كيف استخدمت الأنظمة العربية «داعش» لتحقيق مصالحها؟

اضيف الخبر في يوم الأحد ١٦ - يونيو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


كيف استخدمت الأنظمة العربية «داعش» لتحقيق مصالحها؟

على الشاشات وأمام أعين وسائل الإعلام وفي الصحف، تدعي كل الأنظمة والحكومات العربية أنها تضع نصب أعينها محاربة الإرهاب، وفي القلب منه «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، لكن على أرض الواقع، يبدو أن الكثير من الأنظمة تعتبر التنظيم «حليفًا خفيًا» تستفيد ببقائه في جلب الدعم، وفي السطور التالية بعض الأدلة على ذلك.

حفتر يلعب بورقة «داعش» في الداخل والخارج

في يوليو (تموز) 2017، جلس اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر يحاوره الإعلامي التونسي توفيق مجيّد أمام كاميرات قناة «فرانس 24»، سُئل الكثير من الأسئلة وخرج هو بالكثير من المعلومات حول الوضع في ليبيا.

ودون أن يلفت الكثير من الانتباه آنذاك، اعترف حفتر باللغة الفرنسية أن قواته ألقت القبض على عناصر تونسيين من «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» فأمر هو بإطلاق سراحهم وإعادتهم إلى تونس عبر الحدود الليبية التونسية دون محاكمتهم أو تسليمهم إلى السلطات الرسمية التونسية.

لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي ظهرت فيها حقيقة أن حفتر لا يعمل كما يروج لمحاربة الإرهاب،  فقد سبق وأن سمح  لمقاتلين من «داعش» بالهروب سرًا من مدينة بنغازي إلى مدينة بني وليد، وتعود تفاصيل استعانة حفتر بمقاتلي التنظيم آنذاك إلى الثاني من شهر مايو (أيار) 2018. حين نفذ التنظيم عملية انغماسية في مقر مفوضية الانتخابات الليبية قتل على إثرها قرابة 20 مدنيًا وأصيب آخرون، ثم كشف أن منسق العملية هو الليبي عبدالحكيم شفتر، الأقرب إلى مقاتلي التنظيم الموجودين في أودية جوار بني وليد.

كما أكدت تسريبات صوتية على أن قيادي من مصراتة طلب إخفاء مقاتلي «داعش» الذين خرجوا من بنغازي إلى وديان قريبة من بلدة بني وليد، وأمر بإبلاغ هذه العناصر بعدم رفع أي أعلام أو شعارات تدل على انتسابهم إلى التنظيم عند مشاركتهم مع قوات اللواء المتقاعد في صدّ «سرايا الدفاع عن بنغازي»، التشكيل العسكري الذي كان في حالة حرب مع قوات حفتر.

قوات الوفاق الوطني التابعة للحكومة الليبية تهاجم مقاتلي داعش بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في سرت

كما يغض حفتر النظر عن أن  التنظيم لا يزال نشطًا في مناطق سيطرته في الجنوب الليبي، فهو يتواجد حتى في سبها، مركز ثقل حفتر العسكري الأكبر،  وهو يتمركز في مرتفعات الهروج في الجنوب وقريبًا من بني وليد، وهي مناطق يسيطر عليها حفتر اليوم.

يقول الباحث في الشأن الأفريقي عباس محمد صالح عباس أن هدف حفتر من تسريب عناصر «داعش» إلى تونس لا ينفك عن هدفه ضرب الاستقرار في هذا البلد من خلال العمليات الأمنية، وإفساد التجربة الديموقراطية الناشئة ثم جر تونس لأجندة المحور الداعم له وهي أولوية مكافحة الإرهاب على ما عداه من قضايا.

ويتابع عباس القول: «ظل حفتر يرسل الجهاديين سرًا إلي تونس، ليتم لاحقًا دعوة تونس للتعاون معه والاعتراف به شريكًا، فالترجيج سيكون أن مصدر التهديد الارهابي للجوار وتونس خصوصًا هو ليببا، وبالتالي هو يريد أن يلعب دور مكافح للإرهاب ليس في ليبيا فقط، بل في المنطقة بأسرها».

ويشدد عباس خلال حديثه لـ«ساسة بوست» على أن حفتر أراد دفع دول الجوار للانخراط في الشأن الليبي ودعم فريقه ضد فريق رئيس حكومة الوفاق الشرعية فايز السراج، وبالتالي هو يقوم بعمله المعتاد؛ ولا يرى في ذلك تهديدًا لدولة جارة أو سلوكًا غير مقبول دبلوماسيًا أو سياسيًا.

ويشدد عباس على أن تعاون حفتر أو غيره مع تنظيم الدولة ليس مفاجئًا لأن هذه الدوائر تستخدم التنظيمات الإرهابية ورقة وظيفية لتحقيق أهداف أخرى بذريعة مكافحة الإرهاب أو من أجل شرعية لدى القوى الكبرى باعتبارها وكيلًا موثوقًا في حماية مصالح هذه الدول في وجه التهديدات والمخاطر الإرهابية.

«ذي إنترسبت»: هكذا صنعت أمريكا داعش بـ3 قرارات فقط!

«قبلة الحياة» للنظام السوري

يحاول دومًا كل من النظام السوري و«تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» تصوير الواقع بينهما باعتبارهما «عدوين لدودين»، لكن الحقيقة أن كليهما كانا «يرقصان» حول بعضهما البعض في أرض المعركة بسوريا، لقد أجلا صراعهما أو تجاهلا بعضهما البعض تمامًا في بعض الميادين من أجل المنفعة المشتركة للقضاء على فصائل المعارضة السورية التي كانا يريانها أجدر بالعداوة والحرب، ولإثبات ذلك يمكن القول أن حوالي 64% من الهجمات التي قام بها «داعش» في سوريا استهدفت المعارضة السورية وليست النظام، بينما كانت 13% فقط من هذه الهجمات تستهدف  قوات النظام.

قتال «داعش» في الرقة بسوريا

وقد بدأ التعاون بين «داعش» والنظام لتحقيق منافع اقتصادية، فعلى سبيل المثال أكد مزارعون ومسؤولون إداريون في الرقة، المعقل السابق للتنظيم، أن النظام تعاون معهم من أجل توفير الغذاء في مناطقه، وباع التنظيم الذي استولى على منطقة زراعة للقمح في شمال شرقي سوريا لتجار تابعين للنظام القمح، وهؤلاء نقلوه بدورهم إلى دمشق.

كما تعاون الطرفان من أجل تخطي المشاكل التي يواجهونها في مجال التعاون في الموارد النفطية، فقد أرسل النظام فريقًا تقنيًا إلى محافظة دير الزور الواقعة آنذاك تحت سيطرة التنظيم، من أجل أن يقوم بمهمة إصلاح أنبوب غاز في منطقة «المريعية»، وقد اتفق الطرفان على عدم إطلاق النار على الفريق لأن تعطيل عمله يعني انقطاع التيار الكهربائي عن كل سوريا، وهذا يعني أن «داعش» كان يملك أن يقطع التيار الكهربائي عن الـ14% من الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة النظام.

عسكريًا، استخدم النظام «داعش» لتحقيق إنجازات عدة، كأن يقوم في سبتمبر (أيلول) 2018 بنقل مئات العناصر من التنظيم من جيرود القلمون إلى البوكمال ثم إلى إدلب التي يسعى النظام للسيطرة عليها باعتبارها آخر معقل رئيسي للفصائل المسلحة في إدلب، فقد كشف «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «اتفاقًا أجري في غرب نهر الفرات، بين قوات النظام والقوات الإيرانية من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى يتضمن نقل أكثر من 400 مقاتل من التنظيم في بادية البوكمال بدير الزور إلى الريف الشرقي لمحافظة إدلب».

وكان أخطر ما نجم عن التعاون بين الطرفين، هو زج عناصر من «داعش» إلى محافظة السويداء السورية ذات الأغلبية الدرزية، وقيام تلك العناصر بارتكاب مجزرة في يوليو (تموز) 2018 أدت إلى مقتل 280 شخصًا على الأقل وإصابة المئات، ووقعت المجزرة في قرى المحافظة التي سحب منها النظام السلاح من مليشيات محسوبة عليه حتى تترك قرى الريف الشرقي للمحافظة مكشوفة للتنظيم لينفّذ عملياته في السويداء التي نظر لها النظام باعتبارها محافظة متمردة عليه، كما دخلت المحافظة إطار التعاون الاقتصادي بين التنظيم والنظام، فقد كانت السويداء بين العامين 2016 و2017 سوقًا لتصريف النفط الذي بحوزة «داعش»، ودخلتها  الصهاريج ذاتها التي كانت يوزع فيها التنظيم مخصصات النفط للمحافظة.

ويبدو أن النظام مُصر على التعاون مع «داعش» حتى آخر نفس، ففي معركة الباغوز الأخيرة للقضاء على التنظيم في سوريا، أكد تقرير لـ«فورين بوليسي» الأمريكية أن مقاتلي «داعش» تم تهريبهم من الباغوز عبر الصحراء السورية إلى شرق السويداء، حيث مررت المليشيات الإيرانية التي تسيطر بشكل كامل على شبكة الطرق في الصحراء المسلحين (كان عددهم نحو 1500) مقابل مبالغ مالية، ويشكل تهريب هؤلاء تهديدًا لأهالي السويداء، وعلى الجيش الأمريكي الذي يتمركز في «قاعدة التنف».

السيسي.. «داعش» وسيلة ناجحة لجلب الدعم

ارتفعت توقعات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحدوث تغير كبير في سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة فيما يتعلق بمراجعة واشنطن لمصير مساعداتها لمصر.

وقد كان ترامب عند حسن ظن السيسي به، إذ سرعان ما أثنى عليه فقال «قام بعمل هائل في ظل ظروف صعبة» وتعهد بدعمه في قتاله ضد «داعش» التي تشن هجمات متكررة في شمال سيناء وهجمات متقطعة في البر الرئيسي، وواصل ترامب دعمه هذا برغم خفض المساعدات الأمريكية لمصر، إذ قال في يوليو (تموز) 2017 خلال اجتماعه مع السيسي: «معًا.. سنحارب الإرهاب»، وهو الخبر الذي أسر السيسي وأكد على تبني إدارة ترامب مصر باعتبارها شريكًا في مكافحة الإرهاب بعد سنوات من العلاقات الثنائية المتوترة.

تشييع جندي مصري قتل على يد داعش في سيناء

وقد اتخذت واشنطن قرارًا بتزويد مصر بمبلغ 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي المصرح به بالكامل، وهو الدعم الذي جاء لتجديد القدرات العسكرية التي أنفقتها مصر في حربها «داعش» في سيناء، فيما استفاد السيسي أيضًا من أوروبا حين وافق الاتحاد الأوروبي مؤخرًا على أولويات شراكة جديدة مع مصر وفقًا لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، وأهمها تعزيز الاستقرار بالتركيز على الأمن والإرهاب، وقد خصص مبلغًا إرشاديًا يتراوح بين 432 إلى 528 مليون يورو للفترة 2017-2020.

بيد أن الدعم الأمريكي والأوروبي لمصر يبدو أنه لم يحقق أهدافه حتى الآن، إذ توصف سياسة مكافحة الإرهاب المصرية المكلفة والمطولة بـ«الفاشلة» إلى حد كبير في هزيمة «داعش» في سيناء، ذاك التنظيم الذي قتل  أكثر من 700 مدني وما لا يقل عن الألف من ضباط الشرطة وجنودها في السنوات الأربع  الماضية، بينما  قتلت قوات المصرية ما لا يقل عن 2560 من عناصر مزعومة لـ«داعش»، وهي أرقام متنازع عليها حتى الآن.

هذا الواقع يثير الشكوك لدى البعض حول كون القيادة المصرية غير مهتمة بتحقيق الاستقرار في سيناء، وأن السيسي يريد ترك المجموعات الجهادية في شبه الجزيرة لاستغلال هذا لتكرار طلبه دعم نظامه بمواجهة الإرهاب.

يقول الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» بهاء الدين حسن: «لقد أثبتت هذه الهجمات ضد داعش أن استراتيجية السيسي لمكافحة الإرهاب تفشل، هو يدعي أنه ملتزم بمحاربة الإرهاب، لكن في الواقع، فإن طاقته موجهة نحو أعدائه الآخرين، كالنشطاء العلمانيين والصحفيين والأعضاء المستقلين في البرلمان ورجال الأعمال والأكاديميين الذين يعارضونه ومنظمات حقوق الإنسان والجماعات الإسلامية المنشقة السلمية».

ويضيف حسن «علمت أن حكومة السيسي اعترضت على تعيين ملحق لمكافحة الإرهاب في مهمة الاتحاد الأوروبي في القاهرة، خشية أن تكون جزءًا من مؤامرة غربية، وقد هددت حكومة السيد السيسي بطرد الصليب الأحمر الدولي من مصر بسبب مذكرة داخلية أوصت بتصنيف الوضع في سيناء على أنه (نزاع مسلح غير دولي)».

اجمالي القراءات 1455
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق