الطلاق الوهمي.. حيلة الفقراء طلبا للمعاش في مصر

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٨ - ديسمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الجزيرة


الطلاق الوهمي.. حيلة الفقراء طلبا للمعاش في مصر

اندهش الباحث مصطفى النجار من الارتفاع غير المسبوق لنسب الطلاق في دفتر المأذونية بمحكمة دسوق بكفر الشيخ شمالا، ومن بين الأسماء التي طالعها التقط اسم أحد معارفه الذي لا يزال يعيش مع زوجته، رغم الطلاق الرسمي المثبت.

اكتشف النجار لاحقا انتشار ظاهرة الطلاق على الورق أو الطلاق الوهمي، حيث يطلق الزوجان رسميا (على الورق) لكنهما يستمران معها عبر الزواج العرفي (بلا أوراق رسمية).

وبرزت هذه الظاهرة في المناطق الريفية والفقيرة، طلبا لمعاشات المطلقات، إذ تتقدم المطلقة بورقة الطلاق للشؤون الاجتماعية لتحصل على معاش تكافل وكرامة، وتمنحه لطليقها رسميا (زوجها عرفيا).

 

وفي غالب الحالات يتكتم الزوجان أمر طلاقهما، خشية لوم المجتمع لهما، ومعرفة الأبناء الصغار بوضعهما، مما يؤثر على احترام الأبناء لوالديهم.

ومن آلاف الحالات التي تسجلها دفاتر الطلاق، تأتي حالة نجاة (45 عاما)، التي طلب منها زوجها طلاقهما رسميا مع استمرار علاقتهما الزوجية.

ولدى نجاة ثلاث بنات في مراحل دراسية مختلفة، يرتدين ملابسهن صباحا ويقفن في طابور أمام الأم لطلب نفقات اليوم الدراسي.

قبل عام كانت الأم تعتذر لبناتها بأن راتب والدهن لا يكفي، أما الآن فيمكنها معاش المطلقات -الذي حصلت عليه بعد ثلاثة أشهر من الطلاق الرسمي- من الوفاء ببعض المتطلبات، إذ أضحى المعاش سندا لمرتب الزوج الذي لا يتعدي 1200 جنيه مصري (67 دولارا أميركيا).

وحرصت نجاة وهي أمية تعيش بإحدى قرى المنصورة (شمال القاهرة) على تطبيق نصيحة شقيقتها، وطالبت زوجها بكتابة عقد زواج عرفي كشرط العيش معه تحت سقف واحد، لا يقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، لكنه يؤويهم على أي حال.

"بالكاد نستطيع الآن العيش في ظروف قاسية"، تقول نجاة التي تعتقد أنها نجت بذلك من مد يدها بالسؤال لسد حاجة أسرتها، وتضيف "ربنا يسامحنا على هذا الفعل".

ولم تتحسب نجاة لحالة ترملها، إذ إن طلاقها الرسمي لن يشفع لها في الحصول على ميراث من زوجها، "الذي لن يترك إرثا وراءه على أي حال".

احتلت مصر المرتبة الأولى عالميا في حالات الطلاق عام 2016 (الجزيرة)

رحلة طويلة
ولا تنتهي رحلة الزوجين في سبيل الحصول على المعاش الحكومي بمجرد التقدم بطلب الحصول عليه، فسماح التي تتشابه حالتها مع حالة نجاة، اضطرت للتنقل بين عدة جهات لاستيفاء الأوراق المطلوبة منها عقب طلاقها الرسمي. 

تعمل سماح عاملة نظافة باليومية في القاهرة، أما زوجها العرفي حاليا فهو عامل بناء يتقاضى 170 جنيها في اليوم (أقل من عشرة دولارات)، وهو يعمل يوما أو اثنين في الأسبوع، ثم يجلس في المنزل يناوش الجميع، وتلتمس سماح العذر لزوجها، فــ"قعدة الرجل في البيت تخنق".

"دخلنا سويا لم يكن يكفي العيش الحاف لستة أفراد بالأسرة"، تعترف سماح، مؤكدة أن حالتها المادية تيسرت نوعا ما، وعرفت أرجل الدجاج طريقها لهم أخيراً، تصنع منها "مرقة" لأبنائها، وباتت تستطيع شراء الدواء لنفسها، ودفع إيجار شقتها التي لا تزيد مساحتها عن 45 مترا مربعا.

واستغرقت رحلة استيفاء الأوراق المطلوبة شهرا كاملا لاستخراج إثباتات أن سنها أقل من 65 عاما، مع حزمة من الإقرارات بألا عائل لها، ولا دخل ثابتا عندها.

وتحمل سماح هم نظرة أبنائها لها ولوالدهم حينما يكتشفون الحقيقة المريرة، وهي أنهما منفصلان ويعيشان تحت سقف واحد ليعولاهم بمعاش المطلقات.

عادة تخفي الأسر التي تلجأ للطلاق الوهمي الأمر على أطفالها (مواقع التواصل الاجتماعي)

ظروف قاهرة
ومنذ انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي تحت إشراف صندوق النقد الدولي عام 2016، ارتفع معدل التضخم إلى مستويات قياسية بالبلاد، وتدهورت حال ملايين الأسر بمصر جراء الارتفاع المتوالي وغير المسبوق في الأسعار، وبات من المعتاد سماع شكاوى أرباب أسر من العجز عن تدبير نفقات ذويهم.

وسجلت مصر أعلى معدلات الطلاق عالميا، حسب إحصاءات رسمية، وارتفعت حالات الطلاق العام الماضي عما سبقه، كما تقول النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وبلغ عدد إشهادات الطلاق 198 ألف إشهاد عام 2017، مقابل 192 ألف إشهاد عام 2016 بنسبة زيادة قدرها 3.2%.

ويمكن استنتاج أن الطلاق الرسمي من دواعي زيادة أرقام الطلاق، لكن لا يمكن قياس أي هذه الحالات الرسمية حقيقية وأيها شكلي للحصول على المعاش.

لكن الظاهرة حسب متابعين تتركز في الريف أكثر منها في الحضر، الذي بلغت إشهادات الطلاق فيه نحو 108 آلاف إشهاد عام 2017، وتمثل 54.6% من جملة الإشهادات مقابل 105 آلاف إشهاد عام 2016 بنسبة زيادة قدرها 2.9%.

أما عدد إشهادات الطلاق فى الريف فبلغت 90 ألف إشهاد عام 2017، وتمثل 45.4% من جملة الإشهادات مقابل 86 ألف إشهاد عام 2016 بنسبة زيادة قدرها 3.6%.

ومع انتشار ظاهرة الطلاق الوهمي أصدر مجمع البحوث الإسلامية في مصر فتوى قال فيها إن "الطلاق على الورق للحصول على المعاش، يعد نوعا من التحايل غير المشروع.

وشدد المجمع على أن استحقاق المعاش مشروط بعدم الزوجية، أما والزوجية قائمة فلا يجوز أخذ المعاش لأنه سيصبح حراما وسحتا.

اجمالي القراءات 1114
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق