نعم للتهديدات لا للحرب».. ما هي نقاط الضعف والقوة بين واشنطن وطهران؟

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢١ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


نعم للتهديدات لا للحرب».. ما هي نقاط الضعف والقوة بين واشنطن وطهران؟

بعد عامٍ من انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، قررت طهران بعد نفاد مهلة 60 يومًا التي منحتها للأطراف الأوروبيين (ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا) للتدخل لإنقاذ ما تبقى الاتفاق، تنفيذ تهديدها ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم فوق 3.67% – الحدالمسموح الذي أقره الاتفاق لإنتاج الكهرباء – في ظل تهديدها بتشغيل أجهزة الطرد المركزي والتي د قتُمكّنها فعليًا من صنع قُنبلة نووية.

وتزامنًا مع تصاعد حدّة التوترات بين البلدين، رفعت إيران حدّة خطابها العسكري عبر وزير دفاعها الذي خرج بعد إسقاط قواته طائرة تجسس أمريكية قُرب حدودها، وأعلن جاهزية جيشه لرد أية اعتداءات، لكنّ الوجه الغاضب لإيران لم يكن كذلك على الصعيد الدبلوماسي، فطهران منحت الأطراف الأوروبيين 60 يومًا إضافية – تنتهي في الأسبوع الأول من سبتمبر (أيلول) – قبل تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20%.

هذا التقرير يشرح لك أبعاد قصة المواجهة عبر توضيح نقاط الضعف والقوة بين واشنطن وطهران.

الدبلوماسية الإيرانية تصارع الهيمنة المالية الأمريكية

في مايو (أيار) العام الماضي، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًّا، أعاد بموجبه العمل بالعقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي، والتي شملت حظر استخدام إيران للدولار الأمريكي في تعاملاتها التجارية، وفرض عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيراني، والبنك المركزي، وهي الضربة الموجعة لصادرات النفط، الذي تشكل إيراداته نحو 60% من مصادر الدخل في البلاد.

وبالرغم أنّ واشنطن ليست من مستوردي النفط الإيراني، إلا استطاعت فرض عقوباتها نتيجة هيمنة الدولار الأمريكي باعتباره الورقة النقدية الأكثر تأثيرًا في الاقتصاد العالمي، والذي يهيمن على التجارة والتمويل والاحتياطيات السيادية للدول، وهي ورقة القوة التي اعتمد عليها ترامب عام 2017 في تمرير مشروع قانون «مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات الاقتصادية» والذي أقرّه الكونجرس – الذي كان يسيطر عليه «الحزب الجمهوري» – آنذاك ضد إيران وكوريا الشمالية وروسيا.  

والعقوبات الأمريكية الأكبر في التاريخ على الاقتصاد الإيراني المتدهور، تهدف بالأساس لحرمان طهران من الأموال التي تصنع بها أدوات نفوذها في الشرق الأوسط عبر تطبيق سياسة «عقوبات قصوى وضغط مستمر»، وتتوقع إدارة ترامب أن يتخلى النظام الإيراني عن سياساته، ويهرع لواشنطن لتفاوض جديد غير مشروط، بهدف رفع العقوبات.

ورقة القوة الأمريكية هذه، والتي فضّلها ترامب على تنفيذ ضربة عسكرية، تزداد سطوةً لتشمل كل مناحي الحياة في إيران، بداية من تصفير صادرات قطاع النفط الذي يعمل به نحو 45% من العاملين بقطاع الصناعة، مرورًا بتدهور العملة التي فقدت نحو 60% من قيمتها بعد شلّ القطاع المصرفي، مع توقعات بوصول التضخم لحاجز 40%، بالإضافة إلى انكماش الناتج المحلي بواقع 3.9% العام الماضي، بحسب بيانات «صندوق النقد».

هذه الأزمة بدورها وصلت للشارع الإيراني الذي يعاني من ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة 57%، إضافة لنقص أدوية الأمراض المزمنة مثل السرطان، وهي الأزمة التي اعتبرتها صحيفة «واشنطن بوست» بأنّ الضربة الجوية الأمريكية – كانت ستقتل نحو 150 شخصًا وفق التقديرات – في حقيقتها هي الأقل تأثيرًا من استمرار فرض العقوبات التي من الممكن أن تودي بحياة الكثير من السكان.

(نسبة التضخم في إيران تقترب من حاجز الـ40%) المصدر: BBC

على جانبٍ آخر تصنع إيران أدوات مواجهتها مع واشنطن عبر ورقة الدبلوماسية، فالنظام الإيراني قابل التصعيد الأمريكي برفع نسبة تخصيب اليورانيوم مع تأكيده بأنه لا يريد للأزمة أن تتفاقم، ومن جهة أخرى هو يُهدد شركاء الاتفاق النووي الأوروبيين (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) الذين عجزوا عن تعويض إيران عن خسائرها المالية عبر إعلانه تقليص التزاماته النووية كل 60 يومًا بهدف الوصول في النهاية إلى المفاوضات مع البيت الأبيض، أو تفعيل آلية تجارية مع أوروبا للالتفاف على العقوبات.

وبدا أن الرئيس الإيراني نفسه يُرسي قاعدة التفاوض قائلًا: «إما أن يكون الاتفاق على قاعدة رابح رابح أو يكون خسارة للجميع»، لذا فهو يحتفظ بشركائه الأوروبيين الذين يُخالفونه سياساته الإقليمية من جهة، لكنهم يؤيدونه في الاحتفاظ بالاتفاق النووي من جهة أخرى ضد سياسات ترامب الإقليمية.

لذا فإن الاصطفاف التي حصلت عليه طهّران مكنها من الاتفاق على تفعيل نظام «إينستكس» المالي في التعامل التجاري بهدف ضمان بقائها في الاتفاق، الذي تصفه أوروبا بأنه غير مثالي، ومن ثم فمهلة 60 يومًا الأخيرة التي منحتها طهران لشركاء الاتفاق النووي جاءت بالأساس لتطوير نظام «إينستكس» – لم يدخل التنفيذ بعد – بما يسمح بالحصول على عائدات النفط المالية.

الترسانة الأمريكية لمواجهة قوة إيران

 قبل انتهاء مهلة الإعفاءات التي منحتها الولايات المتحدة لثماني دول لشراء النفط الإيراني، أعلنت واشنطن نشر قطع بحرية عسكرية في الخليج العربي إضافة إلى حاملتي طائرات وبطاريات صواريخ «باتريوت» جديدة بهدف مراقبة إيران وحماية الملاحة في مضيق هرمز، لكنّ ذلك لم يمنع من تعرّض أربع سفن بينها ثلاث ناقلات نفط لعمليات تخريب في المياه الإقليمية الإماراتية في مايو (أيار) الماضي.

وفي الوقت الذي كان فيه رئيس الوزراء الياباني يستعد لأول لقاء للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في يونيو (تموز) الماضي، لنقل رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهدف فتح باب للتفاوض لإنهاء الأزمة، كان الخليج العربي على الضفة الأخرى يشهد هجومًا على ناقلتي نفط في خليج عمان، والتصعيد وصل إلى ذروته بعد نحو أسبوع، حين أعلن «الحرس الثوري» – أدرجته واشنطن على قوائم الإرهاب – إسقاط طائرة تجسس أمريكية اقتربت من حدودها الإقليمية، وهو ما دفع ترامب للموافقة على تجهيز ضربة عسكرية ضد  تراجع عنها في اللحظات الأخيرة.

ورغم تأكيد الطرفين بأنهما لا يسعيان للحرب، إلا أنّ الافتراض لا يُمكن تجاهله في ظل توترات التصعيد، وفي حال المواجهة مع إيران – التي  ستكون في الغالب جوية فقط – فإن واشنطن تعتمد على ترسانتها العسكرية في المتواجدة في الدول المُطلة على الخليج، والتي تقبع بمحازاة إيران (عُمان، وقطر، والإمارات).

«المعهد العسكري البحري الأمريكي» نشر تفاصيل عدد السفن الأمريكية وتسليحها وأماكن تمركزها في منطقة الخليج تحسبًا للمواجهة، فالقاعدة الأمريكية في عُمان استقبلت حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن»، وعلى متنها نحو 90 طائرة مروحية، بالإضافة إلى السفن المرافقة التي تضم المرافقة لها  الطراد الصاروخي «Leyte Gulf»، والفرقاطة الإسبانية «Mendez Nunez»، والمدمرة «Bainbridge».

بينما وصلت الساحل الإماراتي الذي تتواجد فيها قاعدة الظفرة الجوية الأمريكية – يُعتقد أنه انطلقت منها طائرة التجسس التي أسقطها الحرس الثوري – سفينة مُحمّلة بنحو 30 طائرة من أحدث مقاتلات الجيل الخامس من طراز «F-35B»، أمّا مقر الأسطول الخامس في البحرين – موطن القيادة المركزية للقوات البحرية – فقد استقبل 14 وحدة من المعدات العسكرية تضم منظومة صواريخ باتريوت، وغواصات هجومية.

 وبعيدًا عن التفوق الأمريكي، فواشنطن تسعى لتشكيل قوة عسكرية دولية لحماية الملاحة والتجارة بمضيق هرمز إثر اتهام بريطانيا لإيران بمحاولة منع مرور ناقلة نفط بريطانية، وهي الخطوة التي علقت عليها الخارجية الإيرانية بأنّها لن تسمح أبدًا بتشكيل تلك القوات.

ولا يبدو أنّ الجيش الإيراني – ترتيبه 14 بحسب تصنيف «جلوبال فاير» – قادر على خوض حرب، خاصة أنّ الإنفاق العسكري في موازنة العام الحالي تم تخفيضه للنصف تماشيًا مع خُطة إفشال العقوبات الأمريكية، ورغم أنّ طهران تمتلك قوات متهالكة بفعل العقوبات الأمريكية الممتدة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أنّها مازالت تمتلك أوراق قوة تُمكّنها من الدفاع عن نفسها، وتجنب المواجهة المباشرة.

تُطل طهران على أكبر حدود بحرية مفتوحة على الخليج العربي، يغطيها نحو 18 ألف جندي يعملون في 300 قطعة بحرية و38 غواصة، إضافة للزوارق التي تصل سرعتها إلى نحو 100 كم في الساعة، ومزودة بمنصات إطلاق الطوربيدات، وقادرة على العمل المتواصل لمدة 45 يومًا، وهو ما تعوّل عليه إيران في تهديداتها في حال قررت إغلاق مضيق هرمز الذي يمر منه نحو 30% من إجمالي الصادرات النفطية.

وبالرغم أنّ السلاح الجوي الإيراني متهالك، بما يمتلكه من نحو 500 طائرة، إلا أنها تمتلك  80 طائرة من نوع «إف- 14» الأمريكية التي حصلت عليها قبل الثورة الإسلامية عام 1979، والتي تعتمد عليها طهران في عملياتها العسكرية بعد إضافة تعديلات متطورة عليها، لذا فمن المحتمل أن تكون هذه أول أهداف الضربة الأمريكية، بحسب ما ذكرته صحيفة «ناشيونال إنترست».

وتحتل إيران المركز الرابع عالميًا – بحسب تصنيف «جلوبال فاير» – في قواعد الدفاع الجوي بما تمتلكه من نحو 1900 عارضة صواريخ، بالإضافة لمنظومة الدفاع الجوي المتطورة «خرداد 3» التي أسقطت طائرة التجسس الأمريكية الأغلى في العالم، وتمتلك تلك المنظومة قدرة على التصدي لأربعة أهداف في الوقت نفسه.

وفيما تعتمد الاستراتيجية الأمريكية على استخدام القوة الجوية والبحرية الساحقة لدفع إيران إلى الهزيمة والاستسلام مبكرًا، لكنه يتوجب عليها أولًا قبل قصف السفن الإيرانية والطائرات الحربية، والمنشآت النووية، استهداف منصات الصواريخ الإيرانية التي تمتد في 2440 كم بطول الخليج.

الخريطة الجغرافية لإيران تمنحها ورقة قوة تجعل فرضية إنهاء الحرب مُبكرًا عملًا مستحيلًا، وهو ما يمنح طهران فرصة للتفاوض بعد التورط في حرب خاسرة، لكنها ستكون لها آثار سلبية على قطاع النفط، وعلى الأسعار العالمية للوقود، إلى جانب التغيرات الجيوسياسية في المنطقة.

 من يدعم واشنطن؟ ومن حلفاء طهران؟

تنقسم إدارة الرئيس الأمريكي بين رافضٍ للحرب على إيران، وبين مؤيد لها، ويدعم الرأي الأخير كل من نائب الرئيس مايك بنس، ووزير خارجيته مايك بومبيو، إضافة إلى مستشار الأمن القومي جون بولتون الذي عمل في منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون مراقبة التسلح والأمن الدولي في إدارة الرئيس بوش الابن، ولعب دورًا كبيرًا في الترويج لغزو العراق عام 2003.

ومنذ بداية التصعيد بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، تدخلت عدة دول في الشرق الأوسط لدفع الأزمة إلى صدام عسكري، إسرائيل نفسها وهي أكبر المعترضين التاريخيين على الاتفاق النووي عام 2015، أعلنت استعدادها للتدخل العسكري في حال قررت واشنطن خوض الحرب، وتشجع إسرائيل إدارة ترامب على المضي قدما في فرض عقوبات قاسية على النظام الإيراني مقابل إعادة التفاوض على الاتفاق النووي وبرنامجها الصاروخي، وهو ما ردت عليه إيران، بأنّه لا تفاوض أبدًا على تعديل الاتفاق النووي.

ويصطف إلى جانب المؤيدين للحرب، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد الإمارات الأمير محمد بن زايد، وبحسب ما كشفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإن الخليجيين يستخدم نفوذهما في واشنطن لتشجيع سياسة ترامب الحالية تجاه إيران عبر واحدة من أكثر جماعات الضغط فعالية في العاصمة.

على جانبٍ آخر، تواجه إيران الخطر عبر وضع حلفائها في مواجهة مباشرة مع واشنطن وحلفاءها، فالصين وروسيا سيستخدمان الفيتو ضد واشنطن في أي قرار في الأمم المتحدة، كما أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا الرافضين لسياسة طهران في الشرق الأوسط يتمسكون بالاتفاق النووي ويدفعون لإعادة واشنطن للاتفاق مرة أخرى، أو فتح قناة للالتفاف على العقوبات الأمريكية بما يسمح لإيران باستعادة صادرتها النفطية التي تمثل نحو 60% من إجمالي صادرتها، وتعتبر الدخل الرئيس للعملة الصعبة.

ومن جهة أخرى، الجمهورية الإسلامية تعتمد في مواجهتها على عناصر ما يشار إليه بـ«محور الممانعة» في كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان التي تصنع بهم خطوط المواجهة والتصعيد ضد واشنطن وحلفاءها.

في أواخر يونيو (حزيران) الماضي، ألغى وزير الخارجية الأمريكي زيارته للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتوجه صوب العراق لبحث تزايد النشاط الإيراني في بغداد، وبحسب ما نقلته مجلة «فورين بولسي» عن رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، فإن زيارة بومبيو المفاجئة جاءت عقب تقارير للاستخبارات الإسرائيلية تفيد بعثورها على مخزن من الصواريخ الباليستية الإيرانية في العراق موجهة إلى دول الخليج، التي تشارك في مواجهات جيوسياسية مع إيران.

وتزامنًا مع التصعيد الإيراني الأمريكي، أعد البرلمان العراقي مشروع قانون يهدف إلى إخراج القوات الأمريكية من البلاد ومنعها من استخدام الأجواء العراقية لأغراض عسكرية، وفي الوقت نفسه، أعد البرلمان مشروع قانون آخر يقضي بمنح الجنسية للأجانب بعد إقامتهم سنة واحدة، في إشارة صريحة للعناصر الإيرانية الموجودة في العراق والتي يُمكن لها بعدها الالتحاق بالجيش الذي صدر بحقه قرار وزاري يُساوي بينه وبين الحشد في المناصب.

وبالقرب من القوات الأمريكية في سوريا، تدعم الميليشيات المدعومة من إيران نظام بشار الأسد جنبًا إلى جنب مع حزب الله اللبناني – أقوى وكيل إقليمي لطهران – الذي هدد على لسان زعيمه حسن نصرالله بقصف إسرائيل في حال شنّت الولايات المتحدة حربًا على طهران.

أمّا في اليمن التي دخلت الحربها عامها الخامس، فالحوثيون صعّدوا هجماتهم على السعودية والإمارات تزامنًا مع الحصار الأمريكي على طهران، حيث باتت صواريخ الحوثيين – ومنها صاروخ «كروز» المتطور – تظهر في سماء المملكة ثم تسقط مستهدفة مطارات ومنشآت عسكرية ونفطية في الجنوب، وهو ما تعتبره المملكة ارتباطًا مباشرًا لإعلان تأييدها الحرب على إيران.

معركة الوقت.. لهذا يسعى الطرفان لفتح باب خلفي للتفاوض

حين أرادت واشنطن قبل عام تقليص الدور الإيراني الممتد من العراق واليمن إلى سوريا ولبنان وفلسطين ذهبت لفرض عقوبات استهدفت بالأساس قطاع النفط الذي مكّن إيران من تسديد فاتورة حلفائها الإقليميين، ثم اشترطت على طهران عبر وزير خارجيتها مايك بومبيو تنفيذ 12 مطلبًا من أجل الوصول إلى «اتفاق جديد» يشمل أيضًا تقليص برنامجها النووي والصاروخي. 

نظريًا لا يُمكن لترامب منع إيران من صنع سلاح نووي إذا استمر في نهج العقوبات مع استبعاد التدخل العسكري، فالإجراءات الجديدة التي اتخذتها طهران للعودة فعليًا إلى ما قبل الاتفاق النووي شملت مستوى من تخصيب اليورانيوم بمعدل أعلى من 20%، وتشغيل مفاعل «فوردو»، وإعادة تشغيل مفاعل «أراك» باستخدام الجيل الرابع والسادس من اجهزة الطرد المركزي، وهو ما يجعلها قادرة على الوصول لسلاح نووي في أقل من عام.

عامل الوقت أيضًا لا يأتي في صالح الإدارة الأمريكية؛ فبخلاف الانقسام داخل الحزب الجمهوري، فإنّ البيت الأبيض نفسه المنقسم حول العقوبات يستعد لإجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، والتي تأمل طهران في أنّ تأتي بإدارة جديدة تعود للاتفاق النووي الذي أشارت تسريبات السفير البريطاني في واشنطن بأنّ ترامب انسحب منها لأنها مرتبطة باسم سلفه باراك أوباما.

وبينما كان الوعد الانتخابي السابق لترامب بإنهاء كافة حروب حروب واشنطن في الشرق الأوسط، إلا أنّ تهديدات التصعيد مع طهران قد لا تخدم مصالحه الانتخابية، بسبب صمود إيران، وعداء جزء من الرأي العام الوطني والدولي، خاصة أنّ جميع الحروب التي خاضها الأمريكيون في الشرق الأوسط باءت بالفشل في كل من أفغانستان والعراق وسوريا.

وبالرغم من أنّ التصعيد من شأنه أن يؤثر على أسواق الطاقة العالمية، ويُذبذب أسعار النفط، وهو ما يدفع واشنطن في النهاية للتنازل عن شروطها واستئناف التفاوض، إلا أنه لا يبدو أنّ إيران تمتلك ورقة المراهنة على عامل الوقت أيضًا؛ فخلال الحرب الاقتصادية الحالية يكون روحاني فقد كافة وعوده الانتخابية، وأثبت فشل سياساته الإصلاحية.

لذا فالحفاظ على نظام الحكم الإيراني يأتي على رأس أولويات القيادة الإيرانية، وهو ما يدفع النظام لتجنب مواجهات عسكرية ضخمة أو انهيار اقتصادي كامل وفوضى سياسية متوقعة، ومن ثم فقد أبدت طهران مرارًا استعداداتها للتفاوض مع واشنطن للوصول إلى صيغة اتفاق نهائية.

وبعيدًا عن المواجهة الأمريكية، فالرئيس روحاني في رئاسته الثانية اتجه للتقرب من التيار المحافظ بهدف إنجاح الاتفاق النووي، لكنّ أداءه الاقتصادي وتقربه من واشنطن، وتعليق المشروع النووي أثار سخط الأصوليين، وهو ما يهدد مشروعه السياسي، خاصة أنّ نظرية «الاقتصاد المقاوم» التي ينتهجها النظام للإفلات من العقوبات لا يبدو أنها فعّالة كما يأمل.

أبرز نقاط الضعف للطرفين.. غياب الوسيط الموثوق

أحد أبرز نقاط الضعف للطرفين، هي غياب قنوات اتصال مباشرة، وهو ما يصفه موقع «فوكس» الأمريكي بنظرية «ضباب الحرب» التي تعني عدم معرفة الأطراف المتناحرة بما يجري في خضم فوضى المعركة في ظل غياب قنوات اتصال موثوق بها لدى الطرفين، وهو ما يفتح الباب للسيناريو الفوضوي.  

وفي وقتٍ سابق عقب وصول سفن حربية أمريكية للخليج على خلفية التصعيد، أعلن ترامب استعداده لمقابلة روحاني دون شروط، قبل أنّ يبعث البيت الأبيض رقما هاتفيا خاصا، في حال أرادت إيران الاتصال بالرئيس الأمريكي عبر سويسرا.

ورغم أنّ الطرفين يرحبا بالتفاوض، لكنّ تكمن مشكلة الخُطوة في عدم الوثوق بوسيط مشترك، إضافة إلى أنّ إن كل دولة ترغب في وضع شروطها أولا للتفاوض، وسبق لروحاني أنّ أعلن أن الولايات المتحدة قامت بـ11 محاولة لبدء مفاوضات مع بلاده خلال العامين الماضيين، لكنها قوبلت جمعيها بالرفض من طهران.

وحتى اللحظة يرفض الطرفان تقديم خطوة للوراء لتجاوز الأزمة، فطهران تشترط لخفض تخصيب اليورانيوم عودة واشنطن أولًا للاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية، وإزالة قادة النظام من على قوائم الإرهاب، بينما تشترط واشنطن تخلّي طهران أولًا عن سلاحها النووي وبرنامجها الصاروخي، وهو ما تُعلّق عليه إيران بأنها لا تثق في الولايات المتحدة إضافة إلى شركاء الاتفاق النووي، وهو ما يجعل أزمة التصعيد تستمر دون مواجهة في ظل البحث عن وسيط.

اجمالي القراءات 1377
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق