هآرتس: الإصلاح الاقتصادي في مصر وهمي.. والانفجار قادم

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٥ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


هآرتس: الإصلاح الاقتصادي في مصر وهمي.. والانفجار قادم

في الأسبوع الماضي، خرجت العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي "كريستين لاغارد"، من اجتماع مع الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، بعبارات الثناء والإشادة بسياساته الاقتصادية. وقالت: "يظهر الاقتصاد في مصر علامات قوية على الانتعاش، ونموها الاقتصادي من بين أعلى المعدلات في الشرق الأوسط".

مقالات متعلقة :

واعتمادا على منظورك السياسي، فإن "كريستين" هي إما واحدة من كبار المسؤولين في النظام المالي العالمي، الذين يحاولون ضمان ألا تتحول الاقتصادات التي تعاني من سوء الإدارة بشكل مزمن، مثل مصر، إلى مصائر كارثية، أو أنها مجرد دمية لـ"البلوتوقراطية" العالمية المصممة على الأرباح الرأسمالية، دون الاهتمام بالمعاناة التي يسببها ذلك للشعوب في العالم الثالث.

وفي الواقع، لدى كلا الجانبين الحق في حكمه. والحقيقة هي أن الاقتصاد المصري أحرز تقدما رقميا ملحوظا في الأعوام الـ 3 الأخيرة، على الأقل وفق المعايير التي تهم صندوق النقد الدولي والمستثمرين الدوليين.

وتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي 5% في السنة المالية المنتهية في يونيو/حزيران، وهو الأقوى خلال عقد من الزمن.

وفي هذه الأثناء، خفضت الحكومة ديونها، من 103.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2017 إلى 86%، وهو أحد الأسباب التي تجعل وكالة موديز متفائلة بشأن مستقبل البلاد. وانخفض عجز الميزانية في مصر إلى أقل من 10% لأول مرة منذ الإطاحة بـ "حسني مبارك" في عام 2011.

وتم تحقيق ذلك بمساعدة قرض قيمته 12 مليار دولار، منحه صندوق النقد الدولي لمصر عام 2016، الأمر الذي دفع "السيسي" إلى القيام بسلسلة من الإصلاحات. وتم خفض دعم الطاقة، وزادت الضرائب، وسمح بتعويم الجنيه المصري، كما أدخلت مجموعة من القوانين لتسهيل القيام بالأعمال. وتم تصميم جميع الإجراءات لإرضاء المستثمرين العالميين، الذين كانوا على استعداد حتى وقت قريب لشراء الديون المصرية. وللأسف، لم يكن لدى مصر خيار بشأن معالجة أوضاعها، لأنها بحاجة ماسة إلى رأس المال.

المعاناة في صمت قسري

أما بالنسبة للمصريين العاديين، فإن تحول مصر لم يخلو من الدراماتيكية. وعلى العكس تماما، تسبب التحول في الكثير من المعاناة.

وأدى تعويم الجنيه إلى انخفاض قيمته بنسبة 50%، مما أدى إلى ارتفاع التضخم، وزيادة الضغط على الطبقات الفقيرة والوسطى في البلاد. وتباطأ معدل التضخم من ذروة بلغت أكثر من 30% سنويا في صيف عام 2017، ولكن من شهر أغسطس/آب، كان لا يزال هناك تضخم كبير بنسبة 14.2%، ويبدو أنه كان يتجه نحو الارتفاع مرة أخرى.

ومثلما تراجع الجنيه، أدت تخفيضات الدعم التي طلبها صندوق النقد الدولي إلى زيادة تكاليف النقل بنسبة 50%، كما أنه من المتوقع أن تؤدي إصلاحات الكهرباء، التي تم إدخالها في يوليو/تموز، إلى زيادة تكاليف الطاقة بنسبة 25%.

وانخفضت البطالة إلى 9.9% في الربع الثاني، وهو نفس المستوى الذي تواجهه العديد من الاقتصادات الراكدة. والحقيقة هي أن اقتصاد مصر لا ينمو بالسرعة الكافية لخلق فرص العمل، خاصة بالنسبة للشباب، حيث يقترب بينهم معدل البطالة من 25%.

ويشابه الوضع الاقتصادي في مصر اليوم الأعوام التي سبقت 2011، عندما فشل النمو الاقتصادي المرتفع في خلق مزيد من الفرص.

الاقتصاد القاسي

لكن ما إذا كان اقتصاد مصر القاسي يهدد سيادة "السيسي" فمن الصعب الإجابة عن هذا السؤال.

لقد حرص الرئيس على أن يتم سحق وقمع أي استياء أو معارضة، وكان السباق الرئاسي في مارس/آذار الماضي عبارة عن عرض لرجل أوحد.

وتقيد القوانين نشاط المنظمات غير الحكومية، وتم حجب عشرات المواقع الإلكترونية، وأصبح قانون "الأخبار الزائفة" ساري المفعول، وتم سجن الصحفيين وغيرهم من النقاد.

وحتى إذا كان المصريون غاضبين، فلا يمكنهم التعبير عن ذلك، فقد انتخبوا نسخة مصرية من "دونالد ترامب"، والبديل الوحيد الذي يقدمه "السيسي" لهم هو النزول إلى الشوارع. لكن التكلفة مرتفعة لشيء من هذا القبيل، ولكن بمجرد أن يتم التغلب عليها، ستكون النتائج المحتملة مرعبة. ومن غير المحتمل أن يتحول الاقتصاد المصري إلى اقتصاد ليبرالي وديمقراطي وعالي التكنولوجيا ومزدهر.

والأسوأ من ذلك، أنه حتى التغييرات التي أشادت بها "كريستين" تعد في خطر.

ولا يزال عبء الديون في مصر مرتفعا، ويأكل جزء كبير من ميزانية البلاد لسداده. ومع ارتفاع أسعار الفائدة عالميا، سوف تضطر اقتصاديات الأسواق الناشئة، مثل مصر، إلى دفع معدلات أعلى لإغراء المقرضين لشراء ديونها. ويعتمد الكثير من النمو في مصر على الإنفاق الحكومي، بما في ذلك تطوير عاصمة جديدة في الصحراء شرق القاهرة، لكن الحكومة لديها موارد أقل وأقل للحفاظ على معدلات الإنفاق الحالية.

وبالنسبة لإحياء السياحة، التي كانت مصدرا آخر للنمو الاقتصادي، فيمكن عكسه عبر هجوم إرهابي واحد كبير، تماما كما فعل قصف طائرة روسية مليئة بالسياح عام 2015. ولا تزال سيناء ساحة نزاع بين النظام و الجماعات التابعة لتنظيم الدولة.

وفوق كل هذا، فإن حملة السعودية ضد العمال الأجانب سوف تتسبب في عودة الكثير من المصريين إلى بلادهم، مما يحرم مصر من مليارات الدولارات من التحويلات المالية، ويزيد من المعروض من العمالة في وقت يقترب فيه معدل البطالة من رقم من خانتين.

وتعد مشاكل مصر مشاكل لـ(إسرائيل). وكادت الإطاحة بـ"مبارك" بشكل خطير أن تحول مصر إلى جمهورية إسلامية، وإذا كان "السيسي" سيواجه نفس مصيره، فبإمكان التاريخ تكرار نفسه بسهولة. وحتى بدون هذا السيناريو المروع، تحتاج (إسرائيل) إلى حكومة قوية ومستقرة للحفاظ على النظام في سيناء، والمساعدة في إدارة غزة.

وفي الأسبوع الماضي، تم التوصل إلى صفقة لخط أنابيب الغاز؛ حيث ستقوم (إسرائيل) بتصدير الغاز الموجود في مياهها الإقليمية إلى مصر.

لذا فإن (إسرائيل) لديها حصة اقتصادية في مصر أيضا. ومن المقرر أن تولد صفقة خط الأنابيب وحدها 15 مليار دولار من الصادرات لـ (إسرائيل) على مدى 10 أعوام، ولكن الأهم من ذلك أن مصر الآن تظهر كأكبر قناة واعدة لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي.

ولهذا تداعيات اقتصادية هائلة في الأعوام المقبلة؛ حيث من المحتمل أن تؤدي أي ثورة شعبية في الشارع المصري إلى تمزيق الورقة المكتوب عليها العقد، في الوقت الذي تسقط فيه القاهرة.

اجمالي القراءات 859
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق