...
زراعة الأعضاء حرام - أو رب حامل فقه غير فقيه

نبيل هلال في السبت ١٨ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

الله يغفر الذنوب جميعا - عدا الشرك به - ولكن المشايخ الذين نصَّبُوا أنفسهم أوصياء على خلق الله , صنَّفوا الكبائر حتى وسعت كل أنواع الذنوب التي يشاء الله غفرانها , وغالوا في معاقبة المخطئ وتكفير الناس لذنوب يغفرها الله , والكهنة لا يغفرونها , واصطنعوا تراثا يمكِّنهم من إحكام قبضتهم على عقول الناس فلا يستطيعون حراكا بلا مشورة الكاهن . واصطنعوا الغلو في الحرام والحلال والترغيب والترهيب في مزاعم " فقهية " تم إنتاجها في ظلام المعبد .
ومنهم "علماء" يقولون بحِل فوائد البنوك وآخرون يحرِّمونها وآخرون يحرمون زراعة الأعضاء وإجراء عمليات التجميل بدعوى عدم تغيير خلق الله ! وكلهم - المُعارض والمؤيد - لديه حججه وبراهينه , وكلهم فطاحل متخصصون ! وهذا الأمر ومثله يحتم ألا ينفرد بالفتوى فرد واحد مهما قيل في ورعه وفقهه , فالمسألة ليست مجرد ورع وحسن نية , ولكنها علوم لا يعرف المشايخ عنها شيئا كالاقتصاد والطب والفلك وغير ذلك , ولا يجوز لهم الإفتاء فيها عملا بقولهم أنفسهم باحترام التخصص , فرجل الدين الذي يفتي لأهل التخصص في الفلك والطب يكون كمستبضع تمرا إلى أهل خيبر, ولرب حامل فقه غير فقيه , ولرب نابل يظن الإصابة وهو المصاب بما يرسله من النبل . وإذا كان الأمر على حظر النظر في الدين على غير المشايخ لامتنع الكشف عن حقائق الإعجاز العلمي والإعجاز الرقمي في القرآن , وهما وجها إعجاز لا يقوى على كشف حقائقه مشايخ المؤسسات الدينية مجتمعين , وإنما لها العلماء المتخصصون في العلوم غير الدينية والمتخصصون في علوم الحاسوب "الكمبيوتر". ومن كشفوا عن مثل هذا الإعجاز العصري للقرآن ليسوا من المشايخ ولا يتبعون أي مؤسسة دينية رسمية , ولم يتلقوا العلم عن مشايخ (وهو شرط أساسي يضعه الفقيه السلطاني لاعتماد علم العالِِم) . وهذا الإعجاز "العصري"هو السبيل الوحيد لمخاطبة عقول الناس في عصر العلم للمضي نحو عالمية الإسلام , وهي عالمية لن تتحقق بقصر الكلام عن المعجزة اللغوية والبيانية للقرآن فهي غير فاعلة لمن لا يعرف لغة الضاد , بل وحتى لغير المتعلم من العرب . وإذا اقتصر الأمر على ما في كتب التفسير من مثل القول بأن الأرض يحملها حوت- وهو ما قاله الفقيه القديم وسكت عنه الفقيه المعاصر- لانصرف عن الإسلام العقلاء . وقعود المؤسسة الدينية الرسمية عن تنقيح موروث الأسلاف ليُعد خيانة لدين الله ووصمة لا يصح معها زعمها بالقيام على أمر الدين وتسقط حقها في الاستئثار بالنظر فيه .
وفي الوقت الذي تَراجع فيه فقه المسلم لدينه من واقع القرآن , حصل من جهة أخرى مغالاة - إن جاز التعبير- في جانب العبادات , أي نضوب فقهي يقابله "مبالغة " في العبادات , فراح المسلمون يفسرون كل شيء من منظور أداء العبادات : فيتقاعسون عن مدافعة الأعداء ولكن يدْعون عليهم بالهزيمة ويطلبون من الله النصرة , فالدعاء أيسر من الجهاد والقتال الذي لا سبيل إليه , ويكون رد فعلهم على سب أعداء الإسلام للنبي- لا بالمقاطعة الدائمة لمنتجاتهم وهو أضعف الإيمان- ولكن بالاكتفاء بنشر آلاف الملصقات على الجدران تدعو المؤمنين للصيام مدة يوم "يدعون" فيه على الكفرة بالثبور وعظائم الأمور .
وعمد الفقيه إلى تصوير الدين على أنه وعاء لمجموعة من الشعائر تكون هي المطية الذلول للوصول إلى جنة الآخرة , وأغفلوا أن الدين هو الضامن لجنة الدنيا قبل الآخرة , ولا سبيل إليها إلا بتحرير المسلم من قيود الجهل بحقوقه والخوف من المطالبة بها والذعر من مواجهة المحتالين الذين يسرقون سلطته وماله . فالشريعة التي لا تؤدي للناس حقوقهم في الدنيا وتضمن لهم العدل والمساواة والحرية فهي ليست شريعة الله , والشرع الذي يضع حوائل بين المظلوم ومن يظلمه ويردعه ويخيفه من المطالبة بحقه المسلوب , شريعة غير ربانية , وإنما هي شريعة نخبوية , وضعتها الصفوة من أجل الصفوة . نبيل هلال هلال

 

اجمالي القراءات 8336