واشنطن بوست: حسني مبارك مات لكن متى ندفن النظام المصري المستبد؟

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٧ - فبراير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الجزيرة


واشنطن بوست: حسني مبارك مات لكن متى ندفن النظام المصري المستبد؟

قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية إن "مصر دفنت الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكنها لم تدفن حتى الآن النظام المصري المستبد الذي كان يمثله".

وحكم مبارك مصر ثلاثة عقود ابتداء من عام 1981، خلفا للرئيس الراحل أنور السادات، قبل أن تطيح به الاحتجاجات الشعبية عام 2011، وقد أمضى بضع سنين بعد ذلك في السجن (قضى معظمها في مستشفيات عسكرية)، قبل إطلاق سراحه عام 2017.

وأضافت الصحيفة في مقال للكاتب الروائي المصري عز الدين فشير، أن موت حسني مبارك (92 عاما) صباح الثلاثاء الماضي يذكرنا بوضع النظام السلطوي المصري. فالرجل الذي عاشت مصر في ظله ثلاثين عاما، وظل العالم يحسب حساب وفاته لمدة عشرين عاما، توفي بهدوء بعد أن فقد دوره بسنوات عديدة.

وقال الكاتب "أنا من الجيل الذي كان في المدرسة الثانوية وأنور السادات رئيسا، والسادات معروف في الأوساط الدولية باعتباره قائدا شجاعا حقق لبلاده السلام والتطور، ولكنه كان في نظر كثير من المصريين مستبدا نرجسيا سجنَ مَن عارضوه، وترأس منظومة من الفساد أثرت الأغنياء، واهتم بتلميع صورته في الخارج باستخدام مظاهر تحديثية كاذبة في حين غرقت البلاد في التحلل. وحين اغتيل، تنفس الكثيرون من أبناء جيلي الصعداء".

وأضاف أن سنوات مبارك الأولى في الحكم أكدت هذا الشعور بالارتياح، فقد أطلق سراح المعتقلين السياسيين وتخلى عن مظاهر سلفه الكاذبة، وطارد رموز الفساد ووضع إصلاح الاقتصاد والبنية التحتية المنهارة في بؤرة الاهتمام العام. لكن هذا الشعور لم يدم: فالنظام السلطوي الذي قاده السادات -ومن قبله جمال عبد الناصر- ظل كما هو.

ومضى قائلا "كان مبارك واعيا تماما لمحدودية قدرات مصر، فلم يحاول السعي خلف الطموحات العظيمة التي سعى لها من سبقوه، لكنه كان أيضا واعيا لإحساس المصريين العميق بالكبرياء، وبدلا من أن يحاول إعادة هيكلة النظام السياسي السلطوي كي يطلق الطاقات الكامنة في المجتمع وينمي الإمكانيات المصرية، اختار الطريق الأسهل: أن يبقي البلاد طافية على سطح الماء، ويملأ المسافة الفاصلة بين واقعها المتردي وكبريائها من خلال الحفاظ على المظاهر".

ولهذا لم تأخذ مصر في عهد مبارك خطوات جادة في أي اتجاه، بل ظلت تطفو في مكانها، وهو الخيار الأكثر أمانا في ظل جمود النظام السياسي وعجزه عن ترجمة رأس مال المجتمع وجوانب قوته إلى تنمية متواصلة.


فشير: النظام السلطوي المصري عاجز عن القيام بوظائفه الحيوية، لكنه باق في مكانه نتيجة القمع المفرط وخوف المصريين من البديل (مواقع التواصل)
فشير: النظام السلطوي المصري عاجز عن القيام بوظائفه الحيوية، لكنه باق في مكانه نتيجة القمع المفرط وخوف المصريين من البديل (مواقع التواصل)

مشكلة مبارك
وبحسب فشير، فإن النظام السياسي الذي ورثه مبارك لم يكن عاجزا عن قيادة التنمية فحسب، بل كان أيضا أضيق من أن يحتوي الصراعات السياسية والاجتماعية، ونتيجة لحرص النظام الدائم على تفادي القرارات الصعبة، ظل ينحي جانبا مسألة إصلاح النظام السياسي.

وهكذا قضت مصر ثلاثين عاما في حالة مستمرة من "إدارة الأزمات"، كأن لم يكن هناك وقت لفعل أي شيء ذي معنى، مثل النظر في تغيير المسار أو تبني إصلاحات سياسية واجتماعية جذرية.

وأضاف أن التغييرات الاجتماعية والثقافية تسارعت منذ التسعينيات، وأدى انتشار الفضائيات ثم الإنترنت إلى توسيع التنشئة الاجتماعية للأجيال الجديدة وكسر احتكار الدولة لصياغة السلوك السياسي والاجتماعي.

وأدى التواصل المباشر مع العالم -وفقا للكاتب- إلى اكتشاف شباب مصر لنسق قيمي وسلوكي مختلف تماما، ولحقائق سياسية مثل شيوع الانتخابات الحرة في كل مكان، وهكذا اتسعت الهوة بين النظام السياسي وبين توقعات الأغلبية من الدولة. وظل النظام يطفو، مستخدما مزيجا من القمع والانسحاب والاستمالة والتخويف من التطرف الإسلامي.

وشدد على أن المظالم كثرت والضغائن تراكمت خارج إطار النظام السياسي، حتى وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة في فبراير/شباط 2011 حين أرغم الجيش مبارك على التخلي عن سلطاته لمجلس قيادي عسكري.

وهو نفس الأمر الذي تكرر عام 2013، حين أطاح العسكريون بالرئيس محمد مرسي بعد عام من توليه الرئاسة. والأمر المثير للسخرية أن هؤلاء الرؤساء ذهبوا في حين بقي النظام السلطوي المسؤول عن كل هذه المشاكل في مكانه.ووفقا لفشير، فإن النظام السلطوي المصري ما زال عاجزا عن القيام بوظائفه الحيوية، لكنه باق في مكانه نتيجة القمع المفرط والخوف من البديل، مشيرا إلى أن العسكريين الذين يحكمون مصر منذ عام 1952، يدركون أن إستراتيجية مبارك بالطفو في المكان لم تعد صالحة، لكنهم بدلا من أن يصلحوا النظام السياسي المنهار، يعملون بهمة ونشاط على إعادة هيكلة المجتمع كي يتلاءم مع السلطوية الفاشلة.

يذكر أن الكاتب عز الدين شكري فشير حاصل على زمالة باسم الصحفي السعودي جمال خاشقجي من صحيفة واشنطن بوست، ويعمل أستاذا زائرا في كلية دارتموث، كما عمل سابقا مستشارا في وزارة الخارجية المصرية والأمم المتحدة، وعمل كذلك في قسم العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة.

ونشر فشير سبع روايات، يجسد معظمها الفساد الاجتماعي والسياسي، ورُشحت اثنتان منها لجائزة "البوكر" العربية.

اجمالي القراءات 472
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق