الإسلام ونبذة عن الديمقراطية وعن الجهاد
مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ 9

محمد صادق في الإثنين ١٠ - مارس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ  9

الجزء التاسع

الإسلام ونبذة عن الديمقراطية وعن الجهاد

الإسلام ونبذة عن الديمقراطية...

الإسلام هو المنبع الأساسى الذى تستمد منه كل القواعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية، لأن الإسلام يحمل الطروحات التى لا بد لكل نظرية فى العالم من الأخذ بها، لأنها ليست من صنيع الإنسان وهى تنسجم وتتلائم مع الطبيعة البشرية فى كل وقت وكل زمان، وتتمتع بالقدرة والمرونة على إعطاء الحلول لكل مُحدَثِ وجديد.

فهذا المنبع حارب الظلم والعنصرية والتسلط ودعا إلا العدل والمساواة والتحرر وصولا إلى سعادة الإنسان وخلاصه وإرتقائه. أن الشريعة الطبيعية لأى مجتمع هى العرف أو الدين وفى بعض الأحيان الإثنين معا، ويعتبر أن كل المبادئ السامية التى أتت بها الكتب السماوية قد إحتضنها الإسلام ودعا إليها، ولذلك فإن كل المجتمعات وإن إختلفت شريعتها ستعود حتما إلى الشريعة السماوية المثلى وهى الشريعة الإسلامية لا سيما أن الشرائع السماوية قد جاءت بالحق من عند الله، والحق لا يتجزأ وإن تباينت أسماء الشرائع. والذى يؤكد ذلك أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، قد دعا المؤمنين به الإيمان بالنبى الذى يأتى من بعده يقول تعالى:

"....  وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ... " (سورة الصف 6

وكأنه بهذا القول يعلن منذ قرون طويلة أن الإسلام سيكون دينا عالميا شاملا لا نقصان فيه.

ليست العبرة فى الإلتزام النظرى وإنما العبرة فى تطبيق المبادئ تطبيقا يكفل لها الإستمرارية، فهل طُبقت المبادئ الإسلامية على نحو سليم؟

للإجابة على هذا السؤال يكفى أن نسلط الضوء على موضوع الديمقراطية ونتبين مدى توافقها مع الديمقراطية الحقيقية التى دعا إليها الإسلام. لأن هذه الديمقراطية إذا نُفذت بطريقة سليمة فهى منبع العدالة والمساواة والتحرر والإرتقاء.

لفظة الديمقراطية هذه تكاد تكون أول المبادئ التى طرحتها كل النظريات السياسية الحديثة والأحزاب المعاصرة، ولقد كانت ترادف سلطة الشعب، إلا أن مفهومها تبدل، فصارت تعنى حكم الأكثرية فى كل أدوات الحكم المعتمدة فى العالم، سواء فى ذلك أكثرية مجلس نيابى، أو حزبى، أو عائلة وما شابهها، فإنعدمت بالتالى سلطة الشعب، وصار القرار حِكرا على فئة صغيرة إدعت أنها تمثل الأمة فى كل شأن من شؤون الحياة، فإن المجالس النيابية والأحزاب السياسية وحكم العائلة والطائفة هى تزييف للديمقراطية الحقيقية.

أما الإسلام فقد كان السَّباق إلى وضع أسس العدالة وحرية الرأى والقرار إنطلاقا من تكريسه مبدأ الشورى بنص الآية الكريمة سورة الشورى الآية 1 : " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " الشورى 38

ولكن الدعوى إلى الشورى لا تعنى على الإطلاق تجاهلا للأمر الإلهى فى القضايا المفصلة فى القرءان الكريم. فإذا ما قرأنا الآية الكريمة التالية: " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ " النساء 59 ،ندرك أن مبدأ الشورى يسقط فى الأمور التى ذكرها القرءان الكريم ويكون المرجع فى ذلك كتاب الله العظيم.

ولكن القرءان الكريم أطلق أحكاما عامة تتناول كل شئون الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، هذه المبادئ إذا تم الإلتزام بجوهرها كانت معالجة التفاصيل التى لم يرد ذكرها فى القرءان تنطلق من أسس العدالة والمساواة والحرية التى مثلتها الأحكام العامة فى كتاب الله.

من هنا تنطلق أهمية الشورى قاعدة من قواعد تبادل الرأى فى كل شأن لم يرد ذكره صراحة فى القرءان الكريم. هذه القاعدة التى تحترم إنسانية الإنسان وتفتح أمامه السبيل إلى إثبات ذاتيته من خلال ما يطرحه من آراء تتعلق بشؤون حياته وأحوال مجتمعه.

فالأسلوب العملى فى كيفية ممارستها على أرض الواقع، فيقسم المسلمون فى أى قطر إسلامى أنفسهم إلى مجموعات عددية بحكم الإقامة ويجتمعون ويناقشون كل أمور حياتهم العامة المتعلق منها بالسياسة الداخلية والخارجية، وما هو متعلق منها بالأمور الحياتية الإقتصادية وكيفية تطوير الإنتاج وتوزيعه بالتساوى بين الناس وكل ما يتعلق بالخدمات التى تخص القرية أو المدينة أو الدولة الإسلامية بكاملها.

وبذلك تتجسد عمليا الآية الكريمة: " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " فكل أمور المسلمين تناقش بالتشاور وحرية الرأى فيما بينهم من خلال فكرة المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية. وأن أحسن تطبيق لمبدأ الشورى هو قيام المؤتمرات الشعبية والنقابات والروابط والإتحدات المهنية، فيتمكن الشعب إذ ذاك من تبادل الآراء ليكون الرأى الأكثر إيجابية ومنطقا وحُجَّة هو الرأى الذى ينتصر على كل الآراء. ولعل فى توزيع أفراد الشعب إلى مؤتمرات شعبية أساسية فى كل القرى والمدن للتشاور فى شؤونه السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ليتخذ القرارات المناسبة ثم يختار ويصعد لجانا شعبية لتنفيذ تلك القرارات المناسبة، لعله فى ذلك يطبق مبدأ الشورى فى وجهها الصحيح.

وما يقال عن مبدأ الشورى ، يقال عن القواعد الإسلامية فى الإقتصاد فى مواجهة كل النظريات الإقتصادية التى أوجدتها أدوات الحكم المعاصرة. فإذا ما قورن النظام الإقتصادى الإسلامى بالإشتراكية الماركسية، نجد أنه يختلف عنها إختلافا بينا فى أمر مهم، وهو أن الإشتراكية المعتمدة فى أكثر دول العالم لا تحاسب الفرد على ” الكيف " وإنما تحاسبه على " الكم " ولكن الإسلام ينهى عن إكتناز الذهب وسرقة عرق الآخرين وجهدهم، كما ينهى عن الإسراف والتبذير وإحتكار حاجات الناس والإنغماس فى حياة مترفة على حساب الفقراء.

وإذا كان الإسلام لا يلغى الملكية الخاصة إلا أنه فى الوقت نفسه يحدد الكيفية التى تصح الملكية على أساسها فهى باطلة ساقطة إذا بُنيت على أسس تتنافى مع تعاليم الإسلام وعدالته. فإذا تأملنا فى إشتراكية مبدأ الشورى نلاحظ أنها مختلفة عن كل الإشتراكيات المعتمدة فى أنحاء كثيرة من العالم، فهى مختلفة لأنها نظام يحاسب على " الكم " و "الكيف " فلا إكتناز للمال على حساب الناس ومصالحهم، ولا ثروة تقوم على أساس الظلم واإحتكار والإستغلال وإنما الناس سواسية على أساس مبدأ شامل هو " شركاء لا أجراء ".

وما يقال عن مبدأ الشورى والنظام الإقتصادى، يقال أيضا عن شؤون كثيرة إتفقت فى جوهرها مع الدين الإسلامى، فالتعليم والمرأة والأسرة وغيرها من الموضوعات التى تنسجم فى طرحها مع الإسلام لأن طرحها كان على أساس النظام الجماهيرى الذى ينتفى فيه الإستغلال والإستعباد وتتحقق فيه الحرية والعدالة والمساواة.

الإسلام ونبذة عن الجهاد...

حاولت القوى الرجعية فى سياق حصرها فى إطار التخلف وتفسير القرءان الكريم تفسيرا رجعيا لا يتفق مع جوهره التقدمى الحقيقى، تغييب فريضة الجهاد تغييبا كاملا يخدم مصالحها الإستغلالية، فراحت تنادى بالخضوع للأنظمة القائمة مدعية بأن الله سبحانه يوصى بطاعة أولى الأمر، ووصل الأمر بها إلى حد دعوتها إلى مهادنة الإستعمار والمحتل محتجة بخبث ظاهر بقوله تعالى: " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا " (سورة الأَنْفال 61

ولا شك أن هذه المحاولات ترمى فى حقيقتها إلى تصوير الدين الإسلامى على أنه دين تواكل وخنوع وإستسلام، بالرغم من الآيات الكثيرة التى تدعو صراحة إلى الجهاد سبيلا وحيدا لمواجهة الذين يستهدفون إذلال المسلمين وإحتلال أرضهم، وتفتيتهم وزرع بذور الشقاق والفتنة بينهم، حيث يقول تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ " الأَنْفال 65، ويقول " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ" الأَنْفال60 ويقول تعالى" وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً " التوبة 36، ويقول أيضا فى سورة التوبة 42:    " انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " التوبة 41

وهذا يعنى أن المسلم الحقيقى فى نظر القرءان، هو الذى يأبى الظلم ولا يستكين لظالم، فيشهر سيفه ضد أعداء الإسلام. ولا يقبل القرءان بموجب آياته الواضحة الصريحة مظاهرة الأعداء والتودد إليهم وتوقيع الإتفاقيات المذلة للمسلمين تحت شعار ستار السلام إلا ضمن شروط عادلة ومنصفة للمسلمين وللدين الإسلامى على حد سواء منها:     - أن يجنح الأعداء إلى السلم من دون أن يكونوا محتلين أو مسيطرين على أى قطعة من أراضى الأمة العربية أو الإسلامية، ومن دون أن يقفوا فى وجه الإسلام ويشنوا ضده الحملات الدعائية الكاذبة.

- إذا إستجار أحد الأعداء المشركين بالعرب والمسلمين وجاء يطلب الرحمة والحماية، إذ يقول الله تعالى: " وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ " التوبة 6

- إذا لم يسئ أى عدو من الأعداء إلى المسلمين فى دينهم أو عرضهم أو أراضيهم، وطلب توقيع معاهدة عدم إعتداء ، فى هذه الحالة يُحَرِّم القرءان مقاتلته إلا إذا نقض العهد ونكثه، يقول سبحانه:

 " إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " التوبة 4

من هنا فالإسلام لا يقر على الإطلاق توقيع أى إتفاقية سلام أو عدم إعتداء مع عدو غاشم محتل يشن الهجوم على أراضى المسلمين وإخراج أهلها من ديارهم. وأيضا لا يقر التودد إلى القوى الإستعمارية ومهادنتها والركون إلى وعودها ومواثيقها ما دامت تعمل على إخضاع المسلمين ونهب ثرواتهم.

وهنا يجب إثارة نقطة مهمة متعلقة بمفهوم الجهاد فى الإسلام، إلتبس على الكثيرين فهمها وإستيعاب مدلولاتها وهى أن الجهاد فى الإسلام لا يحمل فى أى وجه من وجوهه النضالية روح التعدى. فليس من الجهاد فى شئ أن تستعمل ما تملك من وسائل الإكراه لتفرض على الآخرين عقيدتك الإسلامية، وليس من الجهاد فى شئ أن تنطلق من روح إستعمارية لتكون لك الهيمنة المادية التى تسهل عليك فرض ما تعتنقه على الآخرين، فإعتماد القوة والعنف سبيلين إلى نشر عقيدة ما ، يدل دلالة واضحة على أن هذه العقيدة قد أفلست من داخلها، وفقدت القوة فى مبادئها وبالتالى فهى تحتاج إلى آداة خارجة عنها تستعبد كل العقائد لتكون بديلا عنها بالقوة والقهر. أما الإسلام ففيه قوة الإقناع وثبات الحجة ما يغنى الداعى إليه عن إستخدام الأساليب الشاذة التى أعطت التبرير للكثيرين لإعتباره دين العنف والإرهاب.

لقد دعا الله سبحانه وتعالى فى كثير من آيات القرءان إلى إعتماد الحوار الهادئ المتزن، وتجنب أى شكل من أشكال الإكراه سبيلا لنشر الدين الإسلامى فقال مخاطبا نبيه: " وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " آل عمران 20

ويقول أيضا فى سورة يونس: " أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ "  يونس 99

ويؤكد سبحانه فى آية صريحة فيقول: " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ " البقرة 256

وبعد فإن وضوح هذه الآيات يغنى عن الإسهاب فى الشرح والتفصيل، ولعلها جاءت فى هذه الصورة من اليسر فى الألفاظ والسهولة فى المعنى ليكون الإلتزام بها كاملا فلا توحى بتأويل يُشوه الحقيقة ويُسئ إلى الدين العظيم.

 

نكتفى بهذا القدر وموعدنا بإذن الله تعالى مع الحلقة العاشرة إن كان فى العمر بقية.

المراجع:

القرءان الكريم،

1-مذكرات الدكتور أحمد صبحى منصور،

2-معالم فى الطريق .. سيد قطب،

3- مذكرات الدعوة والداعية.. حسن البنا،

4-دعوتنا... حسن البنا،

5- تفسيرات الفقهاء وأئمة المذاهب والفرق.

 

 

 

اجمالي القراءات 13119