إبن الصيرفى القاضى يزوّج طفلة من ( بلطجى ) طبقا للشريعة السّنية

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٩ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى):دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .

الباب الثاني أخبار الشارع المصري في عصر السلطان قايتباى

الفصل الرابع :  إبن الصيرفى القاضى يزوّج طفلة من ( بلطجى ) طبقا للشريعة السّنية

العلاقات الاجتماعية فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى :

أخبار العلاقات الاجتماعية بين المماليك والشعب

علاقات مصاهرة:

كانت هناك صلات وعلاقات بين مجتمع الصفوة من المماليك وعلماء الدين من قضاة وأرباب وظائف ديوانية وكان أبرزها المصاهرة والتزاوج، وأبرز مثل ذلك السيدة خوند مغل ت 876 وهى أخت القاضى كمال الدين وبنت القاضى البازرى، وبيتها مشهور في مصر والشام، وقد تزوجها القاضى علم الدين بن الكويز كاتب السر، ثم تزوجها بعده الظاهر جقمق وهو أمير، فأقامت معه حتى تسلطن، وصعدت إلى القلعة واستمرت معه خوند صاحبة القاعة ورزقت منه بنتاً، واتفق ماتت محظية السلطان المسماه سورباى وكان يهواها فاتهموا خوند مغل بوضع السم لها، فهجرها السلطان، ثم طلقها فنزلت من القلعة، وذلك بعد موت السلطان بسنتين، وتزوج الأتابك أزبك بنتها، وبعد طلاقها سكنت عند بنتها في بيت الأمير أزبك.

 

بنت السلطان تحب أحد المشايخ:

وأتاحت وأباحت شريعة السّنة الطريق واسعا لكل أرملة طروب لكى تعيش كما تهوى خصوصا إذا كانت أميرة مملوكية . وكما يحدث في قصص ألف ليلة حين تحب بنت السلطان شخصاً من الشعب فإننا نجد هذه الدراما في حياة الأميرة المملوكية خوند فاطمة بنت السلطان الظاهر ططر، وهى أخت السلطان محمد بن ططر وزوج السلطان قايتباى برسباى، وقد ماتت سنة 874 بعد حياة حافلة بالتقلبات الدرامية، وقمنا بتحويل حياتها الى قصة تاريخية ثم حوّلنا القصة عملا دراميا . في بداية أمرها تزوجها الأشرف برسباى بعد أن سلب السلطان من أخيها، ومات عنها وجاء السلطان الظاهر جقمق فلم يتزوج بها فنزلت من القلعة ومعها جهاز بنحو مائة ألف دينار، ومارست حياتها الجديدة في حرية مطلقة كأى أرملة تعيش في مجتمع المماليك المنفلت، وصار على بابها خدم وحشم وطواشيه وعدة عجائز، وكانت للعجائز في ذلك الوقت وظيفة القوادة فى الزنا، وسعى إلى خدمتها الفلاح هانى الذى هرب من قريته ليتعلم في الأزهر ثم طمع في الوصول فتعرف بخدمها، وصات له علاقة بها، يقول مؤرخنا ابن الصيرفي عنه: ( وكان آنذاك شاباً من مجاورى جامع الأزهر، يتردد للطواشية ، فسأل أن يكون كاتبها فكان كذلك، واستمر حاله ينمو ويزيد، وركب الخيول واشترت له الوظائف والتوقيعات ، ولبس الأقمشة ولبس الخف والمهماز، وجعل في رقبته طوقاً بعد أن كان من الفلاحين المجاورين بالجامع المذكور، وفي يده دقّ ( وشم )  أخضر شاهدته). ثم دخلت خوند فاطمة في الإسراف والانفاق الزائد حتي أضاعت ما معها من جواهر وجهاز وقماش، يقول عنها ابن الصيرفي: ( وصارت خوند المذكورة تبيع من قماشها وترهن وتقترض وتبذر وتبيع الغالى والعالى بالرخيص السافل وتقترض الدرهم بمثله ( أى بالربا ) حتى ضيعت جميع ما ملكته، وصارت تقترض وتعطى، ثم صارت تقترض فلا تعطي، ثم صارت لا ترى أحداً يقرضها شيئاً. ). وفي هذه الفترة من حياتهاكانت لها علاقة بتاجر أوصلها للإفلاس وإسمه ابن قضاة، يقول عنه مؤرخنا : ( فصار يعاملها ويستفيد عليها، ويبتاع منها ما قيمته مثلاً الدرهم بنصفه، وصار هذا شأنها ودأبها حتى تجمدت عليها الديون الجزيلة.).  وتدخل السلطان جقمق لإنقاذها فأخذ يصالح دائنيها عنها وسدد ديونها، ولكنها كانت حالة ميئوس منها فباعت حتى ثياب بدنها على حد قول مؤرخنا ، ودخلت في النهاية في التحايل والنصب على الناس.. وتزوجت بالقاضى شرف الدين التتائي الأنصاري في النهاية، وكان معه وكالة بيت المال ونظرة الكسوة في عصر قايتباى، وكان زوجها محسوداً عليها، وكانت تهواه وكان لا يهواها ،بل تزوجها ليصل عن طريقها فلما وصل زهد فيها بينما زادت هى لوعة فى غرامه ، فكان هو على حد قول مؤرخنا : ( بضدّ ذلك) أى لا يحبها ، ويعلّق ابن الصيرفى فيقول : ( وهذا من الشقاوة عملاً بقول الشاعر المجيد البليغ.

ومن السعادة أن تُحِبّ وأن تُحًبّ
 

 

وأن يحبك من تحب
 

ومن الشقاوة أن تحب
 

 

فلا تحب ولا يحبك من يحب
 

 

ويقول ابن الصيرفي "فصارت تطبخ له أحسن الأطعمة وأفخرها وتكسوه من اجل الثياب والقماش وتساعده في الأمور المهمة العظيمة حتى أنفقت عليه عينها ودينها وهو لا يميل إليها، بل تزوج عليها بخوند جهة الملك الظاهر جقمق بنت الأمير جرباش عاشق أمير مجلس، فكادت تهلك وشكته للسلطان فمن دونه فما رضى بها وقهرها، وكان هذا شأنه وشأنها.). ويقول عنهما ( وأنفقت عليه أموالاً فيما تصنعه له من المآكل المفتخرة والمشارب والمعطرة ومع ذلك فلم يفدها ذلك، وطلقها ، فكادت تتجنن، فشكته إلى الأشرف اينال لما تزوج بعدها بخوند مطلقة الملك الظاهر جقمق. وقد اضطهده الأشرف اينال وعزله وصادر أمواله ثم أعيدت له أمواله في عهد السلطان خشقدم، وبعد أن طلقها شرف الدين التتائى تدهورت أحوالها أكثر خصوصاً في سلطنة الأشرف اينال فتقربت إلى حريمه وحاولت أن تستفيد من صلتها بالسلطان وحريمه وتقوم بالوسطات والشفاعات بأجر.)، ويقول مؤرخنا : ( وزعمت أنها تقضى حوائج الناس، وصارت تتكلم عندهم للناس، وتساعد من تختار وتحمي بالقوة ، وتركب وتدور ، ولا تتأخر عن فرح ولا كره لأحد الأكابر، وكانت مشهورة باللباقة في المأكل والمشرب، وصارت مُثله في العالم من هذه الأفعال الرذيلة والأحوال التي لا يقوم عليها غيرها، وصار التجار والعوام لا يقدرون على الخلاص منها)، أى صارت في النهاية مثل زعيمة العصابة. وفي تلك المرحلة من حياتها تزوجت منصور الاستادار وأقام معها قليلاً وطلقهاً . وماتت في الستين من عمرها وتركت عليها من الديون ما شاء الله فشاع على أصحابه.وقد تضرر من العلاقة بهذه الأميرة المملوكية بعض الناس حتى صار التجار والعوام لا يقدرون على الخلاص منها وهم أولئك الذى استدانت منهم وأكلت عليهم أموالهم، بينما استفاد غيرهم من العلاقة بها مثل هانى وذلك التاجر الذى أوردها مورد الإفلاس وأزواجها الذين نعرفهم والذين لا نعرفهم.

مماليك وعوام: أراذل المماليك مع أراذل العوام

وبعض العوام كانت لهم صلات ببعض المماليك انعكست سوءاً في أخلاقهم . وأبرز مثل على ذلك اتباع المحتسب يشبك الجمالى ذلك المتدين الأحمق القاسى والذى تقرب إليه كثير من العوام وأثروا على حسابه بعد أن كسبوا ثقته، وبعد عزل يشبك عن وظيفة الحسبة قام بعض أتباعه من أولئك العوام بالكيد للمحتسب الجديد بدر الدين وهو ابن كاتب السر ابن مزهر الأنصاري. يقول مؤرخنا في أحداث الأربعاء 15 ذى الحجة 885 : ( واتفق في هذا اليوم غريبة ، وهى أن شخصاً من أراذل العوام التجار بسوق أمير الجيوش ، كان مشهوراً بالربا والنحس والأيمان الباطلة ، خرباً فجراً ، يعرف بابن الشقرة ، كان في حسبة الأمير يشبك الجمالى ، عمله ( أى عيّنه ووظفه )  محتسباً لسوق أمير الجيوش ، فضجّ منه أهل أمير الجيوش ومن ظلمه . وكان له معهم مناصف( أى أزمات ومواقف ومشاكل ) ، وكان الأمير يشبك يساعده ويؤيده، فإن الأتراك ( أى المماليك ) عادتهم إذا صدق عندهم الواحد مرة ( يؤمنون بصدقه الدائم ) ولو كذب بعدها ألف مرة ما يحملونه إلى على الصدق . فاتفق أن يشبك المذكور لما عزل عن الحسبة وتولاها القاضى بدر الدين إبن كاتب السر وامتنع من تولية مثل هذا على المسلمين فإنه يعرف أخباره  ، فإنه بالقرب من منزله ( أى كان هذا الرجل يسكن بالقرب من القاضى بدر الدين ) بل وكان يبتاع من المقر البدري أصنافاً ويصبر عليه بثمنها ويغالطه في أشياء منها ويحلف عليه.). واشتكى ذلك الرجل ( إبن الشقرة ) المحتسب الجديد ( بدر الدين ) للسلطان في غيبة ( أبيه ) كاتب السر، ولكن توسط بينهما الزينى بركات نائب كاتب السر على أن يتحاسبا) .وحضر مؤرخنا ابن الصيرفي هذه القضية، ورواها بحذافيرها في كتابه ويبدوا انحيازه ضد ذلك الرجل ابن الشقيره لصالح القاضى المحتسب بدر الدين. ولكن سياق روايته يبدو متماسكاً وواقعياً، ويتفق مع طبيعة أولئك الذين كانوا يعينهم المحتسب يشبك على ظلم الأبرياء حين لا يستطيعون دفع الأتاوة لهم . والشاهد في هذه الرواية أن الذين كانوا يساعدون المماليك على ظلم الناس كانوا هم أراذل الناس، والطيور على أشكالها تقع.وجدير بالذكر أن نائب كاتب السّر هنا فى هذه الرواية هو ( الزينى بركات ) الذى أصبح كاتب السّر فيما بعد ، واصبح من مشاهير تاريخ إبن اياس . ولكنه هنا فى تاريخ ابن الصيرفى كان فى بدايته مجرد ( كومبارس ).

إبن الصيرفى القاضى يزوّج طفلة من ( غلام بلطجى ) يملكه جندى مملوكى فاسد

1 ــ وأباحت شريعة المماليك السّنية أن يكون الجندى المملوكى فوق القانون وفوق المساءلة مهما إرتكب من جرائم مع كونه أقل المماليك رتبة  . وقد سكن جندى مملوكي مع غلامه البلطجى بحارة بهاء الدين قراقوش بمنزل شيخ الإسلام ابن حجر، و (الغلام) فى مصطلح العصر هو العبد المملوك خصوصا إذا كان شابا. يقول ابن الصيرفي عن ذلك الجندي وما فعله مع غلامه بتلك الحارة حيث: ( أخربها هو وهذا الغلام من كثرة ما يؤذى السوقة والباعة ، وكان يأخذ أموالهم هو وأستاذه ) ومارسوا الخطف والابتزاز وحرق الأمتعة.وكانت لهذا الجندي المملوكي وغلامه قصة مع مؤرخنا القاضى ابن الصيرفي ، إذ زوّج القاضى ابن الصيرفى طفلة فى الثانية عشرة من عمرها لغلام هذا الجندى . 

2 ــ ففي يوم الخميس 28 جمادى الأولى 875 رفعت امرأة قضية لقاضى القضاة محب الدين بن الشحنة عن بنت أختها تقول فيها: (المملوكة  ( تعنى نفسها ، وكان هذا وقتها هو اسلوب المكاتبات لتأكيد الخضوع والذلّة فيقول الذكر عن نفسه المملوك والأنثى المملوكة ، واحيانا يصف نفسه بالخادم أو الخادم الحقير الذى يقبّل الأرض ، أو أنه يقبّل الأرض . ونعود للرسالة نقرؤها : ) ( المملوكة قريبة فلانة البكر.. تقبّل الأرض ، وتنهى أنها فقيرة وتعبت من الشحاته وأبويها غائبين مدة تزيد على ثلاث سنوات عن القاهرة وأعمالها . وسؤالها إذن كريم لأحد السادة النواب ( أى القضاة ) بتزويجها ( أى الفتاة البكر ) ممن يرغب في تزويجها بمهر المثل والكفاءة ، صدقة ( أى تصدقا ) عليها.). وواضح أن بعض الشهود الجالسين فى حوانيت الشهادة قد كتب لها هذه الصيغة الرسمية، ورفعها إلى قاضى القضاة ابن الشحنة الحنفي، فكتب عليها القاضى نور الدين الخطيب : ( يُنظر في ذلك على الوجه الشرعى بعد اعتبار الكفاءة ، متحرياً ). أى أمر القاضى بالبحث عن زوج كفء لها على الطريقة الشرعية .

3 ــ وعهدوا الى القاضى مؤرخنا ابن الصيرفي بتزويجها، فاستوفي القاضى ابن الصيرفى الشروط الشرعية وتحرّى الأمر كما يقول ، فقامت عنده البينه أن والدها ووالدتها غائبان الغيبة الشرعية عن القاهرة وأعمالها، وزكّي لها ثلاثة نفر للزواج منها ، فتزوجت واحداً منهم، وعقد العقد ودخل بها الزوج ، وهى بنت اثنى عشرة سنة طبقا للمتعارف عليه فى الشريعة السّنية التى تجيز زواج الطفلة تنفيسا عن الكبت الجنسى أو الحمق الجنسى والمرضى للمصابين بالفقه السّنى  والذى زعموا من أجله أن السيدة عائشة تزوجها النبى وهى طفلة. لعنهم الله جل وعلا فى كل كتاب. ويريد أوباش السلفية وقت كتابة هذا الكتاب ( سبتمبر 2012 ) تقنين ذلك السّفه فى الدستور المصرى وليس فقط فى القانون العادى .!!.

4 ــ المهم..نعود للقاضى السّنى ابن الصيرفى الذى قام بتزويج هذه الطفلة طبقا للشريعة السّنية ، يقول عنها:( غير أنها دميمة من جهة الهيئة، ولم أأذن في الوطء ) يعنى إنّه عقد لهذا الغلام البلطجى على تلك الطفلة بعد ان تحرّى فى الأمر كما يقول . ولم يفسّر لنا كيف لم يصل به التحرّى الى معرفة فساد هذا الغلام؟ وكيف يأتمنه على زواجه بطفلة ؟ وهل يكفى أن يعطيها له زوجة ثم لا يأذن له ( بالوطء ) أو ممارسة الجنس معها ؟ وهل يضمن طاعة ذلك البلطجى لأوامره ؟ وهل يؤضى هذا لابنته ؟.يقول ابن الصيرفى : ( فاتفق أنه طلقها عن شهود غيرنا بعد الدخول والوطء.) أى بعد أن دخل بالطفلة طلقها . وبالطبع لها حقوق فى النفقة والمتعة وغيرها ، وكان ينبغى أن تطالب خالتها ذلك الغلام بحقوقها ، ولكن الذى حدث هو العكس فالزوج البلطجى عسف بالطفلة حتى كتبت له خالتها إيصالا بسبعة دنانير حتى يطلق المسكينة . يقول ابن الصيرفى باسلوبه الغامض : ( وسألته خالتها في جميع حقها، وكتبت له مسطوراً بسبعة دنانير حتى طلقها. ) ويعترف ابن الصيرفى أخيرا بحقيقة ذلك الزوج كأنه عرفه لأول مرة فيقول : ( وذلك الزوج كان غلاماً لجندى مملوكي اسمه فارس من المماليك السلطانية، وهما اللذان سكنا في حارة بهاء الدين قراقوش وتسلطا على الناس فيها.).

5 ــ ونعود إلى قصتهما مع تلك الفتاة المسكينة وكيف وقف الى جانبها ( رجال حىّ بولاق الشعبى ) لاصلاح ما أفسده القاضى ابن الصيرفى .فالخالة بعد أن اضطرها الزوج إلى كتابة إيصال بسبعة دنانير في نظير الطلاق توجهت مع البنت المسكينة إلى بولاق وأخبرت أهل بولاق بالقصة ، وكيف تزوج الغلام من الفتاة وأزال بكارتها وطلقها وكتب عليها إيصالاً وغرّمها . واجتمع أهل بولاق وحملوا الصغيرة وتوجهوا بها إلى الداودار الكبير يشبك فأمر بإحضار الغلام وسيده الجندي المملوكي، فحضروا في أسرع وقت، فلما وقف الزوج بين يدى الأمير يشبك قال له: أنت فعلت كذا وكذا ؟؟. فتعلثم ،وأراد الأمير الداودار الكبير ضربه ، فنهض الجندي وصاح: بأى ذنب يضرب غلامي، وهو ما فعل شيء إلا بالقاضى والشهود ؟ . فاستدعى الداودار الكبير يشبك مؤرخنا القاضى ابن الصيرفي الذى عقد العقد.

6 ــ يقول إبن الصيرفى يصف ما حدث له : ( وكانت بلغتنى المسألة ، فركبت ، فعند موافاتى لباب الأمير الداودار الكبير لم أجد الطلب قد توجه لي ، فدخلت إليه ، ووقفت بين يديه ، فقال لى : يا قاضى أنت زوجت هذا بهذه؟ فقلت: نعم . قال كيف؟ قلت: أذن له مستنيبي ( أى قاضى القضاة) في ذلك بقصة ( أى بعريضة) مشمولة بخطة، فقال لى: هذه تُزوّج؟!!. ويومئ إلى أنها صغيرة ، فقلت له: مذهبي ذلك ، لأن النبي ( ص ) تزوج عائشة أم المؤمنين وهى بنت تسع سنين، فقال لى: تشبّه هذه بهذه ؟ أو مثل هذا بهذا؟ فقلت : لا يا مولانا وإنما النبي (ص) مشرّع ، ونحن أمته ومتبعين سنته. فسكت عنى . والتفت إلى من حضر في مجلسه من القضاة والأمراء وقال لهم: القاضى عبأ لى هذا الجواب، ليس لى عنده شغل، مالى شغل إلا عند المملوك والغلام.). ونجا إبن الصيرفى من مؤاخذة الأمير يشبك بأنه مأمور بأمر قاضى القضاة ، وبأنه وفقا لمذهبه السّنى يجيز زواج الطفلة . فلم تنفع  أمامه حجة الأمير المملوكى مع وجاهتها وعقليتها ، ولكن كيف يجدى العقل مع السّنة الشيطانية ؟!!.

7 ــ وتدخل أحد القضاة الحاضرين فقال لابن الصيرفي: ( أأنت ثبت عندك بيّنه بالغيبة ؟ ) أى غيبة أبويها عن القاهرة حتى احتاجت للقاضى كى يزوّجها، وكان ابن الصيرفي قد كتب أسماء الشهود الذين يشهدون بغيبة أبويها، في عقد صداقها، فأمر الداودار الكبير بإحضارهم، فحضروا وشهدوا . وبعد حضورهم أمر الأمير يشبك بضرب الغلام ثلاثمائة عصا، وأمر بإشهاره في البلد، جزاءا ( على من يفتح البنات ) أى يفضّ بكارتهن ( هو وأستاذه ويأخذ منهم مالا يستحق.).

8 ـ يقول مؤرخنا: ( وكانوا أنهوا إلى الأمير المذكور أنه ( أى الغلام )، تسلّط على البنت وأستاذه،( أى الجندى المملوكي)، وصاروا يفعلون فيها مالا يجوز، فهربت منهما ، فغضبت خالتها .وكتب عليها مسطوراً بغير حق، وأراد الداودار أن يعاقب الجندي المملوكي ولكن تشفع فيه الحاضرون. ). ويقول مؤرخنا : ( ثم أمر أن توضع البنت على ظهره وينادى عليه فشفعوا فيه، وأمر الداودار بأن يذهبوا جميعاً إلى قاضى القضاة الحنفي ليفرض حق البنت، واتفق على أن يدفع لها الغلام أربعة دنانير وأن يبرئها من ذمته.)

9 ـ  يقول إبن الصيرفى عن قضية تلك المسكينة : ( وصار لها غوغاء) أى تحمس كثيرون لقضيتها وذلك بسبب كراهيتهم في ذلك الغلام وسيده الجندي المملوكي وفسادهما المشهور عنهما في حارة قراقوش.

والقاضى المؤرخ يصف الرجال الذين كانوا يدافعون عن البنت المظلومة بأنهم ( غوغاء )...!. الى هذا الحد تنقلب المعايير لدى قاض وظيفته الظلم وليس العدل . وقد التقى مؤرخنا بذلك الغلام بعد أن ضربه الداودار، يقول: ( وكنت أظن أن هذا الغلام يموت من الضرب ، فلما أصبح وجدته ماشياً كأحد الناس الأصحاء وليس يشكو من شيء ، فتعجبت من ذلك.).!!

ونحن لنا أيضا الحق أن نتعجب من نطاعة ابن الصيرفى ..القاضى المؤرخ .!!

الهوامش

1)    إبن الصيرفي : الهصر: 426، 464، 168، 169، 132، 498، 500، 226، 229.

اجمالي القراءات 10293