مصر التي لم أعرفها بعد

شادي طلعت في السبت ٠٧ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

شاهدت فيلماً هندياً، إسمه "kabhi khushi" بطولة النجمين أميتاب باتشان وشاروخان، وتخللت الرواية الفيلمية أغنية رومانسية رائعة، حصلت على المركز الأول في كل مسابقة غنائية إشتركت فيها، وكانت الأغنية مشتركة بين كل من النجم شاروخان والنجمة كاجول، وبغض النظر عن روعة إخراج الأغنية والموسيقى التي تجعل المشاهد يشعر بكل كلمة تمر عبر ترجمة الفيلم، إلا أن الكلام باللغة الهندية أيضاً، ومن شدة إتقان العمل وجمال الطبيعة التصورية، يجعل المشاهد قادر أن يستوعب ما بالأغنية من معاني جميلة، إلا أن اللافت للنظر كان ... ظهور الأهرامات في بداية الأغنية، إذ أن بطل الفيلم بعدما إقترب من البطلة، فإذا بها تتركه وتركض حتى تصل بخيالها، إلى الأهرامات الثلاثة ! ثم يذهبا إلى منطقة بيضاء ! أشبه بجنة لم تمر على خيالي من قبل ! وتعامل عقلي المتسرع بإستنتاجاته، وإعتقدت أن إدخال الأهرامات في الأغنية، ما هو إلا عمل مبدع للمخرج دون أن يذهب طاقم الفيلم إلى الأهرامات ! إذ أنني قد أجزمت على أن الأغنية لم تصور في مصر، وإلا لكانت الصحافة قد تحدثت عن زيارة كل من شاروخان وكاجول إلى مصر ! وأيضاً لأن الجنة البيضاء، لا توجد بمصر ! وإنما قد توجد ببلاد الهند، إلا أنني قررت أن أبحث عما إذا كان بطلا الفيلم قد جاءا إلى مصر، فوجدت فيديو لشاروخان، يتحدث فيه عن ذكرياته في مصر وواحة الفرافرة! وسألت نفسي ولماذا لم يتحدث عن الأهرامات ؟ وزاد يقيني بأن الأغنية التي شاهدتها لم تصور بمصر، إلا أنني قررت أن أبحث عن صور لواحة الفرافرة، فكانت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها .... لقد إكتشفت أن الجنة البيضاء التي كانت بالأغنية كانت هي "واحة الفرافرة".

بداية يثور عدد من الأسئلة منها، كيف لنا كمصريون لا نعرف معالم بلادنا ؟ وكيف لنجوم عالميين مثل شاروخان وكاجول، يأتون إلى مصر دون أن يشعر بهم أحد ؟ وكيف للقائمين على السياحة في مصر، يتغاضون عن أماكن مصرية يعلمها الاغرباء ولا يعلمها أبناء الوطن ؟

كنت أعتقد أني أعرف معالم مصر جيداً، فقد زرتها من مطروح إلى شرم الشيخ، ومن الإسكندرية إلى أسوان ونهاية بالوادي الجديد، إلا أنني قد إكتشفت أني لا أعرف مصر بالقدر الكافي، إن واحة "الفرافرة" التي شاهدتها في الفيلم الهندي، جعلتني أفكر بزيارة الهند ! لا لشيء إلا لأرى تلك الجنة البيضاء، التي أخذت عقلي، وأثارت تساؤلاتي حول هذا المكان، وهل تلك الجنة البيضاء مليئة بالثلوج ؟ وكيف تكون مليئة بالثلوج وأبطال الفيلم يرتدون ملابس صيفية ؟ كما أن الطبيعة الصخرية لتلك الجنة البيضاء، تجعل من يشاهدها يتمنى فقط مجرد رؤيتها وإلتقاط الصور التذكارية فيها !

وفي النهاية أكتشف أن الجنة البيضاء هي قطعة من بلادي، هي "واحة الفرافرة التي لم أكن أعرفها، فهل يقع الخطأ على عاتقي أم على القائمين على السياحة، أم على وزارتي التعليم والتعليم العالي، أم على الآباء، أم على من ؟

إن المسؤل الأول عن جهل المصريين ببلادهم، يعود إلى إلى كل من ذكرت، فالمسؤلين كان عليهم واجب لكنهم لم يقوموا به ! وأنا أيضاً كان علي واجب قصرت فيه، فالمسؤلية مشتركة، تقع على الفرد كما تقع على الحكومة، فجميعنا مقصر تجاه الوطن، وجميعنا سيحاسب يوماً ما عن تقصيره هذا!

أما عن السؤال الثاني، وهو كيف أتى نجوم عالميين إلى مصر وذهبوا إلى الأهرامات، وإلى واحة الفرافرة، دون أن يشعر بهم أحد ! فالإجابة عليه تعود إلى خلل إداري، يتحمله وزير السياحة وقتها عام ٢٠٠٣، وأيضاً القائمين على صناعة السينما في مصر، ويبدوا أن الضجة التي أحدثتها زيارة النجم الهندي "أميتاب باتشان" عام ١٩٩٠، جعلت من مافيا السينما المصرية، تحجب الأضواء عن كل ما هو أجنبي، أو قد يؤثر على شباك التذاكر للنجوم المصريين ! والواقع أن هذا خطأ كبير، فكون شباك التذاكر قد يمتلئ لنجوم غير مصريين، فهذا أمر سيؤدي بكل تأكيد إلى تحسين جودة الفيلم المصري، حتى يستطيع مواجهة السينما العالمية، أما حجب الأضواء عن السينما العالمية ونجومها، فإنه أمر قد أدى إلى سينما الحواري والألفاظ الخارجة والتي نعاني منها الآن ! فالنجم الهندي "شاروخان" الذي أتى إلى مصر دون أن يشعر به أحد ! قد إستقبله ولي عهد المغرب عندما زار المغرب عام 2012 ! لذا أقول : لقد أصاب الآخرون وأخطأنا نحن.

أما عن القائمين على السياحة في بلادنا، فإنهم والله لمجموعة من الهواة، ظنوا أنهم أهل لمجال السياحة، بيد أنه يبدوا أنهم غرباء عنها، فلو أنهم أهلها لتباهوا بالصغير قبل الكبير في مصر من أماكن سياحية، إننا حقاً ينقصنا أهل خبرة، وينقصنا أيضاً محترفون في هذا المجال، وعلى سبيل الذكر، فإنني قد زرت أثناء الدراسة الجامعية مدينة الأقصر عام ١٩٩٧، وكان معنا مرشد سياحي وسألته عن إحد التماثيل بمعبد الكرنك، فذكر لي حكاية التمثال وإسمه، وفي اليوم التالي كنت في الكرنك أيضاً، وذهبت إلى نفس التمثال فوجدت فوجاً سياحياً معه مرشد سياحي آخر، فذهبت إليه وسألته عن نفس التمثال، فأجابني إجابة مختلفة عن المرشد الأول ! وقتها إدركت أن لدينا خللاً في مجال السياحة.

إن مصر التي يعتقد البعض أنها تعيش اليوم في حالة غير مسبوقة من غلاء الأسعار، لا يعلمون أن مصر حتى في وقتنا هذا هي من أرخص بلاد العالم في الأسعار ! ومصر التي يعتقد البعض الآخر أنها غير جميلة، لا يعلمون أنها أجمل بلاد الله، وليس لها مثيل في الدنيا ! إن ولاية مثل فلوريدا في أمريكا، يزورها سنوياً ما يفوق الأربعين مليون سائح طبقاً لإحصاء عام ١٩٩٠ ! وهي تعتمد في المقام الأول على السياحة الداخلية، لذا أقول من خلال تلك الأسطر، نحن بحاجة إلى تحقيق بعض المتطلبات إن أردنا رفعة بلادنا، ومجال السياحة إن نشط حقاً فإنه سيؤدي بدوره إلى رفعة الوطن، ويتلخص ما نحتاجه في الآتي  :

أولاً/يجب أن تكون السياحة السبيل الأول للترويح عن النفس، وأن ينبع هذا الأمر من داخل كل مصري، فإن تحقق ستكون مصر ستكون ملاذ المصريين الراغبين في السياحة نظراً لأنها الأرخص بين بلدان العالم، وهذا أمر يتطلب ثقافة جديدة يجب أن يتعلمها الأطفال في المدارس والطلبة في الجامعات، ويجب أن ينشر الوعي الثقافي بين الناس من خلال الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.

ثانياً/على القائمين على السياحة تشجيع السياحة الداخلية، والتعامل مع السائح المصري بنفس الإحترام مثله كمثل السائح الأجنبي.

ثالثاً/ إستصدار قانون جديد، يشدد من عقوبة تجارة الآثار، كما يمنح مكتشفي الآثار مزايا نسبية تعويضاً وتقديراً لهم عما إكتشفوه، للحد من تجارة الآثار، فسياسة التعامل يجب أن تكون بمبدئي الثواب والعقاب.

رابعاً/زياده الخريجين من المدارس والكليات السياحية، وخاصة في مجال الإرشاد السياحي.

خامساً/إستصدار قوانين إستثمار جديدة، تسهل وتفتح الأبواب أمام المستثمرين الأجانب، ولا تعرف الروتين الممل الذي يجعل المستتثمرين يهربون خارج البلاد.

سادساً/تعزيز التأشيرة المصرية، لكل من يرغب بزيارة مصر، وعدم إعطاءها للعامة من أي دولة بالعالم، دون شروط صعبة لا تقل بأي حال عن الشروط  نفسها التي تطلب من المصريين اللذين يريدون السفر إلى الخارج، وكذا رفع رسوم التأشيرة، في كل الدول، وعلينا أن نعلم أنه ما من شخص في العالم كله إلا ويريد رؤية الأهرامات، وباقي معالم مصر التاريخية.

سابعاً/محاسبة أي مسؤل سياحي، يتسبب في كارثة سياحية، فعلى سبيل المثال وزير سياحة مصر في عام ٢٠٠٦، تسبب في خروج "الأهرامات" من سباق عجائب الدنيا السبعة، بينما وزير سياحة الأردن في نفس العام إستطاع أن يدخل أحد كنائس الأردن الأثرية كأحد عجائب الدنياالسبعة !فالفارق بين كل من الوزيرين، أن المصري كان جاهلاً، بسباق عجائب الدنيا السبعة ! نظراً لأنه ليس بالرجل المناسب للمكان ! أما الوزير الأردني فكان متابعاً جيداً ومناسباً لمكانه، وإستطاع حشد أكبر قدر من التصويت لصالح بلاده التي تعداد سكانها ثلاثة ملايين نسمة فقط ! إلا إنه إستطاع أخذ أصوات شعوب دول أخرى، نتيجة العمل الجاد، النابع من رغبة ورائها حبه لبلاده.

وعلى الله قصد السبيل

شادي طلعت

اجمالي القراءات 16262