موقع التراث فى مستقبل الثقافة العربية :
( 5 : 5 ) الثراث العربى قى ثقاقة الغد:

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٤ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مهزلة الرفض السلفى للحضارة الغربية

1 ــ كانت الثقافة العربية جزءا فاعلا مؤثرا فى الثقافة العالمية فى العصور الوسطى وستكون جزءافاعلا فى ثقافة الغد العالمية .وستنتهى دعوى الإنغلاق والرفض للحضارة الغربية التى يرفعهاالمتطرفون .

2 ــ والمضحك أن أولئك المتطرفين يعلنون رفضهم للحضارة الغربية وينسون انهم يستعملونأدوات الحضارة الغربية فى رفضهم للحضارة الغربية . يستخدمون الميكروفون والاذاعة والتليفزيونوالطباعة والأقمار الصناعية وأجهزة الاتصال ،بل وطعامهم ودواؤهم ووسانل مواصلاتهم وملابسهموأسلحتهم من انتاج الحضارة الغربية .أى يتناسون أن الحضارة الغربية تغلف حياتهم ، ويتناسون أن الحضارة الغربية بكل منجزاتها هى حضارة الإنسان وفيها كل تراث الانسانومجهوداته السابقة اللاحقة ، ومنها إسهامات العرب والمسلمين فى العصور الوسطى ..

ويتتاسون أن الإسهام فى الحضارة الحديثة بابه مفتوح لكل من يتعلم لغة العصر ، وجوائز نوبلفى الإختراع لا تفرق بين عربى وأعجمى إلا بالمقدرة على الابتكار . ويتناسون أن لغة العلم عالمية ، من أرقام ومعادلات وتصميمات ، وأن الشركات الكبرى تجرى وراء كلمخترع مهما كان لونه أو لغته أو قوميته .  ولذلك أسهم فى التقدم النووى الى جانب اينشتاين الألمانى الأمريكى ثم علماء مسلمون من مصر وباكستاناحتضنتهم الحضارة الغربية . بل إن أمريكا متهمة بسرقة العقول من دول العالم الثالث التى تعجزعن التواصل مع العقول العبقرية من أبنائها.. ومعناه أن المجتمعات العربية إذا عالجت الفجوة بينها وبينالعقول العبقريه لأبنائها فإن تلك العقول ستسهم فى إلحاق مجتمعاتها بركب القرن الحادى والعشرين ..

وبالتالى فإن دعاوى الرفض والانفصال عن الحضارة الغربية مبعثه الشعور بالنقص والعجزعن اتخاذ موقف الند .  وقديما قالوا بأن الناس اعداء ماجهلوا . وإذا تخلينا عن عقدة النقص وصممنا علىالدخول فى عصر العلم وبمنهج العلم فإن ثقافتنا العربية ستحتل مكانها اللائق فى المستقبل ..

3 ــ والسؤال الهام : كيف ندخل المستقبل بهذا التراث الذى نحمله فوق كاهلنا ؟ لأن ذلك التراث هوالذى يستشهد به السلفيون فى رفض الحضارة وعداء المستقبل ..

تراثنا : الثابت والمتغير

1 ــ نبدأ بالتعرف على تراثنا من حيث أصوله .

تراثنا ينقسم إلى ثابت ومتغير .

الثابت هو القرآن الحكيم . هو الوثيقة الأصلية والحقيقية والوحيدة للاسلام , وفيه السنة الحقيقيةللنبى والقصص الحقيقى لتاريخ الأنبياء والمسلمين والتشريع الحقيقى للإسلام .وهو الوثيقة الإلهية المحفوظة بقدرة الخالق جل وعلا إلى يوم القيامة ..

أما المتغير فى الثراث فهو ما أضافه المسلمون من مؤلفات فى العصر العباسى وهو عصر التدوين . وتلك المؤلفات لا تعبر عن الإسلام وأنما تعبر عن المسلمين وظروفهم السياسية والإجتماعيةوالنفسية وعلاقاتهم ببعضهم وعلاقاتهم بغيرهم .

2 ــ وذلك التراث المتغير بعضه صيغ فى شكل أحاديث وتفاسير منسوبة للنبى عليه السلام ، مع أنالمؤكد أن النبى نهى عن كتابة أى شئ سوى القرآن , وأنه ما ترك مكتوبا سوى القرآن ،  وأن كتابة تلكالأحاديث قد تمت فى عهد الخلفاء العباسيين بعد قرنين من وفاة النبى استجابة لظروف متغيرة ومختلفةعن عصر الرسول .

  ونسبة تلك الأحاديث للنبى أوجد عنصرا مناقضا للقرآن . وجعل للمسلمين صبغة دينية تتمشى ومنطقالعصور الوسطى التى نزل القرآن أساسا لإصلاحها واستنكارها . وتلك الصبغة المنتمية للعصور الوسطى هى التى يعتنقها تيار التطرف الدينى ويريد أنينشىء على أساسها دولة تعيد عصر الخلافة الأموية أو العباسية أو الفاطمية . وتلك الصبغة المنتمية للعصور الوسطى هى المسئولة عن الإرهاب والتعصب والتحجروالإنغلاق . خصوصا وأن الفكر الحنبلى الذى ينهل منه التطرف المعاصر هو أسوأ أنواع التراثإنغلاقا وتحجرا وتعصبا وجرأة على سفك الدماء ..

  ومن الطبيعى ان ذلك التراث المتغير المعبر عن عصوره الوسطى لا مكان له فى حياتتا العقليةإلا فى إطار البحث التاريخى والمنهج النقدى الذى يربطه بظروفه الإجتماعية والسياسية والنفسية ..وإلا فكيف نحتكم إلى الشافعى أو بن تيمية فى أحوال القرن العشرين أو الحادى والعشرين . إنالشافعى لو خرج حيا من قبره وسار فى شوارع القاهرة الآن لمات ثانيا من الرعب والخوف . نقول القاهرة ولا نقول نيويورك أو طوكيو .. !!

 والذين يحتكمون إلى التراث المتغير فى تفسير وحل مشاكلنا المعاصرة ينتهون إلى فتاوىمضحكة وسلوكيات فاضحة ، مثل ذلك الشيخ الذى أفتى بأن الارض لا تدور حول الشمس استنادا لفتوىابن تيمية ، أو مثل أولنك الذين يمارسون السحر والدجل باسم العلاج بالقرآن , ويعتمدون فى ذلك علىخرافات العصرين المملوكى والعثمانى ..

هذا عن التراث المتغير من أحاديث وتفاسير وتشريع فقهى ..

3 ــ أما عن التراث الثابت وهو القرآن الكريم فهو فوق الزمان والمكان ، وصالح لكل زمان ومكان . ومن الأهمية بمكان أن نتدبره فى قراءة موضوعية بلا رأى مسبق ، ونفهم مصطلحاته من خلاله هو ، وليس من خلال تراث المسلمين الذى تزدحم وتتلاطم مصطلحاتهم من السنة والتشيع والتصوف والأدب والبلاغة والنحو والصرف وعلوم الحديث وغيرها . تدبر القرآن فريضة على من يبحث القرآن برؤية واعية على أساس أنه يفسر بعضه بعضا وأن المتشابه فيهيدور فى إطار المحكم  .وبهذا المنهج العلمى الموضوعى يمكن أن ندخل بالقرآن إلى ثقافة الغد ونحنمرفوعو الرأس ..

4 ــ ونتعرف على تراثنا من حيث مصدره وموضوعاته ..

فهو ينقسم إلى مصدر إلهى ومصدر بشرى . والموضوعات فى كل منهما تتأثر بالمصدر .

فالمصدر الالهى هو القرآن وحده . وهو كتاب له بداية ونهاية وعدد سور معروف وكل سورةتنقسم إلى آيات معدودة محددة مرقومة ، وكل حروفه متفق عليها ، لأنه محفوظ بقدرة الله تعالى إلى يومالقيامة ..

أما المصدر البشرى فمنه ما هو منسوب لله زورا ( أحاديث قدسية ) أو للرسول ( أحاديث نبوية )  وهى فى الحقيقة كتب بشرية لها مؤلفون من البشر اعتمدوا على روايات شفوية زعموا أنها إنتقلت اليهم بالاسناد عن السابقين ليؤكدوانسبة تلك الاقوال للنبى بعد وفاة النبى بقرون . والاسناد فى حد ذاته كذبة كبرى لا تستقيم فى المنهج العلمى ولا المنهج القانونى ولا القضائى . وهذه الكتب فى الأحاديث لا تنتهى عددا أو تناقضا . ومع أنالموضوعات مشتركة بين القرآن ذى المصدر الالهى والتراث ذى المصدر البشرى فإن التناقضواضح بينهما فى الأصول والفروع وفى الكليات والجزنيات .. وقد أثبتنا ذلك التناقض فى مئات المقالات وعشرات الأبحاث والكتب , وكوفئنا عليهابالاضطهاد والإتهامات والمؤامرات من شيوخ التطرف ومريديه ..

ونعطى أمثلة سريعة . .

1- فالقرآن يجعل الألوهية لله وحده فلا اله مع الله ولا أحد من الخلق يشبه الله أو يحل فيه جزء من الله ، ولكن التراث الصوفى والتراث الشيعى وبعض المصادر السنية تضفى الألوهية وصفاتها

على الأئمة والأولياء والأنبياء ( راجع كتابنا: السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة - القاهرة 1982 ، الأنبياء فى الترآن الكريم - القاهرة 1985 ) .

2- وتشريعات القرآن تختلف عن التشريعات الفقهية فى المنهج والقواعد والتفصيلات بل

والاصطلاحات  ( ويراجع فى ذلك كتابنا: شريعة الله وشريعة البشر, وقد صودر سنة 1987 ,

وكتاب : حد الردة : القاهرة 1994 , القرآن وكفى مصدرا للشريع :القاهرة 1991 ) .

3- والاتجاه العقلى التنويرى فى القرآن يناقضه الاتجاه الخرافى أو الإنغلاقى فى مصادر التراث

الصوفى أو التراث الحنبلى ( يراجع فى ذلك كتبنا : حقائق الموت فى القرآن الكريم : القاهرة

1990 , عذاب القبر والثعبان الأقرع : القاهرة 1994 , الأزهر والتنوير -:ينتظر النشر . . ,

دراسات فى الحركة الفكرية فى الحضارة الاسلامية : القاهرة 1985 , البحث فى مصادر التاريخ

الدينى : القاهرة 1984 ) .

4- وحقوق الانسان السياسية وغير السياسية مكفولة فى القرآن في إطار يحفظ حق الفرد وحق

المجتمع ، وفى صيغة توافق بين الحرية والعدالة .  ولكن التراث البشرى للمسلمين يؤكد على الاستبداد ويصادر حقوق الانسان فى العقيدة والرأى وفى الأقليات . .

( يراجع فى ذلك بحوث لنا منها : حد الردة المشار اليه , وبحث عن حرية الرأى بين الاسلاموالمسلمين فى كتاب للمنظمة المصرية لحقوق الانسان صدر سنة 1994 ,  وكتاب : الشورىالإسلامية أصولها وتطبيقها , وقدم الكتاب بحثا فى الملتقى الفكرى الذى عقده المركز العالمى فى طرابلس فى شهر أكتوبر 1994 ،  وبحث عن النسخ فى القرآن نشرته مجلة التنوير المصرية فىيونيه 1994 , وكتاب لم ينشر عن : حقوق الأقليات فى الإسلام ,  وكتاب آخر لم ينشر عن الجذورالدينية والتاريخية لاضطهاد الأقباط فى مصر الإسلامية , وكتاب : شخصية مصر بعد الفتحالإسلامى : منشور فى القاهرة 1984 , هذا عدا اشارات فى مئات المقالات المنشورة فى الصحفالمصرية ) .

والخلاصه أن صورة الإسلام الحقيقية تتجلى فى القرآن وهى الصورة التى يشرفنا أن تدخل بها ثقافتنا العربية الإسلامية في القرن القادم ، وهى الصورة التى نستطيع أن نتخلص بها من التطرفوأوزاره ، وبها يمكن أن يتحول التطرف إلى مجرد تراث يصلح للعبرة والاستفادة من أخطاء السابقين .

5 ـ إن هذه الصورة القرآنية المشرقة للإسلام لن تبرئه فقط من تهمة الإرهاب التى ألصقها بهالتراث وأرباب التطرف السائرون على منهاجه ، ولكن للقرآن دورا آخر هو التأكيد على الجوهرالحقيقى للدين وهو أنه للسمو الخلقى للبشر ولنشر الفضائل من التسامح والسلام والمحبة والعفووالتراحم  والمغفرة ، وأنه لقيام المجتمع على أساس العدل والقسط ،  وإنه يوازن بين الحقوق والواجبات ، وبينالمسئولية والجزاء والعقاب ، وبين حرية الفرد وحقوق المجتمع ،  وبين حرية السوق والعدل الإجتماعى بما يمنع من قيام نُخبة من المترفين يحتكرون الثروة والسلطة ووجودهم يكون إرهاصا بتفجير المجتمع . تلك هى المثل الحقيقية للدين .وهى نفس المثل العليا التى يتخيلها الانسان فى أحلام اليوتوبيا والمدينة الفاضلة ، وهى التىسيحاول تحقيقها فى القرن القادم ..

6 ــ والقرن القادم سيشهد أجيالا تعلمت من الحروب أن تتجنب بواعثها وأسبابها من الفسادوالاستبداد واحتكار الثروة والسلطة .وتجارب الإنسان بعد عشرات القرون ستجعله مؤهلا لأن يعيش فى رقى وتحضر ،  لأن الحروب القادمة ليس فيها غالب أو مغلوب , بل فيها التدمير المتبادل للجميع بدون سبب يستحق .إن الغرب المتحضر لم يدخل فى حروب فى أواخر هذا القرن بعد أن تعلم من الديموقراطية أنالاستبداد الداخلى هو الذى يدفع للحروب الخارجية لتدعيم مركز الديكتاتور الداخلى .

وشيوع الديمقراطية فى العالم الثالث كفيل بانعدام ذلك الصنف من الحكام المستبدين المغامرينالذين ينشرون الحروب والخراب .و إذا سكتنا عن وجود ذلك الصنف من الحكام فإن العالم لن يسكت عليه . لأن القرية العالمية لا مجال فيهاللصوص والمغامرين الذين يهددون سلامتها .والثقافة العالمية ستكون امتدادا لذلك الرقى .

والقرآن الكريم سيكون سندا لهذا الرقى وسندا لثقافتنا القومية ومؤكدا على دورها فى الثقافة

العالمية . ولكى نسرع للوصول إلى هذه المكانة علينا أن نفسح الطريق للقرآن وتدبره ..

فهو الطريق الوحيد للقضاء على ثقافة الإرهاب وللوصول إلى العالمية ..

 

ختاما :

افسحوا الطريق للقرآن . .

اجمالي القراءات 7525