في البحث عن الإسلام – دراسة - الإختلاف الفكري والتعدد المنهجي في مواجهة دين واحد – الجزء الثاني

غالب غنيم في الإثنين ٣٠ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام – دراسة -  الإختلاف الفكري والتعدد المنهجي في مواجهة دين واحد – الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
مقدمة :

هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.

وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،

______________

مبدأ الحرية
والسلم والسلام:


الله تعالى حين خلق الإنسان ثم كرمه بالجعل للسمع والإبصار والأفئدة ونفخ فيه من روحه لم يقل انه هذا البشر الجديد يتبع حزبا ما او جماعة ما بل سماه بشرا .. فالله تعالى كرمه بمقومات الوعي والحرية وأطلق له العنان بروحه من أمره سبحانه لكي ينطلق في حياته ، وجلّ ما اعترضت عليه الملائكة كان له علاقة بالإفساد في الأرض والقتل – سفك الدماء – وليس طريقة التفكير او العبادة او الصلاة او غيرها من الأمور !

إن عدنا الى الأساس – بديء الخلق للبشر فسنتعلم اهم شيء الله تعالى اراده منا وهو عدم الإفساد في الأرض وعدم سفك الدماء ! ولهذا قال سبحانه لآدم ان من اتبع هداه – هدى الله تعالى – فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون بعد إذ هبط ادم مباشرة ! فالهدى من الهداية الى الشيء أي التعرف على الشيء بحق – كما فصله الله تعالى في مورد النحل :
١٦:١٦  وَعَلَٰمَٰتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ   
حيث نرى ان النجوم تهدينا في سبيلنا وطريقنا اثناء السير ! ولهذا ارتبطت مفردة الهدى دائما بالنور والطريق والسبيل والصراط المستقيم وليس بما يدعو للتفرقة والابتعاد عن الطريق ووجود تفرعات في الطريق وطرق أخرى متعددة .. فمن يتبع الطريق والسبيل لن يتعرض للتفرقة والذهاب الى طرق وتفرعات لها، غير موجودة أصلا فهو سيقوم بنفسه "بإنشاء" فرع او طريق قد يبدو للوهلة الأولى انه بديل عن الطريق الحق ...

إن اول ما نجح به ابليس كان في ان يَفْرِق الناس الى شِيَع واحزاب بسبب اختلافهم الفكري، بينما الله تعالى يريد توحيدهم في دار واحدة بغض النظر عن اختلافاتهم الفكرية العقائدية ، وذلك بدعوته الحق إلى السلام :

وَٱللَّهُ يَدْعُوٓا۟ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ - ٢٥:١٠
 
حيث نلاحظ هنا ايضا ربط دار السلام بالصراط المستقيم – الطريق الحق – السلام !

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱدْخُلُوا۟ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً
وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ - ٢٠٨:٢
 


إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍۭ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ
 أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ
أَوْ يُقَٰتِلُوا۟ قَوْمَهُمْ
وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ
فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ
وَأَلْقَوْا۟ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا - ٩٠:٤
 


فَلَا تَهِنُوا۟ وَتَدْعُوٓا۟ إِلَى ٱلسَّلْمِ
وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ - ٣٥:٤٧
 


______________

الإسلام والمسلمين :

 
لماذا ارفض تسميات مثل "قرءاني" و "اهل القرءان " و "سنة" و "شيعه" وغيرها من التسميات الأرضية الوضعية  ؟

الله تعالى حين حدد دينه بدين واحد مِثله سبحانه، لم يكن من اللاعبين تعالى سبحانه عن اللهو والعبث بل قال ان دينه هو الإسلام وليس غيره، وقال أن هذا هو دينه هو، أي ملكه هو سبحانه، والإسلام من الإفعال للسلام ، وليس كما قيل لنا انه اسم علم جامد!
فالله تعالى يُصرّ على نعت "عباده" بمسلمين لكونهم شاؤوا ام أبوا ففي نهاية الأمر كل البشر لا بد انهم يفهمون ويفقهون مبدأ السلام العام !
لنلاحظ هنا بكل دقة وروعة للتعبير القرءاني الرباني الفريد من نوعه للفصل بين إرادة الله تعالى وبين رغبة الشيطان بكل انواعه :

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟
ٱدْخُلُوا۟ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً
وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ - ٢٠٨:٢
 

فالله تعالى يدعونا الى السلم والسلام ودار السلام بينما الشياطين وطريقهم وسبلهم المتمثلة ب "خطوات" -  اي خطواتهم ، لا تريدنا ان نكون كذلك، بل هي تريدنا ان نتفرق ونتشيّع ونتحزب ونسمي انفسنا بأسماء تفرق بيننا وتحزبنا احزابا كما قال تعالى كل حزب بما لديهم فرحون، وكأن كل حزب منهم هو من يملك الحقيقة، بالرغم  من ان الحقيقة واضحة بيّنة كما الشمس في القرءان الكريم وهي ان الله يدعونا إلى نبذ الخلافات الفكرية والتحزب لفكرنا وإلى ان نتوحد حول السلم والسلام اللذان هما الد اعداء ابليس وشياطينه من كل الأصناف ! ولنا في مجتمع المدينة التي عاش فيها النبي محمد بعد إخراجه من قريته الظالم اهلها افضل مثال واضح في القرءان الكريم عن "اسلوب وطريقة" حياتهم فيها حيث كان من حوله كافرون وملحدون ومنافقين، ومنافقين من حوله مردوا على النفاق لا يعرفهم، ومشركون ويهود ونصارى من كل الأطياف كذلك، ومن القرءان الكريم نفهم ان كل هؤلاء يعيشون بسلام وسلم في ظل النبي محمد وبدون رفع سيوف عليهم ودفعهم لجزية او غير هذه الإدعاءات والإفاراءات، بل يشدد الله تعالى ان "امرهم شورى بينهم" وليس من عندك يا محمد، غلا إن هم اختاروا ان يحكموه بينهم، وهذا دليل على ان التحزب كان من اشد الأخطاء، ولنا على ذلك اكبر دليل في قوله تعالى :

  وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ
وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ
مَرَدُوا۟ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ
سَنُعَذِّبُهُم  مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ - ١٠١:٩

حيث نلاحظ ان الله تعالى ترك امرهم لنفسه سبحانه يوم الحساب ولم يفضح حتى من مردوا على النفاق ولم يقل للنبي من هم ! وكذلك في قوله تعالى :

قَالَتِ ٱلْأَعْرَابُ ءَامَنَّا
قُل
لَّمْ تُؤْمِنُوا۟ وَلَٰكِن قُولُوٓا۟ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلْإِيمَٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ
وَإِن تُطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَٰلِكُمْ شَيْـًٔا إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ - ١٤:٤٩
 

فالله تعالى ترك هنا مسألة الإيمان له سبحانه فهو من قرر علم وأعلم النبي ان يقول لهم انهم لم يؤمنوا بل اسلموا فقط من السلام ، وحتى اهل الكتاب ندعوهم للسلم والسلام فقط :

فَإِنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ
 أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ
وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْأُمِّيِّۦنَ
ءَأَسْلَمْتُمْ
فَإِنْ أَسْلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهْتَدَوا۟ وَّإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌۢ بِٱلْعِبَادِ - ٢٠:٣
 

فالحديث هنا ليس عن إيمان بل إسلام ، هذا لمن يخلط بين الأمرين ، فالإيمان كما قال تعالى هو من يختص به وليس نحن، فهو أعلم بإيمان بعضا من بعض ، إلا إن كان أيمانا للناس فهو شق الإيمان الآخر الذي يخصنا نحن .. من الأمان .

ولهذا الله تعالى "سمانا" مسلمين منذ ظهور اول شخص استخدم منطقه وعقله في التعرف على الله تعالى بدون رسالات وبدون وحي، وهو إبراهيم الأمة المنهج الذي يدل على المنطق واستخدام العقل في العلم بالله تعالى واتباعه :

وَجَٰهِدُوا۟ فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦ
هُوَ ٱجْتَبَىٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ
مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ
هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا۟ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ
فَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعْتَصِمُوا۟ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلَىٰكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ - ٧٨:٢٢
 

هذه الآية لو تدبرناها بدقة وبدون اي رأي مسبق سنجد فيها منهجا من الله تعالى يعظنا به سبحانه كي نتبعه :
اولا ان نجاهد في الله تعالى بأن نجاهد بالحق – اي حق جهاده – أي بالقرءان الكريم فقط ، كما قال تعالى للنبي محمد :
فَلَا تُطِعِ ٱلْكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدْهُم بِهِۦ جِهَادًا كَبِيرًا - ٥٢:٢٥
 

والذي قام كثيرون من اعداء الله تعالى بتحريف مفهوم مفردة الجهاد من نشر وإنذار وتبشير بما في القرءان الكريم إلى مدلول القتال والحروب والمعارك الذي لم يُنزل الله تعالى بها من سلطان، فالجهاد من بذل الجهد في التبليغ لا اكثر.
ولهذا نرى إسلام – بذل الجهد في السلم ، من تفعيل السلام، ونرى الجهاد من بذل الجهد به – اي بالقرءان الذي يدعو إلى دار السلام والى طريق وصراط مستقيم يؤدي إلى هذه الدار ..

واكبر وظيفة كانت لجنود ابليس من الناس هي التفرقة وزرع التقسيم بكل اشكاله بين البشر بتقسيمهم فكريا اكثر منه عرقيا ، فالشعوب والقبائل أمر طبيعي ينتج عن مكان السكنى وعن التزاوج والقربى بين الناس، وهذا من سنة الله تعالى في الكون، ولكن الله تعالى جعلنا هكذا لكي نتعارف وليس لكي نتفرق وننقسم الى احزاب ومسميات لم ينزل الله تعالى بها من سلطان!
فالفرق بين ما جعلنا الله تعالى عليه وبين التحزب الفكري كبير، ويجب ان نتنبه له من القرءان الكريم، فحتى الشعوب والقبائل يمحوها الله تعالى ولا يلقي إليها بالا حين يمس الأمر الإسلام والسلام والإيمان، فالله تعالى طلب منا العدل والقسط بغض النظر عن القربى وعن الشعوبية ، وامرنا أن لا نعتدي وأن نوقف الحرب مباشرة بمجرد ان توقف عنها العدو ولا نعتدي عليه ، ولم يأمرنا بأن ننشر دينه بحد السيف أو ان كما قيل لنا – نفتح – بلدانا ومدنا اخرى مسالمة لم تمد يد الحرب علينا !
إن منظومة الفكر القرءاني "مجملا" تدعو إلى السلم والعدل والقسط بين الناس وعدم التفرقة والتحزب لفكر ما مدعيين اننا نملك الحقيقة لوحدنا وأن غيرنا ليس على طريق الحق، ولهذا الله تعالى يدعونا إلى ما يوحد البشرية جمعاء شائت أم أبت ، وهو السلم والسلام والأمان ، وليس ان نسمي انفسنا مالكي الحقيقة أو سنّة أو شيعة أو قرءانيين وغيرها من تسميات الشياطين الداعية إلى التفرقة من جديد وجديد .

فالله تعالى سمى اليهود والنصارى والأعراب الذين هم أشد كفرا، بمسلمين، أي ان المسلم وُجِدَ قبل رسالة القرءان الكريم !

هذا هو المفهوم الأعم لمفردة الإسلام، من القرءان الكريم كما تبين لنا اعلاه وكما يمكن ان نفهم من آيات كثيرة أخرى تدعونا إلى السلم وتنعت النصارى واليهود وغيرهم بالمسلمين بأنهم  لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .. فالإسلام يدعو للإصلاح وليس للفساد والتفرقة :

قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى
وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا
وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَىٰكُمْ عَنْهُ
 
[ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا ٱلْإِصْلَٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ  ]
وَمَا تَوْفِيقِىٓ إِلَّا بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ - ٨٨:١١ 

وقاعدة " لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " عريضة وواسعة جدا في القرءان الكريم، وأترك لكم التعمق والبحث فيها !


______________

التيار القرءاني مقابل مفهوم القرءانيين :


إن أي تسمية وضعية أرضية لفكر معين نابع من القرءان الكريم رسالة الله تعالى لكافة الناس غير التي اطلقها الله تعالى عن دينه ومن يتبعه ما هي إلا دعوة شيطانية إبليسية للتفرقة والتفريق والعنصرية بين الناس !

فالمسلم الذي يتبع القرءان مخلصا لله دينه ووجهه إيمانا لا يجب أن يميز نفسه عن بقية المسلمين من حوله كان فكرهم ما كان حتى لا يكون هو مدعاة للتفرقة والعنصرية بأن ينعت نفسه قرءانيا أو حزب كذا أو كذا ، ويكفي أن يشير إلى أنه يتبع القرءان الكريم في استقائه لمباديء ومفاهيم العلاقات الإجتماعية والمدنية والتشريعية وغيرها من الأمور .. ومن هنا هو يصبح ضمن تيار المسلمين المسالمين الآمنين الذين هم ليسوا مجرمين ويصبح ضمن ما يمكن وصفه بالتيار القرءاني وليس الحزب القرءاني او الجماعة القرءانية او جماعة أهل القرءان كما بقية الجماعات التي بتسميتها لنفسها مثل هكذا اسماء تقوم باحتكار الدين وفهمها له لنفسها عن بقية الناس ! وهذا الكلام ليس موجه لشخص بذاته او فئة بذاتها بل هو تعميم يمس كل من يقوم بمثل هذه الأمور ..
ومنه، مفردة التيار لها مفهوم كما هو من الطبيعة من حولنا تيار الماء الجاري الديناميكي المتغير المتأقلم المتحرك الذي في حناياه يحوي جميع انواع ودرجات الماء المختلف صفاؤه من مكان الى مكان او نقاؤه فعملية النقاء هنا وصفاؤها من اختصاص الخالق القدير وحده !

ففي التيار القرءاني يدخل المسلم بغض النظر عن إيمانه وطبيعة إيمانه لأن مسألة الإيمان ليست متعلقة بنا بل بالله تعالى فقط وهي اختصاص منسوب للذات الإلهية فقط من دون البشر كافة ... فكما قلنا اعلاه، حتى النبي محمد لم يعلم بمنافقين "مسلمين" من حوله ، مردوا على النفاق، أما قضية الإيمان فمرجعها إلى الله تعالى وليس إلينا ... ولهذا يكون مفهوم الإسلام والتيار القرءاني شامل لكل اطياف البشر الذين يريدون ان يدخلوا في السلم كافة !

أما الشق الآخر لمفهوم الإسلام أي الشق الغيبي من تسليم لله تعالى، وإيمان بالله وتوحيد له والإيمان بالملائكة واليوم الآخر والرسل والأنبياء لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون فهنا الأمر يكون بين الفرد وربه فقط ولا علاقة لنا به .

ومفهوم القرءانيين والسنة والشيعة مفاهيم أرضية الوضع مستحدثة لتعبر عن "شِقّي" الإسلام وليس عن شِقٍّ واحد له – وهو الشق المتعلق بنا نحن ! فكما الشيعة والسنة يحكمون على البقية بالكفر بسبب اختلافهم معهم فكريا فكذلك قام "بعض" من يسمون انفسهم قرءانيين بالحكم على المخالف لهم فكريا بالكفر والشرك ...!

وهنا بدا خطر الإنحراف الفكري عند بعض الفئات التي تسمي انفسها مثل هكذا تسميات، فالله تعالى بنص القرءان يقول انه هو سبحانه اعلم بإيمان بعضنا من بعض، ومن هنا وعلى الأغلب يجب ان نفهم هذه الآية جيدا بأنه هو سبحانه من يقرر من هو مشرك في إيمانه من غير المشرك، وكذلك هو يقرر من هو كافر به ومن هو مؤمن به فعليا ، فهذه المسائل من إختصاصه سبحانه، ونحن ليس لنا كمتبعي القرءان من التيار القرءاني الفكر إلا ان ندعوا بالحسنى ونقول للناس حسنا إلى السلام والسلم والأمان، والخير وعمل الصالحات والإنفاق والإصلاح، وغيرها من الأمور الإجتماعية الخيّرة، وليس ان نحكم على فلان أنه مشرك وكافر لأنه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن قالها فنحن لسنا في قلبه لكي نعلم هل قالها عن شركٍ بالله تعالى او عن جهل او عن بساطة في الإيمان بالله تعالى وبمن بلغ رسالته الينا بالوحي أي محمد عليه الرحمة من ربه، ويكفينا ان نقول لهم ان هذه الجملة ليست هي شرط الإيمان الفعلي بالله تعالى ورسالاته، كما يدعي بعض الأحزاب، فالإيمان بالله تعالى تم شرحه وتفصيله في القرءان الكريم بكل وضوح . فلم نزاود عليهم بالحكم عليهم بالشرك إن قالوها والله تعالى لم يصرح بذلك في القرءان حقيقة .. حيث ان الله تعالى لم يقل ان من قال كذلك فهو مشرك !
كما أن فهمي أنا للقرءان ليس مثل فهم فلان وليس مثل فهم فلان "الآخر" من ضمن هذا التيار نفسه، ولهذا يهمنا نحن فقط أن نلتقي مع الجميع في اللب الذي طرحه الله تعالى في كتابه العزيز وليس في الفهم الشخصي للمسائل المختلفة الأخرى من صلوات وعددها وطريقة تأديتها او من حج ومن شرك فيه من غيره ...
ومن هنا وظيفة من يتبع القرءان فقط هي أن يكون هو الرسالة وليس حامل الرسالة فقط، فإن كان هو الرسالة فجميع من حوله سيتأثرون به شاء ام ابى بسبب كون هذه الرسالة إلهية المنشأ، فوظيفتنا هي التبليغ والتنوير والتعليم للحق وليس الحكم والشتم والنشر الفرقة والعنصرية والتحزب ...  بأن نتخلق بخلق هذه الرسالة تماما كي نمثلها بين الناس .. !
من زاوية أخرى، أنا اعذر الأغلبية وانا منهم في كون الصدمة الناتجة عن الفهم الصحيح لرسالة القرءان الكريم كانت صدمة عنيفة لنا بعد إذ فقهنا ان اغلب ما حولنا تم تحريفه وإبعاده عن جوهر دين الله تعالى القيم، وحين نظرنا حولنا فوجدنا في اليابان – على سبيل المثال لا الحصر -  إسلاما أكثر مما هو عندنا، وبسبب هذه الصدمة كانت لنا ردات فعل مختلفة متفاوتة من فرد لآخر، ولكن لم يكن يوما ما اننا نمثل حزبا ابدا، فلا توجد شخصية حتى اليوم يمكن وصفها بأنها شخصية قيادية يتبعها مئات أو الوف من البشر ، بسبب كون هذا التيار تيار تحرير الفكر وليس تيار خلق التبعيات من جديد !

فأنا حين اسمي نفسي قرءاني وكأنني ادعو او أدّعي انني اتبع فلانا، او انني اريد ان يتبعني الآخرون ، وهذا لا يحصل في ظل التيار القرءاني الحر الحركة، الديناميكي الفكر، المشترِك مع بقية المفكرين في فهمهم مدنيا واجتماعيا  لكل القضايا التي هو يتبعها من القرءان الكريم، فهناك كثيرون يلتقي معهم من يتبع القرءان الكريم من حوله من مفكرين مختلفي الإنتماءات الفكرية العقائدية !

فمن يتبع القرءان الكريم لا شيخ له سوى القرءان الكريم .

اما مفردة الإيمان، فهي بذاتها ذات شقين في القرءان الكريم، شق متعلق بنا وهو الإيمان (ل) – الإيمان للناس، والإيمان (ب) – الإيمان بالله تعالى، ونحن لا علاقة لنا بالشق الثاني فهو من اختصاص الله تعالى ولنا فقط بالشق الأول وهو ان نومن لبعضنا البعض أي أن لا نؤذي بعضنا البعض ولا نسفك دماء بعضنا البعض ولا نغتاب بعضنا البعض – من الأمان لبعضنا البعض ...

وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ
وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ
يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ
وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ
 وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - ٦١:٩
 

فمفردتي الإيمان والإسلام تدلان على السلم والسلام والأمان بين البشر وهذا الشق المتعلق بنا نحن .


إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم

اجمالي القراءات 11569