من المفاهيم والعادات الدخيلة على الإسلام، والتى تنحرف عن السبيل السوى، المغالاة فى زيارة الأضرحة والتبرك بها وتقديم النذور من ذبائح وغيرها.
مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ 7

محمد صادق في الثلاثاء ١٨ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ  7

الجزء السابع

من المفاهيم والعادات الدخيلة على الإسلام، والتى تنحرف عن السبيل السوى، المغالاة فى زيارة الأضرحة والتبرك بها وتقديم النذور من ذبائح وغيرها. والتردد على أولياء وشيوخ الزوايا والطرق الصوفية تلمسا وتقربا إلى الله سبحانه عن طريقهم وبحثا المدد والطمأنينة والآمان أو للحصول على بعض الرُقيات المكتوبة التى يزعمون أنها تحفظ من الشر. أو تضمن عدم إبتعاد الزوج عن زوجها، أوتأتى ببعل لفتاة عانس وما إلى ذلك من الخرافات التى ليس لها أساس فى الدين الإسلامى.

ومن الواضح أن الذين يوهمون الناس بفاعلية هذه الأساليب، إنما يمارسون الدجل والتضليل للإرتزاق من مال الناس. وهم بذلك أبعد ما يكونون عن الدين الإسلامى الذى يحض على العمل المنتج والدعوة النافعة ويرفض القعود عن العمل والتفرغ إلى العبادة فحسب. بما يقبل الشك أن السعى والمجاهدة فى طلب الرزق يعتبران مظهرا كريما من مظاهر التعبد والتقوى.

ولقد أشار القرءان إشارة واضحة إلى رفضه للإتكالية وتفضيله العمل والجهاد والكفاح، حيث يقول:

" سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ"  التوبة 19

ويعنى ذلك أن الذين يكتفون بخدمة بيت الله فيعتبرون أنفسهم فى قمة العمل فى سبيل الله، يُعتبرون عند الله فى منزلة أقل بالنسبة لأولئك الذين يجاهدون ويكدون ويعملون.

لذلك فإن هذه الممارسات والمفاهيم المنحرفة قد دخلت الإسلام فى عصور الإنحطاط، ولا شك أن المسلم الصحيح يرفضها، لأنه يؤمن بأن أى إنسان لا يستطيع أن يتدخل ليُغير ما مقدر له، ويؤمن بأنه لا يحتاج إلى أحد غيره ليكون له شفاعة عند الله سبحانه، ذلك أن صلة المؤمن بالله مباشرة، بل يحتاج إليه فى الإرشاد والهداية، وأن تكن الشفاعة محفوظة لمن يأذن له الرحمن ويقول صوابا.

والمسلم الصحيح يرفض كل تلك الممارسات والمفاهيم الخاطئة، لأنه يدرك أن المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف، وأن المؤمن العارف بدينه، الواثق بالله تعالى، يستمد المدد من ربه ولا يطلب المدد من غيره، لأنه يدرك أن الإسلام هو دين الكفاح والعمل، وليس دين التواكل والتخاذل.

ومن هنا ومن موقع رفض هذه الممارسات والمفاهيم الخاطئة فى الدين الإسلامى، قد تبنى الدكتور أحمد صبحى منصور وكل كتاب موقع أهل القرءان ومن على شاكلتهم الذين يؤمنون بالقرءان الكريم وكفى مصدرا للتشريع، أخذوا على عاتقهم دعوة إلى تنوير المجتمع الإسلامى وتحريكه فى إتجاه الإسلام الحقيقى الخالى من هذه التحريفات وغيرها التى علقت به عبر تاريخه الطويل، بالطرق السلمية وبالتى هى أحسن وتبنوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

ونادوا بأن يأخذ كل من الرجل والمرأة دورهما الإنسانى فى الحياة لخدمة المجتمع من خلال وجهة النظر الإسلامية كما أكدوا على دور المرأة فى أن تكون عضوا عاملا وفاعلا ومؤثرا فى بناء المجتمع وتقدمه. فإن الفتيات المسلمات عندهن المجال ألأرحب فى العطاء والفداء والتضحية لأن الإسلام يقرن العبادة بالعمل الصالح، ويجعل المسلمة أشد حبا للقيام بالمهام التى يحتاجها المجتمع الإسلامى منها، لخدمة المُثُل العليا للإسلام متحررة من كل الجمود والتخلف والجهل الذى يمقته الإسلام بكل صوره.

نخلص من كل ما سبق إلى أن تخليص العبادات الإسلامية من المفاهيم الخاطئة التى علقت بها فى عصور الإنحطاط التى خيمت على المسلمين ردحا من الزمن بسبب إحتكار الدين من قبل المذاهب والفرق الإسلامية، هو ضرورة ملحة من أجل إعادة الأمور إلى نصابها والقضاء على إحتكار الدين، فيعود المسلمون إلى الينبوع الأصلى الذى هو القرءان الكريم مصدرا وحيدا لمعرفة قضايا الدين الإسلامى.

الإسلام بطبيعته ثورة دائمة وشاملة، وهو منبع كافة النظريات الحديثة التى تدَّعى العلمية وتحقيق المساواة، فالإسلام قد سبق كل تلك النظريات فى الدعوة إلى العدالة والمساواة والسلام والتطور. ولكن تقهقر المسلمين وعدم تمسكهم بالمعانى الصحيحة للإسلام وأخذهم بالمعانى الرجعية التى اضفتها القوى الرجعية على الإسلام، وتفسيرها له تفسيرا متخلفا عقيما يخالف سنة التطور والتقدم.

إن التفسير المتخلف للإسلام والمعانى الرجعية التى أُدخلت عليه جعل البعض يعتقد أن الدين الإسلامى دين متخلف رجعى لا يستطيع مواكبة تطور الحياة.  وأنه يفرض قيودا على أتباعه إلى درجة سلبهم حريتهم، والذى ساهم فى تكوين هذه النظرة حال المسلمين اليوم إذ نجدهم قد تعلقوا بالقشور وطرحوا مبادئ رجعية مخالفة لحقيقة الدين الإسلامى. كما نلاحظ أن الممارسات السلبية القائمة على العداء للروح العلمية أمر منتشر فى المجتمعات الإسلامية، حيث يوجد من يقول: إن البحث العلمى حرام، والثورة حرام، والإبداع حرام، والفلسفة حرام...الخ.

ما قدروا الله حق قدره

وهذه الحالة التى ورثها المسلمون من عصور الإنحطاط التى مرت بهم والتى كرَّستها الخلافة العثمانية وجذَّرها الإستعمار الصليبى، هى التى دفعت بالكثيرين من شباب هذه الأمة إلى الشك والتساؤل: لماذا تخلفت الأمة الإسلامية عن ركب ألأمم المتقدمة ؟ أتكون العلة فى الإسلام ؟.

إذا كان التساؤل الأول له ما يبرره، فليس للسؤال الثانى أى تبرير. وللإجابة على هذين السؤالين فإنه من الأجدى تسليط الضوء سريعا على ماضى هذه الأمة وحاضرها، لتتمكن بعد ذلك من وضع اليد على العلة التى سببت الإنحراف وأثمرت التخلف.

إن المتأمل فى حال هذه الأمة يلاحظ أنها تجتاز مرحلة من أصعب مراحلها دقة وخطورة، فالتيارات الإستعمارية المختلفة تتقاذفها، والنزعات المتباينة تتجاذب نواحى حياتها، فصارت فرقا متنازعة وأحزابا متناحرة.

لكن العامل الأكبر فى هذه الفوضى الصاخبة التى تجتاحنا يكمن فى عدم فهمنا لديننا الإسلامى فهْمَا صحيحا، وعدم إلتزامنا بمبادئه إلتزاما صادقا بعيدا عن الأساليب الشاذة المنحرفة، وليس صحيحا ما تعلو به أصوات المغرضين من أسباب التخلف إنما تعود إلى عدم قدرة الإسلام على إستيعاب الحياة الجديدة، ومسايرة الركب الحضارى، فالإسلام دين يواكب التطور والتقدم، ويحث على السعى نحو الأحسن والأقوم دائما، وهذا أمر ثابت وجلى فى مبادئه وتعاليمه، فهو بمبادئه يحارب الظلم والإستعباد ويدعو إلى العدل والتحرر، وبمبادئه يحارب الترف والبذخ ويدعو إلى الإعتدال، وبمبادئه يحارب الفساد ويدعو إلى الخلق الرفيع، وبمبادئه يثور على الجهل ويحض على العلم.

لكن البعض من المسلمين الذين فى قلوبهم مرض وفى فهمهم قصور ينعتون الإسلام بنعوت التخلف والرجعية ومعارضة التطور والتقدم، وقد أطلقوا أحكامهم المتسرعة على الإسلام محتجين تارة ببعض الأساليب المنحرفة والممارسات البعيدة عن جوهر الدين، أو مبررين إتهاماتهم الباطلة ببعض ما يسمعونه من بعض المسلمين الجهلة الذين أخذوا يحرمون كل ما يوجده العلم ويدعو إلى إكتشافه، وقد نسي هؤلاء المغرضون، وأولئك الجهلة أن القرءان الكريم كان أول كتاب سماوى يدعو إلى إكتشاف أسرار الكون وإمتلاكها فيقول:

" إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ " الرحمن 33

هذه الآية الكريمة كما هو واضح، تحض على إمتلاك طبقات السماوات والأرض، وإكتشاف ما فيها من أسرار وغوامض، بسلطان العلم من دون غيره. ولعل هذه الآية وحدها رد حاسم على كل الذين يظنون أن الغرب وحده هو موطن التطور والتقدم وإرتقاء سلم الحضارة والتمدن، وأن العرب فى ظل دينهم الإسلامى لن يستطيعوا الأخذ بأسباب الرقى والتمدن.

وبعد هذا العرض الموجز لا بد من الـتأكيد أن سبب تخلف المسلمين إنما يكمن فى عدم إستيعابهم لجوهر دينهم فى الدرجة الأولى، وفى تفككهم السياسي الذى أفقدهم الشعور بثقة النفس وفى فقدانهم الشعور القومى الصحيح الذى يُوحِد جهودهم وينظم قواهم الروحية. إن المسلمين لم يتخلفوا، إلا عندما وُضِعَ الإسلام فى فى إطار رجعى فهو عندما جاء كان حركة تقدمية فتحت الأذهان وخلقت روح المبادرة والإبداع وشكلت حضارة علمية عَمَّ نورها الكون كله.

الحياة الإجتماعية وعلى وجه الخصوص وضع المرأة

لعل من المؤسف أن هؤلاء الرجعيين من المسلمين المنتمين إلى الفرق والأحزاب الدينية، لم يعملوا على وضع الإسلام فى إطار رجعى فيما يتعلق بالحياة الإجتماعية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بوضع المرأة بوصفها نصف المجتمع، فقد عمد هؤلاء بجهلهم إلى الحط من قدرة المرأة وإمكانياتها العقلية والجسدية فحرَّموا من عملها وإنتاجها وجهادها بإستعبادها ووضع القيود عليها، متجاهلين أن الإسلام ليس دين عبودية، وليس فى القرءان الكريم ما يدعو إلى إستعباد المرأة وتقييدها.

ثم إن الإسلام لا يفرق بين الرجل والمرأة، فهو يعتبر أن الإنسان، بغض النظر عن كونه رجلا أم إمرأة، مسؤول عن أعماله. يسعى إلى الخير أو الشر بإرادته حتى يحاسب ويُثاب. وعليه فإن الإسلام لا يفرق من الناحية الإنسانية بين الرجل والمرأة... بل إنه قد أعطى المرأة دورا كبيرا فى الحياة الإجتماعية. وقد إستطاعت المرأة فى الكثير من حقب التاريخ تأكيد دورها جنبا إلى جنب مع الرجل. لكن ذلك لا يعنى دعوة إلى إخراج المرأة عن طبيعتها ألأنثوية وإقحامها فى ميادين عمل ليست من طبيعتها، ولا يتحملها إلا الرجل، كما حدث فى الغرب... ولكنها دعوة كى تستعيد المرأة إنسانيتها وحقوقها الطبيعية، ولتتحرر وتخرج نهائيا من عالم القهر والإمتهان. لتؤكد إحترامها حتى تمتلك إرادتها وتقرر مصيرها بإرادة حرة وفى مناخ يتيح لها نفس الفرص المتاحة لغيرها من أفراد المجتمع.

إن الوضع التى تعيش فيه المرأة فى المجتمعات الإسلامية لا يتطابق مع ما يدعو إليه الإسلام. فعمليات الزواج والطلاق وأكثر نواحى الشؤون الإجتماعية التى تتعلق بالمرأة مخالفة للإسلام لأنها تتم دون أخذ رأى المرأة ومشاورتها، حيث يتم إستبعادها تحت شعار الدين والأخلاق. وكأن فضيلة المرأة وكرامتها وإنسانيتها لا تتحقق إلا بحبسها وفرض الحجاب عليها. فالمسألة ليست مسألة أن تكون المرأة محجبة فحسب، فالحجاب يجب أن يتجاوز فهمنا التقليدى له، ويجب أن يفهم على أسا أنه حجاب معنوى بالدرجة الأولى، متمثلا فى التحصن بالمعرفة السليمة والتربية الصالحة، والتدريب المستمر على مكابدة الصعاب عند الشدة .

إن المرأة المتدربة على السلاح مثلا والتى تحسن إستخدامه للدفاع عن نفسها وشرفها وكرامتها، هى المرأة المحجبة فعلا. والمرأة التى تتاح لها الفرص الكافية فى التعلم والحصول على المعرفة التى تناسبها، وتؤهلها للعمل الذى يناسبها، هى المرأة المحصنة فعلا... أما الحجاب بشكله المادى السطحى الآن، وبأسلوبه التقليدى المتعارف عليه، فهذا لا يحمى المرأة، ولا يحصنها من إعتداء الآخرين على شرفها وكرامتها، والأدلة التاريخية على ذلك واضحة فى مذبحة دير ياسين، وفى صبرا وشتيلة، وقبل ذلك فى معتقلات العقيلة وبنغازى وسرت وطرابلس وغيرها الكثير فى الشرق والغرب سواء.

إذن يجب أن تمنح المرأة الثقة الكاملة والمسؤولية الكاملة، والحقوق الكاملة أسوة بالرجل حتى تكون محجبة ومحصنة فعلا... والقرءان الكريم ذاته يحملها المسؤولية كاملة، والله يخاطبها مخاطبة الند للند " يا أيها الناس " ولا يوجه الخطاب إلى رجل وحده أو إمرأة وحدها، وليس هناك ما يدل فى القرءان على أن حساب المرأة ومسؤليتها يختلفان عن حساب الرجل ومسؤليته، سواء كان ذلك فى هذه الدنيا أم فى الحياة الآخرة.

والمرأة الحرة المسؤولة تَعلِّم أبناءها الحرية والمسؤولية، أما المرأة المستعبدة الضعيفة فلن تستطيع إلا أن تزرع الضعف والإستعباد فيمن تعلم. أما من الناحية العملية فمن حق المرأة أن تخرج وتنتج وتقود السيارة أو الجرار أو الطائرة أوتعمل فى مصنع أو مزرعة، ومن حقها أن تحمل السلاح وتقاتل وتجاهد دفاعا عن حريتها ووطنها وعرضها.

فالدين الإسلامى كان دائما وما زال، دين تطور وتقدم يواكب بإستمرار تقدم الإنسانية ويلبى حاجاتها الحضارية.

نكتفى بهذا القدر وموعدنا بإذن الله تعالى مع الحلقة الثامنة إن كان فى العمر بقية، مع الإسلام دين المساواة والديمقراطية.

 

المراجع:

القرءان الكريم،

1-مذكرات الدكتور أحمد صبحى منصور،

2-معالم فى الطريق .. سيد قطب،

3- مذكرات الدعوة والداعية.. حسن البنا،

4-دعوتنا... حسن البنا،

5- تفسيرات الفقهاء وأئمة المذاهب والفرق.

اجمالي القراءات 12540