الدين لله والوطن للجميع وخلق الانسان حرا
العلمانية والتكفير السياسي

عمر أبو رصاع في الثلاثاء ٢٠ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

كثيرا ما نمر في قراءتنا لما ينشر هنا وهناك ، بمقالات تأتي بتلك التعاريف التي ما أنزل الله بها من سلطان سواء على مستوى تأويل الخطاب الإلهي أو حتى على مستوى تعريف بعض المدارس الفكرية والسياسية ؛ فنجد مثلا تأويل كلمة المغضوب عليهم في القرآن سورة الفاتحة على انهم اليهود والضالين على أنهم النصارى ، نجد الأحكام التكفيرية الخالصة ليس فقط لمن كان كتابيا بل اكثر من ذلك تجد دائرة المعترف بايمانهم تضيق وتضيق حتى لا يكاد يظل بها إلا أتباع هذه الفرقة أو تلك !
الحال كذلك ، فهذا ما شبت عليه وألفته الفرق والمذاهب الدينية منذ لحظات انبعاثها ، ذلك انها اعتقاديا لا تنفك تصوغ معتقداتها بالطريقة التي تجعل عدم موافقتها عليها كفر صريح.
لن ادخل هنا في جدل فقهي مع المكفرة حول معنى كلمة كافر كما ذهب فقهاء المذاهب ولن أقول لهم لتجدن أقرب الناس إلى الذين آمنوا الذين قالوا إنا نصرى ولا لكم دينكم ولي ديني التي قيلت للمشركين! ولا إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ولن أقول لهم إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ولا وهديناه النجدين فإما شاكرا وإما كفورا ، ولن أقول لهم أمرهم إلى الله ، ولا الله يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون ، ولن أقول لهم ما قاله الرسول لمشركي مكة يوم الفتح بعد كل ما كان منهم إذهبوا فانتم الطلقاء ، لن أقول لهم كل هذا.
اكتفي بأن أقول لهم إذا كان غير المسلم كافر بمعنى أن رفضه لعقيدتك كفر فهو لو لم يكن كذلك لتبعها والعكس بالعكس وهذا يقودنا إلى فتح الساحة على منوالك للتكفير والتكفير المضاد فماذا سيكون لدينا ؟
وفق مفهوم الكفر عند هؤلاء الذي يتبعه القتل بطبيعة الحال ، سيكون لدينا يا سادة عصر الدول والجماعات الدينية حيث كل عقائدي يكفر الآخر المسلم يكفر غير المسلم والعكس بالعكس ، ثم ندخل داخل الجسم التاريخي للمسلمين كل فرقة تكفر الأخرى وترى أنها هي الناجية فالسنة تكفر الشيعة والعكس بالعكس ثم داخل الرحم السني الاشعري يكفر المعتزلي والمعتزلي يكفر الاشعري والاشعري يكفر الفيلسوف والفيلسوف يكفر الاشعري، والوهابي يكفر الصوفي والصوفي يكفر الوهابي دائرة جهنمية لا تنتهي وأرجو أن لا يتنطح لي أحدهم ويقول لي كنا قمة التسامح فالتاريخ الذي ينزف على جوانبه الدم يقول غير ذلك ليس في متأخره فحسب بل في صدره منذ خلاف السقيفة وحتى اليوم.
لهذا يا سادة لخطاب المكفرة السياسية ومن نهج نهجها تحديدا نقول لتتوقف دائرة الدم هذه ليظل الاعتقاد الديني ديني والتفاعل السياسي الاجتماعي على قواعد المدنية والعلم، لا يمكن أبدا أن نظل نرشق بعضنا بعضا بالكفر ويقتل بعضنا بعضا كما كان الحال ولا زال.
لذا نعم من دخل الاطار الفكري مشهرا سلاح التكفير في خطابه رجل يسفك الدم لأنه يطلق حكما بالقتل ، نعم هو ارهابي لأنه كذلك ، فابن لادن قتل الابرياء في برجي التجارة وفي غزواته المزعومة لأنه نصب نفسه إلها وأدار رحى التكفير المقيتة ، أنا سعيد أن تكشف المكفرة عن هذا الوجه عندما تنقض مدافعة عن منهج التكفير الذي هو الارهاب عينه سواء اقتنعت أنه ليس من العقيدة أم لم تقتنع فالمبدأ الفصل أن الارهاب هو قتل المدنيين والحكم بكفر مدني هو اصادر حكم عليه باباحة دمه وهذا هو الارهاب الذي تمارس.
المتتبع أبعد من ذلك يجدها تفضح بنية خطابها عندما تدافع عن منهجها فتحدد أن العلمانيين الذين هم عندها من تطلق عليهم اللادينيين وبالتالي الكفار أيضا كفار لأنهم:

أولا: يرفضون حق أحد في الحديث نيابة عن الله واصدار احكام قطعية باسم الله ويدفعوه بأن هذا الحديث هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، ولا علم لنا كيف أتاهم اليقين بأن ما يقولونه تحديدا أمر بمعروف ونهي عن منكر ثم لو كان كذلك فهل معناه أن تحمل السيف على البشر؟!

ثانيا: يتهمون جماعة المكفرين بالظلامية وعدم اعمال العقل ويقولون أن هذه التهم جاءت لأنهم يلتزمون بالنص من قرآن وسنة ، والواقع أنهم يلتزمون بتفسيرات وتأويلات القرون الوسطى وفهمهم القشيري لتلك النصوص لا بالنصوص واسعة الدلالة بحكم طبيعتها.

ثالثا: يتهمون جماعة المكفرين بالاحتكام إلى شرائع واحكام مر عليها أكثر من 1400 سنة وتدفع المكفرة بأنها من وضع الله فلا يجري عليها زمن ، وهو ما نسميه عمى الزمن الحقيقي لأن الزمن يمر على أي شريعة وكم نبهنا إلى تطبيقات اجتهادية للكثير من السلف لكنها تقبلها من السلف وترفضها من من يعيش بعد السلف ب 1400 سنة!

رابعا: يتهمون جماعة المكفرين بالشتم وتدفع أنت بجواز الشتم فهؤلاء (العلمانيين الجواسيس الطابور الخامس الصهيونيين اليهود .... الخ) يتجرؤون على الدين وبعضهم يسب الذات الإلاهية، ونحن نقول لا نجيز الشتم لا في اتجاه التراث ولا غيره وعلى المكفرة أن تبدأ بدفع الشتم أولا بالرد على مصدر مصادر البخاري الذي صحح حديث الداجن الذي أكل آية من القرآن فنسخت!

هي أربع خصال متمثلة فعلا في جماعة المكفرة وتحسن إذ لخصتها لنا يعتقدون بحق الحديث باسم الله ويقدسون ظاهر النص لا رب النص فهم ظلاميون فعلا ومصابون بعمى الزمن إذ لا يرون أن الزمن يمر وأنهم يقدسون تطبيق عمره أربعة عشر قرنا ويشتمون ويكفرون خصومهم ، وهي مهما دفعت عن تهم اعترفت بها فلن تنفيها لأنها وقعت وتقع وما تبريرها إياها إلا إصرار على الخطأ وكان الأجدى أن تقوم المنهج الخطابي السقيم الذي يقوم على هذه الخصال بدلا من أن تبرر لعمرو أنه ضرب زيد لأن زيد سبه ، واذكرك بقول العلي القدير في وصف نبيه {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.

ثم يطل التكفير موغلا اكثر مباركا تبرير التكفير كيف لا وهو صاحب المطولات التكفيرية الألفية ، فيبدأ بديباجة مليئة بمغالطات يضيق الموضع الآن عن تفنيدها لينتهي لنتيجة لا علاقة لها اطلاقا بديباجته تقول :" فالقول لا يصلح إلا إذا لازمه عمل يؤكده أما إذا كان العكس سقط صفة الإسلام عن هؤلاء "
وبذلك يتمم التكفير الصورة فليس فقط المسيحي واليهودي وغير المسلم عموما كافر بل كذلك المسلمين الذين لا يقدمون الأعمال التي تؤكد للناس أنهم مسلمين وهذا التأكيد طبعا يجب أن يأتي موافقا لرأي ما ، أي رأي هذا يا هل ترى؟
إنه رأي المكفرة السياسية تحديدا الذي لا يأتيه الباطل طبعا ، وهكذا فإنك إن خالفتها أصبحت كافرا ولا شك العلماني بالضرورة كافر وهذا ما أقره السيد مجدي محرم وغيره من جماعة المكفرة.
المسألة بإختصار يا سادة إما أن تؤمن بالدولة الدينية وتعلن الجهاد على العالم وتقتل بأن تكفر كل من لا يؤمن بما أنت مؤمن به وإما أنك لست مسلما!
ثم عاد تعاود المكفرة متممة للمنهج لتوضح أن اللاديني هو تماما العلماني لأن العلمانية هي بالضبط العداء للدين ولما انكرنا ذلك على احدهم كتب يستشهد وهذا ما يستوجب الرد حقا ، فما الذي جاء به فاضيلته
أن العلمانية هي :


" a doctrine that rejects religion and religious considerations"



أي المبدأ السياسي أو الاعتقادي الذي يرفض الدين والاهتمامات الدينية .
وكنا قد تحدينا أن يؤتى من المصادر المعتمدة بما يدلل على أن العلمانية كذلك فجاءنا سيادته بهذا النص ونسبه إلى الموقع :


http://www.wordreference.com/definition/secularism



المفارقة في الموضوع أن السيد لم ينتبه أن استدلاله هذا باطل، لأنه تماما مثل استدلال مكفر آخر بتعريف السيد وليد للعلمانية ، فهذا التعريف يا سادة خاطئ وتدليسي جاء في موقع تبشيري لا يقل تكفيرية عن المكفرة العرب يضيف هذا الموقع تحت عنوان :

"THE FOUR SPIRITUAL LAWS"
القوانين الروحية الأربعة ، يضيف في قانونه الثاني ما نصه :


Man is SINFUL and SEPARATED from God. Therefore, he cannot know and experience God s love and plan for his life.



وهذا يا سادة معناه بنصه : "الانسان شرير وبعيد عن الله، لذلك فإنه لا يستطيع أن يعرف ويجرب حب الله والطريق التي رسمها الله لحياته "
كأنني تماما أمام مكفر جديد على نفس المنهج ويريدني السيد أسامة مبروك أن أقر له بأن هذا التعريف للعلمانية هو تعريف من مصدر معتمد ومحترم ولا تدليسي ، لا بأس أما نحن فنأتيك بتعريفات المصادر المعتمدة والتي تلتزم الامانة العلمية و نتفق معها وتعبر فعلا عن الحركة العلمانية وبلسان رموزها التاريخيين لا بلسان الانجيلية الجديدة :


: "secularism the belief that religious influence should be restricted, and in particular that education, morality, the stat etc. Should be independent of religion." Webster dictionary



وهذا يعني من قاموس وبستر: العلمانية هي الاعتقاد بأن النفوذ الديني يجب أن يقيد، وفي التطبيق التربية والتعليم والدولة ....الخ يجب أن تكون مستقلة عن الدين.
أما أول استخدام اصطلاحي لكلمة Secularism لوصف جملة الافكار والمبادئ التي تستند إلى الحياة الدنيا فقد جاء بواسطة George Jacob جورج أغوب في انجلترا عام 1846م فكيف يعرف كتاب العلمانية الانجليزية English Secularism العلمانية:


a form of opinion which concerns itself only with questions, the issues of which can be tested by the experience of this life



وهذا يعني : نموذج من الرأي يشغل نفسه بالاسئلة فقط ، المسائل التي يمكن قياسها بالخبرة من هذه الحياة. ثم يضيف:


Secularism is that which seeks the development of the physical, moral, and intellectual nature of man to the highest possible point, as the immediate duty of life



العلمانية هي تلك التي تنشد تطوير الطبيعة الفيزيائية والاخلاقية والفكرية للانسان لأعلى مستوى ممكن ، كمهمة مباشرة للحياة.
وبعد فالعلمانية هي ضد الكهنوتية وتتعرف بأنها كذلك فكلمة Secularism هي نسبة إلى Secular أي الدنيا أو العالم وتحاول أن تبني الدولة على أساس المعرفة الدنيوية بعيدا عن المعتقدات الدينية التي إطارها الاعتقاد و العبادة ، والنسبة العربية على عكس ما يشاع صحيحة تماما لأنها نسبة إلى العالم بفتح العين فتكون النسبة العالمانية أو العلمانية بحذف الألف بعد العين وفتحها .
كيف يصف قاموس وبيستر الفلسفة الانسانية النزعة التي ظهرت في مطلع عصر النهضة وانتجت العلمانية حتى نفهم تماما من أين جاء المصطلح وما يعنيه


Secular humanism: belief in rational man as a source of his own salvation and a rejection of the supernatural

.

الفلسفة الدنيوية انسانية النزعة : الايمان بالانسان العاقل كمصدر لخلاصه ورفض الظواهر الخارقة للطبيعة.
إنها النزعة التي أسست لفهم التاريخ والانسان والمجتمع على أسس الواقع ، وتحديدا للعقلانية الانسانية في الخلاص بكل ما يعنيه الخلاص حتى في الجانب الديني ويأتي هذا متوافقا مع حركة الاصلاح الديني التي انتشرت في أوربا إبان العصور الوسطى ، لقد ارتبطت النهضة الأوربية ارتباطا وثيقا بهذه النزعة التي حررت العقل الانساني من سلطة الكهنوت الديني.
هذا لا يعني بحال أبدا رفض الدين بل رفض الكهانة في الدين ، إنه يعني إطلاق طاقات وحرية العقل الشرط الضروري ليس فقط لوقف الدم النازف باسم العقيدة بل كذلك وذلك مهم ايضا إعادة وعي النصوص وانتاجها دلاليا بما ينسجم والطبيعة التاريخية والروحية للانسان.
لقد انجز فلاسفة أوربا الأنوار المهمة التي بدأتها النزعة الانسانية وارساء قواعد الدولة المدنية العلمانية وانهاء سلطة الكهنوت على المجتمع ، انجزوا تلك المهمة عندما أعادوا وعي الدين بتنقيته مما علق فيه وفهمه موضوعيا في اضواء العقل الانساني المستنير ، كان ديكارت يقول واصفا جوهر عمله الفلسفي: إنما أحاول انقاذ اسس الايمان المسيحي .
ذات المهمة كان جان جاك روسو مشغولا بتحقيقها روسو الذي كان مهموما بتعريف روح الأمة في قوانينه لم يتجاهل الدين بل كان يعتبر أن مهمة الحرية مهمة جدا لتحرير الدين من القيود الكهنوتية والعودة إلى النظام الطبيعي بغض النظر عن الرأي بهذه النظرة المثالية فإنها أيضا تأتي منسجمة مع روح النهضة والنزوع الانساني والعلمانية .
لم يكن الحال شرقا بأفضل مما كان غربا ولنضرب صفحا إلى حين عن هذا التزيف الخطير لوعي أمتنا بتاريخها بحيث تصور العصور الوسطى عندنا وكأنها كانت جنات نعيم العقل والحرية ولنركز على خاصة تراثية يعلمها القاصي والداني أن كل فرقة من فرق الأمة كفرت الفرق الأخرى وعملت على افنائها حتى اكثرها إحتكاما للعقل وكل واحدة دفعت بأنها هي وهي دون العالمين جميعا التي تملك العقيدة الصحيحة وطريق النجاة.
على أن حرية الاعتقاد مما خلص إليه التاريخ الانساني وكفلته وثية حقوق الانسان والدساتير العلمانية كفلته كمعتقد ديني لا كمعتقد سياسي بطبيعة الحال، وهنا يكمن الخلط المتعمد الذي تحاول العقائدية السياسية المرور عبره إلى السياسة .
لنسأل أولا ما معنى أن أكون عقائدي سياسيا ؟
العقائدية السياسية تنبني أساسا على موقف اعتقادي مسبق لا يحتمل الرفض موقف اعتقادي لا يقبل منطق التعايش والاختلاف موقف اعتقادي يعتقد باحتكار الحقيقة وحق فرضها، وهذا لا يقتصر على العقائدية السياسية الدينية كتيار المكفرة بل ينسحب كذلك على العقائدية السياسية الوضعية كالفاشية والشيوعية، وإذا كانت العلمانية مطلوبة في البنية الدستورية لمنع العقائدية السياسية الدينية فإن المبادئ الانسانية لحقوق الانسان بعامة مطلوبة لمنع العقائدية السياسية الوضعية كذلك ، لقد خلصت التجربة التاريخية الانسانية سياسيا إلى ضرورة التمسك ب والدفاع عن تلك المبادئ التي تتلخص بخطوطها العامة بحرية الانسان وضمان حقوقه الاساسية التي تجمع كل العقائد السياسية وضعية وغير وضعية على انتهاكها .
التاريخ الانساني مليء بالتجارب ولدى كل شعوب الارض بدون استثناء حيث عملت العقيدة السياسية دائما على إقامة نظم (توتاليتارية) شمولية قمعية ، تميزت أول ما تميزت بالاجهاض الذاتي للاختلاف وازدراء الفردية ، إن النظام الشمولي الذي تنتجه العقائدية السياسية ربما يكون قادرا في بدايته على اعطاء دفعة بالقوة للمجتمع لكنه سرعان ما يتحول قيدا عليه ويتلخص بعد ذلك في شكل وظيفي لعبادة النظام ذاته وممارساته البوليسية القمعية لوأد أي شكل من اشكال التغير فيصاب بالجمود والشلل حتى يؤدي أخيرا لانهيار كارثي مفاجئ كما حصل مثلا للدول التاريخية الاسلامية وآخرها الدولة العثمانية وكذلك الدول العقائدية الوضعية كالاتحاد السوفيتي .
بينما يمد البديل اللاعقائدي سياسيا النظام بالمرونة والقدرة على التغير والاستجابة الطبيعية الدائمة للجدل الاجتماعي السياسي بل وادامة هذا الجدل الدافع إلى التطور ، إن هذا البديل العلماني الذي يحترم دستوريا في نفس الوقت الحرية الانسانية والتعددية السياسية يبطل جدلية الدم والتغير بمنطق الغلبة والقوة لحساب التغير السياسي السلس بالوسائل الديموقراطية ، وبينما تتحول الرؤية السياسية العقائدية إلى قوالب فكرية جامدة تقدس في شكلها أكثر من مضمونها فإن البديل العلماني الديموقراطي تتفكك فيه الرؤى السياسية وتتركب جدليا دون أن تشكل قيدا موضوعيا على التطور وهكذا رأينا بعد أزمة الكساد العظيم (1926-1933) كيف تمكن هذا النظام من تجاوز إشكاليته عندما تخلى عن رؤيته الكلاسيكية للرأسمالية واستعادة الدولة فيه دورها المركزي في توجيه الاقتصاد ومن مبدأ اللا تدخل في حرية الاقتصاد وآلية السوق إلى أن أصبحت الدولة تسيطر على نصف الدخل القومي وتعيد توزيعه، وفيما فشلت الاشتراكية العقائدية نجحت الاشتراكية الديموقراطية في أوربا عندما صاغت ما هو اليوم ارقى اشكال النظم السيواجتماعية.
إن أي محاولة للوصول إلى حل وسط مع العقائدية السياسية هو بحق مشاركة لها في فعل إجرامي ضد المجتمع ولا بديل إطلاقا عن تأسيس البنية الدستورية على أساس من رفضها أي العقائدية السياسية بكل اشكالها ، وغير هذا معناه أن نظل ندور في فلك الدم وتظل عقائد القوة والفرض تكبل طاقاتنا وعقولنا .
الدين لله والوطن للجميع وخلق الانسان حرا.
__________________

اجمالي القراءات 21567