معنى ضرب الرقاب..
ضرب غير مبرح..

حافظ الوافي في الأربعاء ٠٤ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

".. واللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ.. الآية" فضربوهن.. أليس معنى الضرب هنا هو الاعراض والابتعاد وقطع العلاقات بصورة مؤقتة وهو مأخوذ من مصطلح "الإضراب"؟ وذلك حتى لا يكون القرآن متناقضا؛ حيث لو كان الضرب هنا مقصود به الضرب بالعصا او باليد لتناقض ذلك مع ما جاء به القرآن كون الأصل في معاشرة النساء هو المعروف لقوله تعالى [وعاشروهن بمعروف] ولقوله [فإمساك بمعروف ...] وهو لا يستقيم مع الاعتداء بالضرب.

والضرب كما أراه هو الفصل و كذلك لما أوحي لسيدنا موسى بأن يضرب بعصاه في البحر فانشق فكان هذا من باب الفصل.. لقوله تعالى : { فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)..

وبتدبر ما جاء بالآية من وصف الضرب بغير المبرح:".. ذلك إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مبرح".. هناك من يذهب ان الضرب هنا يعني الجلد لكون الفاحشة مبينة وهو التفسير الذي يسقط  أكذوبة رجم الزاني المحصن؛ كون من تأتي بفاحشة مبينة تضرب أي تجلد لكن ومن خلال البحث حول مصطلح "مبرح" نجد:

أبْرحَ الشيءَ : أَزاله عن مكانه.. أبرح الشَّخصُ الشَّيءَ: أزاله عن مكانه وفي بعض قرى اليمن نجد هناك تسرب لهذه اللفظة بالدارجة  فنطلق على عملية فصل أوراق الشجرة عن أغصانها واعشابها "بروح" أي عملية فصل للأوراق ونقول "يُبَرٍح" أي يقوم بعملية فصل الاوراق عن الاغصان والاعشاب ونقول على الشجر المفصول اوراق أعشابها " مُبَرح" بضم الميم وفتح الباء والراء..

أَلَمٌ مُبَرِّحٌ :- : شَدِيدٌ ، حَادٌّ.. أبْرحتَ: أفرطت..

اذا لدينا معان كثيرة لمشتقات مبرح منها" مفرط .. شديد.. ازالة" وبإسقاطها على ما فقرة التدبر يكون: (ضربا غير مفرط..  ضربا غير شديد.. ضربا غير ازالة)

اذا ما معنى ضرب في  القرآن:

وبتدبر الآية: ( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ)

يتضح معنى الضرب هو الفصل: "فَضُرِبَ بَيْنَهُم" بمعنى " فصل بينهم"

وباستبدال كلمة ضرب بكلمة "فصل" في اسقاط ذلك على المثال السابق:

ضربا غير مفرط..  ضربا غير شديد  ضربا غير ازالة.. يكون معنا الآتي:

فافصلوهن "فصلا غير ازالة" أو  " فصلا غير مفرط" أو "فصلا غير شديد".. والفصل باعتقادي يعني هنا هجران أكبر أي ما هو أكثر من الهجران ولكنه هجران لا يصل الى درجة الافراط حد الازالة "ازالة العلاقة" والانفصال التام كما هو الحال بالطلاق أو كما هو في جعل المرأة معلقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة..

و"الفصل " لا يتناقض مع مبدأ القرآن " إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"

ما ذكرته آنفا يتطابق مع ما توصل اليه باحثين سابقين حول "ضرب الرقاب"..

وقبل الدخول في ذلك أشير هنا الى معاملة الأسرى بالقرآن" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " والأسير موجود ضمن المشمولين بالآية " مسكين.. يتيم.. أسير".

·        الرقاب في القرآن..

وكلمة الرقاب في القرآن معناها الأسرى أو المساجين. وذلك واضح تماما من الآيات التالية:

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ..

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.

وكلمة  الرقاب تعني " الأسرى " و"ضرب" تعني فصل الشيء. مثلا ضرب في الأرض يعني انفصل عن بيته وتركها و معنى ضرب الرقاب هو فصل الأسرى عن المعركة وهذا المعنى يتفق تماما مع الآية التالية:

فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا.. فإذا كان ضرب الرقاب معناها فصل الرأس عن الجسد، لما كان هناك منطق لأمر شد الوثاق ما هو الداعي لشد وثاق جثة مفصول رأسها؟؟

زيادة في التأكيد هو أمر إِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء. كيف تمن على جسد بدون رأس وتطلق سراحه أو تفديه؟

الآية الكريمة توضح كيفية معاملة الأسرى من المحاربين. هي في الواقع تأمرنا بفصل الأسرى عن المعركة وعدم استخدامهم كدروع بشرية. الآية أيضا تؤكد ان الأسر في الحرب فقط ويكون بالنسبة للمحاربين فقط وليس هناك مجال  لأخذ الغير محاربين من النساء سبايا فأخذ الأسرى يكون فقط في الحرب وأثناء الحرب إما منا يعني إطلاق سراحهم بدون مقابل أو فداء يعني إطلاق سراحهم بـمقابل مثل تبادل الأسرى فإذا انتهت الحرب فانه  يجب اطلاق سراحهم فورا بدون مقابل لأن شد الوثاق وعملية الاسر تنتهي بانتهاء الحرب.. لان الآية حددت غاية ذلك بقوله تعالى " حتى تضح الحرب أوزارها" وهذا ماراه باعتقادي الشخصي هنا..

·        الخلاصة:

فضرب الرقاب..

كيف يأمر الله تعالى المسلمين المقاتلين بضرب الرقاب بالسيف وهم اصلا ذهبوا الى المعركة ليطعنوا البطون ويضربون الرقاب بسيوفهم لا ليتبادلوا الورود مع العدو.. لو كان الأمر كذلك سيكون هذا نوع من العبث والقرآن قول فصل وما هو بالهزل.. والحقيقة ان الله تعالى بقوله (فضرب الرقاب) يتطرق الى قضية حقوقية متعلقة بحقوق أسرى الحرب فالرقاب تعني الأسرى فعندما يقال فلان أعتق رقبة يعني أنه أطلق سراح سجين أو معتقل أو أسير.. وفي ألآيه (.. المساكين وابن السبيل وفي الرقاب) وفي الرقاب واضحة تعني الأسرى والسجناء .. وكلمة ضرب تعني بالقرآن فصل الشيء والآية (.. فضرب بينهم بسور له باب...) معناها (ففصل بينهم بسور) إذا (ضرب الرقاب) تعني فصل الأسرى عن المعركة وعدم استخدامهم دروعآ بشرية .. وعندما يلوح انهزام العدو تبدأ عملية اطلاق سراحهم بمقابل (فدية) أو بدون مقابل (المن) وعندما تنتهي الحرب يتم اطلاق سراحهم بدون قيد أو شرط لأن عملية الأسر والاعتقال تنتهي بانتهاء الحرب والآية حددت غاية ذلك بقوله تعالى (حتى تضع الحرب أوزارها)..

والله تعالى أعلى وأعلم 

اجمالي القراءات 31033