بسم الله الرحمن الرحيم
بعيني لا بعين عمرو

عمرو توفيق في الإثنين ١٥ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

المال والإعلام وجهان لعُملة واحدة..فأينما وجدت المال وجدت الإعلام..وأينما وجدت الإعلام فاعلم أن المال ليس بعيدا.. لا يوجد إعلاماً ينقل الحقيقة كاملة في هذا الوقت ،تقريباً جميع الوسائل الإعلامية الموجودة حاليا لا تعمل إلا لصالح أصحابها أو من يقف بجوارها سواءً كان شخصا أو تيارا أو دولة..لذلك فمن يبغي الحقيقة لن يقف علي مصدراً إعلاميا واحداً عسي أن يفلت من بين براثنه وأنيابه..وسوف يبحث عن ضالته في تعدد المصادر الإعلامية..وإن كان علي شكل الرأي والرأي الآخر..فكم من الأشخاص والتيارات والفئات والشعوب التي ظُلمت عمدا مع سبق الإصرار والترصد..فقط كونهم يفتقدون للآلة الإعلامية التي تمكنهم من الذود عن أنفسهم..

الوظيفة الأصلية للإعلام ليست في النقل أو التحرير أكثر من كونه أداة تثقيف وتنوير مجتمعية تنهض بالشعوب من ظلام الجمود إلي نور الانطلاق..نحسب أن هناك جهات إعلامية تلتزم بهذه القيمة قدر استطاعتها..ومع ذلك نحسب أن الأغلبية لا تلتزم وتستعمل تلك القوة الجبارة-الإعلام- لخدمة شخوص أو جهات قد يُشكّلون حلقات متصلة لهدم الروح والمجتمع بإعلاء نزعات متفق عليها من قبل..فوظيفة الإعلام المضلل ليست موجهة أصلا إلي العقل بل إلي الحواس ..لأن العقل سينتبه إلي تلك الوظيفة القذرة ويكشفها-وقد حدث ذلك عدة مرات-بينما الحاسة غير قادرة علي التمييز إذا ما كانت المادة المعلوماتية مُخاطبة للأيدولوجيا كمرجعية تُسيطر علي القلب .

في هذه الأثناء تحاول بعض شعوب العالم العربي اللحاق بالركب الديمقراطي..تلك القيمة التي كافحت من أجلها الشعوب لتبتسم قليلا من سلطان الاستبداد..وفي ظل هذا الجو الموسوم بالحماسة رأيت من ينادي بالديمقراطية كقيمة عليا مطلقة دون مراعاة للظرف العالمي والإقليمي والوطني.. ويعني ذلك انتقال العالم من عصر السياسة والعلاقات العامة إلي عصر أقل ما يقُال عنه أنه عصراً إعلامياً بامتياز، ومع هذه المرتبة التي نالها فقد أصبح هو المؤثر الأول على السياسة والعلاقات بالعموم..هذا المؤثر الذي حذّر منه الدكتور عبدالوهاب المسيري من قبل وحذر من تغوله وسطوته وقسوته وقضائه علي أعظم ما يملكه الإنسان وهي حياته الخاصة..أصبح الإنسان في عصر الإعلام مسلوب الهوية والإرادة..تحركه أدوات إعلامية تنقل الحقيقة "المزيفة" أملا في التوجيه والكسب..

ولكن إذا كانت الديمقراطية تقضي علي الدكتاتورية فالإعلام أصبح هو دكتاتور العصر..الفارق أن الدكتاتورية التي تثور ضدها الشعوب في الغالب ما تكون أشبه بالمركزية..تتجمع كافة السلطات النافذة في مؤسسة وحيدة..أما الإعلام فدكتاتوريته لامركزية تتشعب أذرعه كالإخطبوط يسلك فيه مقام القوة الناعمة فيسلب أول ما يسلب الوعي والإدراك..ومن ثم ينتقل للمرحلة التالية وهي التوجيه والحشد..هذا هو دور الإعلام في العصر الحديث..لم يكن الإعلام يوماً يؤدي رسالته الخالدة وهي تربية وتثقيف وتنوير الشعوب..كان في الغالب يسلك عدة طُرق أقرب لرؤية السلطان..فإذا كانت الديمقراطية -التي قضي من أجلها الناس واستشهد لأجلها مئات الألوف بل الملايين كما حدث في العراق-لم تعالج هذا الخلل الذي أصبح فيروسا يتمدد ويصعب السيطرة عليه..فهل ستكون تلك القيمة أهلا لتحقيق العدالة والنهضة أم ستسفر عن دكتاتورية لا مركزية عبر ذلك الإخطبوط التي سلكت أذرعه كافة خلايا العقل والدماغ.

في العادة يُجهد الإعلام نفسه في توصيل ما يراه حقيقة إلي الناس..ولكن هل تلك الحقيقة موافقة للفكر وللواقع وهل نتائجها تتفق مع مقدماتها؟..في الواقع لا أرى ذلك..فالواقع العربي يشهد-في هذه الأثناء- تغولاً للرأسمالية الطُفيلية-على حد تعبير د.مراد وهبة-..حتى أصبحت مرادفاً للديمقراطية.. نشأ عنها هاجس من لم يتبنى الديمقراطية بشكلها الغربي فهو ليس بديمقراطي..رأينا ذلك بوضوح في انتخابات روسيا الماضية وتلك الهالة الإعلامية الأوربية لتشويه خصمهم وخصم أوروبا اللدود فلاديمير بوتين.. رغم أن الانتخابات الروسية تجري بنظام ديمقراطي تعددي..فنحن إذاً أمام نظرة قُطبية استثنائية ترى أن الديمقراطية هي حُلم الشعوب وتسوق لها الدعاوى المغلفة والبراقة..في حين تتمدد أذرعها الإعلامية لغرس ثقافتهم والعمل علي نشرها داخل تلك الشعوب التوّاقة...

في تقديري أن هذه الأذرع الإعلامية هي الخطر القادم الذي يتهدد العالم..هذا إذا لم يتوصل العالم إلى رؤيتين نظرية وعملية تكفي للشعوب استقلالها وحيويتها بعيدا عن تلك النزعة التوجيهية..فلا أمل في نظام نهضوي إلا باستقلاله..فإن أبى النظام –شعباً وحكومة- أن لا يسري في سبيل الاستقلال فالذوبان الشامل هو البديل..أخطأ من يظن أن الإعلام يُمكن السيطرة عليه بقرار سيادي..فالنفس البشرية تتوق دوماً إلي الحقيقة وتبحث عنها بين ركام الحوادث والمؤثرات..والبديل الأصلح هو التوعية بضرورة وأهمية تنوع المصادر الإعلامية لئلا يقع الإنسان فريسة لذلك الإخطبوط..فلسفة التنوع ذاتها بحاجة إلي رشد ينقلها من النمطية إلي النوعية..تلك النوعية التي تضمن وجود حالة للتثاقف بين الشعوب..بمعني أنه يجب علي كل فرد يريد الإفلات من مصيدة ذلك الإخطبوط أن يُنوّع من مصادره الإعلامية بمُختلف توجهاتها السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية..وأن يكن حريصا أن لا يجعل لمصدرٍ إعلامي -مهما كان وزنه- - أن يجعله مقدساً محروماً من النقد أو المراجعة..

عندما قال سيجموند فرويد أننا لسنا أسيادا لأنفسنا وأننا مدفوعون بالرغبات والمخاوف والاعتقادات والصراعات والعواطف والذكريات التي لا نكون على وعيٍ بها..قرأت لمحة تعبير عن نزعة إنسانية يصعب السيطرة عليها..فلا أيدلوجيا ولا دين بعد اليوم..بل سنُطوّع الدين والأيدولوجيا لرغباتنا..ستستحكم فينا نزعة الإقصاء بحُجة الحقيقة.. التي لا حقيقة مطلقة في الوجود إلا الله..سهل علينا تمرير رغباتنا في لحظة ضعف..لماذا لا نقف وقفة تأمل الرقيب والحسيب..ألم يأمرنا الله بمحاسبة أنفسنا؟..أم المحاسبة وقت الضعف وما أن نتملك القوة فلا حسيب علينا نحن الملائكة؟!..

قيل أن من يعتقد في رأيه الصواب دائما هو مجنون..فلا رأي دائم هو صائب..وكذب من زعم معرفته بسائر الأشياء والعلوم..لكلٍ رجاله ومجاله..فلمّا كان التخصص عزيز انتشر الجهل..من هنا دخل الإخطبوط ونشر أذرعه بين مسالك العقل والحواس..هي مظاهر القوة الناعمة التي استخدمها النفعيون بفلسفتهم القذرة..أكره تسليم عقلي لحواسي...لا أفكر إلا من عقلي..قرأ رينيه ديكارت وأبي حامد الغزالي تلك الحقيقة ..وقفا علي أن الحقيقة غالبا ما تكون دون الواقع فالحواس تخدعنا وتُبدّل إلينا الواقع..لذلك يختلف الناس حول الموضوع..وحول الشخص.. وحول المسألة..وكل جانب يري في نفسه الحقيقة...

هل نستسلم للطمس؟؟!..لابد من رصده أولا..ولو عجزنا عن رصده فسيطمسنا الإخطبوط..سنذوب في هوية الغير..فلسفاتنا الاجتماعية والدينية والثقافية كلها ستزول..الخطر مُحدق..هي مسألة وقت..شُعاع من نور..بارقة أمل..هو الاستقلال......أتساءل..هل نحن أقوياء؟..نعم نحن أقوياء..ولكن من نحن؟!!..هل نحن المسلمون أم غير المسلمون؟.. هل نحن العرب أم العجم؟ ..هل نحن السنة أم الشيعة؟ ..هل نحن الإسلاميون أم العلمانيون؟..كلنا أقوياء..بثقافتنا بأدياننا بمذاهبنا بإرادتنا..لو أردنا الاستقلال سنظفر به..دائماً حين نود الانتهاض لابد من معايير نقف عليها ونرتكز..ننطلق منها ونتقدم..لا يمكن لعقولنا أن تُبدع من لا شئ..لابد من مرجعية..

مسألة غريبة أن يُجمع البشر علي صحة مشهد ثم يكتشفوا أنهم كانوا مخدوعين..هذا ما يفعله الإعلام..التأثير علي الحواس..فالعقل ذاته لا يُحيل خطأ النتيجة ولو أجمع البشر علي صحتها..ولكن تلك الحاسة لا تحيلها وتظل في دائرة القبول إلي أن يظهر العكس..ولكن بعد متي ..بعد أن يخسر الإنسان بتضحيته من أجل لا شئ..فيقاوم النتيجة ويفشل..لا يدري أن التضحية تركت رواسب لدي الإنسان قد تزول وقد لا تزول وهنا المرحلة الأخطر..التسامح في الدماء..أكثر ما يتهاون فيه الإخطبوط هو دماء البشر..

بعث الله الرسل مبشرين ومنذرين مفرقا فيه بين الصالح والطالح..رغم أنهما اجتهدا لتحصيل رضا الرب..منهم من اجتهد بإخلاص والآخر اجتهد ليُرضي نفسه وذاته..كيانه لا يرضي عليه دخيل حتى لو كان الإخلاص..ولو أخلص لما ترك حواسه فريسة للإخطبوط..هو معاند للحق ولكنه هو الحق ..مجنون..يظن أن الحق في ذاته ويطمئن أن كل من اجتمع علي رأيه شركاء في نفس المصير..جاهل بحكمة الرب..أن خلق الله التدافع بين الناس..."ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع"..حكمة الرب مانعة للفساد ولو كان الفساد باسم الدين...

أين مركز الإخطبوط من تلك الحكمة؟..ينقلون الرأي ولادعائهم الحياد ينقلون الآخر..ولكنهم يجهلون طبيعة أنفسهم..أنهم هم الهوى وتابعيه..ولا رأي موضوعي البتة-حتى رأيي-ظنوا أن حيادهم تنازل..وكأن عقل الناس أصبح مملوكاً لهم..فلم يجتهدوا وقصّروا في واجبهم حتى سقطت العقول وانداحت لهم الأرض علواً وكبرياءا..فليسعدوا بالاكتفاء وإنه لبداية السقوط..فحينما يهرب الحُلم يأتي الفشل..فرضنا الحياد في البعض..ولكن الأغلب ليسوا كذلك..هم موجهون ومؤدلجون علي نتيجة واحدة..هذا طيب وهذا شرير..حتى غرسوا الكراهية بين الناس..رغم كون الإنسان في ذاته مسالماً ولا يرضي بالخِلاف ولا بالشَقاق ولا بالحرب ولا بالفتنة ولا تطيب نفسه إلا بعِطر الكلام وجميل الفِعال..لابد أن تُنقل الصورة كاملة لئلا ننصر أنفسنا ونهزم الآخر..وقتها ستُهزم الإنسانية وستُضرب الأخلاق وعنها ستموت القدوة..

من منا لا يعلم بقرة أفلاطون؟..هي بقرة افتراضية صنعها أفلاطون في مخيلته وادعي لجوء ثلاثة من العُميان إليها فأمسك الأول بحافرها والثاني بقرنها والثالث بذنبها..وفي حين يحاول كل فرد منهم أن يعرف ما أمسكه غفلوا عن القضية الرئيسة التي هم بصددها..أنهم يمسكون جميعا مخلوقاً واحدا ..مثال كثيراً ما يُضرب به المثل عن إغفال الشعوب لقضاياهم الرئيسية ويتشبثون كلُ في نهجهِ ورؤيته ..فيما يُعرف بتقديم المصلحة الخاصة عن العامة...هذه مشكلة ولا مشكلة دون سبب أو عوامل مساعدة لنموها..والإعلام كونه عامل رئيسي في التواصل وطرح المعلومة لا يمكن تبرئته قبل إدانته..ولكن قبل أن نبحث في الإدانة أو التبرئة علينا أولاً إثبات أنه متهم..

أساس التفكير ينبع من العقل..ولا عملية تفكير دون وجود معلومة تساعد العقل علي التصور فيما يُعرف بإدراك الأشياء..هكذا نبدو أن عملية التفكير مرتبطة بالحواس ولكن الأصل فيها هو العقل..وطالما كانت الحواس مقيدة وفاقدة لوظيفتها بدون وصول المعلومة إليها فلا يُمكن تكوين رأي أو قرار دون إخضاعه للمؤثر..فالمؤثر هنا هو الواقع الخارجي -وسيط ومصدر المعلومة-والأثر هنا هو الحاسة وحالتها والقرار المبني عليها صحة لمسها للأشياء...إذن فنستنتج من هذا أن الواقع الخارجي -بمصدر المعلومة ووسائط نقلها -هو المُرجح لتكوين رأي وقرار للإنسان، وبما أن المعلومة –لذاتها- بحاجة إلى مصدر ووسيط ينقلها إلي حواس الإنسان فالمصدر الوسيط كلاهما متهمان..المصدر هو الإعلام والوسيط هو الحالة الثقافية والتوعوية للشعوب..

ولكن أيهما سابقُ ولاحق..بديهيا فالحالة الثقافية والتوعوية للشعوب أسيرة للمعلومة ومصدرها..أي الإعلام..والإعلام مفهوم شامل لا يختص بمظروفية زمانية أو مكانية..حتى أن الإعلام في الماضي كان له دورُ في حشد الناس ، وأحيانا ما يرتبط بسلوك فضائحي أو تقييد الشعب لرغبة السلطان أو ذوي النفوذ..وكأن عاملي السلطة والمال كانا دائما هما المالكان للإعلام فيوجهانه حسب مصالحهم دون النظر لمصالح الآخرين...لذلك ففي تقديري أن أكثر العوامل المُهددة للشعوب وبقائها هو الإعلام..فالتهديد لم يَطَل حاجز الوفاق الوطني فحسب إنما تجاوزه إلي حاجز أكثر تطرفاً وخطورة وهو حاجز البقاء..الشعوب جائز عليها وفاقا بإعلام ولكنه وفاق مشروط حسب رغبته هو..وبما أنه أسيرُ لرغبة ذوي السلطة والمال فلا يمكن تحييد الصراع السياسي والاقتصادي عن مشكلة تجذر الإستقطابات بأنواعها طائفية كانت أو سياسية..فكرية كانت أو أيدلوجية..ومن هنا ينشأ الصراع...

أتذكر جيداً تعقيب .."وضّاح خُنفر".. مدير عام قناة الجزيرة السابق علي نشر موقع ويكيليكس لبرقية تتحدث عن لقاء جمعه ومسئول استخباراتي أمريكي..فقد نفي خنفر ما ادعته ويكيلكس من استجابة للضغط الأمريكي بعدم نشر محتوي استخباراتي أمريكي..أعقبه بتعقيب بسيط وكأنه توضيح لما جري..قال أن الذي حدث هو إشكال بسيط مع المخابرات الأمريكية عن قيام القناة علي إعداد برومو"إعلان" يعرض فيه صور بعض ضحايا الحرب العراقية وفي خلفيتها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش..وأثناء العرض يتم عرض موسيقي حزينة..إلي هنا قد لا يلحظ أحد خُبث ذلك الإخطبوط الإعلامي وكأن هذا البرومو هو إعلان عادي غير مؤثر..

في تقديري أن هذا البرومو هو عبارة عن تجميع لفلسفة عميقة تستهدف الوعي والشعور بالأساس....ولا علاقة له بالمصداقية أكثر من الحشد والتجييش..فالصورة التي ستنطبع في الذهن -من أثر البرومو- هي إدانة للرئيس بوش وتحميله تلك الجرائم المعروضة..وبالموسيقي الحزينة التي تخاطب الوجدان تقضي علي أي عامل مقاوم لتلك العملية التي تستهدف بالأصل وعي الإنسان وإدراكه...فإذا كانت الجزيرة استجابت للضغط الأمريكي ومنعت إذاعة البرومو..في حين نري الآن عشرات وربما مئات من تلك الإعلانات الدعائية التي تتخلل الفواصل في محاولة لسلب وعي المشاهد ووضعه في حالة انتباه تمهيدا لتوجيهه..ذلك أشبه بما يكون النائم من أثر التنويم المغناطيسي..فلماذا تقف الحالة الإعلامية التحشيدية علي الدعاية أكثر من المصداقية وإلا لرفض الإستجابة للضغوط..؟

سيقول قائل ولماذا لا علاقة لها بالمصداقية؟..أقول أن المصداقية تعني الحقيقة..ولا مصداقية مع حقيقة منقوصة..والمشهود للإعلام الخليجي وخاصة قناتي الجزيرة والعربية أنهما يستخدمان نفس الأسلوب في التجييش والتعبئة النفسية والروحية ضد طرف ما..في حين يتغاضون بشكل متعمد عن جرائم الطرف الآخر والذي لا يقل وحشية ..أيضا وكما يتبنيان خطابا ثورياً في بلاد معينة نجدهم يعادون نفس الخطاب في بلاد وضد شعوب أخري..مما يُخرج الفِعل من سياقه الإصلاحي إلي سياق آخر أكثر براجماتية ملئ بالديماغوجية التي أصبحت هي الأخرى وسيلة حصرية لرفع مستوي التأهب الشعبي..ولا يقل الإعلام الإيراني عن الخليجي في مقدار هذا السوء فتكون النتيجة حشداً مذهبياً وطائفياً يصعب السيطرة عليه أو التحكم في أدواته واحتمالاته.

ربما كان من حسنات الإعلام أن يكون هناك تحصيناً للشعوب بالمعلومات، أي بالحرص على إدراك البشر لما يجري-حقيقةً-في هذا العالَم، وقد كانت في الماضي مهمة ليست سهلة، وفي الأعم الأغلب كان يحارب هذا التوجه كل ذوي السُلطان، فبمجرد شعور الجمهور بما يحدث حقيقة..فيعني أن عرش السلطان على المحك، كون الشر لازم لإدراك الجمهور فشل وقصور أو تقصير الحاكم، وعليه يكون التعاطف معه أو الدعاء له من على المنابر محل شك، كذلك في تعدد صنوف الإعلام من مرئي إلى مسموع إلى الكتروني إلى مقروء..وخاصة الالكتروني أتاح للفقراء والمعدومين التعبير عن آرائهم والظهور بأنفسهم وكيانهم المنسي في ضمير العالم، فلم يعد المال وحده شرطاً لبلوغ المعلومة، بل يمكن الاستغناء عنه لصالح الجُهد والإرادة، حينها ينتقل الإنسان إلى عالم جديد تتشكل بعض ملامحه في هذا العصر.

اجمالي القراءات 9944