من الإسماعيلية إلى كابول.. كيف تصنع «الصواريخ المضادة للطائرات» التاريخ؟

اضيف الخبر في يوم السبت ١٠ - أغسطس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


من الإسماعيلية إلى كابول.. كيف تصنع «الصواريخ المضادة للطائرات» التاريخ؟

ضجة كبيرة احتلت عناوين مواقع الأخبار، ومنصات التحليل السياسي والعسكري مؤخرًا، منذ تأكد رسميًا حصول تركيا على منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية «إس 400»، والتي يعتبرها الكثيرون الأقوى في العالم، واعتبرت تركيا الحصول عليها واجبًا حتميًا، تتقاطع فيه المزايا العسكرية التكتيكية والإستراتيجية، وكذلك السياسية والدعائية، بما يستحق من أجله التضحية بغضب العم سام، وبمشروع المقاتلة «إف-35» المشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية.

أعاد إلى أذهان الكثيرين وصولُ تلك المنظومة المتطورة إلى الشرق الأوسط، ذكرياتٍ استثنائية، حظيَت فيها الصواريخ المضادة للطائرات بأدوار البطولة، وأحدثت فارقًا جوهريًا على مسرح أحداث الشرق الأوسط وجواره الملتهب. سنقص في السطور التالية بعض أبرز تلك الذكريات، وما تمخّض عنها من نتائج.

صواريخ «سام».. عندما اصطدمت ذراع إسرائيل الطولى بحائط صلب

«قيادة القوات الجوية الإسرائيلية تصدر تحذيرًا إلى كافة الطيارين الإسرائيليين بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم». لو ذكرت الجملة السابقة لأي مصريٍّ أو عربي يعاصرَ هزيمة 1967الساحقة، التي دمَر الطيران الإسرائيلي خلالَها نظيرَه المصري على الأرض، وفرض نفسه ذراعًا طويلةً لإسرائيل فتحت أمامها أبواب النصر الساحق، لاتهمك بالجنون. لكن الأكثر جنونًا، أن ذلك كان بيانًا حقيقيًا لقيادة الجو الإسرائيلية بعد ست سنواتٍ فقط من حرب 1967، وبينما لم تكن قد مرت 24 ساعة الأولى منذ اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، يوم السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.

يذكر الفريق سعد الدين الشاذلي، في  مذكراته عن حرب أكتوبر، والذي يتناول فيه أحداث يوم 6 أكتوبر 1973، أنه  لم تكد تمر ساعتان على بداية عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس، حتى كان الطيران الإسرائيلي قد ظهر في سماء الجبهة المصرية محاولًا إعاقة عملية العبور. اصطدمت الطائرات المغيرة بالعشرات من بطاريات صواريخ الدفاع الجوي المصرية المتراصة بطول الضفة الغربية من قناة السويس، والتي يغطى مداها حتى 15 كم شرق القناة. كانت المحصلة إسقاط سبع مقاتلات إسرائيلية في الصدام الأول.

على مدار الساعات والأيام التالية، تفاقمت خسائر الطائرات الإسرائيلية التي كانت تحاول تقديم الغطاء الجوي للهجمات المضادة الإسرائيلية على الجبهتيْن السورية والمصرية، بفعل صواريخ «سام» السوفيتية المضادة للطائرات، خاصة على الجبهة المصرية التي انتظمت فيها تلك الصواريخ على شكل غابة متكاملة تغطي كامل منطقة الجبهة، وهو ما كان يُعرف مجازًا بـ«حائط الصواريخ المصري». لاسيَّما إذا لم تلتزم تلك الطائرات بتعليمات قيادتها بالابتعاد بمسافة آمنة عن قناة السويس.

لم تتنفس الطائرات الإسرائيلية الصعداء إلا بعد حدوث ثغرة الدفرسوار ابتداء من يوم 15 أكتوبر 1973، عندما نجح الإسرائيليون في العبور المضاد إلى الضفة الغربية للقناة، وقامت دباباتهم بتدمير العديد من مواقع الصواريخ، خاصة في الجزء الأوسط والجنوبي من الجبهة، حيث مواقع الجيش الثالث المصري، والذي تعرض للحصار من قِبَل قوات الثغرة الإسرائيلية. 

جديرٌ بالذكر أن السبب المباشر للثغرة كان القرار المفاجئ من القيادة السياسية المصرية بتطوير الهجوم المصري شرقًا يوم 14 أكتوبر خارج مدى حائط الصواريخ، فأصبحت الدبابات المصرية المتقدمة في الصحراء فريسةً سهلة للطائرات الإسرائيلية، فخسرت مصر – كما يذكر الفريقان الشاذلي والجمسي في مذكراتيْهما – حوالي 250 دبابة في ذلك اليوم الصعب، جلَّها من الاحتياطي الإستراتيجي الذي كان متمركزًا غرب القناة في عينْ المنطقة التي حدث فيها العبور الإسرائيلي المضاد بعد أيام.

والآن نعود إلى بداية قصة حائط الصواريخ، والذي لولاه لما نجح المصريون في عبور القناة في ظل تفوقٍ جوي إسرائبلي، كمي ونوعيِّ.

في ذكرى حرب العاشر من رمضان.. 8 حقائق غائبة لا يعرفها الكثيرون

الجزء الخامس من شهادة اللواء عادل حسانين على أحداث تأسيس حائط الدفاع الجوي الصاروخي غرب القناة

ولولا شبكة الصواريخ المصرية، وكونها مظلة حقيقة تغطي كامل منطقة الجبهة بضفتيْها، لما تمكَّنت مصر من عبور القناة، وللدقة لم تكن تجرؤ القيادة المصرية السياسية والعسكرية على أخذ مثل هذا القرار الانتحاري بمواجهة مفتوحة في الصحراء مع عدو متحصِّن بشدة بريًّا، ويسيطر على السماء كذلك بشكلٍ كامل.

سهل البقاع 1982.. الإسرائيليون تعلّموا الدرس

لم ينسَ الإسرائيليون – ولا الأمريكيون بالطبع – ما فعلتْه الصواريخ السوفيتية المضادة للطائرات، والتي اعتمدت عليها وحدات الدفاع الجوي المصرية والسورية في حرب 1973، بمئات الطائرات الحربية الإسرائيلية؛ مما وضع التفوق الإسرائيلي العسكري عامةً، والجوي خاصةً، على المحك، وكاد يُنزل بإسرائيل هزيمة ماحقة في تلك الحرب، لولا أخطاء العرب، والدعم الأمريكي العاجل، والسخي، كمًّا ونوعًا، في الجزء الثاني من الحرب.

أعاد الإسرائيليون بناء قواتهم الجوية، وحصلوا على أجيالٍ أحدث من تلك الطائرات التي افترشت أشلاؤها رمالَ سيناء، وهضبة الجولان قبل أعوام. وكان الاختبار الأول لتلك القدرات الجديدة في ساحة لبنان الملتهبة.

لبنان.. أرض الحرب بالوكالة

كانت الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعتْ في شهر أبريل (نيسان) عام 1975، قد تحولت سريعًا إلى صراعٍ إقليمي مباشر وغير مباشر، لاسيَّما وأن الشرارة المباشرة لاندلاعها كان مبعثُها الانقسامَ الشديد حول الوجود الفلسطيني – المسلح خاصة – في لبنان، واستخدامها مُنطَلقًا لأعمال المقاومة بالداخل ضد إسرائيل، والتي كانت ترد عليها بقسوة مفرطة لزعزعة استقرار الداخل اللبناني، وتنمية العداء ضد الوجود  الفلسطيني.

كادت قوات «منظمة التحرير الفلسطينية»، وحلفاؤها من الأحزاب اللبنانية الثورية والاشتراكية والشيوعية والقومية العروبية، تحقق انتصارًا ساحقًا على قوات اليمين المسيحي – الأقرب لرضا القوى الدولية وإسرائيل – بعد أشهرٍ من اندلاع الحرب، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة وإسرائيل تجتاح القوات السورية لبنان عام 1976، لتقاتل في الأساس الحلف الفلسطيني-اللبناني الموشك على الانتصار، تحت واجهة إعادة التوازن، وإنهاء الحرب الأهلية.

بالفعل تنفَّس اليمين المسيحي الصعداء، ونجح السوريون في تعزيز وجودهم بلبنان خاصة في سهل البقاع، الجزء الشرقي من لبنان، والأقرب إلى سوريا، بينما انكفأت القوات الفلسطينية والثورية إلى جنوب لبنان بالأساس، لتظل على تماسٍ مع إسرائيل، لتواصل أعمال المقاومة ضدها، بجانب السيطرة على بيروت الغربية (كانت بيروت الشرقية في حوزة اليمين المسيحي).

أدى استمرار أعمال المقاومة ضد إسرائيل انطلاقًا من لبنان إلى اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان عام 1978، فيما كان يعرف بـ«عملية الليطاني»، لكن لم تلبث القوات الإسرائيلية أن انسحبت بعد أن سلمت مناطق عديدة من جنوب لبنان إلى ما كان يُعرَف بـ«جيشِ لبنان الجنوبي» الموالي لإسرائيل بزعامة الرائد المنشق سعد حداد، وصدر قرار مجلس الأمن رقم 425، والقاضي بانسحاب إسرائيل، ووُضِعَت قواتٌ دولية على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، لتكون بمثابة عازل بين الطرفين. لكن استمرت في السنوات التالية أعمال المقاومة الفلسطينية انطلاقًا من جنوب لبنان، خاصة القصف بالمدفعية وصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات شمال إسرائيل. 

أحدثت زيارة الرئيس المصري الأسبق السادات إلى الكنيست الإسرائيلي، وما تلاها من جولات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، صدمة كبيرة في المشهد العربي عامةً، والمشهد اللبناني بوجهٍ خاصٍ؛ ما دفع سوريا لتغيير طريقتها هناك تكتيكيًا واستراتيجيًا. تحسنت نسبيًا العلاقات السورية-الفلسطينية في لبنان منذ عام 1978، وتزايدت الاشتباكات بين الجيش السوري والكتائب المسيحية، وتفاقم التوتر تدريجيًا بين إسرائيل وسوريا، خصوصًا مع تصاعد التقارب بين اليمين المسيحي وإسرائيل.

أصبح الإسرائيليون مقتنعين أن الضوء الأخضر الذي مُنِحَ لسوريا من أجل هندسة الوضع في لبنان لم يكن قرارًا صائبًا، وبدا أن جولة أعنف من الصدام في الطريق، وأن حربًا سورية إسرائيلية جديدة تلوح في الأفق.

البقاع.. القوات الجوية الإسرائيلية تستعيد سطوتها

أوائل الثمانينات، كان لبنان قد تحول إلى مناطق نفوذٍ تقاسمتها سوريا، وإسرائيل، والفلسطينيين، واليمين المسيحي. وبين أواخر عام 1980 حتى منتصف 1981، اندلعت حرب واسعة بين الجيش السوري، وقوات اليمين المسيحي، للسيطرة على بعض مناطق سهل البقاع اللبناني، وقصفت خلالها المروحيات السورية مدينة زحلة اللبنانية بعنف. اعتبرت إسرائيل تدخل القوات الجوية السورية خرقًا للتفاهمات غير المباشرة حول التوازن في لبنان، ومحاولة سورية لابتلاع لبنان بالكامل. 

تدخل الطيران الإسرائيلي بشكلٍ مباشر، وأسقطَ مروحيَّتيْن سوريّتيْن، فتصاعَد الموقف، ودفعت سوريا ببطاريات صواريخ «سام-6» السوفيتية ذاتية الحركة والمضادة للطائرات إلى سهل البقاع، معيدةً إلى الأذهان ذكريات حرب أكتوبر 1973، لمحاولة استعادة سيطرتها على المشهد، كما حدثت بعض المعارك الجوية بين الطائرات الإسرائيلية والسورية، وكانت الغلبة فيها للتفوق النوعي الإسرائيلي. لكن أسهمت بعض الجهود الدولية في تأخير تطور المشهد إلى جربٍ إسرائيلية-سورية مفتوحة في لبنان. لكن ظلت الصواريخ السورية المضادة للطائرات في لبنان، شوكةَ في حلق الهيمنة الجوية الإسرائيلية، رغم تفاهم ضمني جديد برعايةِ أمريكية على أن يكون وجودَها رمزيًا.

ساعتيان من نهار

في العام التالي 1982 آن أوان الصدام الكبير. اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان في يونيو (حزيران) 1982 بمئات الدبابات، وعشرات الآلاف من الجنود، بعد شن مئات الغارات الجوية. كان الهدف هو  القضاء التام على الوجود العسكري الفلسطيني، وكذلك تحجيم النفوذ السوري هناك، ورغم المقاومة الفلسطينية واللبنانية الشرسة، نجحت القوات الإسرائيلية في التقدم شمالًا. لضمان نجاح عمليتهم العسكرية.

كان على الإسرائيليين ضمان ألا يتمكن السوريون المتمركزون بالأساس في سهل البقاع من تقديم الدعم العسكري المباشر، وغير مباشر، للمقاومين الفلسطينيين، ولن يتأتَّى هذا إلى بكسر الذراع السوري الطويل في لبنان، فكانت عملية التاسع من يونيو (حزيران) 1982، وهو اليوم الرابع من بداية الاجتياح البري الإسرائيلي للبنان.

مقطع من إنتاج الجيش الإسرائيلي يتحدث عن معركة تدنير الدفاع الجوي السوري بالبقاع عام 1982م، والنقلة النوعية في آداء الطيران الإسرائيلي

في ذلك اليوم – وفيما عُرف بعملية «mole cricket 19»–  والذي يعتبره الإسرائيليون من أيام مجدهم الحربي، كان دور البطولة للطائرات الأمريكية الحديثة، وفي مقدمتها «F15»، والتي أحدثت فارقًا بالمقارنة بنظائرها التي اعتمدت عليها إسرائيل في حرب أكتوبر«تشرين 1973».

تمكَّن الطيران الإسرائيلي، وخلال أقل من ساعتيْن فحسب من نهار ذلك اليوم الاستثنائي، من توجيه ضربة عسكرية مركزة ضد الدفاع الجوي السوري في سهل البقاع اللبناني، نجح خلالها في تدمير 29 بطارية صواريخ «سام» مضادة للطائرات من أصل 30، إلى جانب إسقاط أكثر من 80 مقاتلة سورية حاولت التدخل ضد الطيران الإسرائيلي لحماية بطاريات الصواريخ، في مقابل خسارة طائرتيْن حربيَّتيْن إسرائيليّتيْن فحسب. ورغم الفارق المدوي في الخسائر بين الطرفين، اعتبرت تلك المعركة من أضخم المعارك الجوية في القرن العشرين.

الجزء الثامن من وثائقي حرب لبنان، ويتناول تفاصيل بدء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، والصدام الإسرائيلي-السوري في البقاع

أسفرت تلك المعركة عن مسارعة القوى الدولية بعقد اتفاق لوقف إطلاق النار يبدأ من اليوم التالي بين إسرائيل وسوريا، خوفًا من تطور الأمر إلى حرب مفتوحة بين الجانبيْن تزيد تعقيد المشهد، واضطرت سوريا للقبول بعد الخسائر الجسيمة التي منيَت بها، والتي جعلت قواتها تعمل في البقاع اللبناني وغيره دون غطاء جوي.

ورغم نجاح القوات البرية السورية في التصدي للتقدم البري الإسرائيلي في البقاع، فإن نزع الغطاء الجوي الدفاعي – صواريخ «سام» – والهجومي – المقاتلات السورية – لم يسمح للسوريين بالقيام بأي جهدٍ عسكري فعال لمقاومة الحصار الإسرائيلي لبيروت الغربية – حيث تحصَّن الفلسطينيون وحلفاؤهم من القوى الوطنية – والذي استمرَّ لأكثر من شهرين، وأدى آخر المطاف إلى إخراج الفلسطينيين من بيروت، وتحقيق الإسرائيليين انتصارًا أوليًّا في تلك الحرب الضروس. 

صواريخ «ستينجر».. اللدغة الأمريكية السامة التي أنهت الحرب الباردة

في إطار الحرب الباردة بين قطبيْ العالم الأمريكي والسوفيتي، وعلى وقع صدمة الثورة الإسلامية الكاسحة المنتصرة في إيران أوائل 1979، وخشية السوفيت من «تأثير الدومينو»، وانتشار المد الثوري الإسلامي إلى عشرات المناطق الإسلامية الخاضعة لهيمنة المعسكر الشيوعي بشكلٍ مباشر وغير مباشر، جاء القرار السوفيتي الذي هزّ العالم بأسره، وآثار سخط المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة، والتي رأت تهديدًا إستراتيجيًا كبيرًا في الوجود السوفيتي على مرمى حجر من خليج النفط العربي، دائرة نفوذها الحيوية في الشرق الأوسط.

اقتحم الجيش الأحمر الحدود السوفيتية الأفغانية في ديسمبر عام ١٩٧٩، وخلال أسابيع قليلة فرض سيطرته على معظم مناطق أفغانستان، والتي كانت تموج بالقلاقل على مدار سنواتٍ، تخللها العديد من مظاهر المعارضة المسلحة خاصة من الفئات المحافظة والإسلامية، الرافضة لسياسات حكومة حفيظ الله أمين الشيوعية المتطرفة، التي وضعت ثوابت هؤلاء، واستقرار حكومته كليهما على المحك. خشية من نجاح ثورة إسلامية جديدة في المجال الحيوي السوفيتي، قرر الدب الأحمر التدخل بشكل مباشر.

في أسوأ كوابيسهم، لم يتصور السوفيت أن الاجتياح السهل لأفغانستان سيكون بداية واحد من أقسى الفصول السياسية والعسكرية في تاريخهم، وأن جبال أفغانستان القاسية، وأوديتها الصلبة، ستكون كمينًا دمويًا مفتوحًا لهم على مدار تسع سنواتٍ تالية، على الرغم من القوة النيرانية الهائلة التي استخدمها السوفيت جوًّا وبرًّا، وأبادوا بها مئات القرى الأفغانية التي كانت الحاضنة الأهم لمن أُطلقَ عليهم في العالم الإسلامي ووسائل الإعلام الغربية والأمريكية «المجاهدون الأفغان»؛ مما سبّب نزوح أكثر من 4 ملايين أفغاني إلى باكستان وإيران في سنوات الحرب الأولى.

بحلول عام 1986، وبعد أكثر من خمس سنواتٍ من الحرب المفتوحة بين المجاهدين، والسوفييت، كان الحسم يبدو بعيدًا عن كلا الطرفيْن. لم تنجح القوة النيرانية السوفيتية، وضراوة القصف للقرى والمناطق الجبلية في القضاء على المجاهدين. كذلك لم يستطِع الأخيرون تحقيق أية سيطرة كبيرة على الأرض، تحت السيطرة الجوية السوفييتية الكاملة، خصوصًا المروحيات السوفييتية من طراز «مي»، والتي كانت تشبه الدبابة الطائرة، وكانت تستطيع العمل بكفاءة في المناطق الجبلية.

مقطع موجز يذكر بدور صواريخ ستينجر في الحرب الأفغانية عندما أثيرت شائعات عن قرب وصوله إلى المعارضة السورية 

لكن في ذلك العام حدث ما غيَّر كثيرًا من سير المعركة، ورجَّح الرأي الذي بدأ يتصاعد في القيادة السوفيتيية بضرورة الخروج من المستنقع الأفغاني بأسرع وقت. أمَّن الأمريكيون وصول صواريخ «ستينجر» الأمريكية المضادة للطائرات، والمحمولة على الكتف إلى المجاهدين. دخلت تلك الصواريخ الخدمة في الولايات المتحدة لأول مرة عام 1981، وامتازت بفاعلية كبيرة، مقارنة بوزنها الخفيف والذي يبلغ 17 كجم فحسب، ومثّلت إضافة كبيرة إلى قوات المشاة، إذ تمنحها القدرة على الدفاع ضد الهجمات الجو-أرضية القريبة. وهي تعتمد على التوجيه بالأشعة تحت الحمراء، ويبلغ سرعة المقذوف ضعفيْ سرعة الصوت، ويبلغ مداها الأقصى ستة كيلومترات. الخصائص السابقة تجعلها مثالية ضد المروحيات، لكن تجعلها محدودة الفعالية ضد المقاتلات النفاثة الحديثة.

رغم حاجة صواريخ «ستينجر» إلى أكثر من 130 ساعة من التدريب لإتقان القتال بها، فإن «المجاهدين الأفغان» ما لبثوا أن استوعبوها جيدًا، بنسبة فعالية في الإصابة تصل إلى 70%، وجعلوا منها كابوسًا مؤرقًا للطيارين السوفيت، جعلهم يخشون كثيرًا من الطيران المنخفض، مما قلّل من دقة إصابتهم لأهدافهم. كذلك حدَّت صواريخ ستينجر كثيرًا من فعالية المروحيات السوفيتية ضد «المجاهدين»، مما منحهم الكثير من حرية الحركة، والقدرة على نصب الكمائن للقوات البرية السوفيتية دون خشية من تدخل المروحيات السوفييتية.

بعد عامين سينسحب السوفيت المنهكون من أفغانستان، بعد أن فقدوا أكثر من 40 ألف قتيل، مخلفينَ وراءهم حكومة ضعيفة موالية لهم في كابول، لن تصمد بعد رحيلهم أكثر من ثلاث سنوات، لكن ستكون أكثر حظًا من الاتحاد السوفيتي نفسه، والذي سيتصدع قبلها بعام، وينقسم إلى أكثر من 30 دولة، شاهدة على ما يمكن أن تفعله الصواريخ المضادة للطائرات، المحمولة على كتف مقاتلين منخفضي التسليح، بأعتى الإمبراطوريات.

اجمالي القراءات 1392
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق