كتاب الحج : ب1 ف 11 ( مناسك الحج الحقيقية فى الاسلام )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٤ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

 الباب الأول : منهج القرآن الكريم فى التأكيد على التقوى غاية ومقصدا لفريضة الحج :

 الفصل الحادى عشر : مناسك الحج الحقيقية فى الاسلام :  

أولا : رحلة ومناسك الحج الاسلامى فى السياق القرآنى

مقدمة : فى مواضع مختلفة نزل السياق القرآنى فى إصلاح شعيرة الحج المتوارثة من ملة ابراهيم ، بعد تعرضها للتحريف . وعلى هامش هذا الاصلاح ومواجهة التحريف أشار رب العزة الى مناسك الحج كلها.  ونعرض هنا لرحلة ومناسك الحج القرآنية  .

 قبل السفر للحج : الاستعداد المادى للحج : أو ( الاستطاعة ):

1 ـ يقول جل وعلا (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(97)( آل عمران ). أى يجب الحج للبيت الحرام على كل من إستطاع بكل السّبل الوصول اليه . أى من بداية بيتك الذى تعيش فيه الى بيت الله الحرام . أى لا بد أن تكون مستطيعا بذاتك ، بمالك وصحتك وجهدك .

وحدود الاستطاعة فى الاسلام سقفها الأعلى عدم تكليف النفس فوق طاقتها :(لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ) (233) ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا  ) (286) البقرة ) ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا (7)  الطلاق )( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (152) الانعام )( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (42) الاعراف )( وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (62) المؤمنون). فتشريعات الاسلام مؤسسة على اليسر والتخفيف:( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ (185) البقرة )( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ (28) النساء) وعلى رفع الحرج والمشقة:( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (6)المائدة )( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ )(78)الحج ) . والتقوى هى التى تغلّف هذا التشريع ، والمتقى هو الذى يقدّر مدى إستطاعته المالية والجسدية عالما بأنّ الله جل وعلا :( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر ).

2 ـ ليس من الاستطاعة المالية أن تحجّ بمال الغير ، أو بالصدقات والتبرعات أو القروض والديون ، أو أن تكون مدينا فتؤجل سداد الديون وتحج بمال هوللغير، بل الأحق أن تسدد ما عليك . أو أن تكون عليك إلتزامات واجبة نحو بيتك وولدك ووالديك فتفرّط فيها لتقوم بالحج . وليس على الأم أو الأب أن يحج من مال الابن والأبناء . ولا أن يؤجر الابن مساعدا للأب أو الأم فى رحلة الحج لأن عدم الاستطاعة الجسدية لا توجب الحج على كبار السّن أصلا .

3 ـ ولا يصح الحج بمال حرام أو مشبوه ، أو لم تخرج منه حقوق الزكاة والصدقات . لا بد من إخراج حقوق المستحقين أولا من الفقراء والساكين وذوى القربى واليتامى . ثم بالفائض يمكن الحج .

( عدم الاستطاعة لسبب خارجى )

ليس لعدم وجود الاستطاعة المالية أو الجسدية، ولكن لسبب خارجى ، وهو نوعان :

  1 :الاحصار بمنع الوصول للكعبة أثناء الطريق اليها:  

أى تكون مستطيعا وتسافر للحج مستعدا لتأدية الفريضة ، وتسافر ،ثم يطرأ طارىء يمنع وصولك الى البيت الحرام  مثل مرض قاهر أوغارات على القوافل أو حرب نشبت،أو قرار سياسى صدر أثناء الرحلة يمنع وصولكم للبيت الحرام .هنا تشريع الاحصار فى الحج ، والذى نزل بعد أن صدّ كفار قريش النبي وأصحابه عن بلوغ البيت الحرام:( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ )(الحج 25 ). يقول جل وعلا فى تشريع الاحصار :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )(196)البقرة ). قوله جل وعلا : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) أى إذا وصلتم بسلام للبيت الحرام فأتموا الحج والعمرة لله جل وعلا، فإن حدث إحصار يحيل بينكم وبين الوصول للبيت الحرام فيجب ارسال الهدى الى الكعبة حسبما تيسّر :(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ).

أنزل الله جل وعلا هذا التشريع الجديد حكماً عاماً يسري على أي حالة احصار بحرب أومرض عارض أو غيرها ، وفيها يقدم المحصور هدياً لله ولا يحلق رأسه حتي يبلغ الهدي محله الى البيت الحرام، وإذا حلق رأسه كانت عليه فدية . وإذا وصل الهدي إلى محله فقد قام بأداء الفريضة. وقد يتعذّر إيصال الهدي إلى بيت الله وحينئذٍ ينحر الهدي في موضع الإحصار بين ضيوف الرحمن القادمين للحج المحصورين . ويمكن إرسال الهدى الى الفقراء المستحقين حسبما يتيسر . أما إذا إستطاع في حالة الإحصار إرسال الهدي إلى الحرم فلابد من إرساله إلى محله بالغ البيت العتيق ، ويحلق رأسه بعدها، ويكون قد أدى الفريضة. وحينئذٍ لا ضرورة لموضوع الحج بالنيابة أو عن الغير .

 2 : الاحصار من البداية ،أى المنع من المنبع :

بصدور قرار بمنع طائفة معينة من الحج ، مثل منع السعودية الطائفة الأحمدية من الحج ، أو الخوف من القتل عند دخول مملكة آل سعود ، كما يحدث لأهل القرآن . هنا يكون الحكم الأصلى هو عدم الاستطاعة من الأساس . عدم الاستطاعة هنا لا يوجب الحج أصلا على المستطيع . ولكنه لو أراد أن يعايش مشاعر الحج بقلبه وجوارحه فيمكنه تطبيق تشريع الاحصار فى الحج ،أى يظل فى بيته ويرسل ما تيسّر من الهدى الى البيت الحرام، ويلتزم الإحرام فى بيته ولا يحلق شعره الى أن ينتهى الوقت الذى حدده لأداء المناسك. والآن توجد الرفاهية مؤكدة فى الحرم ولم يعد يحتاج الناس هناك للذبائح كما كان من قبل، بل قد يصبح تكدس الذبائح مشكلة، وقد يتم إلقاء بعضها فى الزبالة كما يقال ، لذا يمكن للممنوع من الحج أن يرسل بالهدى الى المناطق التى تعانى من المجاعات ، ويخلص لله جل وعلا قلبه ويعمّر قلبه بالتقوى. فهذا هو الغرض الأسمى من الحج .

الاستعداد القلبى للحج قبل الاحرام :

قبل دخول الحرم المكانى وقت الحرم الزمانى لا بد من تطهير القلب والجسد ليستعد لمعايشة الاحرام ، و ليكون الحرم الانسانى فتكتمل الحرمات الثلاث ،أى بالنية الصادقة الخلصة بإتخاذ مناسبة الحج فرصة للتقوى والتوبة والسمو الخلقى وتنقية العقيدة . ويصحب ذلك النية بالحج فقط أو بالحج والعمرة معا .

 بين الحج والعمرة :

 يشير القرآن إلى ان العمرة يمكن آداؤها في اشهر الحج وفي غيرهن ، يقول تعالى عن تشريع الحج فى أوقات الأمان وعدم الاحصار:( فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ)(البقرة 196 )، ثم قال جلّ وعلا في الآية التالية: ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)( البقرة 197). وكانت أشهر الحج معلومات للعرب ، وكانوا يعرفون أيضاً تأدية العمرة في غير أشهر الحج ، ولكن التشريع في الآية يوجب على من تمتع بالعمرة مع الحج أن يقدم ما تيسر من الهدي .

الاستعداد المادى للحج باستحضار الهدى

كما يشمل الاستعداد اصطحاب الهدى أو الاستعداد لشرائه وذبحه فى الحرم لاطعام ضيوف الرحمن . ويشير رب العزّة إلى الاستعداد للحج بإحضار الهدىفي قوله تعالى : ( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) 25 الفتح )، فالمسلمون قدموا للحج ومعهم الهدي الذي سينحرونه في الحج . وهذا الهدى من الأنعام كانت العادة تمييزها عن غيرها  بقلائد . والله جل وعلا يجعل من المحرمات التعرض لهذه الحيوانات وللقلائد التى تميزها عن غيرها حتى تظل معروفة ومصانة الى محطة وصولها الى البيت الحرام ، كما يحرّم رب العزة التعرّض لقوافل الحج ومن فيها وما فيها :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ )(2) المائدة ). والمفهوم هنا أن العرب إعتادوا إستحضار الهدى معهم فى طريقهم الى مكة. ومن هنا جاء التحريم المشدّد لأى إعتداء على هذه القوافل ، الى درجة أن يمتد ( الحرم والاحرام ) من الحرم المكانى ( الكعبة ) ليصحب هذه القوافل من خروجها من وطنها حتى وصولها الى ( الحرم ).

ونوعية الهدى وعددها متروك لامكانات الحاج وتقواه ، أى هو حسبما إستيسر من الهدى :( فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ) البقرة 196 ).أى ترك رب العزّة جل وعلا تحديد الهدي مفتوحاً ما بين شاه إلى بقرة او ناقة ..

الاستعداد المادى للحج بالحلق والتقصيرقبل الاحرام :

والحلق والتقصير ـ قبيل دخول الحرم هو لتأكيد الصدق فى المسالمة والسلام والأمن والأمان .يقول جلّ وعلا عن الحلق والتقصير قبيل الدخول في الأحرام: ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ )( 27 الفتح ). أي انهم دخلوا المسجد الحرام وكانوا قبلها محلقين رءوسهم ومقصرين حتى لا يضطروا إلى حلق رءوسهم اثناء الإحرام وهو محظور إلا عند العذر وحينئذٍ تجب الفدية. فالحلق قبل الإحرام وليس خلال الإحرام.. والحلق مرتبط بشعر الرأس حسب التعبير القرآنى ، سواء الحلق أم التقصير ، وهو للرجل والمرأة معا . والتقصير هو للتيسير على المرأة .

تطبيق الاحرام :

1 ـ بدخول الحرم بنية الحج يبدأ الاحرام . ويبدأ تطبيق الاحرام قلبيا وماديا وسلوكيا . وهنا يبدو الفارق بين تشريع الاسلام فى الاخلاص القلبى والتشريع السّنى فى التدين السطحى ؛ ففى الاسلام ينبغى أن يكون الاحرام تقوى قلبية يعبّر عنها سلوك خلقى راق وإخلاص فى تأدية مناسك الحج لله جل وعلا وحده، والتقرّب لله جل وعلا باستدامة ذكره جل وعلا ، ومعايشة للسلام والأمان والرحمة والتسامح والاحسان وغسل القلب من الشرور والاحقاد فى التعامل مع الناس . أما فى الدين السنى فالاحرام هو مجرد زى صحراوى بدوى من قطعتين يكشف العورة للرجل فى الصلاة ويعيق حركته.

2 ـ أتاح لنا ربّ العزة الاحرام فرصة لنبذ عاداتنا السيئة التى ينهى عنها حين قال جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)الحجرات).  ليس فى الحج أن يسخر قوم من قوم ، ولا تلامز ولا تنابز بالألقاب ولا فسوق ولا ظن بالسوء ولا ظلم ولا إغتياب ولا تجسّس ، بل الحج هو التوبة عن كل ذلك ، الاحرام هو فرصة للتوبة والكف عن كل هذه الموبقات.

3 ـ  وفى هذا الجو السامى يمكن للحجاج التعارف السلمى طبقا لما جاء فى قوله جل وعلا فى الآية التالية يخاطب البشر جميعا:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)  الحجرات ). هنا يكون الاحرام فرصة لمعايشة الأخوة بين البشر ، فكلنا ـ من ذكور وإناث ـ أخوة من أب واحد وأم واحدة مهما إختلفت ألواننا وثقافاتنا وطبقاتنا الاجتماعية ومستوياتنا العلمية . ومهما تباعدت أوطاننا فنحن نأتى الى مركز هذه الكرة الأرضية ( مكة ) حول البيت الحرام ، الحرم المكانى لربنا جل وعلا ، وفى خلال الأشهر الحرم الأربعة (الحو الزمانى ) لنتعرّف ببعضنا ونمارس هذه الأخوّة فى مناخ من السلام والشعور بالمساوة المطلقة بين كل بنى آدم. هذا مع التأكيد على أن معيار التفاضل بيننا هو التقوى بالسمو الخلقى وإخلاص القلب والعقيدة لله جل وعلا ، وهذا ما سيحكم به رب العزة بيننا يوم القيامة . أما فى هذه الدنيا فليجمعنا الاسلام بمعناه السلوكى ( اى السلام ) وليكون بيت الله الحرام مثابة لكل البشر وأمنا ، ومن دخله كان آمنا مهما كان معتقده ومهما كانت عقيدته . الحكم هنا بالأمن الظاهرى والاسلام السلوكى بمعنى السلام وإيثار الأمن والأمان .

  4 ـ تطبيق الاحرام فى الاسلام يتجلّى فى المبالغة فى الابتعاد عن المعاصى ( الفسوق ) ( تحريم نية أو إرادة الالحاد والظلم ) ( تحريم الجدال تأكيدا على المسالمة ونبذ الخلاف والشقاق )( التأكيد على حرمة الحياة لكل الكائنات الحية حتى الحشرات وحيوانات الصيد ) ، إجتناب الشهوات المباحة أوالرفث مع الزوجة. إنّه يعني الإلتزام بأوامر الله بالإمتناع عن المحرمات، وبعضها كان حلالاً قبل الإحرام وبعضها حرام في كل وقت وهو في الإحرام اشد تحريماً : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )( 197 البقرة )، (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ) ،وعدم قتل الصيد : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ) 95 )المائدة )( وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )( 196البقرة ).الرفث حلال مع الزوجة في كل وقت ما عدا نهار رمضان وأيام الإحرام ـ ويحرم إذا كان مباشرة في حالة الحيض في أي وقت .. والفسوق حرام في كل وقت ، والجدال جائز بالتي هي أحسن ولكنه حرام في الإحرام والله يعاقب من ينوي الإلحاد والظلم في الحرم ، مجرد النية يعاقب عليها عذاباً أليماً . وذلك يعني أن من يقع فعلاً في المعاصي السابقة فالله يتولى عذابه عذاباً شديداً . وينبغي الحفاظ على كل كائن في الحرم ووقت الإحرام ، ولذلك فمن اضطر لأن يحلق رأسه عليه فدية ومن يرتكب قتل الصيد وهو محرم فعليه أن يقدم فدية تعادل الصيد المقتول أو ما يماثله من طعام للمساكين أو صوم : ( لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ )( المائدة 5 )، وقد كانوا يقعون في الصيد البري في الحرم فأنذرهم الله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) المائدة). وبعد فرض الفدية على من يقتل الصيد وهو محرم قال تعالى : (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة).

العقوبات لمن ينتهك الاحرام

 1 ـ  والفدية ـ حسب تشريع القرآن ـ جاءت لتجبر المحظور في شيئين : الإضطرار لحلق الرأس بسبب مرض أو أذى في الرأس ، وفي قتل الصيد . وما عداهما فلا فدية على المحرم اذا وقع في المحظورات الأخرى من الرفث والفسوق والعصيان وارادة الظلم والإلحاد . إذ أن العقوبة عليها عند الله لا يجدي فيها تقديم هدي او فدية .

2 ـ تقدير  فدية قتل الصيد :  والفدية التي يدفعها من يحنث في يمينه هى إطعام عشرة مساكين أو ما يساوي صوم ثلاثة ايام:( فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ )(89 ) المائدة).وبهذا التقدير يُحكم على من يقتل الصيد وهو مُحرم :( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً )(95  )، فعلى قدر الصيد يكون الهدي المقدم فدية فإن لم يجد هدياً ينحره فدية يقدم ما يساويه طعاماً للمساكين ، فإن لم يجد المال كان عليه أن يصوم ثلاثة أيام في مقابل ما يساوي أطعام عشرة مساكين . وعلى سبيل المثال : إذا قتل بقرة وحشية كان عليه أن يقدم هدياً مقابلها بقرة ، فإن لم يجدها دفع ثمنها اطعاماً للمساكين أي أشترى طعاماً بـ 1500 جنيه حسب الأسعار في الحرم . وفرّق الطعام على المساكين في الحرم ، فيطعم بذلك نحو 150 مسكيناً . فإن لم يجد المال كان عليه أن يصوم ثلاثة أيام في مقابل أطعام عشرة مساكين أي صيام 50 يوماً .

والمحرم في كل ذلك يبتغي التكفير عن ذنبه والافلات من عقوبة مولاه العظيم ، لذلك كانت الفدية على من يقتل الصيد وهو متعمد لذلك : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً )، وتقدير التعمد أو غيره أمر يرجع إلى ضمير المحرم نفسه وإلى تقواه ،فإذا خشي الله قام بالفدية إذا كان متعمداً قتل الصيد ،ودرجات الفدية على حسب الأحوال ومن لم يستطع الوفاء بها مالياً كان عليه أن يصوم. والهدف من هذه المحظورات والتشديد عليها والتحذير منها هو ان تكون فترة الإحرام درساً في تعليم المؤمن السمو بغرائزه وتزكية نفسه وتعليمها الصبر والتقوى والمعايشة مع الله في بيت الله .وفي خلال هذه الفترة يقوم المحرم بمناسك الحج والعمرة ، وبعدها تنتهي فترة الإحرام ويحل له الصيد: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) 2 المائدة).ويحل له باقي الحلال .

3 ـ والفدية عن الحلق للمحرم جعلها القرآن فدية من صيام أو صدقة اونسك ، وتركها مفتوحة حسب مكانات الحاج وحسب تقواه ، وقد تكون صوما أو اطعام مساكين أو تقديم ذبائح . وهو نفس الحال فى تقديم الهدى عند الاحصار وعند الأمن ، يقول تعالى:( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ )البقرة 196) . وترك تحديد الهدي مفتوحاً ما بين شاه إلى بقرة او ناقة ..

مناسك الحج وقت الاحرام  

1 ـ ذكر الله جل وعلا : استغراق القلب فى ذكر الله جل وعلا وقت تأدية المناسك وفيما بينها، وعدم ذكر غيره ، حتى عدم ذكر الآباء . وقد عقدنا فصلا عن الحج وذكر الله جل وعلا . لكن نؤكد هنا على أمرين. الأول : شمولية الذكر للصلاة فى مقام ابراهيم ،والاعتكاف ودوام الركوع والسجود :( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة )( وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) الحج ). الثانى : الالتزام بتشريع الذكر والدعاء فى الاسلام ، وهو أن يكون الذكر والدعاء بتضرع وخشوع وخفوت فى الصوت :( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) ...( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً (56)، ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (205) الاعراف ). وبالتالى فإن رفع الصوت بالتكبير والتلبية فى الحج ليست من الاسلام فى شىء . يجب أن تقال فى تضرع وخفوت صوت، وإلّا كانت إعتداءا لا يحبّه رب العزّة : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ).

 2 ـ  والطواف بالبيت أول وأبرز مناسك الحج . ومع الطواف بالبيت يكون الاعتكاف عنده والصلاة فيه. طبقا لملّة إبراهيم عليه السلام: ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة )،(وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) الحج ). وبعد القيام بالمناسك يطوفون بالبيت طواف الوداع : ( ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) الحج  ) . ليس لمس الحجر الأسود أو تعظيمه أو تقديسه من الاسلام فى شىء . هو مجرد حجر لتعيين بداية الطواف ونهايته . وسبق لنا نشر مقال فى هذا الموضوع . كما إنه يحرم لمس بناء الكعبة نفسها ، فالطواف هو مجرد سبع دورات من الطواف يمتنع فيها لمس بناء الكعبة حتى لا تتحول الى وثن وعبادة للأحجار. الكعبة هى بناء من أحجار يحدد مركز الكرة الأرضية . والطواف سبعا هو حول هذا المكان المحدد بجدران الكعبة ، طاعة لأمر الله جل وعلا . وهذا الطواف مرتبط بقلب ينبض بطاعة الآمر جل وعلا ، كما فعلت الملائكة حين أمرها الله جل وعلا بالسجود لآدم فبادرت دون إعتراض أو تساؤل بينما شذّ عنها ابليس فلعنه الله جل وعلا وطرده من عالم الملائكة فأصبح من الجّن.

3 ـ ويشير القرآن إلى الوقوف بعرفات والأفاضة منه وذكر الله عند المشعر الحرام الذي يعني عرفة وما حوله من مواقف يقول تعالى ينبه على ذكره تعالى " فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الضَّالِّينَ (198) البقرة " .

4 ـ الهدي : سبق أن قلنا أن الله جل وعلا أوجب تقديم ما تيسر من الهدي على من حصره مانع من الحج : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ)، واوجبه على من أراد الجمع بين الحج والعمرة : ( فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (196) البقرة.).وأوجبه الله على من قتل الصيد وهو محرم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ )(95 المائدة ).

وما عدا ذلك فالهدي يقدمه المحرم لله تعالى تطوعاَ ، وقلنا إنه كانت العادة أن تزين الأنعام المقدمة هدياً لبيت الله بما يعرف بالقلائد ، وتكتسب تلك الأنعام حصانة فلا يتعرض لها أحد في طريقها للحرم ، شأنها في ذلك شأن زوار بيت الله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا )(2)  المائدة )، ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ )(97) المائدة ).  

وشراء وبيع الانعام فيه منافع للناس فى موسم الحج وشهوره الحرم الأربع ، لذا يذكر رب العزة جل وعلا الأنعام مرتبطة بالمنافع وبذكر إسم الله عليها حين تزكيتها بالذبح وتفرقتها على الفقراء السائلين وغير السائلين المتعففين ، يقول جل وعلا :( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) الحج ) بل يجعلها رب العزة مرتبطة بشعائر الله جل وعلا وحرماته فى الشهر الحرام ، يقول جل وعلا : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )(30) الحج )،( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ )(34 ) ، (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) الحج ).

الأنعام الهدى فى الحج لها رمز خاص فى الإحرام المؤسّس على الطاعة المطلقة والمباشرة وعدم الجدال فى اوامر الله جل وعلا . فذبح أنعام الهدى المميزة بقلائدها وقت الاحرام هو قربة وطاعة لله جل وعلا، وفى نفس الوقت يكون التحريم الكامل لقتل أى كائن حىّ وتحريم قتل الصيد، وفرض عقوبة أو فدية على من يتعمّد ذلك . هنا تكون الطاعة فى تنفيذ الأمر ( ذبح الهدى ) وتكون الطاعة فى الابتعاد عن المنهى عنه ( قتل الصيد ). هنا تكون المبادرة بالطاعة تكرارا لما فعلته الملائكة حين أمرها الله جل وعلا بالسجود لآدم فأطاعت مباشرة ، وعصى ابليس وجادل فأصبح ملعونا .

ومن هنا أيضا يرتبط تقديم الهدى بالتقوى فى أروع معانيها ، فالحجّاج ضيوف الرحمن فى بيته الحرام ، وقد ضمن لهم فى هذا الوادى المفتقر للزرع عين ماء لا تنضب يشرب منها ضيوف الرحمن فى بيته الحرام ، ولكن يبقى لهم توفير أطيب الطعام من القادرين من الحجاج ، أى أن يطعمم الحجاج بعضهم بعضا من هذا الهدى ، سواء من يطلب أو من يتعفف ( القانع والمعترّ ). اى إنه للجميع؛ يأكل من الهدى صاحب الهدى والآخرون على السواء ، وجميعهم ضيوف الرحمن ، يأكلون من نعم الرحمن حيث جعلها من شعائره فى بيته الحرام : (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) الحج ) . لذا يقول ربّ العزة باسلوب بالغ الدلالة فى الآية التالية:( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37) الحج ). الله جل وعلا لا يناله شىء من لحوم الهدى ولا من دمائها ، ولكن ينال التقوى التى تصاحب تقديم الهدى. وهنا الموضع الوحيد فى القرآن الكريم الذى يشير الى أن الله جل وعلا ينال شيئا من البشر ، وهو جل وعلا الغنى عن العالمين ، حتى أنه الغنى عن حجّهم الى بيته : (آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97)( آل عمران ). لو شاء رب العزّة لأنزل على الحجّاج رزقا من السماء كما أنزل على بنى إسرائيل المنّ والسلوى ، ولكن شاء أن يختبر عباده فى بيته الحرام وهم ضيوفه ، ضمن لهم الماء الزلال من بئر زمزم ، وأمرهم بتقديم الهدى لتكون من شعائر الحج ، وجعل تقديمها تعظيما لشعائره ، وذكر جل وعلا إنه يناله التقوى ممّن يقدم هذا الهدى . وكفى بهذا فخرا لمن يقيم الاحرام فى بيت الله الحرام طاعة لله جل وعلا وخشوعا وتقوى .!!

8 ـ وينتهي الحج بعد الوقوف بعرفات وتقديم الهدي .. ومن أراد التطوع طاف بين الصفا والمروة بعد أكمال الحج أو العمرة وذلك ما نفهمه من قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) البقرة ). قال تعالى : ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ )، أي ان الطواف بالصفا والمروة بعد الانتهاء من الحج أو العمرة . ومع أنهما من شعائر الله إلا ان الطواف بهما تطوعي وليس فرضا أو إلزاماً : ( فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيم ) .

ثم يكون طواف الوداع للكعبة قبل المغادرة .

أخيرا : ليس من مناسك الحج :

ليس من مناسك الحج تلك العادات الجاهلية التى توجب المبيت بمنى قبل الوقوف بعرفة ثم الذهاب الى المزدلفة بعد الوقوف بعرفة . وما إبتدعوه فيهما من طقوس وقصر للصلاة  بلا داع ، تأثرت كلها ببدعة وفرية كبرى هى حصر تأدية الحج خلال اسبوع الافتتاح فقط ، وتجاهل مشروعية الحج خلال الأشهر الحرم الأربعة كلها من بداية شهر ذى الحجة الى نهاية شهر ربيع الأول .  ثم أضافوا لشعائر ومناسك الحج رمى الجمرات ، وهذا إفك عظيم .  وسنعرض لمبتدعات الدين السّنى بالتفصيل فى الباب التالى .

اجمالي القراءات 41470