لرب العالمين وتوحيده جائت في آيات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى.
(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52)
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) (الزمر:16)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1)
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) (النساء: من الآية131)
وهي أيضا وصية كل الانبياء لقومهم ولم يحيد عنها نبي ولنراجع قوله تعالى.
(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:106)
(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:124)
(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:142)
(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:161)
(إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:177)
(وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (العنكبوت:16)
وقبل أن ننتقل للنوع الآخر من التقوى ننظر لقوله تعالى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (لأنفال:29)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحديد:28)
في الآية الأولى يخاطب الله سبحانه وتعالى عباده بجملة شرطيه مفادها إن اتقوا الله (تقوى الاعتقاد) يجعل لهم فرقانا ويكفر عنهم سيئاتهم ويغفر لهم ، والمستتر هنا معلوم بالضرورة وهو الذنب ، أي أنه رغم تقواهم لهم سيئات وذنوب ، والشاهد من الآية أن التقوى المقصودة هنا لايمكن أن تكون تقوى عمل وأداء ولكنها تقوى إيمان وأعتقاد ، وجائت الآية في سورة الحديد شارحة للآية في سورة الأنفال بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله ، وقد يسأل سائل كيف يطلب الله من الذين آمنوا أن يؤمنوا برسوله؟ والأمر في غاية الوضوح أن الايمان الأول في قوله يا أيها الذين آمنوا هو ايمان توحيد ومعرفة لله سبحانه وتعالى وإقرار بوحدانيته أما الإيمان الثاني في قوله وآمنوا برسوله هو ايمان بالطريق والشرعة والمنهاج ويأتي قوله سبحانه اتقوا الله بين نوعي الايمان جامعا لنوعي التقوى وهي تقوى الاعتقاد بالايمان الأول وتقوى الأداء بالايمان الآخر
ونأتي لقوله تعالى"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (لأعراف:96) وفي هذه الآية الكريمة بشارة كونية أنه لو آمن أهل قرية وأتقوا لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض والايمان والتقوى هنا المقصود بها تقوى الاعتقاد والشاهد على ذلك المضاد لها في آخر الآية ولكن كذبوا فالتكذيب هنا هو الكفر عكس الايمان فتكون التقوى هنا مرادف للتوحيد من نوع تقوى الاعتقاد والله تعالى أعلم.
ونأتي هنا لنوع آخر من التقوى وهي بمعنى العبادة أي عمل الجوارح والأركان لتحقيق معنى الطاعة والتسليم والانقياد ، وهي التي أشار المولى عز وجل إليها في قوله " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيرا لانفسكم ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون" وسبحانه وتعالى يقول اتقوا الله ما أستطعتم وما هنا إسم موصول بمعنى الذي أي الذي تستطيعونه من الطاعة فأدوه وما قصرتم في أداءه فإن الله كتب على نفسه الرحمة وكتب عليكم التوبة والمغفرة والأنابة وكتب على نفسه القبول ولذلك فقد أردف الله سبحانه أمره لعبادة بالتقوى حجم الاستطاعة بأوامر ثلاثة السمع بمعنى (الاصغاء) والطاعة بمعنى (الإذعان) والانفاق بمعنى (الأداء) وقد بين سبحانه وتعالى أن الانفاق هو أعلى مراتب الأداء لأنه يترتب عليه إتقاء شح النفس المؤدي للفلاح ، فالاصغاء والاذعان والأداء طريق الفلاح ، فلو قال بعضهم لا يحسن إيمان المرء حتى يترك بعض الحلال مخافة الوقوع في الحرام نقول أن ذلك فيه تزيد على الله بالمخالفة لمقصود الله بفرض تقوى العمل على عباده لأن الأمر بالتمتع بالحلال مساوي في الدرجة للأمر بالنهي عن الحرام بل أن الأمر يالأداء مسبق على الأمر بالنهي فيكون الأولى عدم ترك الحلال حال الاحتياج إليه وعند الوقوع في الحرام بالتقصير لعجز الاستطاعة على الطاعة والأداء يظهر عمل التوبة في قوله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ " التحريم 8 ، ومن عظيم كرم الله سبحانه وتعالى على من اتقاه من عباده حق تقاته بالإيمان الذي هو مرادف التوحيد أن أمرهم بالتوبة على ما قصروا في أداءه من تقوى العمل والأداء المقترن بالاصغاء والاذعان وفتح لهم باب الأمل على مصراعيه بأنه سيكفر عنهم سيئاتهم التي قصروا فيها عند الأداء وسيدخلهم بتقوى الاعتقاد وهو التوحيد جنات تجري من تحتها الانهار وبلا النافيه لجنس الخزي عن النبي والذين آمنوا معه (أنظر كيف عطف الله الذين آمنوا مع النبي على النبي عطف مساواة في الأجر رغم إختلاف العمل فالنبي أشد عزما وأكثر حزما في الأداء ، ومع ذلك تساوى معه الذين آمنوا لأن الله قد طلب من كل أن يؤدي قدر استطاعته ، فقد أدى النبي ما أستطاع وأدى الذين آمنوا ما أستطاعوا فأستحقوا التساوي رغم إختلاف العزائم) نورهم أي نور تقواهم لله حق تقاته بإسلامهم وتوحيدهم لله يسعى بين أيديهم وبأيمانهم صحف أعمالهم مسطور في أعلاها توحيدهم لله وعدم شركهم به "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" يحدوهم الأمل يدعون الله من قلوبهم التي عرفت توحيده ولم تنكره أن أتمم لنا نورنا وذلك بدخولنا جنتك جزاءاً لنا على حسن إعتقادنا وتقوانا لك سبحانك حق تقاتك بتوحيدك ولقاءك ونحن مسلمين لك وأغفر لنا تقصيرنا في الأداء رغم الاذعان والأصغاء فكان شاهد طلب المغفرة تقوانا لك حق تقاتك بالاعتقاد في توحيدك مع الاعتراف بذنوبنا عند تقصيرنا في الأداء بتقوانا لك ما أستطعنا فكان الذنب المستحق لطلب المغفرة منك مع عفوك إنك على كل شيء قدير
وما أن الآيات في طلب تقوى الاعتقاد كثيرة فإن الله قد أمرنا بتقوى العمل في آيات كثيرة أيضا منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
ونجد أن الشاهد في هذه الآيات الكريمة هو الأمر بالأداء إما على الاطلاق في قوله أعبدوا ربكم وفي قوله صراطي مستقيما فاتبعوه أو مقترن بفرض كما في قوله كتب عليكم الصيام ، وكل ذلك يندرج تحت قاعدة ما استطعتم ، ولو أمر الله الانسان بتقوى الأداء على الوجه الأكمل يكون أمر بمستحيل ولهلك البشر ، ولكن الله سلم فقد أمر بالطاعة في تقوى العمل قدر الاستطاعة والانسان في هذا النوع من التقوى يتبع أبوه آدم والذي قال الله في حقه "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا "
وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلي التقوى بنوعيها في سورة المائدة في قوله تعالى" واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به اذ قلتم سمعنا واطعنا واتقوا الله ان الله عليم بذات الصدور(7) يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون(8)" وسبحان الله الذي يفتح باب العلم لمن يشاء من عباده مصداقا لقوله "وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ" البقرة 282 فسبحانه وتعالى قال في الآية 7 من سورة المائدة واتقوا الله ان الله عليم بذات الصدور وهي تقوى الاعتقاد والشاهد هنا بذات الصدور فهو عمل القلوب وهو عمل إعتقاد يطلع عليه رب العزة سبحانه وتعالى وفي الآية 8 قال واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون وهي تقوى الأداء والشاهد بما تعملون ففي الأولى حق تقاته وفي الثانية ما استطعتم.
ولنتوقف قليلاً عند قوله تعالى "وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ" السؤال أي أنواع التقوى؟ وما هو العلم؟ وكيفية تحصيله؟ في الآية 282 من سورة البقرة يتكلم رب العزة عن الكتابة عند الدين وإنها شرط حتى لا تضيع الحقوق إلا أن تكون تجارة حاضرة عن تراض وأن الذي يملل هو الذي عليه الحق تنزيها لمن له الحق عن الضلال مطالبا الذي عليه الحق بالتقوى عند التمليه ، كما يتكلم عن الشهادة رجلين أو رجل وامرآتين وأنه لا يضار كاتب ولا شهيد وكل ذلك حتى لا يضيع الحق بين الناس وقد تداخلت هنا تقوى الاعتقاد في عدم ضياع الحقوق وفي التراض وعدم ضرر الكاتب والشهيد مع تقوى الأداء بالكتابة لثبات الحقوق والشهادة فتكون التقوى المقصودة هنا في هذه الآية بمعناها الشامل في الاعتقاد والأداء والله أعلم ، أما العلم فهو أيضا بمعناه الشامل فيكون وحي القرآن الذي علمنا فيه رب العزة الكتابة والشهادة والتجارة كما في الآية الكريمة كما يكون علم الفصل في الحقوق عند الاختلاف مستخدما أدوات المعرفة من كتابة وشهادة فيكون علم فتح من الله لمن اتقاه من عبادة وكيفية تحصيله بتقوى الله مع حفظ النقل وإمعان النظر في إعمال العقل عند المسأله والله تعالى أعلم.
الصلاة
ثقلت الصلاة بحركاتها ومواقيتها على البعض ظنا منه عدم معقوليتها واتساقها مع ما أصاب العالم اليوم من سرعة ولهث وكد قد يتعذر معه على بعض الناس المحافظة على أداءها على الوجه الأكمل خمس مرات في اليوم والليلة مسبوقة بطهارة على النحو الفقهي المتعارف علية بين المسلمين فأعاد النظر في كتاب الله متفحصا فرض الصلاة متحللا من أي ثوابت مهما كان حجم تواترها ، وهي في الحقيقة نظرة غير بريئة لأنهم اتخذوا موقفا مسبقا من الصلاة أنها غير ملائمة للعصر والزمان ، لذلك كان بحثهم غير علمي أو منصف مهما استخدموا فيه من أدوات معرفية وأستحضروا مهاراتهم اللغوية والكلامية ، لأنهم وصلوا لنتائج لايقبلها العقل غاية في الشطط وكانت سقطة عظيمة لهم جميعا حتى تمادى أحدهم وأعتبر أن الصلاة هي المراصد التي نرصد بها النجوم وأن إقامتها هي إقامة المراصد مهما كانت بسيطة بالعين المجردة أو كبيرة ومعقده بإستخدام التلسكوبات والمناظير الحديثه ، هذا فضلا عمن قال أنها ثلاثة لا خمسة في اليوم والليله وكل منهم تصدى لكتاب الله بجرأة لايحسد عليها.
في مقابل فريق آخر أخذ زاوية الدفاع عن فرض الصلاة إلي الحد الذي كفر تاركها وإعتباره خارج عن ملة الاسلام وجب قتله حدا ولعنه تنزيها فوقعت الصلاة بين الإفراط والتفريط وبين الشطط والغلوا ، وما أغنانا عن ذلك كله لو فهمنا التقوى على النحو السابق ثم أسقطنا هذا الفهم على فرض الصلاة على النحو التالي:
الصلاة أمر من رب العزة بالأداء في القرآن الكريم مع كونها عبادة ثابت وصولها إلينا بحركاتها ومواقيتها بتواتر غير منقطع من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا ، هذا حق ولكن كونها عبادة فإنها تندرج تحت تقوى الأداء التي قال فيها رب العزة ما أستطعتم فقد يحدث تقصير في أداء الصلاة بسبب السفر أو المرض أو السكر بمعنى إنشغال الفكر والعقل وعدم صفاءه أو حتى الكسل أو حالة نفسية تعتري شخص المكلف فيتهاون في التكليف أو حتى ظروف خارجة كأقامته في غير بلاد المسلمين ومجاراته لهم حفاظا على الرزق أو الإقامة ، كل ذلك لا يمنع أنه ارتكب معصية بعدم الحفاظ عليها خاصة أنه لا يمكن أن يعتبر نفسه من الخاشعين لقوله تعالى" وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" البقرة 45 ، إلا أنه لا يكفر بعدم المحافظة عليها وكل واحد في أداءه للصلاة يختلف عن الأخر في قدر الاستطاعة ، فلو نظروا إليها من هذه الزاوية ما أجهدوا أنفسهم في البحث ومحاولة تغير واحدة من المسلمات ،فكما جائنا القرآن متواترا بالكتابة من عصر الرسول حتى يومنا هذا دون إنقطاع فقد وصلتنا الصلاة متواترة بالفعل من عصر الرسول حتى يومنا هذا دون إنقطاع ولاستراحوا بأنفسهم وأراحوا غيرهم والله تعالى أعلم
أخوكم / شريف هادي

اجمالي القراءات 24751