ولاية الفقيه.. وولاية السفيه!

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٠ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: أهل القرآن


بي للصحابة رضوان الله عليهم، وآل البيت الكرام؛ لا يفوقه إلا حبي للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان وسيظل إلى ما شاء الله مثلي الأعلى- ولله المثل الأعلى- وقدوتي الحسنة، ومجال حركتي وتفكيري، وبذلي وتضحيتي، وآمل ألا يزايد أحد عليَّ في هذا السياق.. ومن ثَمَّ؛ فإن موقفي من إيران وما يجري فيها؛ هو موقف الناقد الدارس الذي يرى فيها ما قد يتمناه في بلده ووطنه ومحروسته التي هي عقل الإسلام وقيادته وأمله في كل الأحوال.. ولا أزيد.

 لم أزر إيران، ولا أعرف أحدًا فيها، لم أر ما يجري فيها رأي العين، ولكني أتابعه من خلال الأحداث، وما يكتب عنها سياسةً وأدبًا وفكرًا وتحليلاً، وما يقوله الشانئون والكارهون، وخاصة أولاد الأفاعي في فلسطين المحتلة، وهذا يعطيني حدًّا أدنى من المعرفة على الأقل أضعه في سياقه الموضوعي من القراءة والتحليل.

 ولعل أول أو أبرز ما تعاب به إيران هو "ولاية الفقيه" التي تشكل أساس النظام السياسي والإداري في الحكم الإيراني، ويرى فيه الكارهون نقطة ضعف؛ لأنه يمثِّل الأداة الفعالة لما يسمى "الدولة الدينية" بجبروتها وطغيانها وقمعها للمجتمع والأفراد.

 وأود أن أقول مباشرة: إن الإسلام لا يعرف شيئًا اسمه الدولة الدينية بمفهومها الكنسي أو اليهودي، ودولة الإسلام هي أول حكومة مدنية على ظهر الأرض، لا يتحكم فيها عالم دين مهما بلغ من مكانة، ولا صاحب عضلات مهما بلغ من قوة، فهي دولة يلزم فيها كل إنسان "طائره في عنقه" وحسابه على الله، وصاحب السلطة أجير عند المسلمين، ليس هناك في دولة الإسلام حرمان أو غفران، ولا يملك الشيعة- على اختلاف فرقهم الباطنة والظاهرة- أن يحكموا على أحد بالتأثيم أو التبرئة... فالفقيه هناك مرشد وقائم على أمور الشريعة؛ حتى لو اتخذ صورة مرشد الثورة، فلا حصانة له، ويستطيع آية الله منتظري- المعارض الأشهر- أن ينتقده، ويرفض سلوكه السياسي، ويطالب بتنحيته (هل هذا ممكن في بلاد المخلفين من الأعراب؟).

 والفقيه في الواقع الشيعي يمثِّل قيادةً شعبيةً حقيقيةً؛ لأنه قريب من الناس في بساطته وجلوسه على الأرض، وتقشفه وزهده، حتى لو كان أهله وعائلته من (البازار) كبار التجار، مثل آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، فالوضع هنا يعني "توظيف" الغني واليسار لصالح البسطاء (أسهم رفسنجاني في تمويل الثورة قبل نجاحها بالملايين)، وإنقاذهم من القهر والفقر جميعًا.

 الفقيه الشيعي عنصر حيوية وحركة بالنسبة للجمهور يقودهم ويعبئهم ويوجههم إلى العمل، والاتجاه الذي يراه يخدم الشريعة ويطابقها، ولعل هذا كان من وراء ما بذله الشعب الإيراني من أموال ودماء في مواجهة النظام الشاه نشاهي المتوحش، وجهاز أمنه الدموي (السافاك)، وسياسته المخزية؛ انبطاحًا أمام الغزاة اليهود والمؤسسة الاستعمارية الصليبية بقيادة الولايات المتحدة.

 ولاية الفقيه تؤمن بالتواصل بين القادة والبسطاء، والحوزات والمساجد، والمنتديات تشهد عملية تفاهم القمة والقاعدة، وتحاورهما على مدى عريض.

 وولاية الفقيه في التصور الإسلامي السني تعني في جوهرها المعارضة للمنكر، ورفض المظالم؛ حتى لو كان الثمن قطع الرأس على النطع (اقرأ ما جرى للعالم الفقيه سعيد بن جبير على سبيل المثال)، والفقيه في هذا التصور ليس موظفًا عند السلطة؛ مهما بلغت من جبروت، فهو صمام الأمان والحماية للضعفاء والفقراء والمظلومين، ويستطيع الفقيه السني الذي لا يحكم أن يقيل الحاكم الظالم ويردعه عن طغيانه، والأمثلة كثيرة في التاريخ القريب والبعيد، وقد تصدَّى علماء السنة للمماليك والعثمانيين؛ حين ظلم بعضهم أو طغى!.

 ولا شك أن ولاية الفقيه في إيران وضعت أساس نظام سياسي أيًّا كانت سلبياته؛ فهو أفضل كثيرًا من ولاية "السفيه" في معظم بلادنا العربية.

 لقد استطاعت إيران تحت ولاية الفقيه هذه أن تخوض بالمتخصصين في شتى العلوم والأبحاث حربًا مدمرة لمدة ثماني سنوات في مواجهة العراق وكثير من الدول العربية والولايات المتحدة والغرب، وتمكنت من التغلب على حصار غربي صليبي ممتد منذ نجاح الثورة الإيرانية حتى اليوم، وأن تتبنى في ظل الحرب والحصار صناعة قوية، وزراعة مثمرة، وتوصلت إلى اكتفاء ذاتي في معظم المحاصيل، وفي مقدمتها القمح، وتشهد تفوق المرأة الإيرانية في المجالات كافة، ومن بينها المجال السياسي والعمل العام، ملتزمة بقيم الإسلام وأخلاقه، ثم وهو الأهم فإن العسكرية الإيرانية الراهنة تعد صورةً ناضجةً لإبداع الآلة الحربية برًّا وبحرًا وجوًا، فضلاً عن إطلاقها الأقمار الصناعية، وتتويج ذلك كله بتخصيب اليورانيوم.

 الشعب الإيراني في ظل ولاية الفقيه، ليس شعبًا من المشايخ الذين لا يفقهون غير علوم الدين؛ ولكنه شعب حي يعرف طريقه جيدًا بالعلم والمعرفة المدعومة بالإيمان- أيًّا كان هذا الإيمان- الذي عبَّر عنه ملايين الشهداء الذين ضحى بهم في ميدان القتال؛ مقاومة للاستبداد ومواجهة للعدوان، وهو ما يجعل المعارضة القوية التي جرت بعد انتخابات الرئيس في 12/6/2009م جزءًا من حيوية هذا الشعب، وثورته الدائمة التي لا تتوقف بحثًا عن العدل والتصويب، وتمنع الثائرين من الانبطاح أمام غواية السلطة أو إغراء الفساد.

 قارن ذلك بولاية السفيه "في بعض البلاد العربية، وهي ولاية بينها وبين الناس من العوازل والحوائل ما يضع السفهاء في مرحلة الآلهة- وإنْ كانوا عجزة- ويضع الشعب في مكانة الكائنات التي لا قيمة لها، ولا مستقبل.

 السفاهة في مفهومها اللغوي تحمل كثيرًا من معاني الخفة والطيش والجهل والاضطراب والخداع والانحراف.. إلخ، والسفاهة بالمفهوم السياسي لا تبعد عن ذلك كثيرًا؛ فهي لا تعرف دينًا ولا دنيا ولا خلقًا، ولا كرامة لبشر أو وطن؛ إنها تحكم بالحديد والنار والتشهير، وتنبطح أمام الغزاة، وتسجد للصليبيين الطغاة، وتفرِّط في أغلى ما يملكه الوطن من تراث وثروات.

 ولاية السفيه تنزع الإنسانية من مواطنيها، وتحولهم إلى مجرد دمى تأتمر بأمر السفيه، وتهتف باسمه أيًّا كان مستواه الإداري، وتتعايش مع فساد الأتباع والأنصار، وإن سُمح لها بـ"الهوهوة" و"الوعوعة"!.

 ولاية السفيه تضع الأجنبي في مكانة أعلا من مكانة مواطنيها، وتفرِّط في استحقاقهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

 انظر إلى ولاية السفيه، وهي تستورد احتياجات الناس من الإبرة إلى الصاروخ (الذي لا تستعمله عادة!)، وتبيع ما تملكه من مصانع ومؤسسات وأراضٍ للسماسرة والانتهازيين، وتفتح بلادها للأعداء والخصوم، بينما تغلقها في وجه بعض مواطنيها الذين تنفيهم وتبعدهم، ولا تتسامح معهم حتى وهم أموات، فلا تقبل بدفنهم في تراب بلادهم!.

 وتأمل كيف رهنوا حياة بلادهم نظير حفنة قمح مسمومة يستوردها النصابون، ومعدومو الضمير لتسميم الشعوب البائسة، مع أن لديهم كل الظروف التي تجعلهم ينتجون القمح ويكتفون منه، ومن المحاصيل والفواكه والخضراوات، ولكن ولاية السفيه لا يعنيها إلا إذلال شعوبها وتلويعها من أجل الرغيف المسموم.

 وتأمَّل كيف صار الاستسلام خيارًا إستراتيجيًّا لولاية السفيه، بينما يزداد العدو الغازي قوةً وشراسةً وعدوانيةً على مدار الساعة في كافة الميادين، ويكتفي السفهاء ببعض الاستعراضات التليفزيونية لسرايا الدفاع والدرك والجيوش الشعبية والأمن الوقائي.

 الفارق كبير بين ولاية الفقيه التي تنحاز إلى شعبها؛ مهما كان الخلاف معها، وولاية السفيه التي تنحاز إلى كبار اللصوص، والسماسرة، والكذبة، والمنافقين، والأفاقين، وأبواق الزور، وأقلام الزور، وشاشات الزور!!.

 لا يحق لولاية السفيه أن تلوم ولاية الفقيه إلا إذا تغيرت هي وقدمت النموذج الإسلامي الوطني الحر القوي الذي لا يركع لواشنطن، ولكن يسجد لله وحده.. وحتى ذلك الحين نسأل الله العفو والعافية.

حلمي محمد القاعود

اجمالي القراءات 2740
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأربعاء ٢١ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[43106]

هذه هي القضية

مع كل اختلافنا مع إيران وما تحمله من أجندة ، لكن هذا لا يمنع أن نقول أنها خطت خطوات مهمة داخليا في الإقتصادوالعلم وخارجيا عبرمفاوضات لم تكن فيها هي المستقبل فقط في معظم الأحيان، بقي أن نركز على عيوبنا أولا قبل أن ننتقد الآخرين .طبقا لمثلنا الشعبي الذي يقول : من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالطوب

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق