( قل ) فى الحوار فى الألوهية طلبا للدليل العملى والعقلى

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٦ - مارس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم 

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )

 الباب الثالث  : ( قل ) فى إصلاح الكافرين عموما  

الفصل التاسع :

( قل ) فى الحوار فى الألوهية طلبا للدليل العملى والعقلى   

مقدمة

الطبيب الذى يعالج جسد المريض قد يلجأ  فى حواره مع المريض الى الاحتكام للعقل والمنطق ، وهكذا يأتى الحوار القرآنى مع مريض الكفر يتحدى بطلب الدليل العملى والعقلى ، باستعمال ( قل ) وبدونها .

أولا : أرونى الدليل العملى   

1 ـ ذهب أحد الدعاة المحمديين الى كنيسة ، ووجد أتباعها يتبركون بتمثال للعذراء ، فسأل القسيس عمّن صنع هذا التمثال ؟ هل صانعه  من البشر أم أن هذا التمثال نزل من السماء ؟ ، وهل يمكن تكسيره أم يستعصى على التكسير . وهل إذا قام هو بتكسير هذا التمثال فهل ستسقط عليه صاعقة من السماء أو يحلُّ به عذاب أليم . لم يستطع القسيس الرد عليه .  قال للقسيس : هل يصح عقلا وبالمنطق أن تصنع إلاها من المواد الأرضية ثم تقدسه وتعبده وتطلب منه العون والمدد ؟ سكت القسيس عاجزا عن الرد . قال الداعية المحمدى للقسيس : وإذا كان هذا التمثال عاجزا عن حماية نفسه فكيف تكون له القوة والقدرة على حماية الآخرين ،؟ وهل يمكن أن يكون هذا التمثال شريكا لله جل وعلا فى مُلكه وفى هيمنته على الكون؟ . وكيف تعتبر هذه المواد الأرضية المصنوع منها تمثال العذراء مقدسة وهى لا تختلف عن بقية المواد الأرضية التى ندوسها بأقدامنا ؟. سكت القسيس ثم قال : : نحن لا نقدس المواد المصنوع منها تمثال العذراء ، ولا نقدس التمثال لذاته ، بل نقدس العذراء ، والتمثال رمز للعذراء . قال الداعية المحمدى : يعنى أن اساس التقديس هو للعذراء مريم ؟ قال القسيس : نعم . قال الداعية المحمدى : فأين هى العذراء مريم الآن ؟ لو سمحت ( أرنى العذراء مريم ) لأطلب منها المدد وأتبرك بها شخصيا بدلا من هذا التمثال الأبكم . سكت القسيس، فلن يستطيع إحضار السيدة مريم ، ولو جاءت لتبرأت منه  .

2 ـ فى اليوم التالى قابل القسيس الداعية المحمدى ، وطلب منه أن يتعرف على دين هذا المحمدى لعله يترك المسيحية ويتبع المحمدية . صحبه الداعية المحمدى الى القبر المنسوب للنبى محمد فى المدينة ( المنورة ) حيث يتهافت الآلاف على الحج ( او زيارة ) وتقديس أعظم قبر مقدس عند المحمديين . سأل القسيس الداعية المحمدى : هذا القبر المقدس مِمّ يتكون ؟ سكت الداعية المحمدى ، ثم قال مُضطرا : هو بناء مثل الأبنية هنا وهناك . قال القسيس : يعنى بناء من طوب وحجر وأسمنت و زجاج ورمل الى آخره . سكت الداعية المحمدى وهزّ رأسه موافقا . قال له القسيس : يعنى لا فارق بينه وبين المواد المصنوع منها تمثال العذراء . سكت الداعية المحمدى . قال القسيس : هل مواد البناء المصنوع منها قبر محمد تختلف عن المواد الأخرى التى تُبنى بها الكنائس والقصور والبيوت ودورات المياه والمراحيض العمومية والكازينوهات والمراقص وحظائر المواشى والمدارس والمستشفيات ؟ قال الداعية المحمدى : إنها نفس المواد ، ولكننا لا نقدس هذه المواد . قال القسيس: بل أراكم تقدسونها ، فأيديكم تتمسح بالأعتاب والقماش والزجاج والحوائط والخشب ، وكلها مواد بناء ندوسها بأقدامنا ، فما الذى جعل هذه المواد فى قبر النبى مختلفة عن غيرها ؟  قال الداعية المحمدى : نحن لا نقدس هذه المواد فى حد ذاتها ، ولكن لأنها مُقامة على قبر النبى . قال القسيس : هل تعنى أن النبى محمدا مدفون هنا فى هذا القبر تحت الأرض ؟ قال المحمدى : نعم . قال القسيس : إذن تحول جسده الى تراب ، لأنه ميت كما جاء فى كتابكم القرآن ( إنك ميت ) . قال الداعية المحمدى : إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء . قال القسيس : وكيف تعرف الأرض أجساد الأنبياء وأجساد غير الأنبياء ؟ هل لدى الأرض سجل بأسماء الأنبياء وغير الأنبياء ؟ الذى أعرفه من كتابكم أن كل نفس ذائقة الموت ، وأن من الأرض خُلٍقت أجساد البشر والى الأرض تعود ، هذا للجميع لا فارق بين نبى كريم أو مجرم لئيم . قال المحمدى : نحن نؤمن أن النبى حىّ فى قبره . قال القسيس : تعنى أنه الآن حىّ تحت هذا القبر ؟ قال المحمدى : نعم ، ولذا نزوره وندعوه ونستغيث به ، وهو حىّ تحت هذا القبر يسمعنا . قال القسيس : هذا يعنى أن محمدا مسجون فى هذه الحفرة من وقت دفنه فيها وحتى الآن .! ألستم تحكمون عليه بالسجن الأبدى عقابا ؟ ثم ما معنى أنكم تحكمون عليه بأن يظل سجينا تحت الأرض أى تحت أقدامكم ؟  اليس هذا تحقيرا لشأنه ؟ قال المحمدى : بالعكس ، هو فى قبره مشغول بعمل يخصنا ، لأنه تُعرض عليه أعمالنا ، فيراجعها ويستغفر الله لنا . قال القسيس : هل تعنى أنه من وقت وفاته وحتى الآن والى قيام الساعة يتم عرض أعمال آلاف الملايين عليه فيراجعها قبل ان تصعد الى الله ؟ قال المحمدى : نعم . قال القسيس : وهل تكفى اربعة وعشرن ساعة فى اليوم لهذا العمل ؟ وهل هناك مساعدون له ؟ ومن هم ؟ وهل يؤخذ بتوصيته أم لا ؟ أجبنى .. سكت المحمدى .  قال القسيس : كما قلت لى عن العذراء  ( أرنى العذراء مريم نفسها ) فأنا أقول لك هنا ( أرنى النبى محمدا الذى تتحدث عنه ) . إذا كان حيا كما تزعم : قم بالنداء عليه ليصعد الينا ، ويتحدث عن نفسه . .

3 ـ يقول جل وعلا ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سبأ ) هنا سؤال مُفحم يطلب دليلا عمليا . جاء بكلمة ( قل ) حوارا مع كل المشركين الذين يقدسون بشرا مات ، ولم يعد له وجود فى هذه الدنيا . تحول جسده الى تراب ، وعادت نفسه الى البرزخ . ولم يعد ممكنا رؤيته .

4 ـ إذن هى عبادة صريحة لما تبقى من جسد ذلك المخلوق البشرى الميت . هى عبادة للتراب والعظام التى إختلطت بالتربة شأن أى جسد بشرى . وبالتالى فهذه الرُّفات البشرية الميتة كانت تنتمى لعباد مثلنا ، ولكننا أحياء ، وهم تراب ميت . وهنا يأتى التحدى : هل يتحكم الأموات فى الأحياء ؟ هل لهذه الرُّفات الميت قدرة على الإستجابة لمن يدعوهم ؟ هل لهم أيد يبطشون بها ؟ هل لهم أرجل يمشون بها ؟ هل لهم أعين يبصرون بها ؟ هل لهم آذان يسمعون بها ؟ الجواب : لا . النتيجة : إذن طالما تزعمون أن هذه الأولياء  تملك الضر والنفع فادعوهم ليكيدونى إذا إستطاعوا . فإن وليّى الله جل وعلا ، وهو جل وعلا الذى يتولى ويدافع عن المتقين الصالحين . بهذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يقول . يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197) الاعراف ).

جاء هذا مصحوبا بكلمة (قل ). وجاء نفس المعنى بدون (قل ) فى حوار مباشر من رب العزة يقول فيه جل وعلا للمشركين المرضى بالكفر : ( ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) فاطر )

5 ـ الشائع أيضا تقديس البشر الأحياء من الأحبار والرهبان والأولياء وسدنة الأضرحة المقدسة والأئمة والشيوخ . وهؤلاء أيضا تنطبق عليهم قاعدة التحدى (قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ ).

هذا شيخ مشهور بالولاية والكرامات ، أو هذا ( بابا ) يحج اليه الملايين يلتمسون المدد والبركات . يعتقدون فى هذا الشيخ وذلك البابا القداسة والألوهية والتميّز عن البشر . هنا يأتى التحدى : هل يملك هذا البشر المقدس دفع الأذى عن نفسه ؟ هل لا تصيبه الأمراض ؟ هل يقبل الدخول فى التحدى علنا أمام أعين الناس ويرينا تحكمه فى الملكوت ، أو حتى بعض معجزاته وكراماته ؟ فضلا عن ذلك . لنفترض أننا أحطناه بكاميرات تسجل عليه أقواله وأفعاله 24 ساعة يوميا ، فهل تختلف حياته البشرية عن اى بشر آخر . سيظهر فى تسجيلات الكاميرات أنه يأكل و يذهب لدورة المياه ،ويصيبه الامساك والاسهال ،  ويضحك ويبكى ويتألم ويضحك ، ويمارس الجنس ، وربما يرتكب المعاصى والفساد ( بلاش ربما ، الأغلب أنه .. ).!..إذن فما الذى يجعله ( بسلامته ) مقدسا ومُميزا ومعبودا لآلاف البشر من الحيوانات الناطقة التى تسير على قدمين ؟

6 ـ ( أَرُونِي ) هذه هى فصل الخطاب فى الرد العملى على كل المشركين من محمديين ومسيحيين وبوذيين. إذهب الى أى قبر  مقدس  ( الحسين ، السيدة زينب ، العذراء ، على ، السيد البدوى ، الشافعى ..الخ ) وقل لهم ( أرونى ) . ولن ترى منهم سوى الحُمق والسفالة . ترى أجسادا ضخمة وألفاظا فخمة ولكن بلا عقل . ينطبق عليهم قوله جل وعلا:( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) المنافقون )

7 ـ  ( أَرُونِي  ) جاءت مصحوبة بكلمة (قل ) فى سؤال عن تلك الآلهة المزعومة : ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سبأ ) وفى سؤالين عمّا خلقته تلك الآلهة المزعومة :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ )(4 الاحقاف ) ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ ) ( فاطر 40 ).

كما جاءت أيضا بدون (قل ) : ( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ  )  لقمان 11 )

ثانيا :   الاحتكام للدليل العقلى بكلمة ( قل ) وبدونها :

1 ـ يقول جل وعلا ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ )  24) الانبياء )  هنا كلمة ( قل ) فى طلب البرهان . ومثلها قوله جل وعلا فى الإتيان بدليل خقلى منطقى : ( قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً (43) الاسراء )

2 ـ ويتكرر نفس الدليل العقلى المنطقى بدون إستعمال (قل ) :يقول جل وعلا ( بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) (92) المؤمنون ). الحوار هنا فى أنه لا إله إلا الله ، وليس عن إثبات وجود الله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .

أخيرا

قلنا فى بحث التأويل الذى سبق نشره فى مصر فى أوائل التسعينيات : ( فالمعتزلة أجهدوا أنفسهم للاستدلال على وجود الله عز وجل وسط مجتمع يؤمن بالله سواء كان الناس مسلمين أو أهل كتاب ، هذا مع أن القرآن الكريم لم يحاول مطلقا اثبات وجود الله تعالى ، بل جاء بأدلة عقلية تثبت انه لا إله إلا الله ، واقرأ مثلا قوله تعالى (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا : الانبياء 22) وقوله تعالى (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: المؤمنون 91 ) . ولأنهم جعلوا الفكر اليوناني مرجعية عقلية معتمدة لديهم فقد اخذوا عنه أيضا وصف الله تعالى بأنه( قديم ) وهو وصف لا يتفق وتنزيه الله تعالى ، لان وصف القديم يعنى وجود من هو أقدم منه ، وطالما كانوا يحتكمون للعقل فان الله تعالى هو الأحق بالحديث عن ذاته وصفاته . وقد وصف تعالى ذاته في القرآن بأنه ( الأول ) وهذا الوصف هو الأولى عقلا لأن الأول لا يسبقه غيره في الوجود، لذا كان الأولى بالمعتزلة أن يتبعوا القرآن لا اليونان في الحديث عن صفات الله تعالى. )

اجمالي القراءات 8490