صراع أيديولوجي في تركيا بين العلمانية والإسلام

في الأحد ٠٦ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

خرج الآلاف في احتجاجات حاشدة في العاصمة أنقرة في خضم صراع أيديولوجي في تركيا بين العلمانية والإسلام.

ويدرك الأتراك أنه إذا ما استمر الوضع هكذا فإن الجيش قد يقرر التدخل.

قبل أسبوعين ظهر ملصق جديد خارج المتجر المحلي الذي أشتري منه حاجاتي.

والملصق يحمل صورة لعبد الله غول مبتسما، وتحت الصورة عبارة: "مبروك!".

ولكن يبدو الآن أن هذا الملصق ربما استبق الأمر، فترشيح وزير الخارجية غول أثار رد فعل شديد القوة هنا حتى أصبح من غير المرجح على الإطلاق الآن أن يتخد غول موقعه في القصر الوردي، وهو مقر الرئيس التركي.

ولكن تركيا تمر بأوقات يصعب التكهن بها سياسيا، وبالتالي لن أجزم بشيء أو بآخر.

احتجاجات ومظاهرات
لقد دار التكهن المحموم أولا حول ما إذا كان رئيس الوزراء، رجب أردوغان، نفسه سيترشح للرئاسة. وقد التزم أردوغان صمتا مطبقا لأسابيع، بينما سادت الشائعات والتقارير في وسائل الإعلام التركي حول ترشيحه من عدمه حتى أصبحت شغلها الشاغل.


كان أردوغان في الماضي ينتمي إلى حزب موالي للإسلام صراحة
لقد كان رجب طيب أردوغان يوما ينتمي علنا لحزب إسلامي. ورغم أنه انشق عن تلك الجذور قبل خمس سنوات لتأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلا أن فكرة تولي أردوغان الرئاسة في الدولة التركية العلمانية أثارت فزع الكثير من الأتراك.

لقد تظاهر مئات الآلاف في أنقرة، إذ تجمعوا حول الضريح الهائل لأتاتورك، ذاك الجنرال الذي جعل من تركيا جمهورية علمانية حديثة.

وبين سيل البشر الحاملين للأعلام التركية، شاهدت متقاعدين يطلون من شرف منازلهم ويلوحون تأييدا للمظاهرات - وكان أحدهم مازال يرتدي البيجامة بينما فتح آخر النافذة على مصراعيها وأذاع موسيقى النشيد الوطني. وإلى أسفل جاءت التحية والتصفيق من المشاركين في المسيرات.

لقد قالوا لي إنهم خرجوا إلى الشارع للدفاع عن الجمهورية العلمانية. وقالت النساء إنهن جئن إلى هنا لحماية حرياتهن، وفوق كل شيء الحق في عدم ارتداء الحجاب الإسلامي بتاتا.

لقد كان عرضا ضخما للقوة. ولكنه كان جانبا واحدا من طرفي نقيض، وجانبا واحدا من تركيا.

نبرة توقع
أما في الشوارع المنحدرة والمرتفعة والتي تملأها رائحة المقاهي في منطقة قاسم باشا فقد شعرت بنبرة مختلفة تماما، وهي نبرة توقع وسعادة.

لقد قلت لك إن انقلابا آخر سيقع هنا. الجنرالات يقولون: 'حذار، توخوا الحذر!'

صحفي تركي
لقد رحبت بي أسرة إنجين إلى الشقة المكتظة بسكانها في الطابق الأعلى في تلك المنطقة الفقيرة من اسطنبول والتي نشأ فيها رجب طيب أردوغان. وفي الداخل تعلقت أبصار الأسرة بشاشة التلفزيون لمتابعة الأخبار، إذ يتوقون لرؤية شخص يمثلهم يصل أخيرا إلى سدة السلطة.

ومن بين آمالهم أن يشاهدوا السيدة التركية الأولى لأول مرة بالحجاب، وهي قضية ساخنة هنا بالنسبة للكثير من الأسر في بلد أكثر محافظة في غالبه عن عاصمته أنقرة.

وقال لي هايري إنجين وهو يستشيط غضبا من الاحتجاجات ضد أردوغان "لقد كانت أم أتاتورك نفسها تغطي شعرها. بالطبع لا يعني هذا أن العلمانية في خطر".

وترتدي كبيرة إنجين الحجاب، غير أن ابنتيها لا ترتديانه، فهما مازالتا في المدرسة، حيث يحظر تغطية الشعر. وهي تأمل أن يؤدي وصول رئيس من حزب العدالة والتنمية للتبسط في تلك القواعد.

وقالت لي "ينبغي أن يكون للبنات الحرية للدراسة سواء بحجاب أو بتنورة قصيرة، ينبغي أن يكون الأمر خيارهن. المهم ما في القلب".

التدخل العسكري
لقد ساعدت الأسر مثل أسرة إنجين حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى السلطة قبل خمس سنوات. وبدلا من التخلي عنهم، قرر رئيس الوزراء أردوغان ترشيخ عبد الله غول لشغل منصب الرئيس.


يثير حجاب زوجة غول القلق لدى العلمانيين
لقد كان المقصود بالأمر أن يكون حلا وسطا، ولافتة تم تقديمها تحت الضغط، ولكنه كان أيضا لافتة تحد متعمد، إذ اختار رجلا آخر ترتدي زوجته الحجاب.

واستشاط العلمانيون الأتراك غضبا، وكذلك الجيش.

وفي الليلة التي لم ينتخب فيها غول في الجولة الأولى في البرلمان، كنت على متن الطائرة متجهة من أنقرة إلى بيتي في اسطنبول.

وحينما حطت الطائرة منتصف الليل، سمعت أن رئاسة الأركان العامة للجيش أصدرت بيانا قالت فيه إن تلك الانتخابات الرئاسية تشكل تهديدا للنظام العلماني في تركيا. وقد أعلن الجيش استعداده للتدخل - إذا تطلب الأمر - للدفاع عن العلمانية.

لقد ظل هاتف زميلي التركي يرن دون انقطاع بمكالمة تلو الأخرى لأصدقاء هالتهم التداعيات المحتملة لهذا التصريح.

وحينما اتصلت بأحد الصحفيين، قال لي مذكرا: "لقد قلت لك إن انقلابا آخر سيقع هنا". وتابع قائلا "الجنرالات يقولون: 'حذار، توخوا الحذر!'. إنه تهديد صريح للحكومة، لقد رأى الجيش وسمع ما يكفيه".

وقال لي آخر في وقت لاحق إنه لم ينم ولو دقيقة ليل هذا اليوم.

فقد قال لي دوجان تيليج "أعتقد أن الجميع في جيلي يعتقدون الأمر ذاته: سيقع انقلاب".

حينما تولى الجيش مقاليد الأمور في تركيا عام 1980، سجن تيليج هو والآلاف غيره. ويقول إنه تعرض، كناشط طلابي، للتعذيب على مدار أكثر من شهر.

وقال لي "هذا البيان من الجيش يعني إن الأمر قد يحدث مرة أخرى. كم من الصعب تصديق أننا نتحدث عن انقلاب آخر".

الحاجة لحل وسط
ويبدو أن الجيش تراجع من على الحافة في الوقت الحالي.

ويبدو من المرجح أن التصويت على الرئيس سيعلق وبدلا من ذلك ستنتخب تركيا برلمانا جديدا أولا.

ونتيجة تلك الانتخابات المحتملة، شأنها شأن الكثير من الأمور في الأسابيع الأخيرة، لا يمكن الجزم بها. ولكن حينما يحين موعد ترشيح شخص للرئاسة مجددا، يعتقد أغلب الأتراك أن الجانبين سيرون الحاجة الماسة للتنازل قليلا.

وبينما أفكر في هذا الأمر، وجهت نظري لأبحث عن ملصق عبد الله غول مرة أخرى هذا الأسبوع. ولكني لم أجده، وبدلا منه وجدت إعلانا عن عصير للتفاح.

اجمالي القراءات 6556