همس في أُذني شَاب مُراهِق قائلا: إني أُعاني من تسلُّط العادية السِّريَّة - أكرمكم الله وأكرمكُن - كُلَّما عزمتُ على تَركِها وأقلَعت عَنها إلا وأعيد مُمارستَها بعد مُدَّة مُعيَّنة، وأنا خائف من مَقت ربِّي وسُوء علاقتي بِه بهذه الأفعال، فماذا تنصحُني؟!
أجبتُه: أشكرُك أولا على صِدقِك وصراحتك، وحُبِّك لطاعَة ربِّك وسعيك لمرضاتِه، فلأن تُوجد هذه المشاعر المُقلقَة في نفس شاب، فذلك لعَمري مكسَب عَظيم، أسأل الله أن يثبِّت قلبك ويُصرِّفه لطاعته..
أما بخُصوص مسألتك، فالشَّاب حقًّا يشهدُ في تِلك المرحلة قبل الزَّواج تغيُّرات بدنيَّة كثيرة، وتطوُّرات فيزيولوجية عَديدة؛ أخصُّ مِنها الجانب الجنسي الذي يشهَد نشاطًا كبيرًا وفورانًا دافقًا، لأن الشاب مُنذ البلُوغ في الحقيقَة هُو مُعدٌّ مِن قبل الباري عزَّ وجل للنِّكاح وتكثير النَّسل، وكذلك الفَتاة. ولَو بقي الشَّاب على فطرتِه والشَّابَة كذلك لكان مُنتَهى تَصريف ذلك الفائض الجنسي رُبَّما في احتلامات طبيعيَّة بين الحين والآخَر تقذف بذلك السَّائل المَنوي الزائد إلى الخارِج، فلا تحدُث بإذن الله مُشكلَة، ولا يجد الشاب عنتًا كبيرًا في العفَّة والصَّبر إلى حين أن يُغنيه الله من فضلِه فيتزوَّج...
ولَكن ما يحدُث أن هُنالك مُثيرات خارجيَّة قَويَّة تُعكِّر من صفاء تِلك الفِطرَة، وتُؤجِّج مِن ضرام تِلك الشَّهوة لدى الشَّاب في ذَلك العُمر الفَتي؛ سيَما في هذا العصر الذي نعيشُه والانفتاح الإعلامي الرَّهيب على كافَّة العَوالِم والثَّقافات والأُمم، والتَّفنُّن في الألبسة المكشُوفة العاريَة، وتوفر المُراسلات بسُهولة هُنا وهُناك، وغير ذَلك مما هُو معلُوم للجَميع؛ فيتَّخذ الشَّيطان مِن تلك المُثيرات مادَّة خصبَة لتَكوين مُناخ عَفن في ذِهن الشَّاب ومشاعرِه يُحاوِل أن يسجنه دومًا فيه ويُطوِّقه بِه، فلا يكُون تفكير الشَّاب إلا في الجِنس وما يحُوم حَوله من مُقدِّمات، فلا يتمالكُ بطبيعَة الحَال نفسَه العصيَّة عَليه إلا بأن يُشبعَها بما تُريد بالعادَة السِّريّة أو ما هُو أدهَى مِن ذَلك والعياذُ بالله، وفي كُلِّ مرَّة يُمارس العادَة إلا وتتوثَّق مشابكها العصبيَّة في دماغِه (كما شرح الأستاذ الرفيس بالتفصيل)، حتى تستغلظَ وتتحوَّل مَع مُرور الوَقت إلى إدمان يصعُب الإقلاع مِنه، وجرسًا داخليًّا مُقلقًا لا يسكُت إلا باستجابَة رغبتِه!!
لذا نصيحتي لك أخي العَزيز أن تبتعد عَن المُثيرات أوَّلا بكُلِّ صبر وتحمُّل لأن ذَلك هُو السَّبب الرئيس في تقوية الأخيلة الفاسَدة لَديك، وتوارُد الوساوس الخبيثَة على وجدانك، سيكُون ذلك شاقًّا بالنسبة إليك في بداية الطَّريق بالتَّأكيد، ولَكن سيُخفِّف الله عَنك شيئا فشَيئا مَع الجُهد والصَّبر، حتى يطهُر قلبُك من تِلك الأخيلة والصُّور تَمامًا، ولا تُفكِّر فيها بعد ذَلك، ولا تُقلق عليك راحتَك النَّفسية والإيمانيَّة، أما إن بقيت تتفرَّج مثلا في الحرام والإباحيَّات، أو تستمتع بالمُتبرِّجات فلَن يصفُو قلبُك أبدًا، ولَن تستطيع أن تتوقَّف عَن العادة السريَّة مَهما حاولت!!
وعليك أيضًا بالاشتغال بذِكر الله وتلاوة آياتِه والمُواظبة على أعمال الخَير؛ لأن نُور الله يقهَر وساوس الشَّيطان فلا تثبُت في القَلب ولا تستقرُّ فيه، وبالتَّالي لن تحدث لك النَّزغات الإبليسيَّة التي تضغط عليك لمُقارفَة الحَرام، ومُمارسَة الشَّهوَة المُحرَّمة؛ وكُلَّما أحسست بوسوسَة غالبَة أكثِر من الاستعاذَة والتَّضرُّع، وإن حدث لا قدَّر الله أن قارفت المعصيَة بعد جُهد جَهيد، فلُذ بأعتاب الله بكُلِّ قُوة، واستمدَّ مِنه الفرَج والعَون حتَّى تكُون في المرَّة القادمَة أقوى؛ أسأل الله لك التثبيت والتَّأييد الغَيبي، والبُعد عَن شَياطين الإنس والجِن؛ إنَّه سميع قريب مُجيب.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون :5- 7].
صدق الله العَظيم.