ق 3 ف 2 : أساسيات الجدل بين علماء الدولة وعلماء اللجنة

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٠ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الثالث:  المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن 

 الفصل الثانى :  تحليل الصراع  بين اللجنة الشرعية والدولة السعودية

   صراع اللجنة مع الدولة : صراع بين عقيدتين سياستين من عقائد السلف

أولا :: أساسيات الجدل بين علماء الدولة وعلماء اللجنة :

1 ــ من الطبيعي ان يتأسس الجدل بين علماء اللجنة وعلماء السلطة  حول اولوية الطاعة ،هل هي للدليل الشرعي ،وبالتالي تكون لمن يملك الدليل الشرعي ،وهم علماء اللجنة ام هي الطاعة لولي الامر طبقا للامر الوارد في القرآن الكريم ؟..

2 ــ وتفجرت هذه القضية منذ البداية ،خصوصا بعد قيام اللجنة الشرعية وهجوم علماء السلطة حين اعتبروها خروجا علي طاعة ولي الامر ،فجاء البيان الثاني للجنة في 25/5/1993 يؤكد ان اعضاء اللجنة (مجتهدون متحرون للمقاصد الشرعية )(وان القول بعدم مشروعية هذا العمل يحتاج الي دليل شرعي من الكتاب والسنة والاجماع فنحن متعبدون بالدليل الشرعي ). ومن وقتها استعر الخلاف بين الفريقين ،فريق الدليل الشرعي الذي تملكه اللجنة ،ودليل طاعة ولي الامر الذي يدافع عنه فقهاء السلطة .

3 ــ ومن الطبيعي ان يتفوق في هذا الجدل علماء اللجنة ،ليس فقط لأنهم الاكثر علما والاقوي في الاستدلال والحجة ،ولكن ايضا لأن خصومهم من الفقهاء تحوطهم تهمة التبعية للسلطة والارتزاق علي حسابها ،والسلطة غالبا لا تحوز علي اعجاب الجمهور ،ويمتد الارتياب والشك الي من يدافع عنها ،خصوصا اذا كان هذا الدفاع يتمسح باسم الاسلام ،ومعروف تحريم الاسلام للظلم .

ثانيا : و نعطي ملامح هذا الجدل بين الفريقين ..

1 ــ في البداية وفي غمرة دهشة العلماء الرسميين من خطاب المطالب قال احدهم لمن اراد منه التوقيع عليه بعد قراءته (وماذا تركتم للاسرة ؟ ) اى الاسرة السعودية. ولنفترض ان قائلها قالها عن تدبر وتفكير ،فأنه اصاب الحقيقة ،حيث ان خطاب المطالب يحتكر للاصولية الحكم والاشراف عليه ،ولكن المفاجأة التي صاحبت دهشة  ذلك الفقيه ترجح ان خطاب المطالب اثار عنده مشاعر اخري ،اذ تعود ذلك الجيل من العلماء علي ان مشيئة الله تعالي اقتضت تفضيل ال سعود بالملك والثروة ،وهذا نقيض المساواة التي يطالب بها خطاب العلماء ،ومن هنا كانوا يتهمون قوله تعالي (والله فضل بعضكم علي بعض في الرزق :النحل 71 ) مرتبطا بالوضعية الثابتة للاسرة السعودية [37].

2 ــ وخفتت هذه الحجة سريعا باشتعال الصراع بين اللجنة والدولة ،وبرزت قضية الطاعة اصوليا ،وهنا انبري الشيخ العثيمين يقول (لو قال لي ولي الامر بالامتناع عن الفتوي والتدريس لأطعت )، ويقصد بذلك ان يكون قدوة للاخرين في طاعة ولي الامر مع انه من كبار العلماء . ولكن اللجنة اتخذتها حجة عليه ،مما ابطل مفعولها خصوصا مع الردود التي قالت بها اللجنة علي هذه الحجة ،وانتشر في ذلك الوقت كتاب (وجوه طاعة السلطان في غير معصية الرحمن) وعنوان الكتاب يوضحه مضمونه الذي لا يختلف عليه احد .

3 ــ لذلك كان من السهل ان ترد عليه اللجنة بنوعين من الرد :الاول فقهي: وهو ان الاية الكريمة (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) تفيد رد الامر لله والرسول عند التنازع والاختلاف ،والمعني ان طاعة الحاكم لا يمكن ان تكون مطلقة لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وفي هذا الوقت 26/7/1995 يقول المسعري في النشرة 58 بهدوء وموضوعية : ( الذين يختلفون معنا في شرعية النظام ،ويعتبرون عملهم اجتهادا شرعيا ،فالواجب ان يعتبروا من خالفهم قد اجتهد اجتهادا شرعيا )،وقد اختلفت نبرة المسعري فيما بعد ..

والرد الثاني هو الرد السياسي الساخر وذلك حين يقول فقيه السلطة بطاعة ولي الامر فيردون عليه (ماذا اذا كان ولي الامر مطيعا للامريكان )[38].

وبرزت حجة اخري لعلماء السلطة اذ يقولون للاصولية (نحن احسن من غيرنا ) (لا تعكروا علينا الامن والامان ورغد العيش ) وهم بذلك يعبرون عن مصلحتهم الشخصية التي تقنع بالسير في ركب الحكومة والتمتع بمناصبها واموالها ، أما الآخرون فلديهم الطموح السياسي يتوق للمزيد تمسكا بالدليل الشرعي الذي احتكروه لأنفسهم ،ومن هنا يردون عليه قائلين (وهكذا فلا مكان لقال الله وقال الرسول لأن ولي الامر قال وقول الحق:  نحن احسن من غيرنا )[39] وهذا الرد لا يخلو ايضا من السخرية .

4 ــ ودخل علماء اللجنة فى رد يتعرض لاختلاف المصطلحات ، وهو إجتهاد يعلو فوق مستوى علماء الوهابية التقليديين . نرى هذا في العدد 12 بتاريخ 17/8/1994 حيث تعلق اللجنة علي منهج فقهاء السلطة فتقول ( مفاهيم الفتنة والمصلحة والحكمة لم تعد مستخدمة كما جاء في الكتاب والسنة ،وكما فهمها السلف لأن في ذلك خطورة علي الحاكم ،ولذلك يتجاهلون ما فهمه كبار علماء الاسلام من امثال ابن تيمية وابن القيم من هذه المصطلحات ،ولم يعد مفهوم الفتنة ما جاء في قوله تعالي (الا في الفتنة سقطوا )(والفتنة اشد من القتل )، وانما الفتنة عندهم هي انتقاد الحاكم وانكار المنكرات ، و الحكمة  ليس ما جاء في قوله تعالي (ادعو  الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) بل الحكمة عندهم هي في التودد والخضوع للحاكم والسعي لتقديم رضاه علي رضا الله ،واما مفهوم المصلحة ،فكل ما قرره علماء الاصول في مفهوم المصلحة يتعارض مع قولهم بأن ولي الامر اعرف بالمصلحة ،والذي ليس له اصل شرعي ،فجعلوا ولي الامر مصدرا من مصادر التشريع يحلل ويحرم .

4 ــ وبسبب نجاح اللجنة خلال نشراتها وبياناتها في تشوية الحاكم أو ولي الامر فقد تصدي الشيخ ابن عثيمين للرد علي ذلك في جريدة  ( المسلمون ) العدد 602 في 2/4/1417 ،قال الشيخ (واذا افترضنا علي التقدير البعيد ان ولي الامر كافر فهل يعني ذلك ان نوغر صدر الناس عليه حتي يحصل التمرد والفوضي والقتال  ؟ لا شك انه من الخطأ ،المصلحة التي تحصل غير مرجوة في هذا الطريق .بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة لأنه مثلا اذا قام طائفة من الناس علي ولي الامر ،وعند ولي الامر من القوة والسلطة ماليس عند احد ،ماالذي يكون .هل تغلب هذه الفئة القليلة ؟لا تغلب ، بل علي العكس يحدث الشر والفوضي والفساد ،ولا تستقيم الامور ،والانسان يجب الا ينظر الي الشرع بعين عوراء، ينظر الي النصوص من جهة دون الاخري ، بل يجب ان يجمع بين النصوص ). وردت عليه اللجنة تذكره بفتاويه السابقة بالامتناع عن صحبة الكفار وعدم مجاملتهم في الاعياد ،وردت عليه بفتوي اخري بأن مظاهرات الجزائر حلال لأنها تضغط علي الحاكم .ثم ردت عليه اصوليا بأن الكفر بالطاغوت وعداء الظالمين هو من اركان الايمان ،و بوجوب قتال ائمة الكفر ،وتساءلت اللجنة عن المصلحة التي يقصدها ابن العثيمين هل هي مصلحة شرعية ؟واذا فما هو الدليل الشرعي عليها ؟ام هي مصلحة عقلية دنيوية ،وحينئذ من المصلحة المادية فتح البغاء في المملكة حتي لا يذهب طالبو المتعة السعوديون الي بانكوك واوروبا وغيرها ،ثم سخرت اللجنة من ابن عثيمين بأن قوله (واذا فرضنا ان ولي الامر كافر ) يعبر عن اقتناعه بأن ولي الامر كافر .

5 ــ وتوالت ردود اللجنة تحمل نفس المعاني علي اراء ابن عثيمين الذي ظل يفتي بوجوب الكف علي ولي الامر وعدم ايغار القلوب عليه ،ومع ضعف حجة ابن عثيمين في الندوات التي يلقيها في القصيم وغيرها وحضرها اللحيدان ،فان علماء الجابية واصلوا نفس الحجة مع ما فيها من ضعف شديد ،اعطي الفرصة للمسعري لان يذكر قولهم في النشرة 130 في 20/8/1997 :  (يقولون ان سن الانظمة [القوانين] المناقضة للاسلام في دولة آل سعود كنظام مراقبة البنوك المبيحة للربا الحامي للبنوك الربوية ،ونظام التبعية السعودية [أي قوانين الجنسية السعودية ] المناقض بقطعيات النصوص من الكتاب والسنة ،وعضوية المنظمات الكفرية مثل الامم المتحدة ليس كفرا يخرج من الملة  ،لأنه هو فسق وظلم. وكفر دون كفر. و أن الحاكم مالم يعتقد او يتلفظ صراحة بالكفر فهو من اهل القبلة ولم يخرج من الملة ). ويرد عليه المسعري قائلا :  (الحمد لله انكم اقررتم بأن سادتكم من الحاكم يحكمون بغير ما انزل الله وانهم ظلمة وفسقة وكفار ،حتي لو زعمتم انه كفر دون كفر [40].

واجتهد المسعري في الرد عليه في نشراته ،ثم جمع هذه النشرات في كتبه (الادلة القطعية في عدم شرعية الدولة السعودية )(محاسبة الحكام )(طاعة ولي الامر ) وفيها اطاح بكل حجج خصومه من فقهاء السلطة من خلال تعمقه في الفكر السلفي .

اجمالي القراءات 6919