دستور مرسى سيخلق طالبان وسيقضى على الاخوان: ( 10)

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢١ - يناير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا :

عم جمعة الفرّاش :

1 ـ كان يعمل فرّاشا فى مصلحة حكومية ، يقدم القهوة للمدير د . جرجس رزق وكبار الموظفين وهو ينحنى لهم ، يستقبلهم عند المصعد بالتحية ، ويودعهم عنده بنفس التحية . لم يكن عم جمعة يستريح لتعالى المدير د . جرجس رزق بالذات وتندره به ، ويعتبر عم جمعة هذا المدير المتغطرس من مبررات الفتنة الطائفية . كان يكره د. جرجس ولكنه كان مضطرا لموافقته ومنافقته ، ويتمنى فى أحلام يقظته أن يرى فى المنام هذا المدير العام وهو يرتدى بدلة الفرّاشين ويأتى يقدم القهوة خاضعا خانعا للدكتور جمعة أحمد على المدير الجديد للمصلحة ( عم جمعة الفراش سابقا ).

2 ـ  لفت نظرعم جمعة الفرّاش أن احد البلطجية فى الحىّ الذى يسكن فيه قد أعلن توبته وأطلق لحيته وتفرّغ للعبادة فى المسجد ، واصبح مقيم الشعائر ، يؤذّن للفجر وحتى العشاء ، ويأتيه رزقه رغدا من كل إتّجاه ، وبعد أن تاب أصبح أهل الحىّ ينحنون يقبّلون يده ويستمدّون منه البركة. أعجبت الفكرة عنم جمعة وقرر أن يجرّب حظّه فى المصلحة الحكومية التى يعمل بها . استعد لذلك باطلاق لحيته وبحفظ أجزاء كاملة من القرآن وحفظ أحاديث من ( رياض الصالحين ).

3 ـ فوجىء العاملون بالمصلحة بعم جمعة الفرّاش وهو يصيح فى المصلحة يؤذّن لصلاة الظهر، هرعوا اليه فوجدوه يقيم الصلاة ، ثم يصلى منفردا. جاء مدير الشركة د. جرجس ، وانتظر حتى فرغ عم جمعة من الصلاة ، وانتهره موضحا أن هذا مكان عمل حكومى ، وليس مسجدا أو كنيسة .! بكى عم جمعة الفرّاش ، وسجد وهو مستمر فى بكائه . ثم وقف وصاح كأنما نزل عليه الوحى : ( الله أكبر ..الله أكبر )، فارتجف الجميع بما فيهم د جرجس رزق نفسه.  وتقدم عم جمعة الفرّاش من المدير وأعلن بكل قوة إنه لن يتوقف عن الأذان وقت الصلاة حتى لو رفدوه أو قتلوه . وإنّ واجبه أن يرفع الأذان فى هذه المصلحة ليعلو ذكر الله جلّ وعلا فيها ، ومن يعترض فقد كفر .!. إضطرب د . جرجس وابتلع ريقه ، وانسحب صاغرا وأعين الموظفين تلاحقه بالاستنكار وتحيط عم جمعة بالتقدير. بعدها أصبح عم جمعة إمام  الموظفين جميعا فى الصلاة ، واضطر المدير الى الاعتذار له ، وإنكمش فى مكتبه تاركا تسيير أمور المصلحة الى نائبه الاستاذ عبد المجيد الذى أصبح من مريدي عم جمعة. تم تعيين فرّاش آخر مساعدا لعم جمعة الذى تفرّغ للصلاة والأذان ، وأصبح للموظفين ساعة للتفرّغ لصلاة الظهر خلف الشيخ جمعة ، وساعة مثلها للاستعداد لصلاة العصر ، وتقلّص العمل اليومى فى المصلحة الى سويعات هزيلة يتخللها تأجيل عمل اليوم الى الغد، ولا يأتى هذا الغد.

4 ـ هذا موجز سهرة درامية أعددتها فى التسعينيات ، ولم أستطع تسويقها فى تليفزيزن صفوت الشريف وقتها. واحتفظ لنفسى بالفكرة والسيناريو حتى لا يسرقها أولاد الحلال .

5 ـ يهمنا هنا إنّ عم جمعة الفرّاش استغل عصر التدين السطحى فأخذ يزايد على المدير القبطى بالدين ، وبعد أن كانوا ينحنى لكبار الموظفين اصبحوا هم الذين ينحنون اليه ، وبخشوع أكبر .!!.

 عم ممدوح المحامى

1 ـ هو محامى سلفى معروف، ليس معروفا عنه كفاءة متميزة فى المحاماة ، ولكنه صاحب سيرة نضالية ضد مبارك ، وبعد سقوط مبارك دخل أول مجلس شعب بعده ، ولأنه مناضل قديم قبل مرسى والكتانى والشاطر رأى عم ممدوح المحامى أنّ من حقه أن يزايد على الكتّانى رئيس مجلس الشعب ، فرفع صوته بالأذان وقت عقد الجلسات ، وفهم الكتانى رئيس المجلس الاخوانى اللعبة ، وأنها مزايدة عليه شخصيا من عم ممدوح المحامى ، وأنّ عم ممدوح بلحيته وبأذانه سيكون الامام للصلاة ثم الامام للمجلس كله بدلا منه ، فأسرع الكتّانى يصرخ فى عم ممدوح المحامى يزجره وينهاه عن المزايدة عليهم ، ولسان حاله يغنى أغنية شريفة فاضل : ( على مين على مين على مين .. على مين يا سيد العارفين .. ما تروحش تبيع المية فى حارة السقايين ).

2 ـ عم ممدوح المحامى إستغل الحكم الدينى السلفى كى يزايد بالصلاة والصلاح والتقوى على الكتأنى ، وأسرع الكتّانى يصدّه . وهو الآن كما يقال يفكّر فى تاسيس حزب سلفى جديد يزايد به على الاخوان وعلى زملائه السلفيين معا. وسنسمع العجائب .!!

عم فيصل الدويش الاخوانى :

1 ـ فيصل الدويش كان زعيم الاخوان النجديين الذين ربّاهم عبد العزيز آل سعود ، وبهم تمكن عبد العزيز من تكوين دولته التى حملت فيما بعد إسم المملكة السعودية. تعلم فيصل الدويش الوهابية من شيوخها الذين عيّنهم عبد العزيز فى ( الهُجر ) أو المستوطنات التى أقامها لهم عبد العزيزلجنده ( الاخوان ) . أى إن عبد العزيز هو سيدهم وهو قائدهم وهو زعيمهم وهو إمامهم ، وله عليهم فرض الطاعة بلا مناقشة . ولكن المزايدة فى التدين طبع أصيل فى أى حكم دينى ، لذا أسرع فيصل الدويش والإخوان يزايدون على عبد العزيز ، يتهمونه بالتهاون فى أمر الدين ، ثم تطرفوا فاتهموه بموالاة أعداء الدين ، أى المصريين المشركين والانجليز الكافرين ، ثم اتهموه بالكفر ، ثم رفعوا فى وجهه السلاح وقاتلوه . وانتصرعليهم .

2 ـ الطريف إن عم فيصل الدويش وأتباعه من الاخوان لم يكونوا يفهمون فى السياسة، ولا يعترفون بمخترعات العصر مثل السيارة والتليفون والتلغراف، ولأنها لم تكن معروفة لهم ،ولم تذكرها رسائل الامام ابن عبد الوهاب ورسائل ابن تيمية ، ولم ترد فى صحيح البخارى ومسلم فاعتبروها بدعة وضلالة و سحرا من عمل الشيطان، وكانت ضمن بنود الاعتراض على سيدهم عبد العزيز فى مؤتمر( الأرطاوية ) الذى عقدوه في ديسمبر 1926 ، للمزايدة على سيدهم عبد العزيز،وأيّدهم شيوخ الوهابية . إذ وجدوها فرصة ليؤسسوا لهم نفوذا فى دولة عبد العزيز .

3 ـ فى مؤتمر( الأرطاوية ) وجهوا لسيدهم عبد العزيز آل سعود الاتهامات لآتية : 1-إرسال ولده سعود الي مصر وولده فيصل الي لندن وهما من بلاد الشرك . ، 2-دخول المحمل المصري الي مكة مسلحا .3- استخدام التليفون والسيارات والتلغرافات وهي من أعمال السحر .4- طلب تفسير لمنع التجارة مع الكويت .فان كانوا مسلمين تعاملنا معهم وان كانوا مشركين حاربناهم. 5-المكوس والضرائب في نجد والتشريعات الوضعية .6- لماذا السكوت عن شيعة الاحساء والقطيف والتغاضي عن إدخالهم في دين الجماعة (أى دين أهل السّنة والجماعة ، أى الوهابية ) .7- لماذا السماح لبادية العراق وشرق الأردن بالرعي في مراعي المسلمين .8- ( التغاضى عن ) هدم القبور.

4 ـ واستمرت مزايدات أخرى فى مؤتمرات أخرى ، وانتهى المر بالتكفير والحرب .

عم ملّا عمر الطالبانى :

1 ـ على أنقاض الحكم الشيوعى قام حكم دينى ( إخوانى ) معتدل فى أفغانستان ، وما لبث أن زايدت عليه حركة طالبان وتولت محلّه حكم أفغانستان . نشأت طالبان في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994 . كان أتباعها من يتامى الحروب فى بيشاور ، وقد تعلموا الوهابية فى المدارس التى أنشأها وهابيو باكستان بتمويل سعودى . تخرجوا فى المدارس الدينية ، فحملوا لقب ( طالبان ) أى الطلبة. شاركوا فى القتال وتكوين الحكم الدينى فى افغانستان ، ثم زايدوا عليه وبايعوا (الملاّ عمر) اميرا عليهم عام 1994 . وفى 21/2/1995 استسلم لهم الرئيس الأفغاني برهان الدين رباني .

2 ـ هنا نموذج فريد فى المزايدة الدينية من داخل الدولة الدينية ، والعادة أن يفوز من هو أكثر تشددا وتزمتا . يبدأ الحكم الدينى بحاكم معتدل يتعامل مع الواقع السياسى بسياسة الوجهين ويحاول أن  يخفى أنيابه ما استطاع ، أما المعارض المزايد دينيا فأنيابه مسنونة وظاهرة،وهو لا يجيد لغة ( النّصوص ) والفتاوى يريد تطبيقها بأنيابه ، سواء كان ذلك ممكنا أو مستحيلا . ولو وصل هذا المزايد للحكم فسيفشل بالتأكيد ، لأن العمل السياسى لا يعرف إلا المواءمة فى التعامل مع الواقع . ولو قام بفرض آرائه بالقوة سيقتل الملايين ، وسيسقط  إن عاجلا أو آجلا . وهذا ما حدث لطالبان والملا المجاهد عمر.

ثانيا : مصير عم مرسى الاخوانى

1 ـ هذه مجرد نماذج فى المزايدة الدينية ، وتعززها وتؤكدها نماذج أخرى تظهر فى الأنباء اليومية المصرية ، حيث يزايد السلفيون على الاخوان ، ويزايد السلفيون على السلفيين ، ويزايد شيوخ الوعظ على بعضهم وعلى الجميع .

2 ـ التنافس السياسى والصراع على السلطة فى النظم العلمانية يكون بالتودد للجماهير واكتساب أصواتها وتأييدها ، بالصدق أو بالخداع . أما فى مجال الدول الدول الدينية والمناخ الذى يتسيد فيه الدين الأرضى وتدينه السطحى وإحترافه الدين فإن المزايدة الحزبية والسياسية ليس بالتقرب للجماهير ولكن فى فرض فتاوى التزمت الدينى ( الأرضى ) على الجماهير ، إعلاءا للتقوى فى مفهومهم. وإذا إضطر الحاكم الدينى الى نفاق الشعب فإنّه يقع ضحية للمزايدين عليه، فيتخذون من عمله دليلا على التهاون فى الدين والتحلل منه ، فيخلعون عنه الرداء الذى وصل به للحكم ليصلوا للحكم بدلا منه .

3. يبدا الأمر باتحاد الأجنحة كلها فى النضال ، فإذا وصل فريق للحكم قام الآخر بالمزايدة عليه بالدين ، وتبدأ المزاية لفظية ودعائية وسياسية ، ثم لا يلبث أن تتحول الى إتهامات بالكفر والفسوق ، ثم يتم الاحتكام الى السلاح ، فيتقاتل الفرقاء ويفوز الأقوى. أى بعد قتل الناس يقتلون بعضهم بعضا ، وكل منهم يعطى نفسه الحقيقة المطلقة ، وينفى ـ من البداية ـ عن خصمه حق الوجود وحق الحياة . 

4 ـ هذا منتظر أن يحدث فى مصر ، والسبب ليس فقط فى طبيعة الحكم الدينى الوهابى الحنبلى السّنى فى مصر والسعودية وافغانستان ، ولكن أيضا لأن بذرة هذا الشقاق موجودة فى دستور مرسى فى المادة التى تقول : ( مبادىء الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنه والجماعة  ). هنا نصّ مبهم لا يحدد شيئا ، فما هى ( مبادىء الشريعة الإسلامية)؟ وما هى ( أدلتها الكلية )؟ وما هى ( قواعدها الأصولية)؟ وما هى( قواعدها الفقهية)؟ وما هى( مصادرها المعتبرة) ؟ وأين تلك المصادر المعتبرة وكيف ننتقيها من المصادر الغير معتبرة وغير المحترمة ، وما هو مقاس الاعتبار ؟ وأين نجد تلك المصادر المعتبرة وأين موقعها:( فى مذاهب أهل السنه والجماعة ) ؟ ثم تتعاظم المأساة حين نعلم إختلاف الفقهاء والأئمة قديما وحديثا فى كل فقرة من الفقرات السابقة .  

5 ـ وبالتالى فالمجال متاح الآن للإختلاف الفقهى والسياسى فى كل فقرة . وبالتالى أيضا فالمجال مفتوح للمزايدة ، فالسلفيون يمكن لهم معارضة الاخوان فى كل فقرة ، وسيقفون لهم بالمرصاد فى كل موقف ، بدءا من فوائد البنوك الى حد الردة ، ومن تهنئة الأقباط فى الأعياد الى إطلاق اللحية . أما الشعب الجائع والافلاس القادم فليس مهما . المهم الوصول للحكم على أشلاء مصر والمصريين .

6 ـ وفى الصراع المسلح القادم سيكون الأخوان ( المعتدلون ) أول الضحايا عندما يظهر الطالبان المصريون من عمق الصعيد ، أوعندما يأتى ( المهدى غير المنتظر ) ، وربما يصحو المصريون ليجدوا  رءوس مرسى وبديع والشاطر والكتاتنى والعريان وغير العريان معلقة على باب زويلة ..

أخيرا

موعدنا مع المقال الأخير عن الحل الذى ينقذ الاخوان من مصير طومان باى على باب زويلة .!. 

اجمالي القراءات 8684