الى اين يا امة ؟
بلا شروط

محمد حسين في الثلاثاء ١٣ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

دائما عندما كنت اتصادف بمقالة ، او كتاب ما ، احاول ان احلل و اغربل الكلمات حتى استطيع الوقوف على بر من المفاهيم التى يحاول كاتب المقالة او الكتاب ان يرسلها او ان يبسطها تحت ثغرات العقل حتى يتيح ، او يؤهل بطريقة ما ، لعقل القارئ ان يمتصها. ومعظمهم لا يواجه صعوبة فى ذلك ، ويرجع ذلك للانفلات الثقافى وفقدان الوعى الفكرى المصابة به شعوبنا وافرادها ، فالكل يبدا بقراءة مقال بعثه له صاحبه ومدح له فيه فيجهز القارئ نفسيا قبل ان يقرا ، او ان يحدث موقفا ما للقارئ قبل التعرض للمق&CcCcedil;ل امام قارئ قبله فيبدا الثانى بالمقدمة بان ما يواجهه يشبه تماما ما تحدث عنه فلان او علان فيتم تهيئة العقل على تقبل افكار، فى معظم الاحيان ، تكاد تكون مسمومة فتلوث العقل ، او حتى اذا كانت افكار محمودة فكلها وان اختلفت تتفق فى الاجراءات طالما ان العقل الغى او تم تجهيزه بطريقة او باخرى.
ولقد انتشرت بين شعوبنا الان نغمة فصل الدين عن السياسة او عدم تسييس الدين او عدم تديين السياسة او الحكم ، وهذا كله نابع فى فترة تم تحرير العقول باسلوب الغسيل ناصع البياض من اى فكر وتقليص الجزء الخاص بتحليل الامور ووزنها على المنطق حتى يتسنى ان يقف المنتفعون من ذلك على ارض خصبة تم تجريفها تماما فيستطيعوا ان يزرعوا فيها محاصيلهم الفكرية ، ويحصدوها بشرا تابعا مجردا من التحليل او العقل المفوض اليه والمسخر من الله تعالى حتى يستطيع ان يميز بين الخطأ والصواب ، فاصبح العقل دائما عند اى فعل لا يرد له فعلا ، بل ينتظر ويستدير الى ولى امره الفكرى ان يشير اليه بالبنان بكيفية رد الفعل فيفعله.
عملية الجهل التاريخى والدينى وتبشيع فكرة الدين نبعت بعد فترة تم فيها تهيئة الانفس ، بطريقة او باخرى ، لتقبل فكرة نهر اى مقال او اى كتاب يتحدث عن الدين ، طالما يخرج عن المؤسسات التابعة لاى دولة ، و المختص بالذكر هنا المجتمعات العربية حيث ان لها باع طويل فى هذه المواقف الغراء . ساعد على ذلك فترات الانحلال الاخلاقى وكثرة اطفال مقالب القمامة وفترة ما اسموها بالانفتاح "الانفلات" الاقتصادى والثقافى على العالم الخارجى ، فعم الجهل الدينى المجتمعات وساعد فى ذلك رجال الدين ذووا الاوجه الغليظة والالسنة الجامدة والمستصرخون الذين وقف بهم الزمن عند شخوص معينة لا نعلم عنهم الا انهم كتبوا ، كابن كثير او ابن تيمية او البخارى او او ... انه ليس تهكما او تهجما على هؤلاء العلماء الافاضل ،سواء كان منه الصادق او الكاذب او مبتغى بؤرة تسلط الاضواء التاريخية ، سواء ان كانوا صادقين فيما كتبوا او افاقين او ذووا مصلحة ما ، فنحن لا نعلم عنهم الكثير الا تواترا ، الذى اصبح من المسلمات بعد ذلك لدرجة وصلت الى حد التقديس ، الا ان البعض قال انهم عاشوا بين كذا وكذا والبعض الاخر له راى اخر من المؤرخين وكذلك اختلفوا فى محل اقامتهم او ازمنة كتاباتهم ، فنحن ناخذ بما كتبوا ناهينا عمن كانوا او فى اى ظروف نشاوا ، وسلمنا اليهم الراية فى التفكير والتفسير ،والتكفير ايضا ، لنا ، فتكاسلت عقولنا واصبحنا غير ناضجين بالدرجة الكافية لان نعى لفظا ما فى لغتنا وفى كتابنا ، مما افقدنا هويتنا اللغوية وتم مسمرة عقولنا فى موضع معين على الحائط الدينى ليس لنا ان نخرج عن حيزه والا اعتبرنا خارجين عن الناموس. وهذا جعل من الاشياء حولنا تصبح غريبة شيئا فشيئا ، وتفاقمت واصبح الوضع مخيب ومخيف فى نفس الوقت ، البعض فقد الثقة فى الدين واعتبره حكرا او حجرا على الاراء والبعض الاخر بدا يفسره على هواه وسلم ادواته الغليظة لمن يؤمنوا به ويحبوه ويقدسوه كى يضربوا بها على بطون واعناق من لا يتفق معه ، وازداد جهل الناس باللغة وتفشت فينا اللغة البذيئة البعيدة كل البعد عن لغتنا الجميلة ، مما فتح المجال لكل شخص ان يفسر لفظا ما على هواه وان ياتى باثباتات غير مؤهلة او مؤرخة او حتى موجودة من الاصل وبدا البعض يتجمل بكلمتين من لغة ثانية ، وكان لغتنا اصبحت عبئا على اللسان ، واصبحت علامة الجهل لاننا لا نستطيع ان نقول ثانك يو او هاى او بيس يا مان.
اصبح عندنا من يقول ، او ينعق بمعنى اصح ، فقط ومن يسمع فقط ، و اختفت لدينا القابلية للاخذ بمنطق التعلم والفكر والتحليل ، فهذا يقول وهذا يسمع وليس لدينا حل وسط عندما نسمع ، فاما انا لا احب هذا الشخص لانه كان كذا وكذا ، او انه يقول شيئا لا يتفق مع فلان الذى احبه ، بدلا من ان نسعى وراء الحقيقة ونفكر ونتعب لان ناتى بالمصادر او نسال عنها وان تتسع عقولنا لتقبل هذا الراى واخذ ما يطابق المنطق والحكمة ، وكمثله من الراى الاخر حتى ننشئ قاعدة فكرية قابلة للتغير فى محيط معين لا تتعداه الايادى ، الا وهى الثوابت والمفاهيم الغير قابلة للاخذ والرد ، كوجود الله ورسله وملائكته ، بداية من ادم وحتى محمدا صلى الله عليه وسلم ، وبداية من جبريل ونهاية بميكائيل. وتنامت عندنا الفكرة الشخوصية بدلا من ارساء مبدا النظام لان ياتى الاشخاص عاملون به وفيه ، فاصبح الشخص عندنا هو كل شئ متبعين اهوائنا وظنونا وعواطفنا تجاه فلان لمجرد انه مجالا للتهفات العاطفى عندنا عن شخص اخر ، فالدين عندنا يكاد ان يكون مرتبطا بشخص يطلق على نفسه داعية ، وينعكس ذلك على انظمة الحكم التى تقوم على شخوص وليس على نظم وتجيهات يتبعها الافراد ، لا ان تتبع هى الافراد.
قد كان والبسنا الدين ثيابا عقيما بدا به وكانه شبحا مخيفا بيده سوطا سوف يضع العلامات المتسمة بعدم الشرعية ، وتبنى افكارها الغير منوطين بها ، من جهة او اخرى ، واصبحنا نحذر نظراته الينا واصبحنا نهمس داخل انفسنا باننا يجب ان نبعد عن ذلك الشبح الذى رسمه لنا كل من اخذ على عاتقه التقبيح والتشويه وكل من ساعدهم على ذلك بالجهل وقلة المعرفة ، واصبحت السنة التكفير كثيرة والسنة المعادين اكثر وارتجح الناس على ارجوحة تدنو من هذا لفينة وتقبل على الاخر فينة اخرى ، ومنا من يقفز فلا تقوم له قائمة. والضحايا كثيرون ، فقد فعل الاخرون فعلتهم واصبحوا يحاسبون الاخرين على نتاج ضمائرهم وفظاظتهم ، اصبحوا كمن قادونا الى الظلام ويحاسبوننا على عدم رؤيتنا ، فكيف بالله عليك ان تاخذنى الى الظلام وتطلب منى ان اضع يدى على موضع الامان وان لا اضل .
ان اقتصار ملكات الانسان على التبعية لا التتبع وانحسار الحواس فى السمع والطاعة لهى عبء ثقيل على المجتمع عامة وبشارة لانهيار فكرى وتخلف حضارى ، وثبات الخطاب الدينى عند بعد المفسرين لهو مدعاة للتكاسل العقل والجهل المستمر باللغة والانفلات اللغوى وجعل لغتنا عرضة للتدخل اللغوى الخارجى ، وانحسار الصراع البشرى فى الماديات ناسين حقوقهم كافراد يجب عليهم ان يغيروا ما بانفسهم قبل ان يطلبوها من الله ، وحكامنا الغنيووا عن التعريف والذين فعلوا بامتهم من خراب وفساد فى عقود من الزمان لهو اكثر ما فعلته قرون فى تخريب امم وحضارات اخرى . هذا بجانب بعدنا عن القرآن الذى هو واللغة يجريان فى شريان واحد ، فان سقط احدهما ذهب االاخر بلا رجعة.
الحق اقول ، اننا على مشارفها ، ويقول الحق عز وجل فى كتابه العزيز ، بسم الله الرحمن الرحيم " واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا" صدق المولى عز وجل

اجمالي القراءات 10912