إستحلال الخمر

الأحد ٢١ - يناير - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
أحد الأحبة كتب يقول : ( استاذنا لو لى رأى مخالف لرأى حضرتك خاص بإحدى آيات القرآن التى ذكرتها فى اخر بوست الثلاث اسئلة. هل لى ان اذكره هنا بدون زعل؟. اختلافى لا يعنى تجاوز اقرارى بان حضرتك تحمل من العلم المتسع وانا قليل العلم. ). كتبت له : ( اهلا وسهلا . نحن نعرض تدبرنا للنقاش ، ما نقوله ليس دينا . هو رأى بشرى غير معصوم . ) أرسل رأيه ، يقول : ( الخمر والميسر ليسوا محرمين فى ذاتهم ولكن المحرم اثرهم. ومأمورين بتجنب هذا الاثر. إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) اجتنبوه جائت بصيغة المفرد تعود على الرجس. وهو غياب العقل ما يؤدى الى الوقوع فى الفواحش. وهذا الرجس مفصل فى آية اخرى( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ‎﴿المائدة: ٩١﴾ اذن من شرب كمية صغيرة او كبيرة لا تذهب بعقله فلا اثم. وكذلك من لعب الميسر باموال معقولة لا ترهق اللاعبين وتتوقع البغضاء بينهم فلا اثم عليهم. وشكرا لكم . )
آحمد صبحي منصور :

 أقول :

1 ـ فى التنزيل المكى كان التركيز على ( لا إله إلا الله ) والأخلاق الاسلامية السامية ، جاءت  التشريعات مُجملة بلا تفصيل مثل قوله جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) الأعراف ). هنا تحريم الإثم مطلقا .

ثم كانت تفصيلات التشريع الاسلامى فى المدينة ، ومنه فى الخمر والميسر قوله جل وعلا : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) (219) البقرة ). المنافع ليست مبررا للاستحلال ، فمن يتاجر فى المخدرات يأتى بمنافع ، وواقعيا فإن بأموال المافيا أقيمت ناطحات سحاب فى شيكاغو وميامى و لاس فيجاس وتوفرت فرص عمل للملايين . الفيصل فى التحريم هو الإثم . وهنا يجعل الله جل وعلا فى الخمر والميسر إثما كبيرا . وطالما فيهما إثم كبير فقد سبق تحريمها ضمن التحريم المطلق والمُجمل فى سورة الأعراف المكية : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ )

2 ـ نأتى لموضوع الإثم وعلاقته بالتحريم المطلق فى مصطلح الاجتناب فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)المائدة ). ونلاحظ :

2 / 1 : أن الإثم مطلق هنا لأن الله جل وعلا يقول : ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)  الأنعام ).

2 / 2 : أن المحرمات فى الطعام ليس مستعملا فيها مصطلح الاجتناب ، فلم يقل الله جل وعلا : إجتنبوا الميتة والدم ولحم الخنزير ..الخ ، وإنما إكتفى بتحريمها ، مع التأكيد على أن المضطر لا ( إثم ) عليه . نقرأ قوله جل وعلا :( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة ).

2 / 3 : ليس حراما وليس إثما أن تقترب من المحرمات فى الطعام . ليس حراما أن تكون لك مزرعة خنازير لا تأكل لحمها ، وليس حراما أن تقترب من دم مسفوح من حيوان حى ، أو من جثة حيوان ميّت . ليس هنا تعبير ( إجتنبوا ) ، فهو خاص بالخمر والميسر والأوثان والأنصاب .. وهى ( رجس ) . بالتالى هى حرام فى ذاتها ، وليس مجرد تأثيرها .

3 ـ نفهم الآتى من قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)المائدة ):

3 / 1 : مجتمع المدينة مؤسس على الحرية الدينية والاسلام السلوكى بمعنى السلام والإيمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان . ولذا فإن من الصحابة الذين آمنوا فى المدينة ـ سلوكيا فقط ـ من إستمر عاكفا على الأنصاب ( القبور المقدسة ) والخمر والميسر ، الى أن نزلت هذه الآيات من أواخر ما نزل فى القرآن الكريم ، والله جل وعلا يحثهم على إجتناب هذا ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ويؤكّد لهم أن مهمة  الرسول هى مجرد التبليغ ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ  ).

3 / 2 : الآيات الكريمة بعد نزولها تخاطب كل أولئك المؤمنين الذين يستحلون الخمر والميسر ، ويرتكبون إثما أعظم مما إرتكبه أولئك الصحابة فى عهد النبى محمد عليه السلام . أولئك الصحابة إرتكبوا الإثم دون تشريعه . أما بعض المؤمنين فى عصرنا فهم يجتهدون فى تشريع الإثم ، أى يؤسسون تشريعا مخالفا للاسلام العظيم .

3 / 3 : كلامنا هو للوعظ فقط . لأن كثيرين يسيئون معنى الاجتناب ، ويرون أنه لا بأس بالقليل من الخمر . ورددنا عليهم كثيرا فى قناتنا أهل القرآن وفى الفتاوى . ونرجو أن يكون هذا كافيا .



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 1298
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5020
اجمالي القراءات : 54,609,407
تعليقات له : 5,369
تعليقات عليه : 14,694
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


سؤالان : السؤا ل الأول ( قرة عين ) ( قرة أعين ) جاءت فى...

كثرة الملحدين: • است اذ احمد الملح دين بقوا كتير في الوطن...

ليس حراما : ماحكم أكل طعام الإزي ديين من خبز وحليب...

دعوة أهل القرآن: قلت ان القرآ نيين لا يهتمو ن بدعوة الاخر ين ...

حلال مهما قالوا: أنا أعلم من سورة المائ دة إن طعام أهل الكتا ب ...

ثلاثة أسئلة: السؤ ال الأول : إمرأ ة أرادت الانج اب ...

عن صديقك النمساوى: اذا عمل الانس ان الصال حات وهو لا يؤمن بوجود...

النذر ..مرة أخرى : أصيب ابنى الوحي د بأزمة صحية خطيرة فنذرت إن...

موتى السكتة القلبية: اريد ان اطرح سؤالا عن الذين يموتو ن بالسك تة ...

هذا الصديق العزيز: صديقي العزي ز : لفت انتبا هي عنوان الموق ع ...

لغة الأحاديث : يلاحظ اختلا ف مستوى الأحا ديث من حيث...

سؤالان : السؤا ل الأول راود ما معنى ( راود ) قرآني ا ؟...

زواج مسلمة من كتابي: ما حكم الشري عة الاسل امية فى زواج المسل مة ...

مسألة ميراث: ماتت وتركت ثروة ، وورثت ها : أب وأم وزوج و...

الطهارة من تانى.!!: الاست اذ الكري م احمد صبحي منصور السلا م ...

more