في البحث عن الإسلام –مفردات – التسبيح – جزء 7
في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم –مفردات – التسبيح – جزء 7

غالب غنيم في السبت ١٨ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36

______________

مقدمه :
كان يجب أن يكون هذا البحث عن اداب الصلوة ومحدداتها، والتي هي أكبر دليل على ظن من يدّعون بكون الصلوة شيء قلبي، ولكن، ونظرا لكثرة الحديث عن هذا الأمر القلبي، بالرغم من كثير من الآيات التي تضرب قولهم بعيدا عن القرءان الكريم، الذي ضرب لهم من الأمثال الكثيرة، مثل زكريا وهو قائم يصلي في المحراب ومريم والنبي يقيم الليل وطائفة من الذين معه، وسليمان الذي لم يصلي العشاء حين طفق يمسح بالخيول التي أغوته، فاصبح البحث عن التسبيح قبل أن أتطرق لما هو دليل أخر على أن ادعائهم خطأ لا أساس له، وهو أداب الصلوة الموقوتة ومحدداتها.

______________

بين التسبيح والصلوة :


 وكما كثيرون يخلطون بين التسبيح وبين الصلوة، ولعلّ هذا الخلط هو أكبر مشكل عندهم، فهم إما لا يعرفون أنه لا ترادف في القرءان الكريم، فالتسبيح غير الصلوة لا بدّ، وإما أنهم يغضون البصر عن هذا الفرق الكبير لأجل غاية في أنفسهم، الله أعلم بها، فالتسبيح لو تتبعنا الآيات التي تذكره، لوجدناها تذكره في جميع الأوقات والهيئات، فالتسبيح علاقة لطيفة بين العبد وربه، هي تمثّل الذِّكر اللطيف له سبحانه وليس الصلوة!

فالتسبيح من فعل السباحة، ( وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ۖ كُلٌّۭ فِى فَلَكٍۢ يَسْبَحُونَ ﴿٣٣﴾) – الأنبياء، والسباحة فعل لطيف نقوم به، لنكتشف البحر وأعماقه وما يحويه من أسرار، فتصيبنا الدهشة وترتسم على وجوهنا الرهبة والإبتسامة معا، الرهبة لما في هذا البحر من أسرار وخلق وعجائب والإبتسامة لأننا تعرفنا على بعض هذه الأسرار والعجائب، والسباحة حين تنتهي، تشعرنا بالنشاط وهدوء الذهن وارتخاء الجسد، وحينذاك، تُصبحُ تسبيحا، بشدّ الباء، فنتيجة السباحة هي التسبيح، " فنسبّح"،  أي علاقة الفعل بالنتيجة ليصبح الأمر مضاعفٌ بالباء المشدودة تسبيحا، وهذا كله لا علاقة له بالصلوة الا من قليل، فالتسبيح هو ذكر لله تعالى حين نقوم ونتفكّر في خلق السموت والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا " سبحانك" !
 كيف أتبع الله تعالى مفردة "سبحانك" بعد التفكّر في خلقه! لأن التفكّر في الخلق يمكننا القيام به على جنوبنا ونحن قاعدين، ومضطجعين ونائمين، وهذه هي السباحة في الكتاب المنشور لا المسطور، أي التسبيح لله تعالى، ولهذا فصل الله تعالى التسبيح عن الصلوة حين قال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَـٰٓفَّـٰتٍۢ ۖ كُلٌّۭ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسْبِيحَهُۥ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٤١﴾) - النور، فالصلاة هنا غير التسبيح بكل وضوح، إلا من يريد أن يفتري الكذب على الله بعلمٍ، وكذلك لو قرأنا قوله تعالى ( إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَءَايَـٰتٍۢ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَـٰبِ ﴿١٩٠﴾ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰمًۭا وَقُعُودًۭا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَـٰطِلًۭا سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ﴿١٩١﴾) - آل عمران، فاولي الألباب من يتفكرون في آيات الله تعالى من حولهم، ويتفكرون في سبب اختلاف الليل والنهار، تارة الليل أطول وتارة اخرى، النهار أطول، وكما قال الأخ الطيب بلحاج، أن أولي الألباب يجب أن تكون من صفاتهم أنهم يتفكّرون في سبب اختلاف أطوال الليل والنهار، أفلا يتفكر أولي الألباب في اليوم أو الأيام التي لا تختلف فيها الليل والنهار ؟ حين يتساوى الليل والنهار فلا اختلاف بينهما ؟ وهم ذاتهم، الذين يذكرون الله تعالى وهم قائمون في عملهم وقاعدون وعلى جنوبهم، فيصِلون للهدف من كل هذا التفكّر وهو التسبيح لله تعالى، وليس الصلوة! أي العلم بالحق الذي يجعل الإنسان يسجد لله في قلبه ويسبحه.

ولن أورد هنا كل آيات التسبيح، فمن يرتلها سيجد أنها في كل وقت، فلا وقت محدد لها، فقد جاء التسبيح كرد فعل على التفكّر في خلق الله والذي يتم في كل وقت، وكرد فعل على أي أمر نرى فيه قدرة الله، وفي العشي والإبكار، والغدو والآصال، وقبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل وأطراف النهار، بل وفي كل وقت كما الملائكة تفعل (يسبحون الليل والنهار لا يفترون).

أما العلاقة بين التسبيح والصلوة فنراها بكل وضوح، إن فقهنا أوقات الصلوة كما تم ذكرها في القرءان الكريم، فنحن نسبح قبل صلاتي الفجر والعشاء وبعدهما، وهذا هو ما كانت الطير تفعله مع داود، وهذا يمكن أي شخص منكم التأكد منه بدون أي جدالات، فقط فليقـف الفجر وحين غروب الشمس، وليستمع لموسيقى الطير من حوله، كما فعل داود، وهنا لا جدال، بل كما يقول البعض، الطبيعة هي أكبر دليل ( فَفَهَّمْنَـٰهَا سُلَيْمَـٰنَ ۚ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًۭا وَعِلْمًۭا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَـٰعِلِينَ ﴿٧٩﴾) – الأنبياء، وقوله تعالى ( إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلْجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلْإِشْرَاقِ ﴿١٨﴾) – ص ، وهما طرفي النهار، وهذا ارتباط رقيق بكون سليمان وداود في تلك الأوقات، غير نائمين، ومنه، يمكننا ربط آيات الصلوة الموقوتة بهذه المواقف التي قد تكرر في الأنبياء بشكل رمزيّ غير مباشر.

______________

عملية التسبيح وعملية الصلوة :

من يقول بالصلوة القلبية من غير ذلك، سنأتي له في البحث القادم عن اداب الصلوة ومحدداتها، بأكثر مما أتينا به في البحوث السابقة، والتي تنفي قوله هذا جملة وتفصيلا، وسيكون هناك افعال لن يمكننا أن نصفها بقلبية وذهنية وغير ذلك من الالفاظ التي ليس لها من سلطان.

إن عملية التسبيح كما قلنا أعلاه، عملية لطيفة، هي من السباحة، كما الكواكب والنجوم التي تسبح في افلاكها، وكما الفلك المشحون يسبح في البحر، وكما نحن نسبح في الكون من حولنا ونتفكّر في خلق السموت والأرض وفي أنفسنا حتى يتبين لنا انه الحق من عند ربنا، فنسبّحه على ما هدانا!

ومنه، حين نسبّح لله تعالى، فنحن نصله قلبيا وفكريّا معا، أي في قلوبنا وعقولنا معا، فنكوّن هذا الحبل الرقيق الذي يربطنا به ليلا ونهارا، والفرق بين التسبيح والصلوة كبير في النتيجة، وفي الطريقة معا، فالتسبيح لا يحتاج للتوقف أبدا بل هو من مفردته، يعني الحركة المستمرة التي لا تتوقف، والتي ينتج عنها عقل للأشياء من حولنا بسبب التفكير بها، وهذا هو عمل أولي الألباب، الذين يتفكرون في خلق السموت ثم يسبحون نتيجة تفكّرهم قائلين طائعين معترفين بالحق، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك، ويربطون الليل والنهار بالأبراج واختلاف الليل والنهار من عدم اختلافهما!

أما الصلوة فتم حصر وقت محدد لها، ومكان، وهيئات عدّة تم ذكر بعضها في القرءان، وهذا سنأتي إليه في البحث الأخير، والمهم هنا هو الفرق الكبير بين التسبيح والصلوة أن التسبيح تجهيز للنفس كي تدخل عالم الموقوت مع الله تعالى، فأنت تسبّح الله ثم يأتي ميقاتك معه، فتقف ولا تتحرك بعكس التسبيح، فالصلوة لا تتحرك فيها، أقصد أنك في مكان محدد لها، ولا تقوم بها وأنت تمشي وتركض وتعمل، بل أنت تتوقف عن الحركة اليوميه، وتحدد لها مكانا ما، لتقف بين يدي الله، وهناك الفرق الأهم، الذي بحثنا فيه كثيرا في الجزء الأول من الصلوة، وهو مفردة " صلى "، والتي تدلّ على الصَلْوِ الإصطلاء والنضوج، فأنت أتيت الله بقلب سليم، ووقفت بين يديه لوقت ما، هو ميعاد بينك وبينه، ميقات بينك وبينه، فناجيته وتبتلت إليه ودعوته وناديته وطلبت منه وسألته، وقرأت من قرءانه، فأنت تصطلي برحمته ونوره والقرب منه فتخشع كل اعضاؤك وتبكي ليس حزنا وخوفا بل رغبة وحبا به.


 


______________

خلاصه :
التسبيح من السباحة وفيه حركة وعمل ولا وقت له، وهو صلة لطيفة بين الشخص وربه، بينما الصلوة اصطلاء ونضوج ينتج عن الاتصال بالله بالتوقف عن الحركة اليومية والوقوف بين يديه.



إنتهى.

والله المستعان

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم

اجمالي القراءات 12189