مبادرة الإصلاح العربي: الاقتصاد المصري بحافة الانهيار على المدى المتوسط

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٠ - سبتمبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


مبادرة الإصلاح العربي: الاقتصاد المصري بحافة الانهيار على المدى المتوسط

حذرت مؤسسة "مبادرة الإصلاح العربي" من حقيقة الاستقرار الذي يبدو عليه الاقتصاد المصري حاليا، وأكدت أنه ليس سوى قشرة تخفي وراءها حافة انهيار متوقع على المدى المتوسط إذا لما يقم النظام الحاكم بإصلاحات عميقة.

وأكدت ورقة بحثية لـ"نديم حوري"، المدير التنفيذي للمبادرة (بمشاركة "إسحاق ديوان"، أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة باريس للعلوم والآداب، و"يزيد صايغ" الباحث الرئيسي في مركز كارنيجي للشرق الأوسط) أن تداعيات جائحة تفشي فيروس كورونا المستجد كشفت أن بناء استقرار الأمن والاقتصاد الكلي في مصر مؤخراً تم على أسس هشة، إلى حد عودة البلاد إلى ذات النقطة التي كانت عليها قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

وأوضحت الورقة أن نذير الانهيار المحتمل للاقتصاد المصري مرتبط بـ"مشكلات بنيويّة عميقة ومظالِم اجتماعيّة محتدمة، مع استنفاد كل ما يمكن أن يخفّف من حدّتها"، في ظل إصرار النظام المصري على مقاومة "المزيد من الانفتاح في عالم السياسة والأسواق".

فنظام الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" اعتمد على المؤسّسة العسكريّة والقطاع العامّ ليكونا محرِّكا النموّ الاقتصاديّ في البلاد، ولم يكن قادراً أو راغباً في الحصول على استجابة من القطاع الخاصّ في هذا الشأن، وهو ما لم ينعكس أثره على أرقام الاقتصاد الكلي قبل جائحة كورونا في ظل الاعتماد على موارد جديدة، بينها تصدير الطاقة، إذ صارت البلاد من مصدّري الغاز الطبيعي منذ أواخر عام 2018.

لكن الجائحة أسفرت عن صدمة ضربت جميعَ مصادر النقد الأجنبي في مصر؛ بدءاً من السياحة إلى التحويلات الخارجيّة والاستثمار الأجنبيّ المباشر، وحتى صادرات الغاز وتدفقات رؤوس الأموال الدولية، ولذا فإن الاقتصاد الذي يبدو مرِنا على السطح، يعاني من الهشاشة من الداخل.

وساهم ذلك في كشف حقيقة متانة الاقتصاد المصري، الذي احتاج عام 2019، إلى جمع حوالي 100 مليار دولار لتلبية احتياجات البلاد من العملة الأجنبيّة؛ من أجل استيراد السلع الاستهلاكيّة والخدمات الخارجيّة التي تعتمد عليها (بقيمة 70 مليار دولار)، ومن أجل دفع فوائد ديونها الخارجيّة.

فرغم عمليّة خفض كبير للعملة، قادها نظام "السيسي" عام 2016، بنسبة 50%، لم تتمكن مصر من تصدير سِلَع سوى بقيمة 30 مليار دولار فقط (منها حوالي 10 مليارات من الغاز الطبيعيّ)، ما يعني وجود فجوة بقيمة 70 مليار دولار، اعتمدت الحكومة في سدها على 5 موارد كبرى للعملة الأجنبيّة، هي: التحويلات الخارجيّة (حوالي 30 مليار دولار تقريباً)، السياحة (حوالي 15 مليار دولار)، الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة والمَحافِظ الاستثماريّة (12 مليار دولار)، عائدات قناة السويس (6 مليار دولار)، والمساعدات الدوليّة الرسمية التي تصل إلى حوالي 10 مليار دولار (شاملة قروض من صندوق النقد الدوليّ).

لكن هذه الموارد الخمسة مجتمعة انخفضت بنسبة 30% على الأقلّ عام 2020، إثر تداعيات جائحة كورونا، وهو ما عالجته الحكومة المصرية باللجوء إلى مزيد من الاستدانة، سواء عبر الاقتراض الدولي، حيث تلقت بالفعل قرضاً عاجلاً بقيمة 2.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدوليّ في مايو/أيار الماضي، كما أبرمت اتّفاق استعداد ائتمانيّ بقيمة 5.2 مليار دولار في يونيو/حزيران، أو عبر إصدارات الدين، حيث طرحت 5 مليارات دولار في أكبر عمليّة طرح لها على الإطلاق في سوق السندات الدوليّة.

وبذلك تجاوزت قيمة الدين الخارجي لمصر (120 مليار دولار) 200% من صادرات السلع والخدمات، وهي قيمة لا تتطلب دفع فوائدهها (13 مليار دولار عام 2020) فقط، وإنّما تستدعي أن تعاد جدولة تمويل جزء كبير من الدين الخارجي للبلاد في العامَين المقبلين، بما يعني زيادة قيمة فوائد وأقساط الدين مستقبلا.

ولذا تشير الورقة إلى أن مصر مصنفة حاليا من قِبَل العديد عديد المحلّلين بينَ الدول الخمس الأكثر خطورة في الأسواق الصاعدة حول العالم.

تراجع النمو

وإزاء ذلك، سيتحتم على النظام المصري النظر في إجراء عمليّة خفض لقيمة العملة المحلية (الجنيه) مجددا، من أجل تقليص نسبة الواردات، والقيام برفع سعر الفائدة المحلّيّة لاحتواء هروب رأس المال، وهو إجراء من شأنه توجيه ضربة أخرى لمستوى المعيشة بالنسبة للطبقة الوسطى والفقراء.

وفي هذا الإطار، يتوقّع صندوق النقد الدوليّ تراجُعَ معدّل نمو الاقتصاد المصري من 5.5% إلى 2% عام 2020، وهو مع">فشركات القطاع الخاص في مصر باتت ترفض الاستثمار في توسيع قدراتها التشغيلية في ظل استمرار المخاطر السياسية المرتفعة، وضعف قدرتها على المنافسة الدولية، وانخفاض الطلب الداخلي (نتيجةَ انتشار الفقر بين السكان)، إضافة إلى مواجهتها منافسة شرسة من جانب اقتصاد المؤسّسة العسكريّة الذي يعمل نظام "السيسي" على تعزيزه منذ عام 2013.

وكان تقرير مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي مع مصر عام 2019 قد أشار إلى أن تنمية القطاع الخاص ما تزال مكبوحة بسبب "تركة السياسات الاقتصادية المنغلقة، والدور الكبير الذي تقوم به الدولة في النشاط الاقتصادي الذي أسفر عن سوء توزيع كبير للموارد وأضعف من قدرة الشركات المصرية على المنافسة في الأسواق الخارجية".

 


مقاولو الباطن

ونتج عن هكذا سياسات هيمنة عددٍ قليلٍ من الشركات ذات الصلات السياسية على الاقتصاد المصري باعتبارها "مقاولي الباطن" الذين يعملون لصالح المؤسسة العسكرية، وهي ظاهرة كاانت دائماً مدفوعة بالتناقض بين حاجة النظام إلى تحرير الاقتصاد ورغبته في الحفاظ على السلطة.

وتتنافس الشركات صاحبة الامتيازات السياسية بشكل غير عادل مع شركات متوسطة الحجم (أكفأ منها غالبا)، ما يقلل حصتها السوقية ويؤدي إلى تقليل الحوافز التي تدفع جميع الأطراف الاقتصادية الفاعلة نحو الاستثمار في الابتكار.

مع وجود قاعدة كبيرة من الشركات الصغيرة ذات الإنتاجية المنخفضة التي تملك مستوى منخفضاً للغاية من القدرة على الوصول إلى الخدمات العامة وإلى الأسواق الرسمية من أجل الحصول على مستلزمات الإنتاج، تعاني الشركات متوسطة الحجم في مصر من منافس آخر متحلل من أغلب التزامات السوق.

وبإضافة اضطلاع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بدور طليعي بارز في إدارة مشروعات اقتصادية بشكل مباشر، بما في ذلك تصنيع مجموعة واسعة ومتنوعة من السلع الاستهلاكية المدنية، وتقديم خدمات المقاولات واستيراد السلع الغذائية الأساسية والمستلزمات الطبية، واستصلاح الأراضي من أجل الزراعة، يمكن قراءة السبب الرئيس الذي يقف وراء حالة "الشلل" التي يعاني القطاع الخاص في مصر.

ولا يؤثر ذلك على كفاءة وفاعلية الرأسمالية الوطنية فقط، بل يؤدي أيضا إلى افتقار الشركات التابعة للقوات المسلحة أو تلك المتحالفة معها إلى ضعف الكفاءة والاستدامة في ظل عدم الحاجة إلى التجويد مع استمرار حالة المنافسة غير العادلة.

وفي هذا الإطار، أبدت إدارة "السيسي" انفصالاً واضحاً حتى عن رجال الأعمال المقربين من نظام الرئيس الأسبق "حسني مبارك"، وإن سُمح لبعض منهم بالعودة إلى مصر أو إعادة تصحيح أوضاعهم منذ 2013، بعد التوصل إلى تسوية مالية مع السلطات، دون أن يستعيد أي منهم مراكزه المتميزة.

فـ"السيسي" إلى القطاع الخاص بوصفه طرفاً تابعاً ويتعامل معه في الأساس على أنه مصدر رأس مال لتمويل مشاريع الدولة بدلاً من النظر إليه بوصفه محركاً لنمو وتطور الاقتصاد يجب أن تسعى الدولة لتعزيز استقلاليته وأن تشجعه على إطلاق المبادرات.

ويدعم الجيش المصري هذا التوجه بقوة، ويشارك "السيسي" تصوره وانعدام ثفته في كبرى الشركات الأكثر عولمة، باعتبارها ليست عرضة بنفس القدر للتلاعب السياسي أو الإكراه المالي، حسب ورقة "مبادرة الإصلاح العربي".

ولا تخضع شركات المؤسسة العسكرية على الإطلاق لأيّة رقابة خارجية أو تدقيق من أيّة هيئة مدنية حكومية، بل وتهيمن فعلياً على "هيئة الرقابة الإدارية"، جهاز الرقابة الحكومي الأقوى في مصر، كما لا تدفع الجمارك والرسوم المقررة على باقي شركات القطاع الخاص، فضلا عن تمتع كثير منها بعمالة شبه مجانية من المجندين.

ولما أثار هكذا مناخ قلق المستثمرين الأجانب، أخفقت جهود الحكومة المصرية في اجتذاب استثمار أجنبي مباشر بقيمة مضافة تمثل جدوى لاقتصاد البلاد منذ عام 2013 وحتى اليوم.

تفاقم الفقر

وإزاء ذلك، زادت حدة الفقر في مصر لتصل إلى 33% في عام 2018 بعد أن كانت 30% في عام 2012 (وفقاً لإحصاءات البنك الدولي عام 2020).

لكن حتى هذا الرقم هو أدنى من التعبير عن الواقع الحقيقي، فقد حددت الحكومة المصرية خط الفقر الوطني ليبلغ 763 جنيهاً فقط (45 دولار) شهرياً، وهو رقم يراه كثيرون قليلاً للغاية، فيما تفيد تقديرات حديثة للبنك الدولي أن 60% من المصريين كانوا "إما فقراء أو عرضة للفقر".

غير أن الآثار الاجتماعية لهذا الوقع غير مسموح بالتعبير عن مطالب أصحابها من قبل النظام المصري، فقد شنت الأجهزة الأمنية في عهد "السيسي" حملة شاملة لتقليص الحيز المتاح للمجتمع المدني، واستهدفت الحملة العسكرية الصارمة في مستهل الأمر جماعة "الإخوان المسلمون"، ولكن سرعان ما استهدفت أيضا طائفة متزايدة من الصحافيين والنشطاء والمحتجين تحت ذريعة تهديد النظام العام أو الأمن القومي.

وأصبح الإعراب عن المظالم أو انتقاد السياسات الاقتصادية أمراً مستحيلاً. بل وامتدت هذه الحملة مؤخراً لتشمل الأطباء والصحفيين الذين ينتقدون أو يشككون في جهود الدولة للتصدي لجائحة كورونا.

كما غلقت الحكومة وسائل الإعلام المستقلة، وسعت إلى تعزيز ملكيتها أو سيطرتها على معظم وسائل الإعلام -بل إن أجهزة الاستخبارات اشترت منافذ إعلامية مستقلة عبر شركة "إيجل كابيتال"- مما يجعل من المستحيل بث أي شكاوى عبر وسائل الإعلام التقليدية.

وفي ظل حظر المظاهرات وضيق الخناق على المنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية، لا يملك نظام "السيسي" سوى مجموعة محدودة من الأدوات للنظر في المظالم، كما لا يملك المجتمع أية وسيلة ضغط باتجاه إجراء إصلاحات داخلية تبدو لازمة.

وخلصت الورقة إلى أنه رغم عدم وجود أي دلائل تشير إلى نجاح النهج المصري المتبع في ظل عسكرة الاقتصاد، إلا أن أسبابا استراتيجية داخلية لا بد أن تدفع مصر إلى البدء في تغيير نهجها، إذ يهدد الدعم الحالي للأعمال التجارية التي تقودها المؤسسة العسكرية بشكل متزايد استدامة نظام "السيسي"، سواء من زاوية انخفاض جودة الإنتاجية العسكرية في القطاعات المدنية، وبالتالي تحقيقها خسائر تؤثر بشدة على مجمل الاقتصاد الوطني، أو من زاوية ضرةرى إعادة توجيه الجيش نحو الاحتياجات الأمنية الماسة، خاصة في ظل التحديات الناجمة عن التنظيمات المسلحة في سيناء، وتصاعد نسبة انعدام الأمن بدول الجوار المصري (السودان وليبيا).

لكن هل لدى نظام "السيسي" استعداد لتوسيع نطاق المشاركة في الشؤون السياسية، وفي نفس السياق، دفع القطاع الخاص إلى الاضطلاع بدور أكثر مركزية في الاقتصاد؟ لا مؤشرات على ذلك حتى الآن، فلا النظام في القاهرة يشعر بضرورة التوصل إلى حل وسط بشأن أي شيء، ولا يمارس أنصاره الدوليون والإقليميون أيّة ضغوط عليه لتغيير نهجه.

ولذا خلصت الورقة إلى ضرورة أن تبدأ المؤسسات الدولية والحكومات الغربية محادثات مع مصر بشأن ضرورة إجراء إصلاحات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، والتصدي لرفض القاهرة الدخول في أي محادثات جوهرية حول قضايا الإصلاح بينما تأخذ بكل سرور التمويل الأجنبي اللازم لإبقاء نظامها صامداً.

اجمالي القراءات 372
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق