القاموس القرآنى : ظـهــر ومشتقاته

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٦ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

يأتى على معنيين فى الأساس : الوضوح والبيان للعيان ، الانتصار والمناصرة والعلو.

 أولا : ظهر بمعنى : وضُح وبان للعيان :

1 ـ من أسماء الله جل وعلا الحسنى ( الظاهر ) : (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)الحديد:3 ). أى الظاهر ببديع صُنعه فيما خلق .

2 ـ وهنا يأتى ( ظهر ) أحيانا مصحوبا بالمعنى النقيض ( بطن ) أى خفى وليس ظاهرا مرئيا ، وهنا أسلوب أدبى هو ( الطباق ) أى الاتيان بلفظ ونقيضه ، كقوله جل وعلا : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً )لقمان:20). (ظاهرة) نقيضها (باطنة ). ويقول جل وعلا : ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )   ) الأنعام:151) (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) الأعراف:33 ) (وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ) الأنعام:120). هنا نرى ( الطباق ) أو التناقض واضحا ( ظاهرا ) بين ( ظهر ) و ( بطن ) ، ومثله قوله جل وعلا : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)الحديد:13).

3 ـ وقد يأتى الطباق أو التناقض ــ بين الظاهر والباطن ــ خفيا مفهوما من السياق ، كقوله جل وعلا : (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)الروم:7 ) فنحن نعلم بعض الظواهر المرئية من حياتنا الدنيا ، ولكننا ( غافلون ) عن بوطنها . ويقول جل وعلا عن بعض الصحابة المنافقين :( لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ)التوبة:48 ). هم ( أخفوا) الأمور وقلّبوها ، وهو نوع من معانى ( أبطن ) أى أخفى ، والمناقض هو ( أظهر) فجاء الحق وظهر أمر الله جل وعلا وهم له كارهون. ويقول جل وعلا : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)النور:31 ). إبداء الزينة أو إظهارها يتناقض مع إبطانها وتغطيتها . فهنا تناقض أو ( طباق ) مفهوم من السياق بين ( ظهر ) و ( بطن ). ومنه قوله جل وعلا : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)التحريم:3) فكلام النبى عليه السلام لبعض زوجاته كان سرّا ( باطنيا ) ونقيضه أنها ( نبأت ) به ، وكان النبى لا يعلم هذا ،وأن الله جل وعلا ( أظهر ) الموضوع . ويقول جل وعلا : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) الجن:26 ، 27)، فالغيب باطن غير ظاهر لنا ، ولكن الله يُظهر بعض هذا الغيب لمن ارتضى من رسله .

ومن التناقض الخفى جدا زعم فرعون خوفه من أن يقوم موسى عليه السلام بإظهار الفساد فى الأرض : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ)غافر:26 ). والعادة أن كل مستبد فاسد يقلب الحقائق .

4 ـ ويأتى ( ظهر ) بمعنى وضُح وبان للعيان بدون إستعمال النقيض أو ( الطباق )، كقوله جل وعلا : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) الروم:41 ). فالفساد ظاهر للعيان بحيث يعانى الناس منه  ومن تبعاته وعواقبه . وقوله جل وعلا : (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّاماً آمِنِينَ)سبأ:18 ) هى قرى ظاهرة واضحة ومعروف الطرق التى توصل اليها .

5 ـ ويلحق بمعنى الظهور والوضوح استعمالات أخرى لمصطلح ( ظهر ) منها

5 / 1 : وقت الظهيرة وصلاة الظهر حيث ( تظهر الشمس فى منتصف السماء ):يقول جل وعلا فى أوقات التسبيح والحمد:(وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ)الروم:18 ). ( تظهرون ) أى وقت الظهيرة .ويقول جل وعلا عن أوقات الاستئذان للأطفال على ذويهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ) النور:58 )، أى وقت القيلولة عند الظهيرة .

5/ 2 : ومنها ظهر الشىء: أى سطحه الواضح منه ، مثل سطح الأرض أو ( ظهر الأرض )،  يقول جل وعلا عن البشر وغيرهم من الأحياء التى تعيش وتدب على سطح الأرض أو ظهر الأرض : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ) فاطر:45 ). ومنها ظهر الانسان وهو المقابل للصدر ، ويقول جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : (الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ)الشرح:3) ، وهو اسلوب مجازى . ويقول جل وعلا عن تلقى كتاب الأعمال يوم القيامة : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)الإنشقاق:10)

5 / 3 : الظهار: وهو أن يُحرم الرجل زوجته بالعبارة القائلة : أنت علىّ كظهر أمى ". وقد قال جل وعلا فى هذا :   ( وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ) الأحزاب:4 ) . وقال رب العزة جل وعلا : (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)المجادلة:2، 3 ). ( يظاهرون ) أى يرتكبون ( الظهار ) أى تحريم اللقاء الجنسى بالزوجة.  

 ثانيا : ( ظهر ) بمعنى الانتصار والنُّصرة والمُناصرة والعلو

1 ـ جاء بمعنى الانتصار فى قوله جل وعلا عن الكفار المعتدين ناكثى العهود فى أواخر عصر النبى محمد عليه السلام : ( كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)التوبة:8 ) .. وقال مؤمن آل فرعون يعظ قومه : (يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ) غافر:29 ). أى ظاهرين منتصرين فى الأرض حيث كانت مصر الفرعونية وقتها أكبر قوة عسكرية فى المعروف وقتها من الأرض . ويقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)الصف:14 ): أصبحوا ظاهرين أى منتصرين .

وقريب منه قول أهل الكهف حين إستيقظوا منهم يحملون خوفهم من قومهم وتسلطهم عليهم : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً)الكهف:20 ). وقريبا منه أيضا قوله جل وعلا عن الانتصار النهائى لدينه الحق : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)التوبة:33 ) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً)الفتح:28 ) (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)الصف:9 ). أى ليظهره وينصره على الأديان الأرضية . وهو الانتصار الأعظم يوم الدين : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) غافر )

 2 ـ وبمعنى المناصرة لفريق ضد فريق ، كقوله جل وعلا  فى تشريع الموالاة :( إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)الممتحنة:9 )، ظاهروا على إخراجكم أى أيدوا المعتدى فى إخراجكم من دياركم . . وعن تعاون يهود بنى قريظة للأحزاب الذين حاصروا المدينة لتدميرها يقول جل وعلا : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ) الأحزاب:26 ) . هم ظاهروا العدو المعتدى . ومثلهم الذين يظاهرون العدو المعتدى بالقتال معه ، يقول جل وعلا : (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)التوبة:4 ). لم يظاهروا يعنى لم يعاونوا عدوكم المعتدى عليكم.

ومنه ( ظاهر ) أى شارك كقول الجاهليين العرب عن دعوة موسى وهارون : (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ) القصص:48 ). وقوله جل وعلا : (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)الإسراء:88 ) . ويقول جل وعلا عن بعض أهل الكتاب (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) البقرة:85 ). التظاهر هنا بالمشاركة فى الاثم والعدوان والقتال .

وفى كل ما سبق يأتى التعبير ب ( ظاهر ) على وزن ( فاعل ) أى شارك فى الفعل . وعند تعدد المشاركة فى الفعل يكون ذلك الذى ( ظاهر ) : ( ظهيرا ) على وزن ( فعيل ) وهى من صيغ المبالغة فى اللسان العربى . وقد جاء الاستعمالان معا ( ظاهر ) و ( ظهير ) فى قوله جل وعلا لزوجتين من أزواج النبى : (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)التحريم:4 ). هنا التهديد لهما بأنهما إذا ( تظاهرتا ) على النبى فإن الله جل وعلا وملائكته وصالحى المؤمنين ( ظهير ) أى مدافع عن النبى عليه السلام . ونرجو ممّن يعتقد العصمة فى عائشة أن يتدبر هذه الآية ، وإذا كانت بعض نساء النبى يفعلن هذا فى حياته بما يستدعى هذا التحذير الالهى غير المسبوق فلا نعجب أن تكون عائشة أول قائدة لأول حرب أهلية فى تاريخ المسلمين .

وجاء إستعمال ( ظهير ) بمعنى المدافع عن أو المهاجم ل . وهنا يتغير المعنى حسب حرف الجر ، فالكافر ( على ربه ظهير ) والمؤمن ( لربه ظهير) . مثل ( شهد لفلان ) اى شهد لصالحه أو شفع له ، و ( شهد على فلان ) أى كان خصما له . يقول جل وعلا عن المشركين ـ ومن بينهم المحمديون ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً )الفرقان:55 ) الكافر (ظهير على ) ربه جل وعلا . أما ( ظهير ل ) أى ( مدافع عن ) جاء فى قول موسى عليه السلام:( قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) القصص :17). أى لن يكون مدافعا ومشايعا للمجرمين . وفى تحذير رب العزة للنبى محمد عليه السلام قال له جل وعلا : (  فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكَافِرِينَ) القصص:86 ) .  ويقول جل وعلا عن تلك الآلهة المزعومة : (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)سبأ:22 ) ، مالهم منهم من ظهير أى مساند أو معاون أو مساعد .

3 ــ وبمعنى الصعود والعلو

يقول جل وعلا :(وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) الزخرف:33 ) عليها يظهرون أى يصعدون، ومثله قوله جل وعلا عن سد يأجوج ومأجوح:( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً)الكهف:97 )

 ثالثا : المظاهرات

هى مصطلح جديد من التأييد الشعبى لمطلب ما . وقد ورد معناه ـ دون لفظه ـ فى مظاهرات المنافقين والمؤمنين فى المدينة حيث كانت الحرية السياسية بلا سقف ، يقول جل وعلا : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة )وفى المقابل : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) التوبة ) .

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 9409