مصر فى مفترق الطرق
الثورة والصندوق لا يلتقيان

محمد حسين في الأحد ٢٠ - يناير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 


مصر فى مفترق الطرق

 

ملحوظة: صديقى فى المقال هنا هو فكر أو بالأحرى طريقة تفكير للكثير ممن أعرفهم ،  وليس بالضرورة فرد بعينه ، ممن يحملون لواء الصناديق والسلمية التى تنم عن عجز بين فى مواجهة الظلاميين والأنظمة الفاشية بما يلزم من قوة تردع وقدرة على حسم الصراع. فلكل عدو لغة ، وعدو الوطن الداخلى ، تلك العصابة الحاكمة بإسم الدين ، لن تتورع فى فعل كل ماهو جرم حتى تتمكن من السلطة. وكل جرم يرتكبونه هو فى نظرهم فى سبيل إلههم.

 

**************

 

كنت أنا وصديقى الأكاديمى فى مناقشة وصلت فى أوجها للإحتدام. كانت نواة هذا الإحتدام هى الإختلاف فى الآلية للتخلص من العصابة الإجرامية والكتلة الجاثمة على صدر مصر المسماة بالإخوان المسلمين. إتفقنا فى المبدأ وهو أنه من أجل أن تنطلق مصر نحو المبادئ الحقة للديموقراطية والعدالة والحياة السياسية الصحية وحقوق الإنسان والمواطنة يجب علينا أن نتخلص من آخر معاقل الراديكالية فى مصر بعد إنهيار الحكم الأوتوقراطى والحكم العسكرى ، وهو الحكم الثيوقراطى المغلف بالكرافتات الشيك. أما وأن المبدأ واحد فذاك لا ينفى إختلافنا الشديد فى الآليات والتى بدورها وفى الوضع الحساس الحالى إن كانت خاطئة أو غير ملائمة أو غير مناسبة قد تعصف بالهدف السامى لا محالة.


 

قررت فى تلك الجلسة أن أستمع لرأى صديقى العزيز رغم أن رأيه وآلياته لم يتغيرا منذ رضوخه للمشاركة فى إعلان العار "الدستورى" الذى إبتلينا به فى مارس 2011 ، والذى روجت له الجماعة وبجانبهم العسكر. الفارق الوحيد أنه قال تلك المرة "طالما فشلت الطليعة الثورية فليس لنا حل آخر وأنا هنا أقدم حلا بديلا".  هنا توقف وقد إنتابنى اكثر من تساؤل وإختلطت الامور وإشتد تعقيدها فى عقلى. كان لزاما على حينها ان أقسم جملته وأفك عقدتها إلى بعض النقاط الرئيسية الواضحة حتى يتسنى لى أن ألقى على مسامعه رأيى المتكرر أيضا ، فى آخر محاولة لى ما أظنه أنا كفرد مؤمن بالثورة ومؤمن أشد الإيمان بأن الفعل الثورى يجب أن يكتمل ليس لأننى راديكالى النزعة كما يظننى دائما وكما يحب أن يسطح الأمر ويختزل بيانى فى هذا الوصف الأعرج ، وإنما لأن الفعل الثورى لو شابه النقصان لأصبحت تلك الثورة نقمة وكارثة وأن كل ما فعلته أنها سلمت البلاد للإنهيار وحولت الإختلاف مع نظام مبارك الفاسد دون قصد إلى ثأر مع شخص مبارك وليس ثورة لها مبادءها السامية وهو ما يعنى اننا بشخصنة الأمر قد بعنا الوطن بأبخس الأثمان وبئس الثمن إلى الدمار.


 

فأقدمت إلى تلك النقاط كالتالى:

1- فشل الطليعة الثورية:


 

الطليعة الثورية والكتلة الحرجة هى آليات ، ودعم شعبى يعلن ببساطة الموت اللحظى للقانون القائم ويدين النظام الحاكم دون محاكم ، بل ويسمو هذا الدعم الشعبى فوق القانون ويضع مخدرا للقانون ما من شأنه تعليق العمل به حتى وضع أرضية جديدة بقيم ومبادئ تلك الثورة يتم بعدها عودة مبدأ القانون لينمو فى ثناياها لاحقا - شريطة ان تكتمل تلك الثورة. والطليعة الثورية والكتلة الحرجة هى وقود وليست قيادة ، وتحمل المبادئ وتفرضها بصوت عالى ولكنها تقف عند مرحلة ما. تلك المرحلة ببساطة هى الخطوة الأخيرة التى ينجزها قائد (أو مجموعة قائدة) تقحم نفسها وتقطع وريد السلطة الفاسدة الحاكمة وتعلن قيام نظام جديد بمبادئ جديدة خرجت من رحم تلك الثورة. وبما أن الثورة عمل خارج المؤسسات وخارج دائرة القانون القائم قبل قيام الثورة ، فطريقة حمل تلك المبادئ والإقتحام وتأجيج تلك المبادئ بالضرورة لن تكون عن طريق المؤسسات والقانون! وإلا ساعتها نكون أغبياء ومترهلون فكريا إن كنا ننتظر الملايين هى من تقوم وتحاصر ثم أيضا تدخل تلك الملايين المؤسسات والتليفزيون والقصور الرئاسية كى تلقى تلك الملايين البيان! هذا سخف وعبث إن ظننا ذلك أو حتى تصورناه تصورا. وعليه ، فإنعدام وجود القيادة "الثورية" - وضع تحت كلمة الثورية ألف خط ، ليست مشكلة الثورة والطليعة الثورية ، إنما مشكلة هؤلاء الذين وضعوا نفسهم عبثا وإهدارا على أنهم قيادات الثورة رغم إنعدام الثورية فيهم ، فلا هم قادوا الثورة ولا هم أفسحوا المجال وكفوا عن التشويش بأصواتهم المقززة لخروج القيادة الحقيقية لتلك الثورة لتأخذ بيدها حتى بر الحكم. وعليه أيضا نقول أن الطليعة الثورية والكتلة الحرجة لم تفشل ، فقد قامت بكل ما يمكن القيام به بنجاح ساحق ونزلت وحاصرت وهتفت وواجهت ودفعت الدماء والوقت والأرواح ، ولكن الفراغ فى المرحلة الأخيرة ليس بسببها لأنه ليس من وظيفتها أن تملأ هذا الفرغ وإنما وظيفتها فتح الطريق و "تسليكه" لمرور من يستحق قيادتها وحمل مبادءها إلى تنفيذ تلك المبادئ ، فالثورة لا تحمل مطالب ، هى تبدأ بمطالب تتحول إلى مبادئ عامة تفرض فرضا ولا يتم طلبها. 


 

ما حدث هو خروج طبقة زائفة من المتحدثين بإسم الثورة "والزيف هنا ليس بسبب فسادهم أو حيدهم عن المبادئ" كل ماكانت تفعله بجهلها الثورى والسياسى "والسياسى تلك فاجعة أخرى" هو أن تكون أداة يتم إستخدامها فى فرض الأمر الواقع الذى كان بدوره يتسبب فى تراجع العمل الثورى والثورة وتقييدها والإلتفاف عليها وتحويل الإحتجاجات إلى أداة لتنفيث الغضب وتجهيز العموم لتقبل الوضع القادم حتى ولو على مضض ومن ثم الإعتراف بشرعيات مقيتة لمن لا شرعية لهم والتى ستؤول فى النهاية إلى سنوات من التعايش تحت سقف الغضب المكتوم -ثلاثين أربعين سنة أخرى- والرضاء السيكولوجى بما سيحدث مستقبلا من أشياء التى بصورة أو بأخرى ستصب فى بوتقة القمع والإرهاب.


 

فالمشكلة إذا هى ليست مشكلة ثورة او ثوريون ، وإنما مشكلة قيادة حقيقية للثورة. وتلك القيادة يتعثر ظهورها بسبب تذبذب الإخوة الذين يصرون على تصدر المشهد.


 

2- ليس لنا حل آخر:


 

وهنا السؤال ، على من تعود "نا" فى كلمة "لنا" فى تلك الجملة؟ تعريف تلك الـ "نا" ستوضح الأمور وتجليها وستكشف لنا عن شئ مهم قد ينفع أكثر من ان يضر. ما فهمته طوال عامين من الثورة أن الـ "نا" هنا عائدة على مجموعة تحولت لمنتفعين لإصرارهم على مزاحمة الصوت الثورى فى الشارع ، رغم أن هذا الصوت هو من اتى بهم فى هذا المشهد ، فلاهم إحترموه ولا هم سمعوه بوضوح ولا هم حتى أفسحوا له المجال لينهى كلمته. وإنما أصروا على أن يسمعوه بلغتهم هم هؤلاء الـ "نا" وأن لا يفسحوا له المجال لخوفهم هؤلاء الـ "نا" لأن يتحولوا إلى لا شئ لفشلهم وهم يعلموا أنهم فشلوا فى قيادة الثورة بمبادءها فتحولوا بصورة واضحة إلى باحثين عن السلطة أو باحثين عن الميكروفونات للحديث لمجرد الحديث دون إستراتيجية واضحة ودون رؤية ودون خطط ودون أدنى شرعية قوة تقف فى ظهوروهم لمدة عامين متتاليين لم يفعلوا شيئا سوى بيانات قوية فى مضمونها هزيلة فى أفعالها ، اللهم الا فعلا قويا تفعله وهو تمكين الإحباط من الشارع الثائر. 

أما إن كان القصد من الـ "نا" هى جموع المصريين بما فيهم الطليعة الثورية فتلك خطيئة فكرية وإسقاط فاسد لا أقبله ولن يقبله الكثيرون. فهؤلاء بعيدين تماما بأصواتهم ومطالبهم ومبادءهم عن النخبة الزائفة والسياسيين الفشلة متدعى الثورية. ومقاطعتهم للمشهد وعدم إشتراكهم فى المهازل "كمهازل الصندوق - وسنناقش ذلك لاحقا" هو فعلا ينبع عن عدم الرضاء بالقباحة الموجودة فى السلطة ولكن هذا لا يعنى رضاءها بمن يسمون أنفسهم بالمعارضة ، وإنما أكاد أقسم أن نقمهم على المعارضة والنخب الزائفة لا يقل فى غضبه عن النقم على الحاكمين الآن ، إن لم يكن يزيد فى حنقه. ذاك لأن من يحكمون معروف أنهم فسدة وهم أعداء بالمعنى الصريح الواضح الذى لا لبس فيه ، لكنها لا تعوق مثلما تفعل المعارضة الهزيلة الواهنة والنخب السطحية.


 

وهنا نقول أن من تعود عليهم  الـ "نا" هم من تحولوا فعليا ، بقصد او دون قصد ، إلى عبده مشتاق حتى ولو لم يصدقوا ذلك وحتى ولو لم يكونوا ذلك. فالحكم فى النهاية ستكون بالأفعال وليس بما تطلقه على نفسك. وهؤلاء الـ "نا" هم العاجزون عن فهم الشارع وهم العاجزون عن حمل راية ما ينادى به الشارع والطليعة الثورية بالتحديد وليس الشارع نفسه هو العاجز. المسألة هنا هو محاولة إلقاء العجز على الشارع وعدم الإعتراف بالعجز. فعندما تطلق أنت مقول" ليس لنا حل آخر" فأنا أتفق معك هنا فى المضمون والإختلاف فى على من تعود تلك الـ "نا" ، فانت عاجز والشارع ليس بعاجز وتلك هى الحقيقة.


 

3- ما أقدمه هو حلا بديلا:


 

لا يا سيدى ، ما تقدمه هو محاولة لتفادى مشكلة وهذا محمود ، والمشكلة التى نعرفها هى ببساطة الحرب الاهلية او الكفاح المسلح الذى لن يكون لك دور فيه ولن يرضى بك فى المستقبل حاملا لراية القيادة ولذلك وبكل بساطة تريد أنت ان تتفادى الإعصار الذى سيجهز على العصابة الحاكمة وعليك فى آن واحد. سيجهز عليك ليس لشخصك وليس لفكرك وليس لإنعدام وطنيتك فقد تكون أكثر وطنية منى ، ولكن لانك سلكت طريقا رآه الثائرون مفسدة ومهلكة للثورة حتى ولو لم يكن كذلك ، ولكنه حتما سيتم رؤيته كذلك.


 

************


 

إلى هنا وأبدأ أنا وأقول أن المسألة ليست راديكالية من ناحيتى كما تحب أن تقنع نفسك فى مواجهة ما تتصوره العقلانية من ناحيتك ، فما تقوله ملامحك يمكن أن يبدو عقلانيا وإنما ما تنادى به ليس عقلانيا بالمرة ولا ينم عن حماس وإيمان بالثورة قدر أنه إيمان بالعمل السلمى بغض النظر عن إمكانياته العبثية فى حالتنا وحالة الوطن الراهن  ، وبغض النظر أيضا عن أدواته التى لا تتحقق وتحقق أى إيجابية إلا فى بيئة بها الحد الأدنى من المعايير المدنية وإحترام حقوق الإنسان ولا ينفع ولا يجوز أن تنتهج مبادئ سلمية أمام نظام هو تشكيل عصابى له شرعية دولة ولا تفرق معه حقوق الإنسان ولا الوضع الإقتصادى ، فهم مجرمون فى سبيل إلههم.  ألف باء فى المعادلات هو أن يكون طرفى المعادلة من نفس الجنس والنوع حتى تستقيم الحسابات ، فلا يصح أن أقول أن لوبيا + فاصوليا = الجذر التربيعى لـ 15. وهو ما تفعله يا صديقى ، تحاول أن تتصور أن من يواجهك هو تشار دى جول. وتصورك ببساطة مبنى على عدم قدرتك أنت كفكر فى مواجهة التطرف بعملية. إن الغرب مؤسس ومدرس بل والمسوق لفكرة المقاومة السلمية هو نفس الغرب الذى عندما قرر أن يواجه التطرف وأن يحارب الإرهاب والفكر الأصولى واجهه بالجيوش!! 


 

، حمدا للشارع الذى أصر على الموقف الثورى رغم الطعنات "الصندوقية" التى بدأت بصندوق الإستفتاء الملعون (مارس 2011) مرورا بصندوق الإنتخابات لمجلسى "الشعب والشورى" ثم الرئاسة ثم الإستفتاء على "مشروع العار المسمى بالدستور" وها أنتم تحاولون التشويش بدعوة الناس لصندوق آخر "إنتخابات مجلس النواب" وهو مسمار آخر فى نعش الثورة دون أن تدروا كالعادة ، وهو تشويش على المشهد الثورى الغير قابل لما تسمونه حلولا وهى ليست بحلول.


 

الثورة يجب أن تكتمل. الحل السلمى ببساطة لا يجوز أن يكون سبيل المواجهة مع عصابة حاكمة وجماعة أفاقة تستحل الجريمة والعقاب على كل من يقفوا أمام مشروعهم فى التحكم فى الدولة وهدمها تماما ووضعها تحت مطرقة الحكم الثيوقراطى الفاسد بشكله الحديث. فهو حكم ثيوقراطى يرتدى بذلة "شيك" مزينة بالكرافتات "الشيك" سيأتى على الحرث والنسل وعلى حضارة أم الحضارات.


 

ما تفعلونه ببساطة هو محاولة فرض رؤاكم لعجزكم ولإثبات انكم على صواب وهذا عار تمام من الصواب. رؤاكم تلك ليس وقتها. الديموقراطية والصندوق يجب أن يتم زرعهما بعد القضاء على كل أركان الفساد والفاشية. وما تنادون به هو خواء مفرغ يشبه بورق السوليفان الذى سيستخدمه أفراد العصابة فى لف الحثالة التى يقدمونها للشعب تقربا إلى إلههم.


 

الأمل فى الشارع والشباب وقود الثورة ، ويجب ان يخرج منهم قائدا يحمل أحلامهم ويضع الديموقراطية والحرية لشعب يكون الباب فيه الثورة وعتبتها شباب حالم ثائر على القيم الزائفة وعلى النخب العاجزة.


 

أنا أؤمن بالديموقراطية والإنتخابات والمدنية والمؤسسات وكل شئ يستدعى دولة القانون حاكمة عادلة بين مواطنيها على السواء. ولكن فى وقتها ، فإختلافنا فى التوقيت وهذا ليس ببسيط. فالتوقيت عامل مهم فى أى شئ. وفعل الشئ فى غير وقته قد يؤدى ببساطة إلى نتائج كارثية نكون منفصمين شخصيا ومعاقين ذهنيا إن لم ندركها. والمعركة الآن بكل وضوح هى فى الشارع تحت أقدام شباب ثائر وليست فى الصندوق. الصندوق رغم رونقه وحلاوته وسهولته خصوصا لحاملى الكريديت كارد والعيشة المرتاحة ، الا ان هذا الصندوق وفى الوقت الحالى هو خنجر فى ظهر الوطن وفى قلب الثورة.


 

موعدنا وأملنا 25 يناير 2013 أو قبله، أو في الغالب بعده وبعده وبعده.

اجمالي القراءات 9638