معجزة اختيار اللفظ في القرآن:مدخل لعلم قرآنى جديد : ( الجزء الرابع )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٨ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الحادى عشر :

( وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (105)  يونس )، ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )(30) الروم )

ما هو وجه الإعجاز فى إختيار (أَقِمْ وَجْهَكَ  ) ؟. نعطى هنا التفاصيل :

بين إقامة الوجه لله جل وعلا فى الاسلام ذى الاتجاه الواحد المستقيم وتفرق الاتجاهات فى الأديان الأرضية

1 ـ أصحاب الديانات الأرضية من المحمديين والمسيحيين وغيرهم تتعدد لديهم الأديان والمذاهب والطوائف والملل والنّحل والسّبل والآلهة والأسفار المقدسة والأئمة والأولياء وأصحاب القداسة والفضيلة وروح الله وحزب الله ..الخ، كما تتعدد عندهم الأماكن المقدسة من ( المدينة المنورة ) والفاتيكان و( قم ) و ( كربلاء ) و ( القدس ) والنجف وطنطا  ..البوصلة الدينية لديهم ترتعش فى كل إتجاه ، وكل منهم يولى وجهه فى إتجاهات متعارضة ومختلفة ، يسير أحدهم ليس منتصب القامة بل ووجهه فى الأرض حيث يأمره دينه الأرضى بتقديس البشر والحجر، يسعى للحج الى مختلف القبور المقدسة المصنوعة من مواد الأرض ، والى أصحاب القداسة فى الشرق والغرب والشمال والجنوب المخلوقين من تراب وطين الأرض . ينطبق عليه قوله جل وعلا فى المقارنة بينه وبين من يولى وجهه لله جل وعلا حنيفا  :( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)( الملك )

2 ـ إقامة الوجه لله جل وعلا يعنى التمسك بالصراط المستقيم ، أى أن يكون وجه الانسان وتوجهه للرحمن وحده . أى إن يسلم المؤمن وجهه لله جل وعلا وحده . وهذا يعنى دين الاسلام فى قوله جل وعلا : ( وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (22) لقمان ) .. والطريق المستقيم أو الصراط المستقيم هو واحد لا يقبل التعدد ، وهو مباشر، وهو بلا واسطة بين المؤمن وربه جل وعلا ، لذا يأتى النّص عليه فى الفاتحة التى جاءت فى الرسالات السماوية : ( إهدنا الصراط المستقيم ) ، وهو صراط المهتدين الذين ليسوا ضالين وليسوا مغضوبا عليهم . وهم الأتباع المخلصون للحق من الأنبياء والرسل والمؤمنين المتقين . ولا مجال هنا للإختلاف والتفرق ، فالاله واحد والرب واحد بلا شريك . وإقامة الوجه لله جل وعلا وحده هو الفطرة النقية وهو الدين القيّم : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم )( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ  ) الروم )

3 ـ والقرآن الكريم هو الوثيقة الالهية التى تعبر عن هذا الصراط المستقيم ، يقول جل وعلا عنه: (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) ( الأنعام )، وكانت الوصية العاشرة من الوصايا العشر هى التمسك بالقرآن وعدم إتّباع غيره : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)( الأنعام ). والقرآن الكريم هو الذى حفظ ملة ابراهيم التى تعنى : ( وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (105)  يونس )، ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )(30) الروم ).

ونبدأ القصة من بدايتها :

1 ـ مذ كان فتى فكّر ابراهيم فيما يعبد قومه من كواكب ونجوم ، وانتهى بكفره بها وأن يعبد الله جل وعلا وحده : ( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79) الانعام ).أى أعلن لقومه أنه قد ( وجّه وجهه ) حنيفا مخلصا للذى فطر السماوات والأرض ، ولن يكون مشركا . ودخل فى جدل مع قومه : (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80)( الأنعام ). وحتى يقنعهم فقد قام يتدمير أصنامهم إلا واحدا . كان وقتها فتى صغيرا ، وهذا ما نفهمه من القرآن الكريم وهو يحكى هذه الواقعة : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) الأنبياء ) أى أوتى الرشد من قبل ، وبعد أن دمّر أصنام قومه تساءلوا ، وعرفوا أن الفاعل ( فتى يُقال له ابراهيم ) : ( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) الأنبياء ). وحاولوا إحراقه ، وهاجر وكافح ، وارتبطت به ( ملة ابراهيم ) حيث أصبح له ولدان من الأنبياء ، وذرية من العرب وأهل الكتاب الذين توارثوا ( ملة ابراهيم ) وحرّفوها ، وبعد أن كانت إقامة الوجه لله جل وعلا وحده تعددت الآلهة وتعدد معها الشقاق والاختلاف.هكذا كان حال العرب (الأميين ) و (اهل الكتاب ).

2ـ ونزل القرآن الرسالة الخاتمة يدعو أهل الكتاب لإتباع ملة ابراهيم حنيفا ، ويصحّح لهم عقائدهم ويردّ على مزاعمهم ، قال لهم جل وعلا:( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (67) آل عمران ) وقال يردّ عليهم : ( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)البقرة ) ،( وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (135) البقرة )  وقال لهم :( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (95)( آل عمران ) . وقال جلّ وعلا للناس جميعا عن الاسلام ملة ابراهيم :( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125)( النساء ).

كان الضلال شديدا وقتها فى أهل الكتاب ، ولكنه كان على أشده فى العرب من ذرية اسماعيل بن ابراهيم الذين لم يأتهم نذير من قبل ، لذا كان لقبهم ( الأميين ) مقابل بنى عمهم ( أهل الكتاب ) . وقد تزعمت قريش هذا الضلال ، وتاجرت بالبيت الحرام وكدّست فيه الأصنام ، وتوالت أجيال تعبد هذا الإفك ، وكان منهم الفتى (  محمد بن عبد الله ) الذى صار خاتم المُرسلين .

3 ـ وقد تكرر وصف ابراهيم عليه السلام بأنه ما وقع فى الشرك طيلة حياته،وصفه رب العزة بأنه :( وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ) فى سور البقرة (135)،آل عمران (67) ،(95) والأنعام (161) والنحل (123) . هذا بينما نفهم من القرآن الكريم أن محمدا ظل يعبد الأصنام حتى جاءه النهى عندما أختير رسولا ، وأمره ربه أن يعلن هذا عندما حاول قومه إرجاعه الى عبادة الأصنام : ( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) غافر)( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (56) الانعام ) . وإمتنّ ربه جل وعلا عليه أن وجده ضالا فهداه :( وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى (7) الضحى  ). ومع هذا تتابع الوحى له يأمره بإخلاص الدين لله جل وعلا :( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) الزمر). وإنزعج قومه من تركه عبادة أوثانهم ، فأمره الله جل وعلا أن يعلن لهم :( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)(15) الزمر). كانوا يضغطون عليه بإلحاح أن يعود الى عبادة الأصنام ، فأمره ربه جل وعلا أن يقول لهم :( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) الزمر) وحذّره ربه جل وعلا من الوقوع فى الشرك ، لأنه لو مات مشركا فسيحبط الله جل وعلا عمله وسيكون من الخاسرين:( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65) بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ (66) الزمر ). وتتابعت الآيات تأمره وتنهاه :( وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (87) وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) القصص ). وكان منها الأمر بصيغة جديدة هى إقامة الوجه لله جل وعلا حنيفا : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنْ الظَّالِمِينَ (106) يونس ).

4 ـ وإقامة الوجه لله جل وعلا حنيفا يعنى الأمر بإتباع ملة ابراهيم .!  

وتوالت الأوامر لخاتم النبيين بإتباع ملة ابراهيم .يقول جل وعلا فى مدح ابراهيم عليه السلام :( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122) النحل )، ثم يقول جل وعلا  لخاتم النبيين :( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (123)(النحل ).

وأطاع خاتم النبيين عليه وعليهم السلام . وتوجه بالدعوة لآهل الكتاب يدعوهم الى إتباع ملة ابراهيم ، وحدث جدال بينه وبينهم ، وقال رب العزة له:( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)  آل عمران ). وبهذه الطاعة إستحق محمد عليه السلام أن يكون أولى الناس بابراهيم، وهذه شهادة من الله جل وعلا له، إذ أكد رب العزة أن أولى الناس بابراهيم ليس عُصاة ( أهل الكتاب ) بل خاتم الأنبياء وأهل القرآن:( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)آل عمران ).

5 ـ وعن معنى ( إقامة الوجه لله جل وعلا ) ومعنى الاسلام الحقيقى ، أمر الله جل وعلا خاتم النبيين أن يقول :( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )(164)( الانعام ). أى أن تكون حياتك وموتك وصلاتك وعبادتك لله جل وعلا وحده . إذا نجحت فى هذا فستكون أول المسلمين . هذا يعنى أن تعطى الصدقة ولا تنتظر من الناس شكرا ، لأنك توجّه وجهك لله جل وعلا وحده تطلب الأجر،  وهذه هى ملة ابراهيم فى إخلاص العبادات :  ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً (9) الانسان  )،( وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ) (272) البقرة )، ومن صفات المؤمنين الصابرين أنهم يصبرون إبتغاء وجه ربهم : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد ) . وبإيجاز يقول جل وعلا : (  قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (29) الاعراف  ) .

أخيرا

لو كان ( محمد بن عبد الله ) هو الذى ( ألّف و كتب القرآن ) فمن المستحيل أن يخترع هذا الاسلوب ( إقامة الوجه لله ) فهذا التعبير كان خارج ثقافة عصره ، وكان مستحيلا أيضا أن يواجه أهل الكتاب بهذا العلم وهو النبى ( الأمّى ) ، وكان مستحيلا  أن يكتب عن نفسه أنه كان يعبد الأصنام ، ثم جاءه النهى عن ذلك ، وكان مستحيلا أن يذكر كل اللوم والتأنيب الذى نزل بشأنه فى القرآن الكريم .

إن القرآن الكريم هو كتاب رب العالمين ، نزل على خاتم المرسلين للناس :( إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)( الزمر ) . نزل القرآن الكريم رحمة للعالمين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)الأنبياء) فجعله ( المحمديون ) أعداء النبى محمد إرهابا للعالمين .!

اجمالي القراءات 11572