تعديل الدستور المصري.. التحدي الأكبر لنظام السيسي

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٩ - سبتمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


تعديل الدستور المصري.. التحدي الأكبر لنظام السيسي

عاد الجدل من جديد بشأن مساعي الرئيس المصري الحالي "عبدالفتاح السيسي" بالبقاء لفترة أطول في الحكم، وذلك مع أنباء حول الدفع بمشروع تعديل لعدد من مواد الدستور، مع بداية دور الانعقاد المقبل للبرلمان، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ويخشى "السيسي"، الذي فقد شعبية هائلة حصل عليها عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، من الخروج عن دائرة الحكم، ما يعني فتح أبواب المساءلة حول قضايا عديدة مثّلت انقلابات على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مصر.

وعلى مسارين متوازيين، يسرع "السيسي" وأركان نظامه الخطى، إما بفتح مدد الرئاسة إلى ما لا نهاية، أو على الأقل فتح المدة الحالية إلى 6 سنوات حتى تتوفر ظروف مواتية للتعديل الرئيسي.

وربما كانت معركة الدستور المرتقبة دافعا لاعتقال أغلب الوجوه السياسية المعارضة، وكان آخرهم الدبلوماسي المصري السابق "معصوم مرزوق"، فيما لم يسلم رموز حكم الرئيس الأسبق "حسني مبارك" من التضييق الذي توج باعتقال نجليه "جمال" و"علاء" قبل أيام، خاصة أن أطرافا داخل ما يسمى بـ"الدولة العميقة" أبدت عدم ارتياح من استمرار حكم "السيسي".

كما وضع "السيسي" الجيش في بؤرة اهتمامه مع ورود معلومات عن رفض (غير معلوم حجمه بالتحديد) لاستمرار "السيسي"، خصوصاً بعد الممارسات التي جرت بحق القيادات العسكرية السابقة، كالفريق "أحمد شفيق"، والفريق "سامي عنان"، والفريق "مجدي حتاتة"، الذين ما زالت امتداداتهم العسكرية وولاءاتهم داخل الأجهزة تقلق "السيسي".

ومن المتوقع أن تقابل دعوات تعديل الدستور برفض داخل أركان النظام نفسه، لكن "السيسي" يبدو قادرا على تجاوزها مدعوماً بالقبضة الحديدية التي يسيطر بها، حتى الآن، على كل المؤسسات.

ولكن تعديل الدستور سيجعل "السيسي" في مواجهة خيار صعب، بضرورة خضوع التعديلات الدستورية لاستفتاء شعبي، فانهيار شعبية "السيسي"، وأنين المصريين المتصاعد من القرارات الحكومية في الجانب الاقتصادي، قد يعرض "شرعيته" المشروخة بالأساس لهزة جديدة قد تطيح به.

ويرى مراقبون أن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والأمني داخل البلاد، يعزز حالة "عدم اليقين" بدرجة أكبر بكثير مما كانت عليه في العام 2013، عندما استولى "السيسي" على السلطة عبر انقلاب، استفاد فيه الجيش من موجة تأييد شعبي مقترنة بعدم رضى قطاعات شعبية عن نظام الرئيس "محمد مرسي".

وقد مرت الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة التي يرعاها صندوق النقد الدولي، من دون خروج مظاهرات أو احتجاجات تقريباً، حتى الآن، في مختلف أنحاء البلد، الذي تسيطر عليه قبضة أمنية شديدة.

ولكن ليس معروفا الحد الذي سينفد عنده صبر المصريين في حال استمرار التدهور في الوضع الاقتصادي والأمني، وهو ما قد يدفع الجيش لاستثمار أي احتجاجات واسعة في الفترة المقبلة للتخلّص من "السيسي".

محاولات سابقة

تحرش "السيسي" بالدستور ورغبته في تعديله عبر عنه مبكراً؛ في سبتمبر/أيلول 2015 وبعد نحو عام ونصف على وصوله للحكم، وخلال لقائه مع مجموعة منتقاة من شباب الجامعات المصرية في جامعة قناة السويس، قال "السيسي"، إن "الدستور كتب بنوايا حسنة، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط".

وفي فبراير/شباط 2017، أعلن النائب البرلماني "إسماعيل نصرالدين" عن اقتراح بتعديل 6 مواد دستورية، تسمح بترشح رئيس الجمهورية عدداً لانهائياً من المرات، بدعوى أنه "لا غضاضة من الناحية الدستورية في مسألة وضع دستور جديد أو تعديله، إذ إن وضع دستور جديد للبلاد يختلف عن تعديل الدستور القائم".

ونصت المادة 226 من الدستور المصري على أن "لرئيس الجمهورية، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد ‫الدستور، متضمناً المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل، وفصل البرلمان في الطلب خلال 30 يوماً، مع اشتراط موافقة ثلثي أعضائه على طلب التعديل، وعرضه على الشعب للاستفتاء خلال 30 يوماً من تاريخ الموافقة".

تصريحات "نصرالدين" أثارت جدلاً واسعاً بين المصريين، خصوصاً أنها تطابقت مع تصريحات تالية لرئيس مجلس النواب "علي عبدالعال" بـ"أن هناك مواد في الدستور تحتاج لإعادة نظر لأنها غير منطقية (....) الدستور الذي يتم وضعه في حالة عدم استقرار، يحتاج إلى إعادة نظر بعد استقرار الدولة".

معارضة تعديل الدستور وانتقاد تلك الدعوات، توّجت بتصريحات أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق "عمرو موسى"، بأن "مصر في حاجة إلى تعميق الاستقرار وليس إشاعة التوتر بتأكيد احترام الدستور لا التشكيك فيه".

الإعلاميون الذين لهم صلات قوية بأروقة السلطة العليا في مصر، انطلقوا للتبشير بتعديل الدستور بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عبر تصريحات لـ"عمادالدين أديب"، و"مصطفى الفقي" وغيرهما؛ فيما يشبه حملة إعلامية ممنهجة تستهدف تمهيد الأرضية الشعبية لتعديل الدستور.

عريضة توقيع

وشهدت المؤسسات الحكومية المصرية، الفترة الماضية، ترويجا للتعديلات التي يرغب النظام في طرحها، حيث تم تداول عريضة من قبل حملة تسمى "الشعب يطالب" للمطالبة بتغيير الدستور للسماح لـ"السيسي" بالبقاء في الرئاسة لما بعد انتهاء فترته الرئاسية الثانية المقرر أن تنتهي في العام 2022.

وتستند العريضة إلى نموذج مجرب وتم اختباره في مصر يتمثل في إضفاء طابع الموافقة الشعبية على أهداف للسياسات الحكومية المصرية، فقد تم استخدام عريضة مماثلة لمطالبة "السيسي" بالترشح لفترة رئاسية ثانية تم توزيعها وترويجها قبل 7 أشهر من انتخابات الرئاسة الأخيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسي حملة "عشان نبنيها" أعلنوا بعد 6 شهور من تدشين حملتهم قبل انتخابات الرئاسة أنهم جمعوا 13 مليون توقيع لتأييد استمرار "السيسي" لفترة رئاسية ثانية كرئيس للبلاد، وعندما قام ممثلو صحيفة "الغارديان" البريطانية بزيارة مقر الحملة لم يجدوا سوي موظف واحد فقط يجلس في مكتب فارغ وبجواره كومة من العرائض التي لم يتم توقيعها بعد.

وتتعرض هذه الحملات لانتقادات عديدة تتعلق بضغوطات وإكراه يمارس ضد المصريين لإجبارهم على التوقيع.

تحفظ أمريكي

وبخلاف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، يبدو أن مؤسسات أمريكية مهمة في مقدمتها الخارجية والدفاع غير متحمسة لدعم خيار التمديد لـ"السيسي"، حيث كشفت مصادر دبلوماسية وسياسية مصرية عن تحذيرات أمريكية شديدة اللهجة، تلقاها النظام المصري، بشأن مساعي تعديل الدستور  بشكل يسمح لـ"السيسي" بالبقاء لفترة أطول في الحكم.

فقد كشفت مصادر أن مسؤولين مصريين بارزين أعادوا مؤخرا فتح نقاش مع مسؤولين أمريكيين، بعدد من مراكز صناعة القرار بالولايات المتحدة، حول تعديل الدستور المصري لتمديد فترة ولاية "السيسي"، بحيث يُسمَح له بالترشح مرة أخرى، أو زيادة الفترة الرئاسية.

وتنص المادة 140 من الدستور المصري على أن: "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة".

و"تبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمئة وعشرين يوماً على الأقل، ويجب أن تُعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوماً على الأقل، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة".

ويرى مراقبون أن إطاحة "السيسي" بوزير الدفاع "صدقي صبحي" في يونيو/حزيران الماضي، أثناء التشكيل الحكومي الجديد برئاسة رئيس الوزراء "مصطفى مدبولي"، كان في إطار الصراع المكتوم والضغط المتبادل بشأن تعديل الدستور.

ويبدو أن ما يتم الترويج له عبر برلمانيين وشخصيات سياسية محسوبة على النظام وحملات لجمع تواقيع تقودها أجهزة بالدولة لتعديل الدستور، ليس هدفه مخاطبة الشارع المصري، بقدر ما يهدف في الأساس إلى انتزاع موافقة أمريكية، من خلال إظهار تقبُّل الشارع لتلك الخطوة، كونها تأتي بضغط شعبي.

اجمالي القراءات 2006
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق