ما الذي كان يأكله أهل الأندلس؟ تراث الطبخ الأندلسي الذي صنع موائد أوروبا

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٧ - يوليو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


ما الذي كان يأكله أهل الأندلس؟ تراث الطبخ الأندلسي الذي صنع موائد أوروبا

تساعدنا معرفة ألوان الطعام وطرق الطبخ في الإلمام بجانب كبير من حياة المجتمع، وعلى ندرة ما توفّر من نصوص في هذا المجال عن المجتمع الأندلسي؛ إلا أن ما وصل لنا عنها يشير إلى أن تراث الطهي في الأندلس كان غنيًا، وقد تفنّن الأندلسيون في طهي المأكولات خاصة، كما توفّر لهم تنوع كبير في المحاصيل.

وأضاف زرياب كثيرًا إلى المطبخ الأندلسي، وعلّم الأندلسيين فن تقديم الطعام وطرق الطهي البغدادية، فصنعوا أشهى الأكلات، التي انتقلت من الأندلس إلى أنحاء أوروبا مع ما انتقل من أوجه الحضارة التي كان الشرق ينعم بها أيام الخلافة العباسية، وبقي الكثير منها إلى اليوم، فكيف كانت طرق الطهي في الأندلس، وكيف تغيرت على مر العصور؟

محاصيل متنوعة

حين عبر المسلمون الأوائل مضيق جبل طارق، كان طعام السكّان هناك لا يتعدى كثيرًا بعض الخبز واللحم، لكن القادمين الجدد وجدوا في الريف الأندلسي مكانًا خصبًا، فنقلوا إليه العديد من المحاصيل، وأدخلوا تقنيات زراعية جديدة، وشقّت القنوات طريقها وسط الأراضي، فتحوّلت إلى حقول وبساتين غنية.

وهكذا عرف الأندلسيون الأرز وقصب السكّر، وأشجار جوز الهند والزعفران، والباذنجان والخرشوف والسبانخ. ومن آسيا الصغرى عرفوا البطيخ، كما عرفوا أشجار الفاكهة التي ستملأ كل بيت أندلسي بعد ذلك؛ الرمان والبرتقال والليمون، وهكذا دخلت الفاكهة إلى طعام الناس، وهي التي لم تكن موجودة من قبل.

كما طوّر المسلمون في زراعة بعض المحاصيل التي عرفتها الجزيرة قبل وصولهم، مثل الزيتون الذي بقي اسمه في الإسبانية من مصدره العربي (aceituna)، وبعض المحاصيل الأخرى مثل: المشمش (albaricoque)، والجزر (safunnárya)، واللوبِيَا (alubia)، والباذنجان (berenjen)، والبرتقال (naranja)، والليمون (limón).

مائدة متواضعة

من القمح والشعير والحبوب الأخرى، صنع الأندلسيون الخبز والمعكرونة والشعيرية والكسكس والعصيدة، وكانوا يصنعون أنواعًا مختلفة من الحساء من الأرز والفاصوليا والبازلاء، وكان الثريد المصنوع من الخبز والحساء ولحم الضأن من الأكلات الأساسية، كما كانت الهريسة الحارة تباع جاهزة في السوق، وهي حساء يُصنع من القمح ومرق اللحم، وكان السمك طعام الطبقات الأكثر تواضعًا؛ وكانوا يتناولونه مملّحًا أو مقليًا، وهم أول من ابتدع صنعه على هذا النحو.

كان زيت الزيتون والدهون المستخرجة من ذيول الحملان هي التي تستخدم في الطبخ، وكان اللحم هو الأعلى سعرًا والأكثر دلالة على المكانة الاجتماعية العالية، فكانوا يتناولونه مشويًا أو مطبوخًا في الثريد، كما كانوا يأكلون لحوم الماعز والأغنام والبقر، وكذلك الأرانب والدواجن، وكانت الأسماك –الموجودة بوفرة على السواحل– طعام الفقراء.

أما الحلويات فكانت عشق الأندلسيين، مقلية أو مخبوزة، ورغم توفر قصب السكر إلا أن سعر السكر كان مرتفعًا، لذلك كانت الحلويات تُسقى بالعسل، وهكذا كان طعام غالبية الناس في الأندلس.

اختلف الطعام بين سكّان القرى وسكان المدن، إذ تُضاف بعض المكونات إلى الأطباق، فالثريد المطبوخ يتكون من خبز مفتت في مرق مع قطع اللحم، كان يُضاف إليه الحليب والزبدة والجبن في ريف قرطبة مثلًا.

 

كان تناول الطعام مخللًا إحدى الطرق الشائعة– مصدر الصورة: ويكيبيديا

أضاف العرب لدى وصولهم العديد من الأصناف، إذ كانت الأصناف في شبه الجزيرة محدودة، ولم تكن كل المحاصيل الزراعية تدخل في الطعام.

استخدم العرب المكونات المختلفة، وصنعوا طبق السلطة مثلًاـ، وكان غالبًا يتكون من الخس بالأساس، وتُضاف إليه أنواع أخرى من الأعشاب والزيتون والزيت، وأضافوا المخلل الذي كان إحدى الطرق المهمة لحفظ الخضروات، وكان الطبق الأشهر هو كرات اللحم.

 

دخلت التوابل إلى الطعام مع دخول العرب ثم انتقلت إلى أنحاء أوروبا– مصدر الصورة: gastroandalusi.com

كما قدِمت التوابل مع قدوم العرب مثل القرفة والزعفران والسمسم، والزنجبيل واليانسون وجوزة الطيب، وهي لم تضِف فقط مذاقًا رائعًا للأطباق، ولكنها أغنت التجارة في ذلك العصر الذي كانت التوابل تعرف فيه بثمنها المرتفع، بسبب ندرتها في أوروبا تحديدًا، حتى أن ثمن الفلفل الأسود كان يقارب ثمن الذهب.

كما أدخلوا تجفيف الثمار مثل التين والخوخ والمشمش والعنب. واستخدمت الفواكه في العديد من الوصفات التي لا تزال موجودة في الثقافة الإسبانية إلى اليوم، ودخلت في صنع الشربات والعصائر.

كان القمح هو المكون الأساسي في المطبخ الأندلسي، أما الأرز فكان استهلاكه محدودًا، لكن الأرز المطبوخ بالحليب والسكر والزبد كان إحدى الحلويات الأساسية في الأندلس.

أصناف ثريّة من بغداد إلى الأندلس

قد أكلت حتى سمنت وأريد أن آكل حتى أموت. *ابن دهقانة

في عام 822هـ، وطأت أقدام الشاب أبي الحسن علي بن نافع قرطبة لأول مرة منفيًا من بغداد، وبعد قليل ستعرفه شبه الجزيرة الإيبيرية بأسرها باسم زرياب. كان الشاب قادمًا من بغداد في وقت بلغ فيه فن الطبخ أوجه في أيام العباسيين، ليس فقط في قصور الخلافة، فقد أقبل الناس في الأسواق والدور والبيوت على أطايب الطعام، وكان الخلفاء يجزِلون العطاء لمن يصنع أجود الطعام، وكثّر المترفون وظهر الأكلة الشرهون، مثل ابن دهقانة الذي قال: «قد أكلت حتى سمنت وأريد أن آكل حتى أموت».

كان الخلفاء العباسيون يحرصون على حضور الطبيب، ليطّلع على أنواع الأطعمة قبل أن يتناولوها، فيعرفون فوائدها وأضرارها ويمتنعون عن تناول بعضها أحيانًا حين تقتضي الضرورة.

 

نقل زرياب أصناف الطعام من قصور بغداد إلى قصور الأندلس ودورها– مصدر الصورة: comidasmagazine.com

نقل زرياب ذلك كله، فأحدث ثورة في العادات وطرق الحياة في الأندلس، مثلما أحدث ثورة في الموسيقى والشعر في قرطبة انتقلت إلى المدن الأندلسية الأخرى. نقل زرياب العادات الفارسية والعربية، وقد رأى في الأندلس بلدًا غنيًا بالبساتين وأنواع المحاصيل، فيما لم يكن طعام الناس على القدر ذاته من الثراء.

وفي عهد الخلافة الأموية في الأندلس، دخل زرياب قصر الخلافة، ونقل أجمل ما في بغداد إلى قرطبة، ومنها إلى الأندلس كلها، ومثلما أخذ ينقل إلى المجتمع الأندلسي فنون الموسيقى والغناء بالأساس، نقل أوجه الحياة الحضارية، ومثّل بذلك أحد أهم عوامل التواصل بين المشرق الإسلامي والمغرب.

 

الأرز بالحليب لا يزال طبقًا شهيرًا في إسبانيا– مصدر الصورة: verema.com

ونقل زرياب أصنافًا كانت تُقدم في أعراس الأمراء وليالي قصور بغداد، وأضاف الكثير من الأفكار إلى مأدبة القصر، فجلب الثلج من قمم الجبال لتبرّد الشراب، وأصبح في القصر جيش من الطهاة يصنعون أشهى الأصناف.

كان الهليون أبرز ما أضافه زرياب إلى الطعام القرطبي، والذي بقى حتى اليوم يميز المطبخ الإسباني، وبعد وصوله تعلّمت ربّات البيوت في قرطبة استخدام اللوز والفستق والصنوبر في الطعام، وإضافة ماء الورد وزهر البرتقال.

علّم زرياب الأندلسيين أناقة الملبس وتنويعه بين أوقات اليوم وبين الفصول الأربعة، بحيث تُرتدى الثياب الخفيفة الملونة في الربيع، والملابس البيضاء في الصيف، والمعاطف وقبعات الفرو في الشتاء، كما نقل أحسن الأقمشة وأزهى الألوان من بيوت الخلفاء إلى بيوت النبلاء، ومنه ومن أهل بيته تعلّم الأندلسيون قصّات وتسريحات شعر أنيقة لكلا الجنسين لم يكونوا يعرفونها، أنيقة وتضفي على الوجه جمالًا.

ويُقال إنه ارتقى بالذوق العام في الأندلس، ولفت الأنظار إلى طريقته في الكلام والجلوس إلى المائدة، فكان يأكل بتأنٍّ ويمضغ ويتحدث بأناقة، وكان يضع على مائدته الكثير من المناديل، واحد لليدين وغيره للشفتين، ومناديل أخرى للجبهة والعنق، ولفت أنظار النساء إلى أن تكون مناديلهن مختلفة الأحجام والألوان، ومعطرة أيضًا.

عادات الطعام وأدوات المائدة

كان المطبخ الشعبي مزيجًا من الأكلات الرومانية والقوطية والسورية والبربرية، ولم يتبع الناس ترتيبًا في تناول الأطباق، ولا حتى في قصور الحكام، فنقل لهم زرياب تقديم الأطباق بالترتيب بدءًا بالحساء أو المقبّلات، ثم الطبق الرئيسي من اللحم أو السمك أو الطيور، وأخيرًا الفاكهة والمكسرات والمشروبات.

وفي تقديم الطعام أدخل زرياب أفكارًا مثل الشرب في أكواب زجاجية شفافة، واستخدام مفارش المائدة، واستخدام السكاكين والشوك والملاعق، وحسن ترتيب الطعام على المائدة. انتقلت هذه العادات إلى أوروبا، وبقيت حتى العصر الحالي دون أن يعرف الكثيرون أصلها، كما احتفظ المطبخ الأوروبي بأكلات كثيرة يعود أصلها إلى الأندلس.

وصل إلينا فقط كتابان في هذا المجال يتناولان موضوع الطبخ في الغرب الإسلامي في القرن السابع الهجري (الثالث عشر للميلاد)، الأول هو: «فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان» لابن رزين التجيبي، والثاني لكاتب مجهول عنوانه «كتاب الطبيخ في المغرب والأندلس في عصر الموحدين»، ويُرجح أن كاتبه كان أحد الطهاة في قصر الخلافة، نظرًا إلى معرفته بمئات الأصناف، وقد كتب بلغة بسيطة لم تخل من الأخطاء، وعمل العديد من الباحثين على تحقيقه، ويتبين في الكتابين تأثر المطبخ المغربي والأندلسي بالمطبخ الشرقي آنذاك.

وبقي من تراث الطبخ في الأندلس عدة أطباق أضيفت إلى المطبخ الإسباني نكهته المميزة التي لا يزال يتفوق بها في أوروبا، ويعتبر أفضل النظم الغذائية، إذ يجمع تراثًا من مختلف الحضارات التي مرت على شبه الجزيرة.

اجمالي القراءات 4200
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق