هل كان محمد (ص) مبلغا ام مفسرا للقرآن .. ؟
هل كان محمد (ص) مبلغا ام مفسرا للقرآن .. ؟

ابراهيم ايت ابورك في الثلاثاء ٢٠ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

القرآن الكريم نزل تبيانا لكل شيء يحتاج إليه الإنسان [ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ] 16:59 ومن جملة هذه الأشياء احتواؤه على القاموس القرآني والذي به يفهم كلام رب العالمين المنزل باللسان العربي المبين, وهذا المقال جاء ليبين مفهوم ' التبيين' في القرآن الكريم وهو عبارة عن سؤال وجواب حتى يفهم المراد والحمد لله البصير بالعباد.

1: هل كانت مهمة الرسول محمد (ص) تفسير القرآن للناس ؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال المحوري, يجب أولا أن نعلم هل القرآن الكريم أصلا يحتاج للتفسير ؟

فكما هو معلوم الشيء الذي يحتاج للتفسير هو الشيء الغامض المبهم .. فهل القرآن الكريم غامض ومبهم ؟

يقول تعالى:  [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ] 3:174 و [ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ] 1:12 وعند اسقاط هاتين الآيتين على بعضهما يتضح أن الكتاب هو النور, فهل النور الرباني المبين تحتاج رؤيته إلى نور بشري ؟ وهل نور الله الأعظم غير كاف لرؤية ظلمات الجهل ومستنقعات الوحل البشري..؟ أترك الجواب لمن ألقى السمع وهو شهيد.

يقول تعالى: [أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ] 24:24 و [ لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ] 46:24

فهل الآيات البينات من الله تعالى تحتاج إلى تبيين بشري حتى يفهم المراد ؟؟

يقول تعالى : [ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ] 114:6 و [ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ] 1:11 فهل الكتاب المفصل من لدن الحكيم الخبير المتعالي يحتاج إلى تفصيل بشري ؟؟ فالجواب متروك لمن كان في هذه الدنيا أبصر.

2: إذا ماهي مهمة الرسول ص ؟

يقتصر دور الرسول (ص) في تبليغ الرسالة (القرآن) [ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ] 67:5 وبما أن هذه الرسالة ( القرآن) مبينة فالتبليغ أيضا سيكون مبين, وفعلا ذلك ما يؤكده القرآن الكريم في الآية الكريمة [ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ] 54:24

فالقرآن مبين و التبليغ مبين كذلك, الشيء الذي يدل على أن الرسول ص يبلغ هذه الرسالة للناس كماهي لأنه لا يوجد تبيين فوق تبيين الله جل وعلاه.

3: لكن ماذا عن الآية التي تقول ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ؟

فلكي يفهم المراد يجب الإستشهاد بالآية كاملة [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] 44:16

- في السياق الخاص للآية: الله تعالى يقول عن الأنبياء السابقين ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر﴾ أيأن الله تعالى أرسل الأنبياء السابقين لأهل الكتاب وأنزل معهم البينات والزبر- أيالكتب- ثم يوجه الخطاب للنبى فيقول ﴿وأنزلنا إليك الذكر﴾ أي القرآن ﴿لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ أي لتوضح لأهل الكتاب ما سبق إنزاله إليهم من البينات والزبر لعلهم يتفكرون, وهذا بالضبط ما تؤكده هذه الآية الكريمة [ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] 64:16

- في السياق العام : بما أن الخطاب هنا موجه للنبي محمد (ص) [ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ] فكلمة النّاس هنا تعني جميع الناس, نظرا لكون القرآن هو ذكر للعالمين [ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ] 104:12 و الرسول هو رسول للناس كافة [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ] 28:34 الشيء الذي يفرض على أن كلمة الناس تعني جميع الناس بدون استثناء..

4: هل ذلك يعني أن الرسول محمد (ص) مطالب أن يبين للناس ما نزل إليهم ؟

أجل, لكن الإختلاف هو في مفهوم التبيين !فما معنى التبيين في اللسان العربي المبين ؟

يقول تعالى [ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ] 187:3

من الآية الكريمة يتضح أن التبيين هو ضد الكتمان, ومنها سنفهم قول الله تعالى في سياقه العام واعتبار أن كلمة الناس تشمل جميع النّاس [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ] أي يا محمد أنزلنا إليك الذكر أي القرآن لتظهره للناس كافة ولا تكتمه, فذلك هو جوهر التبليغ المبين فإن لم تفعل فما بلغ رسالته [ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ] 67:5

5: هل أفهم من كلامك أن الرسول (ص) كل ما يفعله هو أنه يتلو الآيات القرآنية على مسامع الناس فقط ؟

قلنا سابقا أن محمد (ص) هو نبي ورسول [ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ] الأحزاب-40- إلا أن هناك فرق بين صفتي الرسول و النبي [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ] المائدة-67- فصفة الرسول هي الجانب المسؤول عن تبليغ الرسالة [بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ] ( القرآن) وهي التي عصمها الله تعالى من الزلل والخطأ و النسيان [وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ]

بينما صفة النبوة جاءها العتاب أكثر من مرة في القرآن الكريم [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] التحريم-1-

الشيء الذي يدل على أن هذه الصفة تمثل الجانب البشري لمحمد (ص) في تطبيقه لأوامر الرسالة ( لما تحرم ما أحل الله لك ؟)

فنبي الله محمد بصفته بشر و الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لا شك أنه كان نصوح الناس وواعظهم وكان أيضا متدبر ومجتهد, لكن كل ذلك لا يعتبر وحيا بقدر ما يعتبر سيرة ذاتية أو تاريخ فهو فهم بشري ليس ملزما لأحد, فلو أراد الرسول ص تفسير القرآن الكريم على طريقته لأمر الناس أن يكتبوا فهمه للقرآن الكريم ويدونوه كما دونوا القرآن ويصلنا كما وصلنا القرآن الكريم, إلا أنه لنجابته صلى الله عليه وسلم وفطنته الكبيرة ترك ذلك الأمر مرهونا للناس كل على حسب عصره, فالفرق بين النص المقدس وغيره من النصوص هو أن المقدس صالح وشامل لكل زمان ومكان, فكل إنسان حسب عصره مطالب بفهم آيات الذكر الحكيم وذلك حسب درجة نضجه الفكري والحضاري و حمولته المعرفية والعلمية.

6: إذا ماهو المطلوب من النّاس ؟

المطلوب من النّاس كما أخبر به القرآن الكريم هو تدبر آياته فقط أنظر لقول الله تعالى [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ] 29:38

7: وهل التدبر هو التفسير ؟

لا ليس كذلك فالتدبر هو اعمال العقل والتفكير بعمق في الآيات سواء الآيات القرآنية أو آيات الله في الأفاق [ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ] 29:38 وهذه ميزة خص الله تعالى بها أولي الألباب وأصحاب البصائر النيرة [وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ]

8: إذا سنجد إختلافات كثيرة بين المتدبرين, أوليس كذلك ؟

قلنا سابقا أن القرآن الكريم نزل تبيانا لكل شيء يحتاج إليه الإنسان, ومن جملة هذه الأشياء احتواؤه أيضا على الطريقة المثلى للتدبر والفهم, والسؤال المطروح هو كيف نتدبر القرآن الكريم, وماهي معايير هذا التدبر ؟

والجواب على هذا السؤال يكمن داخل القرآن الكريم نفسه ..

أولا: الطهارة, [ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ] 79:56 وهذا لا يعني الطاهرة المادية (لأن المس غير اللمس) وإنما طهارة القلب والنفس وذلك يكون بطرد الأهواء والهواجس السلبية في النفس والدخول إلى القرآن الكريم بعيون الباحث المتجرد, وأن تكون على استعداد كامل لتقبل النتائج مهما كانت مخالفة للسائد أو الأكثرية أو الإبائية و قول فلان و الإجماع هنا ليس هو الفصل.. فالتاريخ أثبت أكثر من مرة أن الناس سبق وأن أجمعوا على الباطل..

ثانيا: فهم القرآن بالقرآن فلن تفهم كلام الله إلا بكلام الله فمن أصدق من الله حديثا ؟ [ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا] 87:4 و [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثمتشابها مثاني] 23:39

ثالثا : عدم جعل القرآن عضيين ( مقسم) أي تنتقي منه ما يدعم طرحك وتترك ما يخالف هواك وتكون من المقسمين الذين قال فيهم تعالى [ كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ] 93:15

رابعا: عرض الآيات المتشابهات على الآيات المحكمات وليس العكس فإنتقاء المتشابه وحده يؤدي إلى فهم أعوج يتعارض مع الآيات المحكمات الواضحات البينات, ويتعارض مع روح القرآن الكريم وتوابت العلم والمنطق [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ] 3:7

9: وهل كل الناس يجب أن تلتزم بهذه المعايير في التدبر حتى تصل إلى نتيجة واحدة ؟

هذا ما يجب أن يكون عليه الأمر, إلا أنه لإختلاف ألوان الناس ومايحركهم عادة من عصبيات وأفهام وكثرة إنتشار أصحاب عقليات السائد في المجتمع فلن يكون الناس كلهم سواء في الفهم والتدبر, وهذا بحد ذاته ليس مشكلا عندما نختلف, فحتى العلوم التجريبية والنظريات العلمية الحديثة فيها إختلافات كبيرة بين المناصرين والمعارضين وهذا قانون الله في الكون ( من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون), ومادام المسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ويمارس شعائر عباداته  وأن لا يفرق بين أحد من رسله فلا يحق لأي كان ان يخرجه من دائرة الايمان أو الإسلام أو أن يصادر حريته في التفكير والتدبر مهما كان مختلفا معه, فالله أعلم بسرائر النّاس  وما تخفي الصدور والله من وراء القصد.

 

بقلم: ابراهيم ايت ابورك

اجمالي القراءات 31328